السلفية النقدية المقيتة:
إن البحور الشعرية العربية وكلنا نعرف، قد كانت نتيجة إبداع شعراء عرب متقدمين، و هي ليست وحيا أوحى الله به إليهم، وإن ذلك التكريس " المريب" الذي ألفيناه في التراث الشعري العربي القديم لبحور شعرية بعينها، ولشكل شعري " واحد"، قد كان جرّاء نَمطية و دوافع لا علاقة لها في الحقيقة بجوهر الإبداع الشعري الحقيقي، فقد كان التقليد الشعري الشكلي عند الشعراء القدامى، مِن إفرازات التدخل السياسي المُقحم " البلاط" و الذي لم يكن يهمه ولا يخدمه - على ما يبدو- التجديد في شيء، كما كان هذا التقليد المروج له، بل و الذي أُلزم به الشعراء إلزاماً، بسبب غياب نزعة الخلق على المستوى الشكلي عند الشعراء العرب، و قد يرجع هذا كله و في الأساس إلى أن الشعر العربي القديم قد كان قائما فنيا و " لأسباب غامضة" على قيمة الإيقاع فحسب، أي أن الشعر لم يكن في حقيقة الأمر سوى توليفات صوتية مبهرجة تُقيم البنية اللفظية لاغير، و هذا في نظري يعد عيبا شنيعا من عيوب الشعر العربي القديم.
و لأجل هذا أجدني أزعم بأن الذين وقفوا و يقفون ضد شعر التفعيلة، ويريدون إقصاء كل صفة تجديد يحاولها الشعراء، لا يفعلون ذلك إلا انطلاقا من نزعة إيديولوجية نقدية سلفية رجعية مقيتة، لا تربطها أية صلة بالوعي الفني والشعري والحضاري.
و على الجانب الآخر، ولكي أكون منصفا، ينبغي عليّ أن أقول إن الذين يدعون إلى إقصاء القصيدة العمودية، هم أيضا لا ينطلقون من رغبة نقدية فنية، و إنما من أسس إيديولوجية وضيعة - معادية لما هو " عربي - إسلامي " و هذا نقد مرفوض هو الآخر، ّإذ أنه يريد أن يصفي حسابات عرقية - دينية داخل النص الشعري.
عبد القادر مهداوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق