‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص. إظهار كافة الرسائل

السبت، 14 ديسمبر 2019

إلى صاحب العينين الخضراويين: نورا إسماعيل




كرستينا الى حبيبها ذو العينين الخضراويين الفاتنتين..
 أما بعد..
حبيبي، أعلم أن تجاهلك هذا عن قصد، وأنك منذ اللحظة الأولى كشفت حبي لك.. لكنّك لم تكشف مدى وعمق هذا الحب الذي يتجاوز قلبي، حتى أصبحت أشعر بالحاجة لقلوب أخرى تحمل عني شطراً من كم هذا الحب.. مع أني أرفض أن يشاركني فيك أحدٌ غيري..
أخبرني يا عزيزي.. هل تستطيع أن تحصي عدد نجمات السماء الساطعات الظاهرات أمام الغيم والمتواريات خلفه كل ليلة؟! أو هل تستطيع أن تجمع حبات الرمال من كل الصحاري والشواطئ وترهق العمر في احصاءها؟!
كذلك، أشعر أن حبي تجاهك يعادل كل ذلك.. يعادل المدارك والمدارات.. يعادل الأفق البعيد ويلامس النجوم، أشعر  بك في جوفي تتجاوز قلبي تتدفق مع دمي في كل نبضة يصدرها قلبي، تذهب وتعود، تتنقل في جوفي بكل حرية وانسياب، أشعر بعمق النبض أنك قد تملكت جزءً أو كلاً مني..
هل أخبرك كيف تبدو عيناك حين تبتسم؟ او أخبرك كم خطٍ يرتسم في وجهك وجبهتك العريضة حين تبتسم.. هل لاحظ أحد غيري كم شعرة بيضاء خرجت من رأسك حتى يكون شعرك بهذه الحلة من البهاء والرونق.. هل أخبرك أحدهم أن الأبيض يليق عليك جداً وأن الألوان كلها تختلف إذا ما ارتديت  لوناً عادياً يصير عليك براقاً وفيه روح وكأنه يغني.. هل تعلم أني أغار من الثياب عليك.. إذ تداعبك وتلمسك وأنا لا يحق لي الاقتراب.. هل كل من يسمع صوتك يشعر به أغنية من طربٍ أصيل تجعله يهيم بها ويعود لسماعها.. هل سمعت من قبل أن عيناك الخضراوين أجمل من غابات الأمازون التي لم أزرها يوماً.. كنتَ ذات مرةٍ متعب ولا تقوى على الكلام، شعرت بك كأن قلبك مثقل، ماذا ستفعل لو أخبرتك أن الثقل كله انتقل الى قلبي وشعرت بالضيق وعدم الارتياح يومها.. وقضيت الليل كله أدعو الله بأن يريحك ويكتب لك التوفيق في صباحك التالي..
هل هذا هو الحب! أم أن قلبي يختلق الشعور ويبالغ!! أياً كان هذا الذي يجعل قلبي يتسارع في نبضه ويصاعد الهواء من صدري بقوة وبصعوبة.. أياً كان.. وعلى أي حال.. لا أريده أن ينتهي.!
لطالما كانت أمنيتي أن تبصر كيف تبصرك عيناي... وأنّ يوسّع الله قلبي حتى تراني مثلما أراك!!!!

الخميس، 14 نوفمبر 2019

إلى امرأة من رماد الأغنيات: هاشم شلولة





إلى امرأة من رماد الأغنيات 

ربما تُحادِثُكَ امرأةٌ غريبة فوق نهرٍ بعيد
لتحمل في جيوبِكَ جوازَ سفرٍ ليمنحك
العبور إلى جهنم صامتًا؛ مُعتزلًا الماء
ربما تعرفُ الآن أنَّ الوقتَ سؤالٌ فقيد
حتى تؤخِّر الأجوبة، وتضعها كبطاقاتٍ
أمام أوجُه الغرباء؛ الذين ضلّوا الطريق

ربما تنامُ الأبديّةُ على كَتِفَيّكَ المُتعَبيّن
وتؤجِّل مخاضَ حُبٍّ سيأكلُ أفلاطونيتك
التي حاولّتَ جاهدًا تبديدَها في وجودك
كأنَّ أناقتك الروحيّة لم تخذُلُكَ مِرارًا
أمام الوديان العتيقةِ التي صارت أسطورةً
في قصيدةٍ ربما ترددها أمام فتاة الموسيقى

لم أستطع خلقَ إجابةٍ ولو عابرة لكل
هذا الجنون المختبِئ بين الأسطُر الباكية
أنا فتى أرجوانيّ؛ هزمني النسيانُ منذ البدء،
وقد حاولتُ مرارًا التلصص على شَعر
المرأةِ الذهبيّة من بين ثقوبِ بابِ الزمن
لكنَّ طارِئًا يُحوِّط ظِلَّها كما يفعل الحنين
استطتُ الإمساكَ بسنونوةٍ مُهاجِرةٍ ذات مرة
وهذا ما يبعث الأمل الملعون في دمي

أنا هكذا؛ طفلٌ يحلم باللعبة المسروقة
من يديّ التاريخ الذي أتعبه الذهول
ويحطُّ في كُلِّ حضنٍ قد يُهديه لوحة للحب
منذ قطرة الدم الأولى؛ كنتُ أعرف الخلاص
الذي يتمثل في انتحاري بسُمِّ أغنيةٍ صاخبة

هل ستتعبُ ملحمتنا الآن، ونبدأ بذرف الكنايات؟
إننا الآن في ليل العالم؛ نستمعُ للأغنياتِ الحزينة
ونعزف الصخبَ سويًّا دون جيتارٍ من مدريد
ودون أن نخبرَ المحطات
أنَّ الأمل قد أصابه الهُزال...
لكنَّ "كافكا" الصغير كان دائمًا مُؤجَّلًا
ويُحادثُ وردات الشارع عن قسوة الفَن
عن جُرحِ الانتظار _الخطيئة الكبرى_

لا أريد لهذا النزيف أن يكُفَّ عن الصدح
لستُ فاشيًّا؛ كُلُّ ما في الأمرِ؛
أنَّ المعنى يسكنُ هذا النزف
لستُ خائفًا؛ فهناك ما هو سوى المعرفة يُربِكُني
يؤرقُ غضاضة قلبي، ويصلبها...

سأحرقُ كل الأوراق الزرقاء،
وأحطِّمُ الجدار الذي خبَّتُ به
الوردة التي لا تذبُل.
لكنّي سأصنع من نجوم الطريق
حُبًّا على هيئة لوحةٍ كلاسيكية
ربما تعرفُ امرأةٌ غريبة ما أصرخُ لأجله
فلا تعبُر فوق النهر البعيد؛
لتظَلَّ أُمًّا لسُنبلات الروح
آه يا "پوناڨنتورا".
دَعّ لقلبي السائحات خفيفات الظل
واخبِر إلهكَ عن احتراقي لأجل
فكرةٍ خالدةٍ في قلبي النائح
انقذني من استئنافِ قواربهِنَّ نحو الشواطئ
أريدُ الغرقَ للأبدِ ومخاصمة الخلاص الذي
تحديتهُ طيلة عمري بالقصائد والأغنيات
أريدُ وردةً تعانق أنفي.
تعبتُ من استنشاق العالم والقلق...

الجمعة، 25 أكتوبر 2019

أحب الشتاء: نورا إسماعيل




أُحبُّ الشتاء وأنتظر قدومه بشغف وأشتاقُ لترنيمات الرّياح خلف النوافذ المغلقة.. وأهربُ بنفسي في تأمل كل قطرة مطر تبكيها سحابة حزينة على باب منزلنا.. وأشعرُ برعشةٍ لذيذة حين تسقط مَطرة صغيرة على غصن أحد أحواضِ الورود في شرفة منزلنا وكأنّها سقطت في قلبي ... ثم إنّي أحبُ الملابس الشتوية والقبعات والقفازات والأكوابِ الساخنة.. وأعشقُ الشمس في محاولاتها الصباحية للظهور من خلف ضبابٍ كثيف يحجبُ رؤيتها.. وأتشوق لملأ صدري بنسائم الهواءِ الصباحية الوادعة الباردة فأشعر بأنَّه لن يضيق بعدُ أبداً.. وأستمتع أفضل استمتاع أثناء تجوالي في شوارع مدينتي المبللة.. أسير فيها وحيداً كهائم، وأتأملُ العمارة القديمة والحديثة وأشعر بأنًّ كلّ زاوية عتيقة فيها تعرفني أكثر من نفسي، إذ تعاقبت عليها الشتائات وبقيت لأعوامٍ تحت مرمى المطر... وأكثر ما يعيدُ اليَّ صفوَ عقلي كأسُ قهوةٍ ساخن من عجوز الشارع المتنقل أحتسيه بنهم وتمهل في آنِ الوقت حتى أشعر أنّي أُحلقُ في فضاءِ الله وأكادُ أُلامس النجوم البعيدة المضيئة الدافئة..
لكنْ أتدري يا صديقي، رغم أنًّ الشتاء أفضل الفصول لدًّي ومن أكثر أشيائي حباً... إلا أنّه غير عادل، يصيبُ أرضنا بالبلل وقُلوبنا بالجفاف!!

الجمعة، 18 أكتوبر 2019

الثامن عشر من أكتوبر: نورا إسماعيل




الثامن عشر من أكتوبر، الساعة الأولى بعد منتصف الليل بدقائق، ولا شيء جديد..
ما زال يجهل كيف يتعامل الإنسان مع قلبه، أو كيف يُعامل قلبه..
كل شيء ساكن، الهدوء يملئ المكان ويقتله، وحدها عقارب ساعة الحائط التي تجري وصوتها الصاخب يزّن في رأسه -تيك تاك، تيك تاك-، السماء منطفئة وكل الكون من حوله تكدس بالسواء، إنه الليل يحلُّ سريعاً ويبقى طويلاً مخلفاً وراءه شيئاً منه يظهر على وجهه..
لاشيء سوى مصباح مكتبه الخافت المضيء بتواضع، والكثير من الأوراق المهملة المتروكة بعشوائية ودون اكتراث، والقليل من الكتب على الرّف مرتبة بطريقة عمودية تتيح للناظر معرفة محتواها دون لمسها، وثلاث أكواب فارغة من القهوة.. وهو!!
يُقلّب صفحات كتابه يحاول أن يقرأ، لا يستطيع أن يقرأ، يمسك قلمه يحاول أن يكتب، لا يستطيع أن يكتب!
منطفئ كالليل خلف نافذة غرفته، منكمش كأنه خرقة بالية تملئه الأفكار!
صغيراً جداً على عبء الحياة، صغيراً جداً على عبء قلبه، كلما أشاح بوجهه، رَّق قلبه، خفق ودفق وأورق، كلّما أحنى جذعه يلتوي قلبه ينكمش، يلتصق بجدار صدره يحاول الهرب يأسره قفص صدره.
 يجول الأرض هائماً على وجهه باحثاً عن وجهه.
ينشغل ويلهو، يجتهد كي يغفو، دون أمل. دون عمل.
كالغريق باحثاً عن جذع يستند اليه، يتشبث به. لا جذع لا أحد...
#نورة_اسماعيل

18 أكتوبر
1:30 am 

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

الحمارُ والوحشيّ: نور الحق الحلو



يُحكى أن حمارين تقابلا يوماً في أرض خصبة العشب والكلأ، وفيرة المشرب والمرتع.
كان الأول من الحمُر العصرية الراقية ، من ذوي الرفاه الاجتماعي والضمان الوظيفي، له حظيرة مرتّقة بالألواح الخشبية ومسمرة بقطع حديدية مهترئة، لا تكاد تخلو مخلاته من التبن والشعير وما تبقي من مخلفات البيوت، له عربة يجرها من الصباح حتي المساء بكل عزم وثبات، لها أربعة إطارات إحداهن مثقوبة منذ زمن، علّق له صاحبه بعضَ الدناديش المزركشة علي رأسه وبعضَ الأجراس المحفزة علي رقبته، ظانّاً أن لا أحد يبلغ مرتبة الشرف هذه مع كل الأوسمة والنياشين التي حظي بها جبينه ، فهو يرى نفسَه حمارا مدللا من أهل النبل والشرف، يستحق التقدير والترحيب من الجميع، لا سيما ذلك الضيف القابع أمامه .
أما الحمارُ الثاني فقد كان حمارٌ وحشي ٌمن النوع المخطط، ذات القوائم العالية والجسم العريض، والرأس المصقول، والعضلات المفتولة، لا يعرف التعب والنصب، مُلهب القوة والنشاط، فائق الفنن بالحركة والسباق، له قدرة علي العيش في البراري القفار منها والخصاب، يتكيف مع الجدب والقحط، له جلد علي شظف العيش وقسوة الحياة .
عزيز بالنفس ، فخور بالنوع، لديه انتماء للقطيع،   يري دونه من الحمير كأنها حشرات وبعض من بقّ وآفاتٍ لا قيمة لها - بطبيعة الحال - التعالي والتكبر ديدنهما، كل منهما يعتبر نفسَه من عليّة القوم.
بعد أن دار بينهما حديث لزجٌ مطوّل انتهى بشنّ الحضري هجوماً كلامياً لاذعا، حانقاً عليه، يؤجج النار في الهشيم، لكنه مع فرط الدلال والدلع المدني، جاءت نبرة صوته حانية متبتلة، مذلة، تحيط بها النعومة المرهفة، والحس الرقيق المسالم، متكئاً بقدم ونصف علي جذع شجرة قائلا له : لماذ طبعوا عليك اللون الأسود والأبيض ؟هل يخافون عليك من الضياع؟
حينها امتقع وجهُ المخطط وزمجر بصوت الوحش الضاري، وراح يحرك رأسَه بعنف شديد ، فانفجرت أبخرة
 أنفاسه العارمة مشتعلة، وكأنها الشرر المتطاير، وما انفكت حوافرها تقدح الصخر، تطحنها طحناً، كأن الوحشي كائن تحول إل تنين ثائر، فكّ من قيده للتو .
قال الوحشي:  أظنني سمعت شتيمة للتو لا تغتفر ، اختر لنفسك ميْتة تريحك من عناء الدنيا يا ابن الوضيعة.
ولما رأي الحمار الخطر قادماً لا محالة ، وشر الموت مسبل إزاره عليه، تملكه الخوف  والجزع، وراح يفكر بسرعة بديهة، لصنع حيلة للخلاص من الورطة ، وبطش الوحشيّ.
فقال للوحشيّ " لا عافاك الله " ليس هكذا تحسب الأمور، وما هكذا تدار الخطوب ، فأنا لم أذهب إلى ما ذهبت إليه من الفهم،
بل أنا معجب بك كل الإعجاب ، وإني لمغتبطك حظا وافراً من شأنك وشأن لونك الزاهي .
ولتقرّ عينك وليطمئن بالك ،دعني أوضح لك الأمر:
إنه في بلادنا الجميلة، وتقديراً لشأنك واعترافا بقوتك، وجلال قدرك، وبهاء ألوانك، وحدة فطنتك ومقياس ذكائك ..
قد وضعتْ ملوكُنا دستورا صارماً  نتعهده،  فقد رسمتْ سلطاتنا وسطّرت مثل ألوانكم على أرض شوارعنا خطوطا سوداء وأخرى بيضاء نعتوه ب زيبراzebra    وأجبرونا نحن معاشر الحمير أن تدوس أقدامنا خطوطكم الزاهية، علّها تثبت في الأرض فلا تضيع منا ، فتحل علينا بركاتكم ونصيبُ منكم مباعث القوة والانفة والجمال ..
حينها هدأ روْع الوحشي وعَرف حسن مقصده ومحاسن نيته ثم قدم له وجبة دسمة من حشائش السافانا.
وانصرف الحمار وجبينه يتصبب عرقاً وقلبه يطبّل جزعًا ، أحسّ بالبلل تحته ، ثم انطلق متمتماً :
لولا حسن الإقناع وفصاحة اللسانْ .. لكنتُ في خبر كانْ .

يأس : نورا إسماعيل


وتعود الى نفسك إلى كيانك تجد كل شيء فيك تحطم، وكل الوجوه عبست في وجهك، الوجود كله تغير عليك ولم يعد فيك أي نفس للاستمرار، تعلم أنك منهك وآلامك القلبية تكاد ترديك قتيلا، حتى أنك تعلم بجروح جسدك و صدماتك المتتالية بمن حولك، كل شيء سعيت لأجله لم يكن لأجلك، تعلم أن أصوات اليأس بداخلك تضرب جدران أوعيتك الدموية، كيف لك أن تفقد شهيتك وتخسر جمال جسدك بفقدانك ما تحمل من كتلة، كيف يحدث أن يصاب وجهك بالشحوب وتخسر جمال خلقك، أيعقل أن يتشوش عقلك وتتخبط في داخلك!!
أي بحر سحيق أردى بك هكذا! أي شيء يغير نظرتك للحياة للأمل للغد الأفضل! من يستطيع أن يفقدك حلاوة الأوقات! وكيف لنفسك أن تفقدك متعة صباحاتك وأيام عمرك؟!
أخبرني أي أمر جسيم  أفقدك توازنك؟ أفقدك نفسك وجسدك؟ أخبرني كيف تشظى قلبك؟ وكيف سمحت بأن تهزل وتتراجع؟ أنت لست نفسك..لست أنت، كنت مصدر النور والتوهج، كنت تحترق لتنير عتمة الكون، كنت في كل مرة فانوس علاء الدين لكل عقدة تجد حلا، في كل مرة كانت عيناك تعطيني جرعة الحياة الأبدية، وكل مرة كان بريقها يصل شراييني ويضيء عتمتها ويزيد حرارة الدم فيها ويزيد تدفقه، كانت ابتسامة ثغرك كالقمر تضيء عتمة الليل، أعلم أنك تحترق في روتينك اليومي وتمل من أيامك المتشابهة، وأعلم أنك رفضت استبدال الطريق لانك تؤمن أنك قادر، أعلم أيضا أن أحداثك الرتيبة تصيب قلبك بالضجر ، كل أشيائك متشابهة أنت تعلم ما سيصادفك في يومك ما يحصل كل يوم كل سنة، حتى الصدف المتتالية أنت تعبت منها هي نفسها تكرر ذاتها بنفس الوضعية ونفس الحدث حتى وإن تغير الزمن أو المكان أو الشخص..الصدفة ذاتها، أعلم أن إحساسك تغير تجاه الأشياء حتى أنك لم تعد تصلي بعمق، وأعلم أنك مصاب بشيء من فقدان الذاكرة وأصبحت تنسى الكثير من الأمور، وأفهم أنك منشغل باللاشيء وأحيانا تنشغل عن نومك!!
لكن تصدق أنني لا أصدق كيف هان عليك أن تنطفئ وأنا من اعتدت على توهجك!! 

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

إهداء إلى صديقتي آلاء: نورا إسماعيل


إهداء الى صديقتي آلاء.. 
تحدثني يا صديقي عن خيبات ظنك و نكسات قلبك المتتالية، عن صرخات فؤادك الصامت، و أصوات دماغك المنفعلة، أخبرتني عن آلامك المتتالية بأشخاص وضعتهم في بطين قلبك الأيسر جعلتهم يتدفقون في كل خلية في جسدك و يصلون الى أقصى أطرافك، ظننتَ أنهم من يعطي النقاء لدمك، وفي كل مرة يخذلوك فيها تعيدهم مع مجرى دمك الى بطينك الأيمن ثم الى الرئتين تنقيهم و تعيد نقائهم في داخلك وتعيد ضخهم وإعادتهم الى أذينك ثم الى بطينك الأيسر، ثم تعيد الكرة مرات عديدة تعاود ضخهم في نفسك وفي أرجاء جسدك، لا تريد فقدهم ولا تريد تلوثهم، لكنك تحب تلوثك بهم، تعيد تنقيتهم ويعيدوا تلوثهم، ألم تنُهك من فعل الشيء ذاته، مع الأشخاص ذاتهم، أم أنك أصبحت مدمناً للخذلان وأصبحت تراه شيئاً روتينياً و عادياً، أنتَ في الحقيقة لم تدمن على شيء أو على أحد أنتَ فقط ساذج وأحمق،  تحترق لأجلهم لأجل نقائهم وتفقد الكثير من طاقتك لأجل هذا، كفاك سخافة و أخرجهم من أوردتك وشرايينك أخرجهم من خلايا جسدك، لا تسمح لجسدك أن يعيش بتلوثهم وأخطائهم، لا تفقد خلاياك لأجلهم، لا تعد تستمع لنبضات قلبك وأقذف بهم خارج محيطك، دمك لا يستحق أن تعيد تلوثه بهم مرة أخرى!! 

الأربعاء، 17 يوليو 2019

قصة المصير المجهول: زيد الحق العقاد




زيد الحق العقاد - بوابة اليمامة الثقافية 
كانت تلك اللحظة أجمل لحظة في حياته بل أكثرها صدمة حين انهمرت من عينيه دموع الفرح، عندما حصد الترتيب الأول على مدارس منطقته في الثانوية العامة.
كانت الحياة تعني لعبد الله الكثير، لم تكن بالنسبة له مجرد أيام تتوالى ويحكمها روتين يومي ممل، بل تتعدى ذلك حيث كانت مفعمة حياته بالجد والمثابرة والعزيمة التي رافقته منذ نعومة أظافره، لكنها لم تكن سهلة فالظروف التي كان يواجهها في كل مرحلة يمر بها، يتجاوزها بكل ثقة وشغف بعد صراع يدوم طويلا بينه وبين ذاته التي تعشق المغامرة.
بعدما حقق القدر لعبد الله فرحته الأولى بحصاد معدل امتياز في الثانوية العامة، وتلك الفرحة بالنسبة له لا يضاهيها أي فرحة لاسيما حققها بعد تعب شاق وليال من السهر ومجاهدة نفسه، لحسن حظه تم قبوله بجدارة لدراسة الهندسة في إحدى جامعات اسبانيا، بعد مقابلات وتصفيات حازمة قامت بها الجهة المانحة وبفضل مثابرته تم اختياره مع ثلة من الطلاب من بين الآلاف ممن تقدموا لها، ليال وسيكون حلمه الذي رسمه في مخيلته على مشارف التحقيق، نام ليله للمرة الأخيرة على سريره الدافئ بينما هو سارحا في مستقبله الذي بدا له كالطفل الضاحك: الحمد لله, بعد ليال شاقة سأقوم بتخطيط حياتي..ربما ستواجهني تحديات لكن ذلك بديهي للوصول إلى مبتغاي، فمن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب، فجأة نهض من سريره محدقا بالحائط الذي كتب عليه تلك العبارة التي جعلته يعشق التحدي وكانت تسانده وتحقن في عروقه التفاؤل المتجدد عندما يواجه عائقا في حياته، أخذ أنفاسا عميقة ثم استلقى على سريره غارقا في أحلامه الدافئة التي تراودها أطياف من الأمل والسعادة، جاء الصباح وبدأ قلبه بالخفقان وهو ينظر إلى أمه التي ذرفت دموعها على رحيله بينما تقوم بتحضير الفطور له، اقترب منها ومسحت يده دموعها وقال لها: كل شئ سيكون على ما يرام بإذن الله ,سأرحل عن حنانك الدافئ ولكنني سأشعر به عندما تذكريني بين طيات دعواتك الحنونة، وقبل يدها وخرج باكيا قلبه على الرحيل لكن أيقن في نفسه إن تحقيق حلمه الذي طالما سعى لأجله سيواسي قلبه عن فراقها المؤلم ، وخرج من بيته تاركا ضحكاته البريئة وذكرياته الجميلة التي بكت على أطلالها جدران بيته الذي ترك عليه بصمة بفعل عباراته التحفيزية التي باتت تؤانسها، وقبل أن يركب السيارة ويذهب إلى المطار، قام بوضع كومة من التراب الذي يعبق برائحة أجداده في جيبه بعدما امتلأ صدره العميق بعبقه الذي كاد أن يشبه رائحة الياسمين بعد سقوط المطر على تلك الأزهار اليافعة، ظل يتأمل بشوارع بلاده للمرة الأخيرة وقلبه يعج بتلك التنهيدات التي تكللت بابتسامة أمل على شفتيه، وصل المطار ودقت ساعة الرحيل وكاد أن يصاب بالإغماء نتيجة التوتر الذي استوطن نفسه، لم يتفاجئ عندما جلس أكثر من ساعتين ليأتي دوره عند الموظف كي يختم على جواز سفره، لكن فجأة أصابته تلك الكلمات بصدمة قاسية، أنت مرفوض للسفر!! ، التنسيق الأمني لم يدرج اسمك ضمن كشوفات المسافرين، ماذا يفعل بعد طول انتظار الذي بدا له كصرح من الخيال فهوى، لماذا حصل ذلك؟ لأني فلسطيني!!أم خارج لأتعلم، لا أدر ما الجريمة التي ارتكبتها بحق العالم لأكون مضطهدا هكذا…أم لأنني أتحدى العالم من أجل حقوقي المسلوبة!!وبينما هو جالس وفي حيرة من أمره، سمع صوت يتكلم بغضب على هاتفه وكأنه يوبخ شخصا ما ، التفت ناظرا إليه ولحظات ثم أقبل عليه وصافحه وكان متلهفا لمعرفة أمره الذي جعله يصرخ هكذا… عبد الله من غزة ،أيمكنني مساعدتك إن أمكن؟؟ أبي الخيزران…ثم صمت فترة وجيزة ثم أكمل حديثه، أعمل على تهريب الناس عن طريق البحر، فانزلقت إلى رأسه تلك الفكرة، ولماذا لم أغامر بذلك؟؟مضت ثلاث ليال وهو يتخذ من المطار مأوى له ويعانق شتى أنواع الظلم والاضطهاد فضلا عن تلك الليال ذات البرد القارس التي قضاها على أرض المطار ، ذاق مرارة الحرمان والوجع التي لم يتخيلها يوم ما ، جميعا واجهته في تلك الليالي التي لم يرافقه فيها أحد سوى خياله الباكي ودموعه التي أصيبت بخيبة أمل، لم يدر ما الذي يموج في داخله، يرجع إلى حيث كان ويودع حلمه المسلوب الذي قضى ليال من الوجع لأجله ولأجل تلك اللحظة أم يرافق أمله المتجدد ويطاوع نفسه للمغامرة في عباب البحر الذي ربما يقوده إلى مصير مجهول، وبينما هو سارح في التفكير جاءه اتصال من الحكومة الاسبانية، مرحبا…عبد الله على الهاتف، أجل! أمامك فقط ثلاثة أيام وإلا ستفقد فرصتك في المنحة التي حلم بها الكثير، في هذه اللحظة لم يكن خياره سوى المغامرة التي ستلقيه إلى قدر مجهول، وكانت صدفة عندما التقى بأبي الخيزران للمرة الثانية حيث طلب منه مساعدته بالسفر عن طريق البحر وإلا سيفقد حلمه، وافق أبي الخيزران على مساعدته وبعد إتمام بعض الإجراءات اتفقا أن يلتقيا بالمطار الساعة الثامنة صباحا ليصافحا شبح الغربة  الذي آنس أحلامه في ليلته الأخيرة في المطار، جاء الصباح الذي عانقته موجات من الضباب البارد، وكعادته لم يسلم من التوتر والقلق الذي احتل جسده العاشق للمغامرة لم يكن يعلم أن تلك المغامرة لم تكن مثل مغامراته السابقة بل هي أشدها خطورة وربما ستكلفه الكثير، وجاء القارب الذي سيبحر به في فضاء البحر الواسع المتلاطمة أمواجه التي بدت في مخيلته كالطفل الحائر، مضى عباب البحر ودقات قلبه ترافقها رهبة من خيبة الأمل ، مضت رحلته الأولى إلى مصر حيث قضى ليلة واحدة في القاهرة كانت من أجمل الليالي التي عاشها على ضفاف النيل اللامعة مياهه وأضواء القوارب ذات الأشرعة الخجولة على شاطئه، تلك المدينة الساحرة سلبت التعب من جسده المنهك والنوم من عينتيه بعد نهار شاق في أحضان عباب البحر، بات تلك الليلة في فندق يدعى بالهيلتون حيث لقي الاحترام والتقدير من موظفيه التي جبرت خاطره المكسور من المعاناة التي واجهها بالمطار، بعد يوم شاق استلقى على سريره في الغرفة, فإذا الباب يطرق: عبد الله.. نعم…هذا شئ بسيط من إدارة الفندق لك،كانت مائدة عشاء صغيرة، لكن الرغبة في الاسترخاء والنوم ؟ بالنسبة له فاقت حدودها وكانت أقوى من جوعه، جاء الصباح ففتح عينيه على أنغام أصوات العصافير وخيوط أشعة الشمس الدافئة ارتسمت على جدران غرفته، وأمواج النيل تتهادى بين نسيم الهواء الدافئ، فتح ستائر غرفته وأخذ أنفاسا عميقة ثم استعد للرحيل لبدأ مغامرة جديدة، نزل للأسفل وقام الموظف بتوديعه وأصر ألا يأخذ منه أجرة الليلة، وانصرف لمقابلة أبي الخيزران الذي غدا من الفندق مبكرا كي يقوم بتجهيز قاربه لمغامرة جديدة، مضى وأبي الخيزران في القارب لكن جمال المدينة الفاتنة والطبيعة الخضراء من حوله أنسته بتلك المغامرة وكاد قلبه يتباكى على فراق مدينة الحياة التي تركت بصمة في مخيلته وكيانه، بدت الأجواء تضطرب وبدا موج البحر المتلاطم كالمصارع الذي يقاتل على الحلبة، وأخذ القارب بالتراقص مع تلك الأمواج الثائرة، لكن لحسن الحظ وصل القارب إلى الجزائر بسلام بعد موجة عاصفة كادت تغدر به، بعد تلك المجازفة التي عاشها على ضفاف القارب المتمايل استقرت في قلبه كأطياف من شبح مرعب رافق كيانه، لم يكن يريد بإكمال مغامرته لكن طموحه المتناثرة بداخله قتلت تلك الرهبة، ولكن لم يبقى أمامه سوى يومين، بل ربما يلزم الأمر أن يستقر هناك أكثر من ذلك الى حين تحسن الظروف المناخية وتكون الأوضاع الأمنية مستقرة حيث كانت الأوضاع هناك تنذر بثورة ضد الاستعمار الفرنسي ونظام الحكم الفاسد يقوم بها الجزائريون، ولكن الأزمة بدت تتفاقم وتزداد سوءا ، إضرابا عم البلاد وانتشرت الضرائب إلى جانب انعدام الأمن وازدياد الأوضاع المعيشية سوءا، لكن كل هذا كان هينا عليه أمام ذاك الخبر الصاعق الذي هز شعوره عندما تناقلت وكالات الأنباء الإخبارية باستشهاد رفيقه أبي الخيزران أثناء مشاركته بالثورة الجزائرية، تمالكت مشاعر الانكسار والوحدة ملامحه، لكن الأمر الذي شغل تفكيره هو تلك المغامرة الأخيرة بوصوله لأسبانيا ولكنه لم يملك سوى يوم غد وإلا سيفقد فرصته، انتهز فرصة هجرة الجزائريون بالقوارب عن طريق البحر للتخلص من الظلم والاستبداد الذي احتل بلادهم ، كانت فرصته الأخيرة التي لم يفكر بعدها بأي عواقب ممكنة الحدوث نتيجة تلك المجازفة، مضى مع المهاجرين إلى القوارب واختنقت تلك النسائم الدافئة بدخان لهيب الثورة وعانق الضباب تلك المدينة الضاحكة، كان مشهدا مهيبا يوحي بالرحيل وآلاف القوارب الضاجة بالمهاجرين تتدفق إلى البحر لكن لسوء الحظ قامت السلطات الفرنسية بضرب تلك القوارب بالمدافع والقذائف وغرقت تلك القوارب واندثرت تلك الأحلام والطموحات في عمق البحر الهادئ وماتت الثورة ولقي عبد الله حتفه وهو يصارع عباب البحر الهائج وترك أحلامه التي تكللت بخيبات الأمل تصافح طيور النورس، وقال كلماته الأخيرة وهو مبتسم : وداعا أحلامي البسيطة فوطني الدافئ عجز عن استيعابك والعالم تجاهلها فعذرا يا وطني فأنا فلسطيني فقير وبسيط وليس ابن مسئول ولا من ذوي المناصب الذين إليهم القرار يؤول.
تحليل القصة
_المصير المجهول/ سبب التسمية لأن الشخصية لم تكن تعلم بمصيرها المأساوي المؤلم.
_المحور العام/تتحدث عن معاناة الشاب الفلسطيني عند السفر واضطهاده الذي يظل يرافقه أينما كان ووقوعه ضحية الغربة والظلم واستبداد الحكومات.
*الشخصيات/
_عبد الله: تيمنا بشهيد الغربة ولقمة العيش عبد الله المصري …رحمه الله
_قمت بذكر شخصية أبي الخيزران وهي شخصية قمت باقتباسها من رواية غسان كنفاني”رجال في الشمس” حيث كان في الرواية يعمل على تهريب الفلسطينيين في خزان شاحنة نقل للمياه ولكن في النهاية نسي الشبان الثلاثة واختنقوا داخل الخزان وقام بدفنهم بإحدى الصحارى ولكن في قصتي لم أجعل شخصية عبد الله تموت أيضا بسبب لامبالاته وتهكمه بل جعلت نهاية أبي الخيزران بالثورة الجزائرية .
_قمت بذكر البيت الشعري”ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب”، لأنه كان له دور في تغيير نظرتي للحياة وأيضا هذا البيت كنت استمد منه التفاؤل والأمل عندما كنت في الثانوية العامة وهو من قصيدة للشاعر محمود سامي البارودي.
_قمت بذكر عبارة ” صرحا من خيال فهوى” رأيتها مناسبة ومعبرة لذلك الشعور الذي عاشه عبد الله عندما فقد أحلامه أمام كلمات الموظف الصاعقة حيث قمت بتشبيه الانتظار الذي عاشه ويرى فيه كل أحلامه كالصرح من خيال وهوى فجأة بفعل كلمات الموظف, وهي اقتباس من قصيدة الأطلال للشاعر إبراهيم ناجي.
_قمت بإبراز علاقة الفلسطيني من أرضه حيث قامت الشخصية بشم تراب وطنها للمرة الأخيرة دلالة على تشبث الفلسطيني بأرضه رغم رحيله عنها.
_قمت بذكر أن كانت معاملة الفلسطيني في مصر بكل احترام وتقدير له لإبراز العلاقات الودية رغم تكالب المتآمرين على عدم إتمام الوحدة العربية.
_قمت بذكر الجزائر والثورة التي قاموا بها ضد الاحتلال الفرنسي وحكمهم الفاسد تيمنا بثورة التحرير الجزائرية ولإبراز أن الجرح العربي واحد ووحدة الوطن العربي ولن يتم التخلص من الظلم إلا بالقوة والثورة.
_قمت أيضا كالعادة  بوصف مظاهر الطبيعة من الطبيعة الخضراء والنيل والنسيم الدافئ والشمس لإضفاء التفاؤل والايجابية في نفس القارئ على الرغم من السلبية التي تتحدث عنها القصة من معاناة الفلسطيني والظلم الذي يواجهه.
#تنويه// العبارات باللون الأزرق تشير إلى حوار الشخصيات مع بعضها.
وبحمد الله وتوفيقه انتهيت من كتابة واحدة الأعمال الأدبية التي تمثل قضية جوهرية وهي “الهجرة” وتمثل الواقع العربي المؤسف ومعاناة الفلسطيني واضطهاده الذي لقي من العالم الذي عجز عن استيعاب أحلامه البسيطة,وأتمنى أن تكون حازت على إعجابكم وأؤمل أن أكون قد وفقت في بلورة فكرتي بنجاح وايصال رسالتي .
#فضلا إذا أعجبتك قم بنشرها, وسأكون سعيدا إذا أبديت لي رأيك وانتقاداتك حولها هنا عبر الرابط  أدناه بموقع صارحني….

النسيان هو الكذبة الكبرى لإرضاء العاطفة: نصر أبو بيض



نصر أبو بيض - كاتب ومحرر في بوابة اليمامة الثقافية 

النسيان هو الكذبة الكبرى لإرضاء العاطفة .

هذه بداية النّص والفكرة....

عاطفيا نحن ننسى أو نتظاهر بالنسيان كي لا نتألم ونُرضي  قلوبنا
منطقيا لا أجد مكانا للنّسيان في حياتنا فنحن نقع تحت رهن الذكريات والظروف

فلسفيا:
هناك نظرة موسعة يمكن أن يطول الشرح فيها؛ فنحن فعليا لا ننسى؛ نحن نرتب أولوياتنا من جديد؛ فعقولنا تعمل ضمن نطاق عمل قوقل تماما " الأكثر بحثا يظهر في البداية" هذه عقولنا وهذه كيفية عملها؛ حينما نفترق عمّن نحب أو يموت أحد ما لنا أو نخسر صديقا فإننا نتألم كثيرا لدرجة أننا نتخيل الحياة قد أصبحت فارغة مرة واحدة؛ هنا سنعيش مراحل كثيرة؛ تبدأ بالإنكار وتنتهي بالتأقلم وما بينهما تكيّف وتغاضي وقبول للحالة النفسية التي أصبحنا عليها.

الإنكار أو مراحل الحزن أو بالأحرى أول طريقة نفسية للإعتراض عما يحدث.
ذهب الذي ذهب ولكن عقولنا تُنكر ذهابه ولا زالت تعيش طقوس حضوره وضحكته و عفوية لفظه للكلمات الجميلة؛ لا بأس بعيش هذه الحالة بشكل طبيعي لشهرين أو ثلاثة ولكن إن زادت فهنا سندخل في حالة " إضطراب ما بعد الصدمة " وسوف نحتاج لتدخل الدعم النفسي وتعديل السلوك.


ما أن تنتهي مرحلة الإنكار طبيعا فإننا نحتاج بأن نجد اهتماماتٍ جديدة كي يبدأ عقلنا الواعي بالتعامل يوميا مع اهتماماته الجديدة؛  وشيئا فشيئا يبدأ تخزينها على هيئة أولويات في اللاوعي ومن هنا تبدأ عملية الترتيب في الذاكرة فمن إعتدت على حضوره قد فلَّ وذهب وما عاد في اهتمامات يومك .

الأمر أشبه بالظهور يوميا أمام المرآة فكأنما تحفظ ملامحك وإذا ما غبت أنت عن نفسك ستجد أنك تقول" والله زمان ما شفت حالي بالمراية ناسي شكلي !!" هذه جملة نمطية يطلقها عقلك كي يذكّرك برؤية نفسك؛ وهنا لو استبدلنا الأمر بما نريد أن ننساه فلا يجب علينا أن نتذكره؛ علينا أن نغيّر المبدأ قليلا وأن لا نُركّز على ما نريده نسيانه أو _ إعادة ترتيبه في ذاكرتنا _ بل يجب علينا إهماله؛ ليس كل المُشكلات تُحلّ بالتّركيز عليها ووضع خطّة للتعامل معها؛ بعض المشكلات فقط يمكننا إهمالها وسوف نتخطّاها بسهولة؛ فإن في كثيرٍ من الأحيان أكثر شيءٍ نريد أن ننساه؛ نتذكرهُ ، وهذا ليس لصعوبته بل لتركيز قوانا العقليه في فعل ذلك .


الأمر ليس صعبا كل ما علينا فعله أن نضع في خاطرنا بأن هذا الشيء ليس من اهتمامنا وسنتخلص منه وأن نقوم بخلق اهتماماتٍ جديدة وكل شيء سيكون على ما يُرام.


النسيان حقيقة لا يمكن التغاضي عنه؛ لكنه وهم لا يمكن انكاره.

رسالة إلى الوحدة: محمد الحوراني


محمد الحوراني - الأردن 

‏"رسالة الى الوحدة"

رفيقتي الأزلية غير المحببة، عندما أمسكتُ بالقلم وبدأتُ التفكير بالكتابةِ لكِ لم أكُن أعلمُ ماذا أكتب أو من أين أبدأ حديثي .. لكنني متأكدٌ تماماً من ضرورة هذه الرسالة، فقد أُثقِلَ صدري بكلامٍ أجهل كيف ومتى ولِمن أبوح بحروفِه وقد امتلأتْ مُخيلتي بأفكارٍ شاحبةٍ جعلت من ظلام قلبي مُحكماً للحدِّ الذي يمنعني من رؤية ذكرياتي أو الشعور بوجودها حتى ....
لماذا أنا تحديداً من بين جميع البشر ؟ لماذا تتمسكين بالبقاءِ معي إلى هذا الحد ؟ لماذا تُصرّين على إبعادِ الحياةِ عنّي ؟ كثيرةٌ هي الأسئلة التي أودُّ لو تجيبيني عليها او على أحدها على الأقل، فأنا يا ذات الرّداء الخشن وصلتُ إلى الذّروة في الملل والقلق والإجهاد وكلِّ أنواع التعاسة،، أصبحتْ تُزعجني رسائلي التي لا وِجهةَ لها إلا عُنوانكِ ولا ردَّ عليها إلا صمتكِ ... يُؤذيني أنين قصائدي التي تمنعين خروجها من حجرتكِ الضيقة، فإمّا أن تقتليها أو تسمحين لها بالتّنفُّس خارج أسوار لياليكِ البالية ..
ألا تعلمين يا عجوز الشّؤم أن المبالغة في أيِّ شيءٍ يُفسدُه !؟
وفاؤُكِ الشديد لي يخنقني، قُربُكِ اللّصيقُ مني يُربكني، اهتمامك الحثيث هذا يُكبّلني .. يحبس أنفاسي .....
حتى وأنا أكتب لكِ هذهِ الرّسالة تجلسين معي، تُحدقين في وجهي، ابتعدي عني، أريد أن ابقى وحدي ...
أريد أن أبقى وحدي !!!؟؟؟ يا لسذاجة هذهِ الجملة وغبائها وسُخريتها ! كيف أطلب منكِ ما تقدميهِ لي دائماً بكرمٍ وسخاء حتى دون أَن أطلب !!؟
يُقال أن لكلِّ قصةٍ بداية ونهاية؛ إلا قصتي معكِ .. فلا أستطيع حصر بدايتها بتاريخٍ مُعيّن أو مرحلة محددة من عمري، فهي عتيقةٌ بعُمق...
أمّا النهاية فيبدو أنها بعيدة .. أبعدُ من أن أتخيلَ شكلها، ورُبما لن تأتي ..
تعبت ...
تعبتُ منكِ، بقائي الحتميُّ مُنفرداً يُشعرني بالبرد والخوف ... أشعرُ أنني أُصبتُ بالكهولة وأنا لا زِلتُ في عزِّ شبابي، عُزلتي هذه نخرت عظامي .. أضعفتني .. سلبت حرارة دمي .. صمتي الدائم خدَّرَ روحي وجلبَ لها الهشاشة والوهن .
أبغضُ هذا الفراغ الذي يعتريني، فقد أنساني جزءً كبيراً من تفاصيلي .. نسيت كيف أكون "انا" دون أن افكر .. أشتاق لِأَن أكون بكلِّ بساطةٍ "انا" .... أخاف أن أتعوَّدَ وأستأنسَ وجودكِ فتسكنين جوارحي حتى نهاية العمر، فأفقد ما تبقّى من تفاصيلي وتُدفنُ روحي في بحاركِ وأنسى تماماً ما كنتُ عليهِ قبلَكِ ..

في نهاية هذهِ الرّسالة التي تقرئينها قبل أن أرسلها .. وحتى قبل أن أكتبها ..
    أطلبُ منكِ راجياً أن تعيدي لي مهارة "السعادة" التي سلبتني إياها عُنوةً وأن تُقللي من حِدّة عبوسي لأن شكلي أصبح مُنفراً بعض الشيء ...


أُنهي رسالتي على أمل الوداع ...

الخميس، 4 يوليو 2019

أنا ابن من اسرجت قنديلها للريح


ناصر عطا الله - فلسطين

أنا ابن من اسرجت قنديلها للريح
وتركت حناء يدها اليمنى على منحدر القرى المدمرة
وفتحت عينيها لنهر يشرب من صرة الجبل العنيد
أنا ابنها يوم اشرقت شمسها لحولين بعد الرضاعة
وتركتني المأساة عنها لدراجة هوائية عجوز
وتجاعيد عميقة لا يراها مستشرق خبيث
عشت قربها بعيداً عنها
أنتظر إله الغد أن يأخذني إليها وللطريق
طريقها التي أكلت من حواف قدميها وشربت
كطائر يصّر على جرح السماء بمنقاره الغليظ
أنا ابنها للأسم والهوية و تاريخ الميلاد
والبكاء المصلوب في جرارها الخشنة
وكل ما أخذته منها حليب لا يروي تيس نحيف
يهرب من علائق المراسم البليدة
أنا ابنها لكل أحلامها والمواريث الجافة
وهي أمي التي ولدتني للمنفى والحصار

الأربعاء، 3 يوليو 2019

أذيب الليل بالحزن: حمزة الحلبي


حمزة الحلبي - فلسطين 

أذيبُ الليل بالحزن المسائيّ الثقيل
حصاني في فراشِ الموتِ أتعبه الصهيلْ
فمن ذا ينقذُ الألحانَ من بحر الطويلْ
لماذا نسأل الأوهامَ عن طعنات غربتنا ؟
لماذا وحدنا نشكو و لا أحدٌ يقاسمنا بخبزتنا ؟
لماذا ينطفي لون الدماء هنا ؟!
هل اعتادوا على دمنا ؟!
لماذا تُولدُ الأحزانُ من خصرِ المساءِ ؟!
و تثقبُ الأوجاعُ زورقَنا
أنا مَن يختفي شيئا فشيئًا
مثل نوتاتِ الكمانْ
و لا أدري لماذا إن تراهنّا
مع الأحزان نخسرُ في الرهانْ
أنا صوتٌ
يحاولُ أن يمزقَ كل أركان المكانْ
أنا الملقيُّ يا بارو
و لا أحدٌ سيلمسُني
لأخرجَ من حكايةِ ليلتي للّازمانْ
متى ينشقّ هذا الليلُ
حتى يخرجَ القمرُ المريضُ
و تستوي الألحانْ
متى و متى
متى يا شمعتي تنسينَ هذا الحزنَ
حتى تَعْلَقَ السيقانُ بالسيقانْ
سأكتبُ آخر الأشعارِ في لغتي
و أرمي ما تبقى فيّ من وجعٍ
و أكملُ رحلتي فوق الكمنجةِ
أكملُ الأحزانْ
تلاشتْ كلُّ فوضايَ التي عَزفتْ
تلاشتْ كلّ أضواءِ الشوارعِ
متُّ
حتى يُفقدَ الإنسانْ
أنا سأبعثر الأحلام فوق رصيف غدْ
و ألتقطُ الزمانَ
اليابس المرتدْ
ففيه أنا
على قيدِ الحياةِ
حياةِ قيدْ
و وحدي
كنتُ أنتظرُ السفينةَ
وسطَ هذا البحرِ
كنتُ أراقبُ الأضواءْ
يحن الماءُ للرمل الرماديّ
و للحصى للموج
للموالِ حن الماء
قديمًا كان للعشاقِ معنى
و كان يشدني حزني
ليأخذ جولةً معنا
تربّى فوق طاولتي
يضيّعنا بجَمْعتنا
و يجمعنا إذا ضِعنا
ينام معي ،
فأحضنه
أ لمْ يسهرْ و يُرضِعْنا ؟
زماني لوحةٌ نقشوا عليها صوتنا
و كأنّ نايًا ضائعا صلى
فأبدعنا
وجوه الحي قد ذابت
تقول لنفسها "جُعنا"
صغير بال خلف جدار مدرستي
و لم ينظر إلى أحدٍ
تُرى أيهمه هذا ؟
له أهلٌ يلفُّون الهوا وجعا
فماذا لو تغاضينا ؟ ....


باحثٌ عن الحقيقة في كومة أفكار: براء إبراهيم



باحثٌ عن الحقيقة في كومة أفكار

براء إبراهيم - بوابة اليمامة الثقافية 

‏وجدَ نفسه يبحث عن ملجأ مطمئِن، فبحث و بحث و كانت الصدفة سيدة الحدث، أحيانا الألم يُولد من منتصف الأمل و ينهار هو ، تألّمَ ليجد نفسه على ما هو عليه لم يتغير أيّ شيءٍ إلا أنه أصبح صامتًا أكثر؛ غير مبالٍ لشيء مما يحدث ، دوامة من الفوضى تجول برأسه فيجد نفسه مستلقياً على سريره يحتضن وسادته لعله يتذكّر فتاته البعيدة و حلمه البعيد ، يأسره الشوق في كل ليلة و يقول لنفسه ما لهذا القلب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا و اشتاق لها !
الغائبون يحملون معهم أجزاءًا منا ولربما يأخذون قلوبنا ويتركوننا على المحجّة السّوداء دونما هداية .

من هي لتأخذ هذا الكم من الحب و العشق من رجل صامت لا يتحدث إلا معها ، كسرتْ قوانينه و قواعده و أغرقته في منتصف الجمال و قالت له  هيتَ لك خذ قلبي و احمله على عنقك ستجدني دوماً محافظة عليه و لن أخذلك أبداً ، هما صادقان في كل شيء؛ حتّى في حبّهما ، فالصدق يخرج من بين ضلوعِ الفتوى ليرفضا هذا المجتمع و يعاندا الجميع  على أمل دحض الفتوى و إعلاء الحب !

الثلاثاء، 2 يوليو 2019

الحب الصامت: نورا إسماعيل



الحب الصامت

نورا اسماعيل - فلسطين 

رأيتُ حلماً يشبهك، جميلاً  كعينيكَ وصفحة وجهك، لم تكن زيارتك الأولى لأحلامي لكنّها المرة الأجمل، اذ رأيتك بعد اشتياق

كنتَ صامتاً كعادتك، جُل ما تفعله هو التحديق بي، تتأملني طويلاً دون أن تنبس ببنت شفة، وأنا أرد عليك بتأملٍ مماثل، بعينين لامعتين تكاد تنفجر من جمال ما ترى!

حيَّرتْني عيناكَ يا عزيزي، قالت عنك كل شيء وأنتَ تجاهد نفسك بالصمت، تتمنع الكلمات وأنا أراها تتسابق أمامك تُجاهي؛ عينانا من يفضح المستور خلف جدران قلوبنا؛ تلاقت  فتصالحت وتأملت ولمعت حتى اتفقت علينا كانت ترتب للقاءَ كل يوم بنفس الموعد والمكان والزمان لكن دون اتفاق منّا، كانت ترتب لنا المواعيد وتطلبنا ونحن دونما وعيٍ نُلبي لها رغبتها حتى علِقنا أو علقتُ أنا في حب عينيك!
استغرب نفسي كيف يقع المرء في حب شخص لمجرد أنه أحب عينيه، كيف يبدأ الحب بشرارة صغيرة كهذه؛ كيف يبدأ من مرآة تعكس العالم !!
في صمتك وجدت جوابي، لاحظت ابتسامك المستترة خلف صمتك الرهيب، وحفظت رسمة ثغرك وملامح وجهك وتسريحة شعرك الأسود الكثيف، ولون عينيك الفاتنتين ، حفظتك عن ظهر قلب؛  حفظتك في مرة واحدة كنتَ قريباً جداً؛  لم يكن بيننا سوى مسافة قدم واحدة أتذكر؟؛  أنا لا أنسى! كنا قريبين جداً، رغم كل الحشود لم أرى أحداً سواك؛ وددتُ لو تقابلني بكلمة أو بإبتسام،  وحدها عيناكَ من فعلت،
أُحبُ عينيكَ أكثر منك هل تصدق!

ناعمةٌ هي، تقابلني في كل مرة بعناق حاد، وعتابٍ حين البعد، وتشرح لي ما لا أستطيع تفسيره، وتحكي لي ما لا تستطيع بوحه، تحادثني، تعانقني، تربت على كتفي، تبتسم في وجهي وتداعب ملامحي؛  تفعل ما يعجز قلبك عن فعله .

الأعين نواطق يا عزيزي، هل شعرت بنبضاتِ خافقي الخائف؟ هل وصلك شيءٌ من زفير روحي يطلبك؟ أعتقدُ أنَّ شيئاً منك علِق بي واستقر في ربعٍ صغيرٍ في أيسر قلبي كلما ضُخ دمي انتشرتَ معه في جسدي حتى مرضتُ بك و وصلت أحلامي!

إذا ما كان صمتك أمرضني، ما أثر كلماتك؟ ما أثر صوتك في أُذني؟ اذا ما مررت ارتجف جسدي ما أثر يديك على جسدي!

اُعاني الغرق يا طوق النجاة، أُعاني المرض يا قرص الشفاء، وأُعاني الأرق من بُعدكَ يا دوائي!!
أخبرني في أي البلاد صارت عيناك كي ألقاك سرًا كما اعتدنا !

الأحد، 26 مايو 2019

بكائية الأجراس: هاشم شلولة






 


فلسطين - بوابة اليمامة الثقافية. 


أشربنا المكان دم الزمان حتى نفذ ، ولم يتبقى منه سوى سؤال مبتور الأجنحة يقضي بلماذائية تركه بلا دماء . على النهر الأخير الذي ظل يقرع شقفة الأرض بأجراس الماء ؛ الأرض التي كانت تحتوي رأس أبجديتنا الثقيل ، والذي عليه انتحبت قوارب الحدس الجافة التي ظلّت تُقاتل إعاقة القصيدة ، وتعيدها لسَوائها .. لما بعد النار التي تتقيأ ذنوبًا قد ارتكبناها قبل المجيء من ذلك المكان الذي نجهله .

قد ضلت بيارقنا وهتف الحوار هتافات الخلاص ، وظلَّ فينا ميلاد الأولياء . كانت كنائسنا زاويةً للهلاوس وانصهارنا في صمتٍ قد يطول وقد يرتدي معطفًا ثقيلًا أمام البداية ومفترقات الغيب المتآكل .

ضاعت صوامعنا بداخلنا الصغير واتساع مساحتها لتحليق نوارس المعنى في جوفها . تعود الرياح إلى رئة الخطوة الأولى .. إلى جوف الدهشة التي راحت فداءً وبهتًا لوقت الرفاق الذي ضاع في المقهى القديم ، فوق الغيم وخلف وداعات السفر .

نسيتنا القطارات كأننا غفر للمحطات ، لا نغادر ولا نُغادَر ولا تغادرنا رؤى الله البدائية . ستبكي الصديقات على قصائدٍ لم يقلها الشعراء لحبيباتهم اللواتي صرخن أمام الشمس التي قص غرتها غيابي في حضوري .

ألا يكفيك يا وهم الطريق ؟. ألا تكفيك المسافة وما ظل من حب في قلوب الجوعى ؟. يكبر الوهم ، ينمو وينسى نصيبه من نفسه حين يرنو من صرح أغنيتي اليتيمة .

قد كُسر مفتاح النبوءة ، وأسقطوا من قلبي قلبي ونرجسة مراهقة ، لم تضل الطريق لكنهم أعموا فيها شغف الجنون الشفيف الذي امتطى ظهرها الغض أمام ساحل الصبا الذي انتهت زمنيته الأخيرة .

تعانق سروة صغرى قصر قامة الدرب التائه في عمقي وما بين صحاري الألم الواسعة اتساع روحي التي لم يترأف بها فردوس .

عابرون على ظهر الحب منذ الأزل الضاربة جذوره في باطنٍ لم تنساه إلّا إلاهات الحزن الكبير .

السبت، 20 أبريل 2019

أما بعد: أحمد زكارنة




أحمد زكارنة - فلسطين.

أما بعد، أتعلمينَ سيدتي أني محتلٌ سعيدٌ باحتلاله؟! وأن قلبي له سليبٌ، كالأرض في عُمقِها الأعلى؟!
أتدرين لِمَ؟! وكيف باتَ الطائفُ في المدينةِ، كالمقيمِ الذي خلع ثوبَهُ وسأل كيف ألبَسه؟
الأمرُ بسيطٌ ومعقد، حيثُ عيني التي كلما رأتْ عينيكِ بدت الشمسُ كتاباً من كُتبِ الله، والعُشبُ قرآناً كلما قرأنَاهُ تعلمنا ما لم نكن نعلمُ، أن القولَ فيهما يُشبهُ الحياةْ، كلُ حاضرٍ للماضي مرآة، وكلُ فاعلٍ مميزٌ وغنيٌ عن كلِ منصوبٍ ومجرورٍ جربَ الحياةَ بطعمِ الممات. وأنكِ في المسافةِ الفاصلةِ ما بيني وبيني، أرضٌ أخرى كلما صفعها المطرُ أحبت الغموضَ وهي الواضحة.
الآن اعترفُ، الآن أعترف دونما استزادة، أولا تأخرَّ حبي لكِ قليلاً، ولكنهُ فاجأَني بأنهُ لم يُفاجئَني، حينما اكتشفتُ أنه الغائبُ المقيم.
وثانيا: كذبتُ إن لم أقل: إن الحبَ معكِ مغامرةٌ، والمغامرةُ بالقلوبِ فعلٌ مكروهٌ وحرام، ولكنَّ روحي المعلقةُ فيكِ، باتت كلاعبِ النردِ محترفاً يهوى المقامرة.
أما عاشراً: فيقولون إن السببَ الرئيسي في الموت، هو الخوفُ من أمرٍ قد يلي الموت، وأنا في حضرةِ روحكِ سأركبُ الريحَ والتحفُ الخوف.
سأفترشُ عينيكِ سجادةَ صلاةٍ لأبدِ الأبدين، وأُعلنُ أنكِ وأني، ظلانِ يُشبهانِ وجهَ اللهِ في قلبي لو يعلمونَ وتعلمين.

الأربعاء، 3 أبريل 2019

الأنثى السفاحة: نور الحلو




نور الحلو - فلسطين 

ضربت السماء سنا برقها ودوّي الرعد هزيمه مزلزلاً أركان الوادي السحيق واشتدت غزارة الأمطارعلي سفوح الجبال و الأشجار والنباتات الصغيرة مخلفةً أوديةً وسيول جارفة ، بل ساحةً من الفوضي العارمة التي تدمر حياة الكائنات الحية أحيانا وفي كثير من الأحيان تنتزع كائنات أخري حقها في المحافظة علي استمرار نسلها وتكاثرها في هذا العالم المتناقض .
لكن الليلة طقوسها مختلفة تماما ،،
إنها أنثي العنكبوت السوداء وها قد بدأ موسم التزاوج لديها فهي محتاجة لبناء بيت يليق بحفلها الصاخب والذي سيعجّ بالمدعوين فلقد منحها الله سبحانه وتعالي بمصنع أسفل بطنها يحتوي علي خمسة آلاف بكرة غزل في مليمتر واحد فأمامها مهمة صعبة و هي محتاجة لهذه القدرة الرهيبة لتشكل بلعابها مادة فولاذية قادرة علي حمل أوزان مضاعفة يوم الحفل من بعض الزوار المحتملين والمتطفلين أيضاً ..
فبعد المعاينة والتدقيق ودراسة حيثيات المكان وقع الإختيار علي شجرة التوت وبعض الاوراق المتفرعة منها ليكون مسرحاً لحفلها المرتقب فبدأت بنسج غزلها من باب المدخل عبر الفناء الفسيح ونصبت المزيد من أجراس الإنذار وقامت بتثبيت خيوط خاصة لتكتيف الفرائس إن لزم الأمر وانتهت بصنع مخدع لها من ورقة شجرة التوت وتخفّت بداخله عبر خيوط خاصة للتمويه وهي الان قد انتهت من العمل ولك أن تتخيل روعة الأداء والبناء الهندسي الجميل وباتت الأنثي مطمئنة ترقد لتراقب من بعيد ودقّت ساعة العمل ها قد لاح السنكوح من بعيد ، زائرٌ متطفل من فصيلتها يتدحرج بخطيً ثابتة وبحذر شديد يتقدم نحو الهدف وكانت نظراته ثاقبةً بشغف نحو الطّعم التي علقته الأنثي بالأعلي لتجذب بها ذكرها وتقنعه بالحضور ، فتقدم رويداً وعمِد إلي بلع خيوط الإنذار وقطع المجسات الواصلة مباشرة إلي وكرها و قطع عنها الشعور بأي إهتزاز ،وبحركة أقدام بطيئة وذكية إستحوذ علي قطعة اللحم المعلقة بدون إزعاج للأنثي النائمة ..
وقد ساعده في تأمين العملية الشمروخ و هو ذكر آخر كان عينا وحرساً له ليحذيره من أي خطر داهم ،
فقال الشمروخ للمعلم السنكوح :
يا معلمي كيف تخطيت كل هذه الأسلاك الشائكة والوسائل الدفاعية والتكتيكية والمتاهات العجيبة وأفلتّ من وكر السوداء بسلام وأمان .
فقال له المعلم السنكوح : بكل بساطة أنا لست زوجها
لم يفهم ما كان يقصد الشمروخ وخرجوا بالغنيمة فرحين فائزين ظافرين .
لم ترُق الفكرة للأنثي فاستشاطت غضباً وذهبت لتنسج إجرامها من جديد ، فلديها ألف حيلة وحيلة للإيقاع بفرائسها ،فقامت بتثبيت نسيجها علي أبواب الدخول والخروج ونصبت المزيد من الأجراس والإنذارات لتشعرها بالإهتزازات الدخيلة إذا ما حلّ ضيف جديد ، فهي بانتظار الزوج فالحفلة لم تبدأ بعد ..
وأخيرا ظهر العنكبوت الزوج العاشق .
خرجت السوداء تستقبله بترحاب حميم مستعرضة مفاتنها مقدمة له الرقصة المفضله عنده لتثير غريزته وشهوته ، عندها طار عقله وفقد تركيزه و تأهب الإثنان لإتمام عملية التزاوج وهمت به وهم بها ،وهي تنظر بعيون حادة الي لحمه الشهي ، لكن الذكر كان فطنا للمؤامرة وأي مؤامرة تلك، فبعد أن تمت عمليه التلقيح واستراح، قدم لها حشرة مغلفة بخيوط عنكبوتية حريرية كهدية للتغذي عليها بعدما فقدت كمية كبيرة من الطاقة المستهلكة ، نظرت السوداء إليه مستبشرة تخفي أنيابها الحادة خلف ابتسامتها وقالت: كم تعجبني رومنسيتك يا خرخوش !!
حينها أغمض عينية يتأمل أحسن كلامها ومشاعرها الرقيقة تجاهه وهو في غاية السعادة ، وفجأة صرخ بقوة بعدما فتح عينيه فوجد أنيابها مغروسة في صدره ، فلم يقدر علي الكلام من عمق جرحه فقالت له هل تريد أن ترشوني بحشرة مغلفة وتجعلها كبش الفداء أيها الماكر ، ألا تعلم أنني أنتظر وجبة دسمة منذ شهور وأن هذا الحفل أعددته بعناية لأتناول لحمك الشهي اللذيذ وضحكت وتعالت أصوات ضحكاتها ها ها ها
قال خرخوش بصوت متحشرج متقطع والدم يخرج من فمه
أيتها المخادعة الغادرة لن تفلتي من عقاب أولادي من بعدي
ثم صرخت بصوت عالي وما تمالكت نفسها من فرط الضحك
وقالت له أعدك يا خرخوش أن أعتني بالبيض وما أن يفقس أولادك أعدك ايضا أن آكل اولادك وأتغذي عليهم ها ها ها
لفظ خرخوش أنفاسه الأخيرة وقامت الأنثي بتقطيعه إربا وأكلته بكل شراهة فهي وجبة ستخزنها لتتفادي بها فصل الشتاء القارص .
وتبقي هذه حالة ملايين العناكب الواهنة الذين يقعون ضحايا سذاجتهم وقصر نظرهم والتي تنجح من خلالها الأنثي بإحكام قبضتها عليهم وقضمهم بل وقضم أولادها بعد الفقس مباشرة ، ولهذا يعيش العناكب في مجموعات إجرامية وعصابات همجية ضامرين الغدر والوقيعة بأبناء فصيلتهم وهذه قمة السفالة الإجتماعية والأسرية المنحطة .
وصدق الله العظيم حيث قال (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ). 

الجمعة، 29 مارس 2019

ربيع مرتجف: جهاد محمد خليفة



ربيع مرتجف
جهاد محمد خليفة

وتنتشر في أرجائه كأول شرارة برق سرت في هذا الفضاء الوحشي ، الملبد بأرواح الموتى وأمنيات العاشقين ، ولكنها هذه المرة لم تحدث شيئاً من هذا كله ، فلم تزد من كآبتي ولم تزج بالوجع في أحشائي كما تريد ، فقد أصبحت المسألة أسهل من هذا كله ، أيعقل أن يتقافز التعب إلى جسدك بعد أن أستوطن فيه وأنجب المزيد من الخيبات والكدمات على سطحه ، أو ربما أحيا مجتمعاً بأكمله في عروقك الزرقاء الباهته ، لتبكي كل حين وتمضي كما يبدأ الطفل الرضيع بأولى خطواته يتحسس الطريق ويتمايل معها ، تجبره الحياة على ذلك دون أكتراث كم مرة قد أوقعه نفس الطريق ونفس الخطوات البريئة ، هل جربت أن تشعر بنوباتٍ من الصداع المزعجة وعلى فترات متتالية وبطقوسٍ مختلفة ويألمك هذا ؟ على أي حال حينما تشعر بذلك فقد يتراود إلى ذهنك الكثير من الأسئلة اللا منطقية لتجيبها أيضا بلا منطق منك ولا قوة ، ثلاثون يوماً من الألم كانت تفصلك عن حقيقةٍ تائهة في خلايا جسدك المنهك ولا زلت تطلب المزيد من الوقت كي تكتشف هذا ولكن كان عليك تخمين ذلك من البداية فعدةُ خياراتٍ مطروحة أمامك الان ، أولها ربما تصاب بحالةٍ من فقدان البصر وفقدان الحس أيضاً بمكانة الاشياء ، وربما أيضا يكمن السر في ذلك تعب الدراسة التي لم تكن مؤثرة إطلاقاً في ذلك كذلك يمكنك اعتبار تلك المعضلة على أنها مجرد صداع زائف وينتهي ولا اعتقد ذلك مجدي بالنسبة لحالتك التعيسة ، أردت أن أقول أنه حينما تصاب بمرضٍ عُضال دون أكتراث فلا تبكي ولا تجهد نفسك في التفكير ولكن عليك تقبل إحدى الخيارات التي أسلفت الحديث عنها ولكن هنا سأضيف خياراً آخر فلربما هناك أحدٌ هاجمك وأسترسل في دماغك يجثو في خلاياه ويعيث فساداً متعب كما يفعل السرطان !


الأربعاء، 27 مارس 2019

على رقعة الشطرنج: رضوان بركة.





على رقعة الشطرنج 
رضوان بركة - فلسطين. 

ما كل هذا لو أنا

ما كل هذا قد حدث

لو لم أكن نثراً تناغم مع ترانيمٍ
تُغَنِّي لحن موسيقى
فحتى صرت شعراً
لم أكن غمداً تخلَّله حَديدٌ
فاستَويتُ وصرتُ سيفاً
لم أكن جلداً تَهتَكَ
واندَمَى أو صرتُ جرحاً
لم أكن عظماً تَحلَّل وارتَوى
 مِن جوفِها أو كنت دوداً
لم أكن زيتونةً سُحِقت
 فحتى صرت زيتاً
 كنت نزفاً من مجاز فراشةٍ
طارت ولفت حول مإذنةِ السَّماءِ
وحلقت حتى هوت
 في رُقعَةِ الشَّطَرَنجِ
حتى قِصَتي بَدَأت
وعِندَ الفَجرِ قد صارت سراباً أزرقاً
 وتناثرت أحجارُ لُعبَِة ذلِكَ المَشؤُومِ
حتى ساحةُ التَّفتِيتِ قد فتحت
ومن سوءِ الحُظُوظِ نسيتُ
نَفسِي قِبلَتي وَمِظَلَّتِي
ولأنَّنِي كُنتُ الوَزِيرَ بِلُعبَتي
فَرَكَضتُ خوفاً حينما صادفتُ جندياً
قَدِ اسْتَلقَى أَمَامِي نُصبَ عَينِي عِندَ
قَصرِ الْأَندَلُس
وصعقت من رعدٍ تَزَلزَلَ مِن أَعَالِي الْعِزِّ
بَعدَ المَشهَدِ المَعدُومِ قَد صلَّى عَليَّ الجَمعُ
كنتُ روايةً
وفُتاتَ حبرٍ قد تَجمَّعَ مِن يَدِي
كَي يُكتَبَ المَصلُوبُ
حيناً قد يكونُ بغير ذنبٍ قد صُلِب
لو أنَّ رُوحَ الكَونِ لم تنفُخ بِصَدرِهِ مَا كُتِب
لا وَقتَ يَمضِي مِن أَنَايَ لِغَيرِها
حتى ولا قدراً زجاجياً تكسَّر
 في ثنايا لوحةٍ رُسِمت لأجلي
قبل موت رسولِ
هذا المسجِدِ الموصى عَليهِ
بختمِ رَبِّ الآخرة
حتى وَصَلتُ وتم إحيائِي
بجنديٍ تَقدَّمَ عند
مِقصَلةِ العدوِّ الهاوية
فَسَمِعتُ صوتاً من بعيدٍ قال لي : يَا أيها النسرُ المحلِقُ
 في الفراغِ تَعال لي
وَخَرجتُ من بابٍ يُؤدِّي للوجودِ
لأنَّنِي كُنتُ العَدمْ
كُنتُ المُشُوَهَ بالقَلم
فَدَخلتُ بَيتاً فيهِ قد عَلَّقتُ
صُورَةَ قَلبِ ألوانِي الَّتِي رُسِمتْ
عَلى شُباكِ حارَتِنا الَّتي قَد كُنتُ
أَخشَاها لأنَّ المَاءَ حَرَّفها
إلى رملٍ تَناهَى وانفَطَر
وَحَبِيبَتِي رَحَلت
وَلَم تَبقَ لأنَّ الصَّمتَ أغرَقها
وماتت عِندَما سَمِعت
بأنَّ الرَّبَّ قَد نَادى عَليها
عِند إقلاعِ الجَرسْ
قالت: وداعاً يا عَزيزي ذاهِبةْ
من بعدها نُسِفت بصاروخٍ
تحرك عند دارِ المَسلَخةْ 
قد فرَّ جنديُّ الصَّدى

ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت

لَو لَم يَكُنْ بَينِي وبَينَكِ مَوعِدٌ
أو لو تفجَّر صُدْفَةً قَلْبَي
بِدُونِ لِقَاءِ شُطْآنِ الْجَوَى
فَلَرُبَّمَا كُنْتُ الأْسِيرَ
لِحِقْبَة الْأَيَّامِ تِلكَ الْجَاهِلة
وَتَشَتَّتَ الْحُّبُ الْألِيمُ مُبَعْثَرَاً
فِي صَرفِ أَقْرَانِ الفَرَاغِ
وَكُلُّ هَذا لو أنا لَو لَم أَمُتْ
قد قُرَّ هذا حينما
طاع الشُّعاعُ ظَلامَ هَذِي الأمكِنةْ
فأجابها :إِشتَقتُ للأكوَانِ تلك الفَانيةْ
هَمَسَت لهُ : لا تبتَعِد ،أَطفِئ جَمالَكَ واقتَرِب
كُن أَنتَ لا لا أنتَ غيرك مِن أحَد
وعلمت أني ربما
قد كنت أسقط في حديثٍ مع فتاةٍ هاوية
لو أنني صادفت أقلامِي الَّتي كُتبَتْ
على جسرينِ من عَسجَد
ولو أنَّ الجُيوشَ تَراجعَتْ
حتّى اخْتفت من شِدَّةِ الحَرِ الَّذي
قَد جَاءَ حِينَ رويتها تلك القصيدَةُ
لم تكن قد طوقت حبرَ الدَّفاتِرِ
عند أمِّي الجافية
بل كلمتْ وتشعبتْ حتى
بقتْ في داخِلي
فَرَجِعتِ لي
من نقطة الصِّفرِ الَّتي بَدَأتْ
ولي وَقَفتْ وقالت : خُذ بهذا الحظِّ
قد جِئنَاكَ بِالأورَاقِ حتّى تجتهِدْ
وتساقطت وكأنما
مطرٌ يبلِّلُ مهد هذا الطفل حتى قلت : هذا قد يكونُ أَنا ... نَجوتُ لأجلِ غيمٍ قد تجمَعَ وَانْحنَى
حيناً وحيناً لا أكون أنا لأني قد أكونُ ذهبت عدواً حينما
 نزلت عليَّ بصدرِ تلك المُعجِزةْ

ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت

فبدأت من مهدي
 أَقومُ أَقولُ :حتّى أنني قد عدت
 بالزَمَنِ اللَعينِ إلى الوراءِ
فهل سَأكتُبُ صفحةً ؟!
أو هل سأزرع زهرةً ؟!
أو هل سأنقِذُ جذر أشجارِي الَّتي حُرِقتْ ولم
تبك على أبنائِها (زِيتُونِها أو زَيتِها )
من وعد ذاك الحُرِّ في بَلَدِي
(بِسكِّينٍ أُمَزِّقُ كل أشيائِي التي كُتِبتْ)
و هذا ما يَجُول بخاطري
حتَّى أتَت بنتٌ تَفوقُ العَاشِرةْ
مَرت عَلَيَّ بِلحظَةٍ تُفنِي ثُقُوبَ الذَّاكِرةْ
- وَكأنَّها فرسٌ تمرُ على السياجِ
وكل هذا كانَ ذِكرَى قد تَلاشَت عِندها
أو قد تُذَكِّرُنِي بقطة حيِّنا
تلك التي كانت تُغازِلُ زوجها
خلفَ الأزِقَّةِ عِندَ بَابِ السَّاهِرةْ
- طَرَقَت لبابِ الذَّاكِرةْ
قالت : ومن اين الجميل ببلدتي
من أي بيتٍ ..عائِلة؟
وَهَدَأتُ حِينَ سَمِعتُ صوتَ الفَاتِنةْ
وَعَلِمتُ أن الوقتَ قَد كبَّر
وأن العقربَ الملعونَ قد دُمِّر
وأني قد أكون بكوكبٍ غير الكواكِبِ كلها
حيناً وذلك في غياهِبِ عينها
فَسَمِعتُ صوتَ (الرَّادِيُو) مِن جَيبِها
 فَيَقُولُ غَنَّى قَلبَها :
(* بِتحِبِّني وَلَّلْهَوَى عُمرُو مَ صَارْ
بتحبني وَلَنكَتَبْ عَلَى قلبِ نَارَكْ نارْ *)
فارتحت كُلِّي حينما طرقت ورنَّت بي
 بِقوقَعَتِي فلا هذِي الحُروُفُ تزيد مِن فَرَحي
 ولكن عادت البنتُ التي قد كنتُ أعشَقها
لمهد طفولةٍ كانت تئنُّ لأجلِ ما
قد جاء في صحفِ الكتابِ الأعمقِ
كانتْ لأجل يمامةٍ تبكي ومن
 قسوة الْحَياةِ السَّابِقةْ
ومَضيتُ مشياً للكَنِيسَةِ عندما
أُلبِستُ شالْاً من زهورِ سَحابتي
وسِوارَ من أوراق أعنابٍ تدلى
 عند شرفَةِ منزلي
فتهافتت أَصوَاتُ آلامٍ
ومن عند الزُّقاقِ رأيتُ أجناداً مِن الخَنزِيرِ
تَرمي من بَنادِقها رصَاصَاتٍ تمزِقُ دولَتِي
يا حسرَتِي
يا ويلَ لِي
لا أستَطِيعُ بإن أغير صفحةَ القَدَرِ الْعَظِيمِ
لأنَّني
ما قد أكونُ بساحرٍ
لا وَقتَ لي عِندَ القَدر
لا وقت لي
وأنا أحاكَمُ مِنهُ
يَكتُبُني ويَبدَؤُني يُمَهِّدُني يُقَبِّلُني يُربِّينِي يُقَلِّبُني يُداوِيني يُكبِّرُني ويُوقِدُني ويُشعِلُني ويَحرِقُني ويُغرِقُني ويُخرِجُني ويَسقِيني ويَسحَقُني فََيقتُلُني ويَبعَثُني يُعَوِّدُني يُسَلِّمني ويُبعِدُني يُقرِّبُني فَيعدِمُني ويوجِدُني يُنادِينِي وثمَّ إليَّ يُدخِلُني
أنا من ؟
من أنا ؟
هذا أنا لو قلت :هذا من أنا؟
شتَّان بيني
بين نفسي
 بين روحي
من أنا ؟
ماتَ الْمَلِكْ.


السبت، 9 فبراير 2019

وحدي في السماء المشتهى: الشاعر الفلسطيني معين شلبية













وحدي فِي المساءِ المُشْتَهَى / معين شلبية

فِي المطعمِ الشَّتويِّ
قُرْبَ الرَّصيفِ الأَخيرِ الَّذي قَدْ يُؤَدِّي ولا يُؤَدِّي إِلى قُلوعٍ أَوْ هُبوط
ضَجِرْتُ مِنْ ضَجَرِي وَمَا تبقَّى مِنْ خَريفِ هُوِيَّتِي
مُستوحِشاً ظَمِأً كاشتهاءَاتِ الغريبِ
أُمَسِّدُ فِيْ جَوْفِ اللَّيلِ مَداراتِي
رائِحةُ الرُّكنِ الحائِرِ
كرمادِ حريقٍ يتطايرُ حتَّى البَعْثِ
لَمْ يَبْقَ لِيْ إِلَّا مَمَاتُ الرُّوْحِ
تَسْبَحُ فِيْ حُشاشَتِهَا الأَخيرَةِ
تَشُقُّ مَجراها البَعيدَ
كلمحِ الآهِ فِيْ غَسَقِ الدُّروبِ
لَمْ يبقَ لِيْ إِلَّا نقوشُ الطِّينِ فِيْ جسدٍ
أَنارَ اللَّيلَ مِنْ هَلَعِ السَّكينةِ
أَطفأَ شهقةَ المِصباحِ فِيْ قلبي وأَطيافَ النُّعاسِ
لَمْلَمَنِي، وعِقْدُ الياسمينِ على فِراشِ الحُبِّ يَقْهَرُنِي
كأَنْ لمْ يُفَتِّتْهُ الأَنينُ عَلَى سطحِ المَرايا المُعْتِمَة
لمْ يَبْقَ لي إِلَّا سؤَالُ البَوْحِ أَلْمَحُهُ
عَلَى شِفَاهِ الفاتناتِ العابراتِ
كأَنَّهُ وَعْدٌ إِلهيٌّ يَضِجُّ خلفَ مَشارفِ النَّهداتِ
فَيْضٌ هُيُوْلِيٌّ يا ربَّةَ الرَّبَّاتِ، يا مليكَتِيَ الطَّريدةَ يا "أَفْرُوْدِيْتُ"
ها أَنا وحدي فوقَ المَقْعَدِ الخشبِيِّ مُرْتَبِكٌ ومُنْهَمِكٌ
أَنْثُرُكِ وحَسْرَةُ الأَوراقِ تَنْبُشُ ما كَتَبْتُ مِنَ النَّشيدِ
وحدي مِنْ ضواحِي اللَّيلِ تأْتي إِلى
قلبي المـُهَشَّمِ والمـُهَمَّشِ يا "أَبُوْلُو"
نَزْفَاً إِضافيَّاً فِيْ حوضِ هذا الحُزْنِ والدَّنَفِ الشَّديدِ.
ها هو "درويشُ" يُشْرِقُ مِنْ مَلَكَاتِهِ
يَمْنَحُنِي ما استطاعَ مِنْ الإِمارةِ والسَّفارةِ
وا إِلهي، وحدي أُراوغُ ما استطعتُ مِنَ التَّماهِي
وا إِلهي؛ هَيْتِ يَا امرأَةَ الأَساطيرِ الجديدةِ
يَنْشُبُ فِيْ دَواخِلِكِ الأُوَاْرُ
وحدي أُفتِّشُ عنكِ فِيْ مُدُنٍ أُسمِّيها خِساراتِي
وحدي وفِي "الأُوْرَاْلِ" وحدي
لا شيءَ لِيْ إِلَّا جِمَارُ الشِّعرِ فِيْ نهديكِ يا فاءُ الأُنوثَةِ
تُشْعِلُ جَذوةَ الإِيقاعِ فِيْ رُوحي كما أَنَّا نشاءُ
لا شيءَ لِيْ إِلَّا مخاضُ الوَحْيِ فِي الرُّؤْيا
نَزَقٌ مِنْ حليبِ اللَّوزِ تَغَمَّدَ زَهْرُهُ رَحْمَ السَّماءِ
وحدي عَلَى بَوَّابَةِ المنفَى أُطِلُّ
حيثُ ماءُ الشَّوقِ يَكْتُبُ سِيْرَةَ الصَّلصالِ
أُرْجُوانِيِّ الدَّلالةِ غائِمِ التَّكوينِ
وحدي كصَفْوَةِ عاشقٍ فِيْ حَضْرَةِ المـَعشوقِ
أُنازعُ ما استطعتُ مِنَ الحنينِ
وحدي لأُكملَ لوعةَ التَّذكارِ بالوَعْدِ
فَمَنْ أَنا وحدي؟
وحدي انتشيتُ؛ كأَنِّي رَغْمَ ما فِي الهَجْرِ مِنْ نَشْوٍ
وما فِي الصَّحْوِ مِنْ سُكْرٍ، تَعَمَّدَنِي البقاءُ عَلَى يديكِ
كأَنِّي الآنَ مِتُّ.

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...