‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص مختارة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 16 سبتمبر 2019

أيلول رجع يا فيروز: نورا إسماعيل



أيلول.. "رِجع أيلول" يا فيروز!
رَجع وعادت أوراقه اليابسات الصفراءُ الملقاةُ على أطراف الشوارع وتحت الشبابيك كما غنّيتي، ونسائمه العشوائية التي تسير على غير هُدى، وغيومه الرقيقة التي تنافس شمسَ السماء في الظهور، ها نحن هنا يا فيروزتي الجميلة.. ونقطع في هذا اليوم بالتحديد منتصفَ ايلولك التائه مثلي، أحاول فهمه من بداية أيامه اجتهدتُ في فهمه كما اجتهدت في فَهمي، لكنّي لم استطع.. العبثُ الفوضوي في هذا الأيلول يعبث بي، هو يتأرجح بين صيفٍ وشتاء، ونسيمٍ باردٍ يتلوه نسيمٍ دافئ يعيد حرارةَ الأجساد، وشمسٌ حارقةٌ في منتصف اليوم تضرب الرؤوس وتجعل الأرواح عطشى حتى تُغيّم السماء وينجلي قرص الشمس خلف الغيوم الرقيقة مثلكِ!
تارةً يشرق بصباحٍ باردٍ ممتعٍ ولذيذ وتارة يشرقُ باهتاً دون ملامح، متقلّب المزاج الشهر الذي يُبكيكي يا عزيزتي،  يحتضننا ويحنو علينا في ليالٍ، ويقابلنا في ليالٍ أخرى بالرفض والتخلي.. كم أنه قاسٍ ومزاجي يرقص على أوتار قلوبنا يجبرنا على التأقلم مع ظرف جوه، يبتسم فيسعدنا، فيباغتنا بالمحبة والهدوء فنكون مثله، سرعان ما ينعكس حاله ليعبس في وجوهنا ويملئنا بالسلبية والفوضى!
كأنه لا يعلم ما يريد، هل حقاً لا يعلم! أم أننا نجهل حقيقته، وجماله الكائن في تقلبه هذا، أخبريني يا فيروزة.. عن سبب وَلع من حولي بأيلول وانتظارهم الطويل له، أعلم أنه نقطة التحول لفصلي المفضل وبداية شعوري بالبرد، وبداية رجفة جسدي للنسيم البارد، يُجهزني للشتاء ولا لا أحب أن أتجهز بهذه الطريقة، أُحب أن يباغتني المطر، أن يفاجئني البرد وأشعرَ به يندس بين أطراف قميصي الى قلبي! أحبُ أن يلامس المَطر قلبي، ليرتوي قلبي!
حدثيني، أرجوكِ.. هل حبُ أيلول مرتبطٌ بالطبيعة البشرية المتقلبة؟ هل نشببه أم يشبهنا؟!
لا أخفيكِ أني أُحب نغمة كلمة أيلول ككلمة لا كشهر، أُُحب أسماء الفتيات الجميلات به، هل نغمته جميلة لأنك غنيتي له فوقع في قلبي رنين صوتك فاعتقدت أنها جمال الحروف بينما هي أوتارُ صوتك!!
هل أُحبُ أيلول؟ كما أحب صوتكِ المليء بالوجع فيه!!

#نورة_اسماعيل
15 أيلول 2019

الخميس، 13 يونيو 2019

قصة قصيرة بعنوان فقاعات صابون: الكاتبة المصرية فاتن عبد المنعم.



                


فقاعات صابون                                                                  فاتن فاروق عبد المنعم - مصر 

لحظات وئيدة ، تمرُّ وكأنني أحمل ثقلها على كاهلي ، أقف مذعنًا أمام الموت الذي اختطفها، تلك المتوجة على مملكة قلبي ، يلقنها الشيخ حُجتها ، لتجيب الملكين ، بلسان طلقٍ فصيح ،  ناكرا ونكيرَا ، بينما أجمع شتاتى المبعثر ، أشعر بها تربت على كتفي ، ثم تضمُّني  بذراعيها ، تقول في حنو بالغ : حبيب أمك ، ياقلب أمك  تواسيني لفقدها ، الذي ألهب ضلوعي .
 نعم  الموت هو الحقيقة المؤكدة ، التي ينبغي أن يوقنها جميع البشر ،  لكنَّ العيش في أتون التجربة ، يكون حارقًا إلى حد التفحم، مازلت غير مصدق ، أنني أضعها بيدىَّ هاتين  في القبر ، أسمح لهم أن يهيلوا عليها التراب ،  يغلقون عليها  المقبرة إلى الأبد، يتداعى كياني منهارًا ، تنهمر الدموع سيلًا متدافعًا ،  ، يناديني صوتها من عمق سحيق ، في مطلع صبايا  :
عايزة ابني يكون  رجلًا.
 أفيقُ ، أستجمع رباطة جأشي ، ها قد انتهت مراسم الدفن ، وانصرف النَّاسُ ،  بقيت بجانب قبرها ،  أقرأ سوراً بعينها ، من كتيِّبٍ طبعتُهُ ، صدقة على روحها ، كل واحدة من أخواتي الأربع ، أمسكت بنسخة منه ، كنَّ في سباقٍ معي ،  نمطرها بِبَركةِ تلك الآيات ، والأدعية ، مرت ساعتان أنهكنا التعب ،  هممنا بالإنصراف ، فسمعت  صوتًا يهزُّ كياني :
  ماتت التي كنا نكرمك من أجلها ، فاجتهد أنت بعملك.
 ما عادت تحملني قدماى ،  خارت قواى مرة أخرى ، تحاملت مستندًا على شقيقتي الوسطى ،  لأتَّخذَ  مكانا بينهن ،  اعترتني نوبة من البكاء والنَّشيج ، وكأنها شرارة البدء ، فقد استثارت أخواتي ،فعدن للبكاء .
الآن سنتركها وحيدة ونمضي دونها ، لنبدأ دورة من اللهاث في الدنيا من جديد
  يا للقدر ، لكأنَّه كان يهيِّئَني ، لأدفنها بيدىَّ ، عندما عدت من سفري إلى الخارج كانت في فترة نقاهة ، تتعاطى بعض الأدوية ، استفسرت  منها عما جرى لها ،  لقد كانت أعراضًا انتابتها ، فذهبت إلى المبرة الخيرية ، لتكشف بتذكرة مخفضةً ، قيمتها خمسة جنيهات ، مع قلقي الشديد ، وأسئلتي التي لا تتوقف ، أكدت لي أنها تعافت ، وصحتها عادت بالعلاج ، الذي وصفه لها الطبيب بالمبرة ، لم أحس براحة ،  وأنا الآن قيمة وقامة ، في البلد ،  وأمي تعالج في  المبرة الخيربة  ، ليس إلا مستشفى استثماري ، باهظ التكاليف جدا ، فالسعر قرين الجودة ، كنت أسير بجانبها مشدود الظهر ، مرفوع الهامة ،  فلا أقل من أن يقال : يعالج أمَّه بأرقى وأغلى مستشفيات مصر ، كان المبلغ المدفوع تحت الحساب كبيرًا جدًّا ، لا بأس  المهم أن تشعر أن سنوات الشقاء ، قد ولَّت ، والآن هذا وقت السعد والنعيم ،  لا بد أن تشعر بالراحة والاهتمام ، في نهاية عمرها ،  إنها أمي.
الخدمة بالمستشفى فندقية بامتياز ، مبهرة مطمئنة  ، يغلب عليها بريق النظافة والاهتمام البالغ ، والعلاج يسير بكل اهتمام ، لم تكن تضايقني ، بكلماتها وعبوس وجهها ، حين  تقول:   والله يا بني لا داعي لكل هذا ، فقد تعافيت والحمد لله . أقبل رأسها ويديها ، اطمئنها : المهم سلامتك يا أمي .
كنت وحيدها ، لثمانية أعوام ، قبل أن تنجب أخواتي البنا ت الأربعة ،توأم، توفي والدي وعمر أكبرهن ثلاث  سنوات.
  يزداد تبرم أمي ،  لبقائها بالمستشفى ، فأمازحها : لا تقلقي ، صدقيني معك حق ، ولكننا نريد أن نطمئن عليك فقط  .
 أيام قلائل وصارحني الطبيب ، أنه لا بديل عن العملية ، واستئصال الورم ، لم يكن أمامي إلا التسليم ، واغتنام هذه الفرصة الأخيرة ، لم تكد تمضي ساعات ، حتى ارتفعت حرارتها ، ولم تعد من بعدها لمعدلها الطبيعي ، ودخلت في غيبوبة ،  مؤشرٌ سيء ، هكذا صارحني الطبيب ،  وبمرور الوقت ، تدهورت حالتها ، رغم بقائها في العناية المركزة ، لاحظ الأطباء توتري الشديد ، وقلقي الزائد ، وإلحاحي عليهم ، كيف يحدث هذا ، قالوا :
 إنه كبر السن ، مع الضغط  ، والارتفاع القاتل للسكر في الدم .
كيف ، وأمي لم تشتكِ يومًا من الضغط أو السكر، قال الطبيب لا عليك ،  فنحن المصريين لا نفحص أنفسنا ، إلا بعد فوات الأوان .
أكاد لا أصدقه ، ربما يكون لكلامه بعض الصحة ،  فأمي بطبيعتها لا تذهب إلى طبيب ، أو تتعاطى أدوية  إلا للشديد القوي ، كما تقول دائمًا.
غابت عن الوعي تمامًا ، اللهم إلا فواقًا  لدقائق معدودات،  لتعود جسدًا نحيلًا ،  متصلًا بجسمها أكثر من جهاز ، لا أبالي بما تستنزفه المستشفى كل يوم من أموال ، المهم أن تتعافى.
ينتابني  وإخوتي همٌّ ثقيل ، أجمعن في لهفة شديدة ، على ضرورة نقلها لمستشفى آخر ،  ثم هدأت ثائرتهن ، وقد اقتنعن بأن هذه أرقى وأفضل المستشفيات في مصر .
لم يفارقنا الأمل في نجاتها من هذه الغيبوبة ، شهرًا ونصفَ الشهر ،  حتى خرجنا بجثتها، شُخِّصَت الوفاة بهبوط حاد بالدورة الدموية، إنها الصاعقة التي سقطت فوق رؤوسنا جميعًا .
تحرك الموكب الحزين ، إلى المقابر ، من غرفتها التي ظلت قابعة فيها ، منذ رحيل أبي ، منكبَّةً على ماكينة الخياطة ، تتحصل منها على القروش الزهيدة ، التي بها ربتنا .
 في نفس اليوم أعلنت وفاة السندريلا ، بقية موائد اللئام، صنيعة وإنتاج موافي غير الشريف ، كان خالي رحمه الله ، كلما رآه يصرخ : غيِّرُوا هذه القناة ، لا أطيق النظر إليه.
صنعة اللاشريف ( سعاد حسني ) ، تلك التي رافقتني في مطلع شبابي بالوهم والتخيل ، فتعوِّضني عن الرفيقة، كنت مدمنها كلها : شكلها ، تقاسيمها وصوتها ، وخفة روحها ، وقفشاتها وحركاتها ، وكل مايصدر منها ، نعم مثلها كثيرات ، ولكنها كانت الأثيرة ، ليس لدىَّ
فحسب ، وإنما لدى كثيرين ، أحدهم قالت له زوجته بغيظ : إنَّ نصفها صناعي ، قال : لو صنعوا مثلها دمية لاشتريتها بأعلى سعر .
وبينما النقاش محتدم حول وفاتها ، وترددت الأسباب والحيثيات ، التي تؤكد أنها قتلت ولم تنتحر ، جاءني طبيب شاب ، فصل لتوه من نفس المستشفى ، التي كانت بها أمي ، ليؤكد لي أنها ماتت نتيجة لخطأ الطبيب  وحدد بأدلة وتقريرٍ طبيٍّ محايد ، سلَّمهُ إلىَّ ، قلت سأقاضي هذه المستشفى ، قال :
حقك والأدلة معك ، ولكني لا أنصحك بذلك ، سيحتاج الأمر إلى تشريح الجثة ، ولن تستطيع مواجهة الحيتان، ملاك المستشفى فلديهم ما يستطيعون به شراء كل شيء، ، ثم لا داعي لنبش قبرها ، وما يعقبه من تداعيات نفسية عليكم .
لماذا إذاً أعطيتني الأدلة ؟
 قال : لأريح ضميري .
 جريت كالمجنون ، اقتحمت بسيارتي بوابة المستشفى ، وهرولت مقتحما مكتب  المدير ، أخذت أجره من رابطة عنقه وأنا أصيح : يا بهائم يا أولاد الكـ .. ، لا أذكر بعدها شيئًا ، ألا أن اثنين من الثيران البشرية ، بقامات لم أر مثلها في حياتي ، كل منهما ممسكٌ بساق وذراع ، وأنا في يديهما كالهرِّ المذعور ،  ثم ألقياني خارج أسوار المستشفى ، وبعد جهدٍ دفعا ألى بسيارتي  .
 شعور بالقهر لم أمر به في حياتي !  .
أمي كانت أقوى مني ، ومن أخواتي ، استطاعت اجتياز الصعاب بنا ، وهي التي وصلت بتعليمها إلى الابتدائية ، وبمعاش والدي الزهيد وماكينة خياطة ، عملت عليها ، ولم تأنف من إصلاح ورتق الملابس القديمة ، وتأييف التنانير ، وصنع الشراشف والمفارش.
عندما رسبت في الثانوية العامة ، بكت أمامي كما لم تبك من قبل ، وقالت بأسى : أنت كسرت ظهري ، ما فائدة وجودي في الدنيا إن رسب ابني؟!
 لم أحزن لرسوبي قدر حزني لألمها وحزنها ، الذي تسببت فيه ، وشعرت أمامها بالخيبة والضعة ، أمي التي لا تستريح ، من ماكينة الخياطة ، إلا لتستأنف أعمال البيت من تنظيف وطهي للطعام ، من يومها لم يعد أمامي من بديل إلا التفوق والنجاح .
كان أول ما قلته لزوجتي بعد العقد مباشرة :
 قنطرة المرور لقلبي هي أمي ، وهي على حق دائما طلباتها أوامر.
نظرت إلي متجهمة ، كانت تتوقع أن أسمعها كلمات الشوق والحب ، وأبدي سعادتي باقتراني بها ، بينما كنت جادا في إشارتي إلى أمي ، وهي التي كانت مهتمة حد التفاني في إسعادنا .

مازال النقاش محتدما حول وفاة السندريلا ، كنت في مطلع صبايا أحرص على رؤية أفلامها ، حتى بلغتُ مرحلة التحولات النفسية والجسدية ،  وصرت يصيبني مايصيب الرجال ،  فأصبح كالمحموم ،  الذي لا يبرد داخله ، حتى أختلي بنفسي لأعتصر مابين فخذىَّ ، وأتخفف من بعض أحمالي .
  ظلت تمثل لي رمز الأنوثة والجمال ، حتى بلغتُ الأربعين ، وتغيرت نظرتي لجملة الحياة وتفاصيلها ، واكتملت التجربة ، وعرفت أن الجميلة إن كانت من الفضليات عانت في مواجهة الذئاب بمفردها ، فهل في رأسي سيناريوهات افتراضية لحياة أمي جميلة الجميلات ، التي اجتهدت لتواري الجمال ، ولا بد أنها ارتفعت فوق كل الإغراءات ، لتبقى لنا فقط  ،يحجبها عن التفكير بنا سويعاتها القليلة ، التي تقتنصها ، لتريح مكونها الذي يئن ألمًا ، من كثرة الضغوط التي تطاردها ،  فأشفقت عليها واستشعرت جهادها الخفي ، الذي لم ولن يذكره أحد.
 أمسح دموعي التي بللت وجهي ، عندما يهل في مخيلتي وجهها ، عندما يكون طعام الغذاء سمك مقلي ، لعلمها بشغفي به فتتركه قائلة :
ماعاد لي ثقل عليه.
 حيلة منها لتتركه لي ، وفي المرات القليلة التي يكون فيها على المائدة اللحم أو الدجاج ، كانت تظل تلف وتدور حولنا حتى نأكل ونشبع ،ثم تأكل ما يتبقى منا، ماتت أمي ففقدنا ما لا يعوض بكنوز الدنيا.
مازال جملة من الكتاب والفنانين يناقشون قضية مقتل السندريلا  ، كما أنني مشغول بالكيفية التي تمكنني من مقاضاة  المستشفى ،  وإن كان البديل  البلطجة ، فإنني  لست على استعداد للمواجهة ، فجسمي كما كانت تصفه أمي ، سفيف، قصير ونحيل ، فماذا أفعل بهذا المكون الرقيق ، فلو أني ذهبت إلى مدير المستشفى وقفزت في الهواء كالوطواط ،  ثم سقطت فوقه بكل ثقلي ، ما أثرت فيه ، زيادة على  حراسه الشخصيين ،  الواحد منهم قد يحملني على ذراعه كطفل ولا يبالي.
الاستسلام يقتلني، كما يقتل محبي السندريلا  ، التي لاقت من يهتم بها وبقضيتها ، دبج بعض الكتاب المقالات ، وقرأت قصيدة  لشاعر كتبها لها ، ثم شيئا فشيئا فترالجميع ،  وانتهى النقاش .
قاتلها يعلم كما يعلم قاتل أمي ، أننا نسخن بسرعة ونبرد بسرعة.
ليس أمامي إلا اتباع نظام غذائي معين ، به يزداد وزني على عكس الأغلبية ويرافق هذا المداومة على تمرينات رياضية لتنتفخ عضلاتي فإذا قفزت في الهواء وسقطت على مدير المستشفى يصبح لي ثقل يؤلمه.
فشل خيار اللجوء إلى القانون ففي بلادنا القانون تزيحه راقصة بمؤخرتها وآخرون رزقوا سعة من المال يزيحونه بأموالهم ، كأنه كرة ، يركلونها بأقدامهم ، كيفما ووقتما شاءوا،  ولكن حتى نفخ العضلات ، ولى زمانه بعد أن غلب بياض شعري على سواده، لكل شيء وقته المناسب.
في غمرة استغراقي في داخلي المهزوم ، أطالع من الشرفة ، طفلة في السادسة من عمرها تمسك بلعبة فقاعات الصابون ، تخرجها متكتلة ، ويكفي أن تنفخ فيها بفمها الرقيق لتتفرق في فضائها المحدود حتى تتلاشى سريعا دون مجهود يذكر، تسعد هي بهزيمة فقاعات الصابون ، بينما أشقى أنا ومحبوا السندريلا بهزيمتنا.

قصة من مجموعة فقاعات صابون القصصية الصادرة مؤخرا. 

الجمعة، 8 مارس 2019

سيظل حب المرأة طريفاً - الشاعر عامر الطيب




سيظلّ حبّ المرأة طريفًا
حتّى وهو يدفعنا إلى الرّغبة في أنْ نكون ميّتين تمامًا
 و خائفين من أنْ نكون متنا فعلاً
فهناك في الأعلى
إله يجمع الحطب في السّماوات
ولا يتمرّض..
سيظلّ حب المرأة يدي الّتي أطرد بها
الدّقائق و الغبش و الرّذاذ عندما أخرج مبكرًا
من النّوم لأشتري وطنًا صغيرًا
للغرفة
أو لأعنّف أقرب أصدقائي ..
سيظلّ حبّ المرأة عظيمًا
مثل الخبز و الهواء و الدّم السريع
حتى بعد أنْ يصير الخبز و الهواء و الدّم السريع
خبزًا و هواءً و دمًا سريعًا فقط !

.

أقود نارًا إلى جبل عال لأراكِ
تدورين في الغرفة مثل اللقلق المكسور
تاركةً وراءك دخانًا طويلاً
و بكاء يؤذي القريحة
كأنّك تقولين للعالم :
هذه يدي ضعيفة
انزلقتْ في الطرق و يبس الدّم على الدمِ
و هذه حكايتي تعادُ كلّ مرةٍ على أنّها حكاية أخرى!

...

في هذا اليوم و في اليوم السّابق و في الأيام
القادمة لنْ يزيد وزني
من دون أنْ يخدش الفكرة الثابتة
عن أنّ النّسوة الرّشيقات أخفّ في الجنس
وفي الرّكض و في معانقة الرّجال المتوترين..
و على أفضل حال
قد يكون هذا اليوم فرصة ضيّقة
لأقول لوجهٍ يطلع في المرايا
أنك وجهي
او لأكتب لامرأة تجاورني في النزل :
تعالي نصيد رجلاً من البحيرة
و نعلّق على رقبته كلبًا من الصوف
ليظلّ وفيًا إلى الموت !

...

سحابة خاطفة ترافقُ امرأة
تتداولان حديثًا عاديًا عن رجلين من الأسلاف
سكنا البلاد الأولى
و تصارعا فيها من أجل إيجاد امرأة تكفيهما
لكنّهما توترا طويلاً
من دون أنْ يعيدا النّظر بالدم الذي يغسلُ حال الأرض،
لقد شقّا المرأة نصفين
و ظلّ كل واحد منهما يتشهّى النصف
الآخر عند صاحبه
إلى أنْ اخترعا لعبة تسليهما عن وجود امرأة واحدة
في العالم
فأعجبتهما فكرة أنْ يطردَ أحدهما إلهًا صغيرًا
و يبني الآخر له بيتًا !

...

أيتها المرأة العاجزة عن مواساتي
ضعي يدكِ على كتفي
من دون أنْ تقولي لأحد من البشرية
هذا طفلي أو رمالي الحارة
أو آخر نواياي..
اذهبي بي إلى الأعلى
و اكتبي لي هناك أشياءً خفيفة مثل القصص
و لننزل متفاجئين
كأنّك تضعين يدكِ على كتفي
من أجل ألّا تتأخر !

..

لا تبكي بين ذراع رجل عار
يتذكّر طفولته الآن و يتلمّس جيبه
باحثًا عن سيجارتين طويليتين
أنّه قد ينقذكِ من بكاء قادم
لكنّه لن يفعلَ لك ذلك كأنّه يفهم أنك ستموتين الآن!

...

أرغبُ بحملك على ظهري مثل عجوز
يتنقّل عامدًا من طرق ملتوية إلى طريق ثانية
ليتخلّص من الوقت !

...

أنني مسافة يوم كامل
في حياتك القصيرة
أقصدُ المسافة الطّويلة بين الدّقيقة و الاخرى!

...

ليس في الآخرة كتب عن الأحلام
أو عن الأساطير أو عن الحبّ الذي نحمله كتابوت
في الأسواق ..
فلنحجز لنا مكانًا نختبئ به
عندما تقوم القيامة
و نصنع معطفًا عريضًا من القطن
نعبّر به عن أسفنا اليوميّ
دون أن نتأذّى !

...

لا أتذكّر أنّني قلتُ لامراة شيئًا حقيقيًا
عن نفسي كرجلٍ
لكنني قلتُ ذلك عن نفسي
كرجلٍ آخر توصّل إليها من أجل أنْ تجعله هو نفسه
 و هو نفس الرّجل الآخر!

...

لا تكرهي الرّجل الذي علّمك على النسيان
من خلال امرأة أخرى دفعته إلى الرغبة دفعًا
اذهبي معه إلى غرفته
و تمدّدي معه إلى أن تنفتح الشبابيك
و هو عجوز يسعل
و أنت امرأة أخرى !

...

لا أستطيع أنْ أبني لكِ بيتًا
تملأينه بالأطفال الّذين يطوفون حولي
و يقطّعون ثيابي و لحمي
ثمّ يظلون بعد ذلك
معتقدين أنّني الرجل الأقوى في العالم !

...

رقبتي تؤلمني كأنّني عندما عانقتكِ
كنتُ أوسوس بإمراة عابرة
و شفتاي ذابلتان
كأنّني قبل أنْ أقبّلك قلتُ يا ألله !

...

أتفهّم أنك لا تحبين نصوصي الآن
ولمْ يحدث ذلك سابقًا أيضًا
لكنّك تعلّقين من باب الثّقة بأنني أكتبُ أشياء
عظيمة كوني أحبكِ
و قد يخطبك رجلٌ هرمٌ يجيد الكثير من الإشارات
فتقولين له في النّزهة :
لقد حدثت كلّ الأشياء العظيمة الّتي كتبها سهوًا !

▪▪▪
عامر 

معطف الفرو - الشاعر حسن مريم


 

"معطف الفرو"

صوّب عينيك إلى عينيّ
أطلقْ غِيلانكَ في دمي.. التهمني
أحتاج للألم أن يَعثرَ عليّ الآن
أن يسير إليّ بعينين لئيمتين
ويدٍ متوحّشة تشدّ على سوطٍ يثقب القلبَ من الذُّعر
أحتاج لأظافره الحادّة أن تحفر بي عميقاً عميقاً
آلمني أتوسّل إليك
حرّرني بالمذّلة والسّلاسل الثقيلة
أحتاج هذه المهانة أن تمشط أعصابي
وتعمل أنيابها الحادّة في أسراري
أن يسيل لعابها الدافئ في قاعي
حيث حرّيّتي تتفلّت هناك
طهّرني بما ملكتَ من نارٍ وقِطْرٍ
خذني بقسوةٍ.. بلا شفقةٍ
وبلا هوادة
أنا ملْكك يا مَلِكي
لا تزح عينيك الشيطانتين عن عينيّ حين أجثو عند قدميك مثل لبؤةٍ كانت تتمرّد
روّضني
ولا يرفّ لك رمش
أعنّي على وحوشي
آه يا وحوشي
إنّها تزمجر الآن
وتركض بجنون في كل شريان
إنها تطير مثل التنانين في سماء الرّماد
تطير تطييير
و
أ
ن
ا

أ
    هـ
و
   ي ..!

الثلاثاء، 12 فبراير 2019

الشاعر الطاهي: محمد أحمد موعد

الشاعِر الطّاهي

كُنْتُ أقلّبُ لحمَ أطواي
على مَنْقَلِ القَلْبِ
في مَطْبَخِ الحياةِ الشاغرِ
من كُلّ شَيْءٍ عَدَا الحياة 
حَيْثُ نَصْنَعُ ابْتِساماتِنا
من طينِ تعبنا
نحنُ معشرَ الجنون
والصراخُ والشتائمُ والمِزاحُ الجاثمُ
على قبرِ الرّتابةِ المعنويّ
 نُفِخَ في صورِ العشاءِ
أتَتِ السّاعة!
تكاثفتِ الإنسُ لأكلِ وجبتِها الأخيرةِ
لِلِبسِ القناعِ الأخيرِ
لا مفرّ كلٌ يريُ نفسه
والكلّ هنا عارٍ
أو يلبسونَ كلّهم نفس الثياب!
كنت أعدّ وجبةَ عشاءٍ فاخرٍ
لأميرٍ صَنَعَتْهُ أهواء تصديقي
نعم يا سادة
أنا المُتمرّسُ في تصديقِ الأشياء
وتكذيبِها عند أولِ حياةٍ أو آخر موتٍ
أنا الشاعر الطاهي
أنا السّائر على خطى الطيّبين المثقلين
بوصايا الله
أنا الرافض بأمرِ المنطقِ
العَلمانيُّ البائسُ الزاحفُ على أرضِ المعرفةِ نحو أهل الكُتب الأرضيّة
في المطبخِ أصارعُ علوي
أنْزِلُ درك الصّفات لتكونَ الرؤوس متساوية
أخاطب المِنصّة في خيالي
أرمي أثقال حُلُمي على صبري
فينتهي النّهار
أنا الطاهي الشاعر
أشعر ما أطهو
أطهو ما أشهرُ
أكتب الوقتَ طهيًا
أطهو الوقتَ كُتبًا
يتراقص شيطان الشعر
عند اكتظاظِ البشرِ
يتصاعد دخان الفكرة من قِدْرِ الوحي
تتداخل الصور ببعضِها
يخفق إيقاعُ المجهول في رأسي
ألفُ نكهةٍ أغْرَت هذا القلبَ
ألفُ لعبةٍ أنْهكت هذا الجسد
يلفني الحاضر بملحهِ
يُقشرني الوقتُ بسكين الفرصة
يقسمني الزمان على مهلٍ
أفراحٌ مؤجلةٌ
عُطلٌ وحيدةٌ
أعيادٌ بعيدةٌ
أتكوّم على ذاتي
أنا كلّ صفاتي
الهادِئ الصّارِخُ
الغامضُ الواضحُ
المُتقاعِسُ الفالحُ
الكاتمُ الفاضحُ
المتزعزعُ الراسخُ
الخائبُ النّاجحُ
المُذعِنُ الشامخُ
المهرجُ العابِسُ
الكامِلُ النّاقِصُ
المُستقلّ المُتماهي
الشاعر الطاهي. 

الاثنين، 21 يناير 2019




كرنَفـــــــال الضُّحــــــــى

سأسَميكِ الضُّحى
عَلَّني أصحو مِنَ النَّومِ على هسهَسَةِ الضوءِ تهادى
مِنْ سنا عَيْنَيكِ يُهديني صباحاً نَرجِسياً خارجاً للتَّوِ مِنْ حَمّامِهِ الوَردِيِّ
مَزْهُواً بِقَطْراتِ النَّدى
كانَ نَومي حُلُما لا يَنتهي أوْ رُبَّما وَهْماً على هَيئَةِ حُلْمٍ
إنَّ نِصفَ الحُلْمِ وَهمٌ أو سَرابٌ هارِبٌ مِنْ عُتْمَةِ الليلِ إلى سِفْرِ السُّدى
كُلُّ حُلْمٍ وَلَهُ تَفسيرُهُ فيما تَعَدّى لُعبَةَ التّضليلِ والتَّأويلِ في وهمِ المَرايا
رُبَّما في الظِّلِ ما دَلَّ وأوحى بِخَفايا شَهْقَةِ الضوءِ
على شَعْشَعَةِ القنديلِ في الرّيحِ التي تَمضي إلى رَجعِ الصَّدى
رُبَّما طالَ على جَفنَيْكِ ليْلُ السُّهْدِ يُخفي وَعْدَهُ بالشَّمسِ
إنَّ الشَّمسَ ميعادُ الضُّحى
مَنْ تُرى أودَعَ في عَينَيْكِ بَحراً للبِداياتِ التي لا تَنتَهي يَوماً؟
كاَنَّ اللهَ أهداكِ السَّماواتِ وما بَيْنَهُما
واختَزَلَ الدُّنيا على جَفْنَيْنِ سَوداوَيْنِ إنْ رفّأ قليلاً
سَقَطَ الليْلُ قَتيلاً أو تَنَحّى...
فَدَعيني أرشِفُ الصُّبحَ على شُرْفَةِ عَيْنَيكِ كما أهوى سَناءً ورُؤى
وَنَبيذاً لِلعَصافيرِ التي أيْقَظَها في غابَةِ الرّوحِ على جَفنَيْكِ
شَلّالُ الضُّحى
الفُ عُصفورٍ على نَبضَةِ قلبي قَدْ صحا في لَحظَةٍ
وَمَضى سِرباً مِن النّاياتِ يَشدو فَرَحا
ألف مرحى كَرنَفالات الضُّحى...
سأُسَمّيكِ بِها
وأُسَمّيها سَنا
فالشَّمسُ في عَينَيكِ أخْفَتْ سِرَّها واستَسلَمتْ،
تَغفو إذا شِئتِ وَتَصحو كُلَّما رَفَّ على جَفنَيْكِ هُدْبٌ وانحَنى
سأُسَمّيكِ بِها لا فَرقَ يا سَيِّدَتي بَيْنَكُما،
مَنَ قالَ إنَّ الشَّمسَ مِنْ بَعدِكِ ظَلَّتْ في السّما ؟!

سليمان دغش - فلسطين

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

خلوة النيل - الشاعر محمود عقاب



خَلْوَةُ النَّيلِ
لا تَمَلُّ دُمُوعا
في حَصًى
رَتَّلَ الزُّهُورَ خُشُوعا

والليالي
على الضَّفافِ تَحَنَّتْ   
والثَّرَى يَحْمِلُ النَّخيلَ شُمُوعا

ويَدُ الكادحينَ بوْصَلةُ الشَّمْسِ
تَمُرُّ الرِّمالُ مِنْها ربيعا

والأواني على الصَّبايا
تُمُورٌ
والعطاشى
مرَّوا فهزَّوا جُذوعا

والفراشاتُ تسْتَعدُّ اعْتَكافًا فِي ربيعٍ
أعْلَى يديهِ فُروعا

صاغنا النّايُ
للحكاياتِ لْحْنًا       
قبْل أن يُولَدَ السِّلاحُ ضَلِيعا

كَعْبَةٌ مِنْ لَحْمٍ
  ـ بَدَتْ ـ
ودَمٍ،
تَرْمِي أبابيلها هَوىً ودُمُوعا

وفؤادي
ارْتَداهُ حُجَّاجُ عِشْقٍ   
فاحْتَوى الثّوْبُ أحْمدًا ويَسُوعا

أحْرموا
حتَّى قلَّمَ الفِكْرُ ظُفْرًا   
وغَدَتْ جَبْهَةُ الحُرُوبِ بِقِيعا

الضَّعيفُ استعادَ فيهم طوافًا   
لم يكنْ في جِدالِهمْ
مُسْتَطيعا

مَنْ يُعيدُ الحياةَ بكْرًا إلى بُرْجِ حمامٍ
يُهْدي المشيبَ ضُروعـا؟!

وفطامُ القلوبِ دهْرًا يُقاسي شيْبـةَ البُغْضِ،
لمْ يُصادِفْ رَضيعا

والخفافيشُ تستبيحُ صلاةً     
في نِداها
تنْوي النُّجُومُ طُلُوعا

هَلْ يُعيدُ القنَّاصُ جُمْجُمَةَ الأرْضِ
إلى رأيٍ قد يعودُ مُطيعا؟!

ربَّما
برّأوه  ذئبًا
ولكِنْ     
يرْجِعُ الذَّنْبُ
إِنْ
رآنا
قطيعا..!

دارَتِ الأرْضُ
حَوْلَ قابيـلَ..
كيْفَ الشَّمْسُ يُهدي لها الغُرابُ رُجُوعا؟!

 ....كُرَةٌ
لا تشُوطُها الحَرْبُ فِي مَرْمَى اليتامَى،
ولَـمْ تُـتَـوِّجْ خُنُوعا

عِشْتُها نَمْلَةً..
وَلَمْ
أرَ
مِنْ
جُنْدِ سُليْمانَ
عِنْدَ موتي شُرُوعا

هَلْ ترَى السُّنْبُلاتُ حَرْقًا بنَارٍ
فوقَها الخُبْزُ
كم يُداعِبُ جُوعا؟!

كيفَ يطفو الخِصامُ فـوقَ نزيفٍ     
والتَقَى القَطْرُ
باللهِيبِ قَنُوعا؟!

واكْتسى وَجْهُ الشَّرْقِ ألْوانَ طَيْفٍ         
وحياءُ الغمامِ
يمشي بديعا

فجِّروا العِطْرَ
فِي زفيرِ دُخانٍ ماطلَ النُّورَ
حينَ شاءَ سُطُوعا

عانقوني رغْمَ الخِلافِ بدفءٍ
هذهِ الشَّمْسُ
 لا تُعادي صَقِيعا

...بينما الحُبُّ كمْ يُخالِفُ
حرْبًا حَقلُها لَمْ يغْرِسْ لقلبي ضُلُوعا

لم يزَلْ يتلو العِطْرُ
فوْقَ دُخَانٍ ترَكُ الوَرْدَ في الرَّمادِ
صَريعا
     
فالشَّذا
في فَـمِ الجَمَالِ نشِـيدٌ توَّجَ الرِّيحَ
فِي الفَرَاغِ ذُيُوعا

- محمود عقاب، مصر 

الأحد، 16 ديسمبر 2018

أخذت حبك معي - عامر الطيب





أخذت ُحبّكِ معي إلى أطول الشَّوارع و أخذته إلى اللؤم و إلى الموت الَّذي نعتبرهُ لعبةً إلى الآن..
قلت ُأنّه خطوةٌ أو عبارةٌ ثمَّ َّسمّيته عائلتي المهذّبة كعشرين طفلاً في الغرفة و الَّتي سيموت منها طفلٌ في هذه الحرب و طفل ٌفي الحرب الأخرى !

...

 أيّها الهواء الَّذي يدفع ُظهورنا إلى الجِّدران خذنا إلى مدارسنا وحيدين و حذرين نلتفتُ يمينًا و شمالا ًقبل أن ْنعبرَ الشَّارع !

...

الحزين هو الَّذي لا يستفيدُ من لحم المرأة أمّا المهاجرُ فهو الّذي يحفرُ عميقًا ليجد الأرض !

...

نبيٌّ بعد نبي ٍّيتهرّبون من مواجهة الله وقد علّمَ بعضهم الأسماء و أخذ َبعضهم حفاةً إلى الجّنة فقال الرُّومانسي الصَّغير كالجّرذ :
إختراع قبلة أصعب من إختراع شفتين !

...

لا تدعي اسمي في فراشكِ وحيدًا ،لا تدعيه مع القصص القديمة ومع الصّغار الَّذين ينامون مبكّرًا ..
قولي أنّه المدينة الصَّغيرة و اتركيه هنا
قولي أنّه زاوية الغرفة و خذيه معكِ إلى المكان الآخر !

...

تنبحُ الكلابُ المتديّنة ُعلى قمر عالٍ فيما تنبح ُالكلابُ الملحدةُ على صورته في الماء !

...

لا تصيري الشَّمس ولا اللبن و لا الخيارَ و لا العرقَ
إذا عشتُ طويلاً سأشتري لكِ إلهًا من بيت الله
وإذا مت ُّسأدلّه على بيتي  !

...

وجدنا ولدًا مبلّلاً في الكراج يشبه ُالعراق و كتبنا اسمَ العراق على يده و بإمكانه ألا يفتحها إلى الأبد !

...

نهاية حبّك ِتشبه نهاية العالم نبدو كما لو أنّنا ذهبنا ليلا ًإلى الغابة من أجل أن ْنتزوّج !

...

لماذا سمّيناه العراق إذا كان بإمكاننا أنْ نختارَ له
اسمًا ثانيًا
 ثالثًا
رابعًا
 خامسًا
لماذا نختار له أسماء أخرى إذا كنّا قد سمّيناه العراقَ أوّلا ً؟!

- عامر الطيب - العراق 

الأحد، 2 ديسمبر 2018

عواصم الشوق في عينيك: شعر يوسف السكسك





أم العواصم في عينيك ملهمتي
أنى لي الشعر إني عاشق وله؟
فالدمع أغنيتي والقلب قبلتنا
والشوق نظم من الآمال هيكله
فنحن لو كان كون فيه ظلمته
كنتُ النجوم وكنتِ الليل لي وله
شوقي يباد له ليل فيطرحني
 فكنتِ له دمعا وكنتُ الليل أشعله
أرمش هذا الليل ؟ أم أوجاع غربتنا؟
أم ليل صب ( عصي الدمع ) يشغله

نص شعري: أمير البيان الشاعر عبد الله الشوربجي




وجعُ الخريطةِ
لمْ يعُـدْ
يكفي
أهـزُّ
بجذع نخلتها
فتعصاني الرُّطبْ

و صيامها
ما عادَ
يعطيها البراءةَ
و القيامة َ /
و الصُّعودَ /
لمنْ صُـلبْ

للذئب
سبْعُ سنابلٍ
خُضرٍ
إذا جئنا
على أثوابنا
بدَم كذبْ

يا صاحبيْ في السجن
إنَّا نشتري
ثوبَ النبوَّة
من محلِّ أبي لهبْ. 

إني أسمع الآن دقات: الشاعر وديع سعادة




ناسٌ كثيرون يعبرون الآن بين مفاصلي. لا أعرف من أين يأتون ولا إلى أين يذهبون. لكنهم يرتطمون بعظامي.
ناسٌ التقيتُهم مرَّة، ناسٌ التقيتُهم مرات، وناس لم ألتقِهم… لكنهم يتدفَّقون الآن، ويدقُّون على عظامي.
عليَّ أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا.
لو كانت هذه العظام بابًا!
من أين جاؤوا؟!
أظنُّ أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا عَبْرَ عيوننا ويصيرون دمًا و لحمًا.
وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا.
… ونستمرُّ، هكذا، نسمع طَرقات على عظامنا.

إني أسمع الآن دقَّات
وعليَّ أن أفتح . 

السبت، 1 ديسمبر 2018

نص شعري: الشاعرة زينب خليل عقل






هو شهقةٌ معقودةٌ
بفراتي
مطرٌ يحطُّ على نخيلِ
أناتي

هو أول الأخطاء أوّل ذنبٍ
تفّاحةُ المعنى
وخوفُ نجاتي

شوكٌ أسيرُ عليهِ ثمّ إليهِ
أدنو وأدنو كي يصيرَ جهاتي

كأسٌ من النعناعِ يشربني
أو
ملكٌ على وجعي يقيم صلاتي

أطيافه نذرٌ أعاقرها كي
يحلو الفناء على صراخ رفاتي

وأعضُّ كلَّ أصابعي ندمًا
لو
ما غبتَ سهوًا أو نسيتُ حياتي. 

الخميس، 29 نوفمبر 2018

قصيدة حب للشاعر: مصلح أبو غالي




يكفي من الحبِّ قلبي
 أنه  وَلَهُ
وأنني قد جعلتُ
     النبضَ منْزلَهُ

وأنَّ من سكنوا قلبي
مصادفةً، مرُّوا مصادفةً
إلاه كيف لَهُ!

الله الله ما أحلاه من قدرٍ
فيه التقى الضائعُ المحرومُ
 مأْملَهُ

وفرَّ شعرٌ مجازيٌ لفكرتهِ
لأنَّ معنىً أتى
حتى يأوِّلَهُ

 ما أهدأَ الليلَ
ما أحلى سكينتهُ على المحبين
 -يا ربي- وأجْملَهُ!

لو كان مِلْكَ يدي
ما كنت أتركهُ ولو
 فرشْتُ لهُ ظهري لأحْملَهُ

وكنت أطْعَمْتهُ عمري
 ابتكرتُ لهُ عمرًا من الغيمِ
ِ كي يبقى وأوصِلَهُ

لو كان..
كنْتُ جعلتُ الروح شرفتهُ
وكُنْتُ أجعل في الشريانِ مشْتَلَهُ

ما أسرعَ الوقتَ!
أُفٍّ إنَّ مُشْكلتي
في أنَّ آخرَهُ يغتال أوَّلَهُ...

مصلح ابو غالي - فلسطين 

ربما نغني في الموسم القادم للكاتبة: يسرا الخطيب




ربما نغنى....
 فى الموسم القادم

قد تكون الرياح
أكثر تحنانا على العشب
المنفلت من خطوات التراجع

أو ربما
تلاقح أشجارنا العاقرة في غياب المطر

ربما
تزورنا النوارس
وتحط على شواطئ تعج بأقدام طفولة
هربت من خشونة المخيم
ووطئت رملها
لتمسد بأصابعها الطرية
أحلاماً بلا توابيت
ربما
تتهيأ لنا الشوارعُ
بامتداداتها اللامتناهية
وتضاء مصابيحها المعتمة
أثر غياب الراحلين.

وهناك
على بقايا جدران
تجاوزت حدود التلاشي
شظايا أناس يتمطون
يلملمون بقايا حلم
فتات خبز
أو تذكرة سفر

لربما
يجود عليهم الرب بالرحمة والمغفرة.

وأنا
تصاحبني عيني المبللة
أثر سقوط المطر على هامتي المنكسرة

تتنقل بي
بين جداريات لم تجف ألوانها
تنفرط الخربشات حكايا
على أسفلت يشهد التاريخ
منذ النكبة الأولى

تنهمر الألوان دموعاً
تتساقط كشلال متمرد
على احتباسات الغضب
يغسل قلق الشارع
ويمحو أثار أقدام
تسابق ظلها قبل الأفول

و
أ
س
ي
ح

أنا تيها وتوهانا
أخمن المعاني المطموسة
ببقايا صور تلاشت
أتهيأ لقراءات ممكنة.
أستقريء
اللحظة الكامنة في جب القدر
لعلها تتفجر برداً وسلاما
وتطفئ نار الفتن

يسرا الخطيب - فلسطين 

تساؤل مشروع: الكاتب أحمد عيسى




أنا في منتصف الوجع تماماً..
الوردة المختبئة في رسالتك أخرجتها لأعتنق اختناقها، وجدتها تئن كأنها تحتضر، بين صفحتين ملتهبتين بآهاتٍ وحنين، وحكايات عن الشوق والرغبة، وقبلة بقلم شفاهك الوردي في المنتصف تماماً، بمحاذاة التوقيع وقبل كلمة أحبك.
في جلستنا الأخيرة كنت مشغولا تماماً بعينيك، كل انعطافة فيهما، كل انغلاقة لرمشيك الساحرين، كل مرة تزمي فيها شفتيك كنت أعتصر نفسي فيهما، وعندما يبان لسانك لي، أتذوقه بكل معانيه، أظنها بداية العناق، وتعرفين أنها النهاية.
في هاتفي الجوال بقايا صور، وبين كتبي رواية سخيفة لأحلام مستغانمي كنتِ قد أهديتني اياها ولم أتجرأ أن أخبرك أنني لم أعد أقرأ لها، قلت لك بكل الشوق: سأقرأها، ولم أفعل.
فرشاة أسنانك التي تحتل مكانها فوق مغسلتي تماماً، كانت ضحية صراعي والشوق اليكِ.
ملابسك الداخلية تناثرت كيفما اتفق.
الدهشة من افتراقنا كلفت جارتنا وزوجها الودودين ابتسامتهما، وكلفت أمي ضحكتها، وكلفتني نفسي.
دوامة من الأسئلة تحاصرني، غرفة النوم التي كنا ننوي تغييرها قريباً، طاولة السفرة التي شهدت فتوحاتنا، الأريكة التي مزقناها اشتهاءً، كل شيء كان يشي بأن الموت نفسه، غير قادر على أخذك مني.
الطبيب اللعين، ألبوم الصور، التحاليل التي لا تنتهي، رسائلك التي تحاصر قلبي، ولقاء بدأ فيكِ لا ينتهي أبدا..
مدهشةٌ أنت، كيف تحافظين على ابتسامتك وسط هذا الهراء..

أحمد عيسى - فلسطين


نص شعري - أحمد زكارنة


في الحوار...
تجدُ القلبَ في الجانب الأيمن
فيصبحُ لزاماً دورانُ الرأسِ قليلاً نحو الأيسر.
في الحوار...
البلادُ مرتفعةٌ باتجاهِ السماء
حيث تُفتحُ الحدود،
أو
حيث كلُّ شيءٍ يصيرُ حدّاً.
في الحوار...
صوتُ قهقهةٍ، ونقرُ أقدام
وحديثٌ دافئٌ حول:
" أطفالٌ ثلاثةٌ أصحاء...
وأحدٌ في المصحة،
وأثنانِ ميتان".

أحمد زكارتة -فلسطين 

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

قصيدة (الحب) للشاعر أنور الخطيب



الحب

نظرةٌ
أول نظفة للروح في رحم القصيدة
توتّر العطر في كأس أنثى
بزوغ نجمة السهد خلف الضفيرة
هروب عاشق حاملا زهو الذكورة
يمضي إلى أمه:
"رأيت وجهك اليوم في قمر الظهيرة..".

ابتسامةٌ
محمولة على هودج الهوى
تطلق للمدى حساسين ماكرة
تصوغ الرذاذ على جلنار قلبين مرتبكين
ترسم جوريةً قوسا لبدء المتاهة
تحضر أم العاشق في شفتيّ الحالم
ينطق في مهد الدرب:
"أنا عبد الحب..".

لقاء
أسئلة تختبر اللغة المخبوءة خلف ارتباك الألسنة
قالت: لماذا سرقتني من صويحباتي؟
ماذا حدثك الخافق فيك؟
لماذا غادرت إذ رأيت وميضاً في رئتيّ؟
فقال: لم تكوني مع أحد..
كنتِ وحدك ترتعشين كالسنبلة
أيعفيني هذا من بقية الأسئلة؟
قالت: لا، النظرة امتثال الوحي لاستدراج الكلام
والابتسامة ارتباك الطقس من خجل الفصول
واللقاء كتابة على ورق الحنان
فماذا كتبت قبل مثولك بين عينيّ؟
قال: لم أكتب شيئا
راقصتُ ظل أمي كثيرا
عانقت صوتها طويلا
وحمّلتني لقلبك رف حمام
قالت: أتحبني ؟!
أطرق رأسه،
سافر نحو الركام
والرهبة الجارحة
أيقظته: متى سنذهب كي نقرأ الفاتحة!                           
أنور الخطيب 

قصيدة للشاعر الفلسطيني حسام أبو غنام




ولمحتُها تمشي على السُحُبِ
ناديتُها يـــــــا هذه اقتـــــــربي

قالتْ أخــــــافُ إذا نزلتُ لـــكُمْ
أن يحتويني النصُّ فــي الكُتُبِ

ليلى وعبلةَ قد حُبِسْنَ بـــها
مثلًا لِجُـــلِّ قصــــائدِ العــربِ

واقـــرَأ لعــــزَّةَ فـــي كُثّيِّرها
تلقَىْ العذابَ يُصَبُّ في العتبِ

دعني لشأني حرَّةً فأنــــا
بنتُ السماءِ ولستُ للتَّعِبِ

الرّيحُ تحملني مســــافرةً
لا وقتَ للأشعارِ والأدَبِ

فانسج حروفكَ كيفَ شئتَ بدو =
= ني لستُ أنثى في هَوَى العَرَبِ

أتكــــابِرينَ أجبتُها وأنــــــا
ذاكَ الرسولُ لوحيكِ العذْبِ

آمنتُ بالرّوحِ الْـ ملَكتِ بها
أمري فصرتُ بوحيكِ العَرِبِ

قالتْ دليلكَ إنْ أتيتَ بهِ
آتيكَ طوعًا فَاْتِ بالعَجَبِ

مَثَلي شفاهكِ إنْ ذكرتُهُما
صبّتْ نبيذًا جاءَ من عِنَبِ

حسام أبو غنام - فلسطين 

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

قلب مقروح: الشاعر سارة الزين







كاللحنِ في الماءِ..
للنَّارنْجِ تسبيحُ..
ريحٌ منَ الخوفِ تطفو فوقها روحُ..!

كالأغنياتِ السُّكارى..
حين تسرقنا من ثقبِ نايٍ..
كأنَّ النايَ.. مبحوحُ

هذي المرارةُ في الأشياءِ مقلقةٌ..
تفنى اللغاتُ
ولا تفنى التباريحُ..

نمدُّ لليلِ أسراراً لِيصحَبَنا في رحلةِ الدمعِ
حيثُ الجرحُ مفتوحُ

في آخرُ الرعشةِ السمراءِ أحجيةٌ..
زرٌّ غليظٌ.. عن الأنّاتِ مكبوحُ !

كقلبِ يونسَ من بطنِ الظلامِ يرى
في مدمعِ البحرِ ما أبقى له نوحُ..

لا روحَ في النارِ..
هذا الرقصُ مصطنعٌ..!
ووحدهُ الشكُّ عند البوحِ مسموحُ..

هنا شفاهٌ من الأحزانِ متخمةٌ..
تفدي الجراحَ..
وكم يفديكَ مجروحُ..!

حتى تصيحَ بما أوتيتَ من وجعٍ :
يا ممسكَ القلب!
هذا القلبَ مقروحُ..

سارة بشار الزين - لبنان


السبت، 24 نوفمبر 2018

الماء والساحرة - قصة -الكاتب طلال بدوان



(الماء والسَّاحرة) - قصَّة قصيرة في الخيال العلمي
طلال بدوان - كوكبُ الأرض حاليًا
.
                   لا شيء مما طالهُ عَبثَ الإنسانُ يوازي جمالَ الطبيعةُ وسحرها المُلهم. حكايتنا هي من  القصص العجيبة، التي بدأت فيها الطبيعةُ رسمِ قوانينها بالهامِ الصَّانع، ليتَّزنَ هذا الكونُ، وتستمر ماكينةُ الحياة دونَ توقف إلى أجلٍ مُسمَّى، في زمنٍ ما، كانَ الماءُ ينظُر إلى السماءِ بِحزنٍ عميقٍ وهوَ مقيَّدٌ بجاذبيَّة الأرض، يتأمَّلُ تلكَ الطُّيور المُحلقة بعيدًا والتي شَكَّلت لها الطبيعةُ جناحانِ لتطيرَ بهما كيفما شاءت، مُعلَّقةً في الهواءِ فرادى أو أسراباً في أشكالٍ مُتعدِّدة تُبهج الناظرين، وتلكَ الفراشات المُلوَّنة فوقَ البحيرة وبينَ ضفافِ الأنهار، كان الماءُ حزيناً حتى أن دموعه كانت ماءً هي أيضا، ماء وماء في كل مكان، يجلسُ بلا فائدةٍ هنا على فراشِ أرضٍ مقعَّرة للأسفل، تخترقهُ الأسماكُ ذات الزَّعانف الحادَّة، حتى أن لونهُ غير حقيقي، هذا الأزرق الكاذب، الغدَّار، الذي يُغرقُ الكثيرين في أعماقهِ، عيوناً وأجساداً، ومُتعبينَ، منهم من سينقرضَ، ومنهم من سيتكون حديثاً بعدَ ما سيحدثَ، ولكن ما الفائدة، يتململُ الماءُ المُضمَّخُ بالملحِ مُرددا في عقلهِ البِدائي: فأنا هنا لا أطير، لا أطير، وفجأةً سمعَ الماءُ صوتاً غليظاً له صدى يخترق الهواء إلى جزيئاتهِ مُشكلا أمواجاً دائرية تبدأ صغيرة ثمَّ تكبرُ رويداً رويداً، يقولُ الصوت: عزيزي الماء، طفلي العنيد، لقد حان الوقتُ الآن، أنا من ستحولكَ إلى طائر يحلِّقُ كالعصافيرِ بل وأبعدَ من ذلكَ أيضاً، ستقومُ بالتَّنقل من مكانٍ إلى آخر، تُخربشُ السَّماء بالجمال، كما الأعشاب التي ستغزو لاحقاً هذه الأرض، ترى كل العالم، تُعانق الجبال، وتعبر الحدودَ دون جواز سفر، التفت الماء بذهولٍ باحثاً عن مصدرِ هذا الصُّوتِ الذي لا يعلم هل هو من خيالهِ أم من كائنٍ آخر هناكَ، وإذ بقرصٍ كبيرٍ مُتلالئ وسط السَّماء جعلهُ لا يكادُ يفتحُ عينيهِ بالكامل، يخترقُ جسدهُ وينكسرُ في ذرَّاتهِ إلى سبعةِ ألوانٍ، سمِّيت بعدَ ذلكَ بالطَيف، نظر الماءُ باستغرابٍ إلى هذا القُرصِ سائلاً من تكونُ أو من تكونينَ؟ أجابَ القرصُ المستديرُ بلحنٍ أنثوي: أنا السَّاحرة "Sun" التي ستُحوِّلكَ كما تحلم، قارئةُ الأفكار ومُحقِّقةُ الأمنيات، أنا التي ستحلُّ لكَ مشكلتكَ يا مسكين، لقد رأيتكَ حزيناً تنظر إلى السَّماء وللطيور بحسرة، نظر إليها الماء بسخريةٍ وشك: أنتِ، أنا مجرد ماء، ماء مالح، حقير، أسيلُ كيفما شاءت لي المُنحدراتُ، بمسارٍ أفقي روتيني ممل، من تكونينَ لتفعلي ذلكَ! شعرت السَّاحرةُ بالغضب من كلامِ الماء فازدادت حرارةً وتوهُّجاً، أمسكت عصاها السِّحريَّة وأطلقت حرارةً شديدة جعلت الماء ينفصل على شكل قطرات صغيرةً جداً لا تكادُ أن تُرى، ولأوَّل مرةٍ في تاريخهِ، ، واحدة تلو الأخرى على شكلِ دخان متصاعدٍ، تعلو وتعلو وهي تنظُرُ للأسفل إلى البحر الذي يبتعدُ ويكبرُ في آن معاً في ذهولٍ، تنظر حولها وتتفقَّدُ أشياءها المتشابهة وهي تبتعدُ عن جسدها الأزرق رويدا رويدا، تاركة الملحَ خلفها، امتزج الصراخ بالحزنُ والضحك معاً، وتكملُ السَّاحرةُ حديثها بينما الماء يغني كالأطفالِ: ها أنا أطيرُ، أطيرُ أخيراً، هل هذهِ خدعة؟ تُكملُ الساحرةُ حديثها كمذيعة أخبارِ الطقسِ: نعم ستطيرينَ ولكن بشرط! أنكِ ستعودين بعدَ هذه الرحلةِ ماء مرةً أخرى بعدَ غروبي، ستغزلين القطنَ هناك في الأعالي بالقرب مني، قوق الطيور والجبالِ، فقط لا تنسي معطفكِ الرَّمادي أو الأبيض لو شئتِ، لأن الجو سيكونُ بارداً هناكَ، ستعانقين رفيقاتكِ أيتها القطرة الصغيرة ويزداد حجمكِ ثم ستهطلين، وتعودين إلى الماء مرة أخرى وربما في معدةِ كائنِ حي أخر أو ستحتضنين أحد البذور التي انتظرتك طويلاً ثم إلى الجذورِ والأغصان وإلى ما سيسمى بعد ذلك بالأوراق لترسمين اخضرارها، وأعدكِ بأن تعودين لنفس هذه الرحلة مرة أخرى. وربما في جبلٍ جليدي أبيض عائم فوق المحيط، أنا الساحرة شمس، مصدر الإلهام والطاقات، وهذه أحد قوانين الطبيعة التي ستشكل الحياة على الأرض فيما بعد. أنا السَّاحرة شمس وأنتَ بذرة الوجود، لا سكونَ بعدَ الآن، سيشربك أحد الكائنات ليرتوي بعدَ عطشٍ طويل ثم تسقطُين من عينيهِ دمعة مؤنثة، على شكلِ نقطة مالحة كأصولكَ، نقطةً لن تُنهي بالتأكيد هذا النَّص بينَ يدي طفلٍ يبتلعُ ريقهُ ليبدأ الفكرة بروحك صغيري العزيز، ماء، حِّلق وحلِّق بعيدًا ولا تنسى حبيبتك المخلصة، السَّاحرة Sun.
24/11/2018م
طلال بدوان – كوكب الأرض
ـــــ
اللوحة لـ: Pawła-Kuczyńskiego 

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...