الخميس، 13 يونيو 2019

حول نقد منهج الحداثين: الكاتبة المصرية فاتن عبد المنعم



ولا أدل على منهج الحداثيين في النقل والتبعية والنقل الأعمى عن الغرب من اعتراف بعضهم بذلك. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر”.
ويقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: “ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه”.
فضلا عن كلام ربنا عز وجل “ولتعرفنهم في لحن القول”، لذا ما صدر عن أغلب المستشرقين وتلاميذهم ممن هزموا وتنكبوا من أبناء المسلمين في بلادنا يفضح خبيئتهم وما يعتمل في نفوسهم.
فكثيرا ما تناول المستشرقون عقيدة التوحيد والوحي والنبوة ودور الأديان ومهمتها في إطار من الجحد والتشكيك ومحاولة تصوير الأنبياء على إنهم عباقرة ومصلحون اجتماعيون تأثروا بالواقع الذين عاشوا فيه( لنفي الدين والإلوهية من الأساس) وقاموا باستيعاب التراث القديم ثم صاغوه من جديد، ولأن الأنبياء تلقوا الرسائل الإلهية وحيا كان التركيز على الوحي من حيث التشكيك في حقيقة وجوده وماهيته وصفته، فكتبوا وفندوا وأكثروا من شروح أباطيلهم التي هي أوهن من بيت العنكبوت ليتلقفها بعضا من أبناء المسلمين ممن أصيبوا برقة في الدين نتيجة منابعهم الجافة من تعاليمه التي لم يتلقوها في مرابعهم الفاسدة فكانت نفوسهم بيئة خصبة لتلقي ركام المستشرقين والفلاسفة الغربيين ليطبقوه على القرآن وتاريخ الإسلام والمسلمين كاملا فكانوا بوقا للآخر وبوقا أكثر نفيرا.
ونظرا لعدم منطقية بعض الأحداث أو التعاليم التي ملئت بها الكتب السابقة على الإسلام وبعض الفراغ المريب الذي تركته في بعض المناطق وعدم القدرة على استيعاب ما ألغز على العقل البشري قديما وحديثا عندما تجاوزها من خلال ما استحدث من مستجدات على كل الأصعدة، انطلق الفلاسفة الغربيين يجولون ويجوسون في دروب شتى علهم يهتدون فتقلبوا بين أروقة الأساطير اليونانية على وجه الخصوص لتصبح منطلق لجديد يصنعون منطقه بأيديهم يساعدهم على الفهم والاستيعاب، وبالطبع تعاملوا مع القرآن وأحكامه بنفس الرفض لسابقيه فتصدوا لأسس العقيدة الإسلامية وعلى رأسها “الوحي جبريل عليه السلام”فيما عرف بينهم “بظاهرة الوحي” وعلى رأس الرافضين:
(سبينوزا – باروخ) أو بندكت (1632م -ـ 1677م) وهو يهودي من البرتغال تلقى تربية يهودية دينية متعمقة، أصبح حاخاما ثم فليسوفا ودارسا للعلوم الإنسانية، تأثر بديكارت ذو المنهج القائم على الشك بصفة دائمة، فانتقلت عدوى الشك إليه في الدين والوحي، قال بخلود المادة وأنكر خلق آدم من عدم وآمن بوحدة الوجود وأن الله هو الطبيعة الخالقة، وهو ليس له صفات ولا يشاء ولا يريد وليس شخصا معينا حسب تعبيره (كإله الديانات) وطبقا لمنهجه فإن الإنسان كلما زادت تجاربه ومعارفه كلما اقترب من أن يكون إله أو أنه إله بمعنى ما وهو ما ضج به نتاج الكثير من الحداثيين.
كان ينتقد بشدة المعجزات والنبوءات ويعلي من العقل على الوحي، وكان يقول بأنه لا يصح للدين ولا الدولة بالمساس بحرية التفكير وكان له التأثير القوي في نشر الفكر المادي الإلحادي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، له كتاب بعنوان “الرسالة اللاهوتية السياسية”والذي ترجمه حسن حنفي بعنوان “رسالة في اللاهوت والسياسة” وفيه وضع أسس المنهج التاريخي لدراسة محتوى النص الذي يراه يتراوح بين التاريخية والأسطورية وذلك للتحرر من سلطة الأسطورة وحتمية الحقيقة في الوحي وأنه يجب البحث في تاريخية النص وليس المعنى والحقيقة فيه وبالطبع تبعه والتزم منهجه العديد من الفلاسفة الأوروبيين حتى تفشى الإلحاد بأشكال من نوع ما وهو دأب اليهود الدائم على تخريب أي عقيدة من الداخل مما حدا بمؤلف الموسوعة الفلسفية أن يقول:
“لا شك أن سبينوزا كان يهوديا حتى النخاع، وأن مذهبه كان رؤية فلسفية للتلمود، وجاء على خطى التراث اليهودي”
ويزيد المؤلف في الإشارة إلى المؤامرة اليهودية الخفية المعلنة من خلال سبنيوزا وذلك لأن دراسة سبنيوزا يكون في مجتمعات خاصة مغلقة تشبه الجمعيات السرية القبلانية وأطلقوا عليه “ماركس دون لحية” وأن من يقوم بنشر وترجمة كتبه في روسيا هي دور نشر أصحابها من اليهود أنفسهم وأن الجدل السطحي الدائر بينه وبين المفكرين اليهود ليس إلا استعراض مكشوف استمرأه اليهود للطمس على أفعالهم لتمرير ما يريدون وهذا الفيلسوف كان المتكأ والمنطلق لجملة الحداثيين الذين تأثروا به بشكل فاضح باستخدام منهجه ومفرداته التي استحدثها في تقليد أعمى لا يكون إلا من تابع ضعيف لا منطق له ولا منهج حقيقي يستند إليه.
ريتشارد سيمون (1632م ـــ 1712م):
راهب ومفكر فرنسي كتب مجموعة من الكتب منها:
التاريخ النقدي للعهد القديم، التاريخ النقدي لروايات العهد الجديد، التاريخ النقدي لشراح الرئيسين للعهد الجديد، ملاحظات جديدة حول نص العهد وروياته.
وهي كلها تنتقد النصوص الإنجيلية وتشكك في ثبوتها تاريخيا ومنطقيا وقد اتبع منهجه المرتابون من أبناء المسلمين وطبقوه على القرآن العظيم وإن ضعف منطقهم ودلائلهم مقابل الأدلة القوية لدى الراهب أمام أبناء دينه.
شتراوس ديفيد فردريتش (1800 – 1874م):
لاهوتي بروتستانتي ألماني تشكك في المسيح عليه السلام وفي الإنجيل وانعكس ذلك على مجمل كتبه التي تناولت نقد وتحليل الإنجيل بعهديه القديم والجديد وترأس هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر مما كان له أبلغ الأثر في :
توجه كارل ماركس من خلال فيورباخ نحو الشيوعية.
اتجاه المستشرق والفيلسوف الفرنسي إرنست رينان في عنصريته ومعاداته الشديدة للإسلام.
توجه الفيلسوف الألماني هيجل نحو المادية.
إرنست رينان (1832-1892م):
كاتب فليسوف ومستشرق فرنسي، تلقى تعليما دينيا وأصبح كاهنا وتعلم العبرية ولكنه سرعان مانقد المسيحية وترك الكهنوت واعتبر الأناجيل روايات تاريخية متناقدة، فلا يوجد مقدس لديه ويشترك مع السابقين في كون الكتاب المقدس يخضع للنقد والتحليل العلمي طبقا للمنهج القائم على الرفض والخلخلة والمادية ونفي فكرة “الثوابت العقدية والإيمانية” والتي تلقفها جملة الحداثيين في بلادنا فصالوا وجالوا في ضروب شتى ينهلون من هذا الفكر حتى تشبعوا به وتعبدوا في محاريب ماركس وهيجل ونيتشة والدائرون في ذات الفلك فانعكس ذلك على جملة أعمالهم وطبقوا ذلك على الإسلام.
بولتمان رودولف (1884- 1976م):
كاتب وفيلسوف لاهوتي ألماني، رائد حركة “نزع الطابع الميثولوجي عن المسيحية”، الميثولوجيا هي علم الأسطورة، ميث تعني أسطورة، ولوج يعني علم، والأسطورة هنا تعني الوحي المنزل من الله بالرسالات السماوية فهم يرونه أسطورة لا يقبلها العقل وهذا الفكر تلقفه الحداثيون بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة، فاستعاروا نفس المفردات والتوصيفات بغية هدم الثوابت يساعدهم على ذلك نضوب معين التعاليم الدينية داخلهم فأصبحوا أرضا جدباء تجود بما يلقى إليها أو صفحة بيضاء تتلقى أياد ما تهتك بياضها وإن كان ضعيف المنطق والحجة، فاتجهوا إلى القرآن والسنة النبوية وسيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم (على سبيل المثال لا الحصر وليمة لأعشاب البحر للسوري حيدر حيدر ومسافة في عقل رجل للمصري علاء حامد ووداعا أيتها السماء للمصري حامد عبد الصمد وموت الإله لنوال السعداوي وقبلهم أيقونتهم نجيب محفوظ ومجمل أعماله وعلى رأسها أولاد حارتنا، والقائمة تطول).
ولا غرو أن يلقى المستشرقون وكل ذي مأرب وغرض في نفسه معين لهم على ما تضمره نفوسهم القاحلة وهل من معين أفضل ممن يعرفون بيننا على أنهم مسلمون؟! فالنتيجة بالقطع ستكون بالنسبة إليهم أفضل مما لو تصدروا لنا بصفتهم ووصفهم وهذا دأب الاستعمار قديما وحديثا فمن لم يحصل عليه بجيوشه الجرارة فليحصل عليه من خلال العملاء والأتباع والمريدون لحوضهم وأبلغ توصيف لهؤلاء قول نبينا صلى الله عليه وسلم:
“ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد على قولهم، يتقاحمون النار كما تقاحم القردة”
ونبينا ذو اللسان العربي المبين شبههم بالقردة لأنهم يقلدون بعمى وجهل وهو حال العلمانيين والحداثيين الذين يتلقفون أي نظرية وضعية من الغرب أو ما يستحدثون من مفردات ومفاهيم فيتبنونها على الفور لأن دون ذلك يكون التخلف والرجعية، ثم هو يقول يتقاحمون بمعنى أنهم يقحمون أنفسهم بجهل وعجالة دون تدبر وفهم للأمر، ذلك لأنهم استبدلوا الغث بالسمين ولم يتفطنوا إلى مآرب الاستعمار الذي جال ببصره في كل اتجاه ليجد ألسن كثر بلغات ولهجات مختلفة يجمعها كتاب واحد يتلقون تعاليمه طوعا على تنوعهم فما كانوا ليقفوا مكتوفي الأيدي فابتدأوا بالحروب الصليبية ثم بالاستشراق ثم بإشاعة الاستغراب من خلال ترأس المناصب العلمية والفكرية والتعليمية والصحافة والفكر والثقافة لكل مستغرب نبت بين أيديهم في الداخل والخارج ليتم زحزحة هذه الأمة عن دينها ولغتها وتراثها لإيجاد الفراغ الفكري والاعتقادي والروحي ليستنبتوا بذورهم الخبيثة داخلنا وأبلغ دليل على ذلك ما قاله وليم بيفور بالجريف:
“متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدحرج في سبيل الحضارة(الحضارة المسيحية) التي لم يبعده عنها سوى محمد وكتابه”.
(وهو راهب  انجليزي كاثوليكي مارس التبشير والتجسس على حد سواء في عدد من الدول العربية على رأسها لبنان الذي انضم بها إلى جماعة اليسوعيين وطاف عددا من الدول العربية في زي طبيب سوري بالإضافة إلى الحبشة وجزائر الهند عندما كانت انجلترا لا تغيب عنها الشمس)
ومن أجل أساليبهم الخبيثة لتحقيق مآربهم الابتعاث إلى جامعاتهم و بعد أن استحال عن عمد بلوغ النابغين منا المرقى الذي يطمح إليه إلا بالتعلم عندهم فيقول عن ذلك المستشرق هاملتون جب وإن كان قوله مطولا ولكنه مهم جدا مفاده أن أهداف الابتعاث ليست إلا تبشيرية استشراقية تغريبية:
“كانت النتيجة الخالصة لهذه الحركة التعليمية أنها حررت بقدر ما كان لها من تأثير، نزعة الشعوب الإسلامية من سلطان الدين دون أن تحس الشعوب بذلك، وهذا وحده تقريبا هو جوهر كل نزعة غربية فعالة في العالم الإسلامي، وهو المعيار الذي نقيس به قوة الرأي الحديث والرأي المحافظ أحدهما بالنسبة للآخر.
إن الإسلام من حيث هو دين قد فقد القليل من قوته، إما من حيث هو المسيطر على الحياة الاجتماعية فإنه أخذ في النزول عن عرشه‘ ذلك أن جانبه قوى جديدة يصدر عنها سلطان يناقض تقاليد الإسلام وأوامره الاجتماعية في بعض الأحيان، ولكنه رغم هذا يشق طريقه بالقوة غير مبال بتلك الأوامر، ولكي نصف الموقف في أبسط العبارات نقول:
إن ما حصل هو هذا، إلى عهد قريب، لم يكن للرجل العادي مآرب أو أعمال سياسية ولم يكن له أرب قريب المنال إلا الأدب الديني، ولم تكن له أعياد ولا حياة اجتماعية إلا مقترنة بالدين، فكان الدين عنده كل شيء، أما الآن فقد اتسع مدى مصالحه في كل البلاد الراقية، ولم يعد نشاطه مقيدا بالدين، وربما لا تتعرض لوجهة نظر الدين مطلقا، فوضعت المسائل السياسية تحت نظره، وقرأ وقرئ له عددا من المقالات في موضوعات متعددة لا علاقة لها بالدين، وربما لا تتعرض لوجهة النظر الدينية مطلقا، كما يمكن أن يكون الحكم عليها مقيدا بمدأ مختلف عن مبادئ الدين كل الاختلاف، وهو يجد أن الرجوع إلى المحاكم الشرعية لا يغنيه شيئا في كثير من مصاعب حياته ومشاكلها، بل يجد نفسه خاضعا لقانون مدني قد لا يعلم له مصدرا صحيحا يستمد سلطانه منه، ولكن لا شك أن هذا القانون لا يستمد سلطته من القرآن أو السنة، ولم يعد الدين هو الرابطة الاجتماعية الوحيدة أو على الأقل الكبرى بينه وبين إخوانه، إذ أن مهام أخرى غير الدين تجبره على الالتفات إليها، وهكذا نرى سلطان الإسلام قد انفصمت عراه عن حياته الاجتماعية وهذا السلطان ينحسر شيئا فشيئا حتى يقتصر على دائرة صغيرة من الأعمال.
حدث كثيرا هذا في غفلة من الناس لم يفطن إلى إدراكه إلا قليلا من المتعلمين، ولم يعمد إلى تحقيقه إلا عددا أقل من ذلك، ولكن التيار سار جارفا لا يلوي على شيء وحينما رسخت قدمه لم يعد رده ممكنا، ويظهر من المستحيل الآن ولا سيما إذا راعينا ازدياد المطالبة بالتعليم، والازدياد في اتخاذ الأنظمة الغربية أن تنعكس، وأن يعود الإسلام أن استئثاره بالسلطة الاجتماعية والسياسية استئثارا لا ينازع فيه”
وهنا قاد طه حسين قاطرة التغريب الثانية بعد نخبة محمد على التي ابتعثت لفرنسا من قبل ليبدأ بنقد الوحي والدين وإنكار قصة سيدنا إبراهيم في كتابه الشعر الجاهلي الذي الذي أملاه عليه أساتذته وأسياده من المستشرقين (على رأسهم المستشرق الانجليزي اليهودي مرجليوث بل أن البعض من الثقات يقطعون ويجزمون أنه الكاتب الحقيقي لهذا الكتاب) لينطلق بعدها الطابور الخامس من العلمانيين والليبراليين معتبرين أن طه حسين رائد حداثي”أول من اقتحم المقدس وأول من رسخ للفكر الليبرالي الديمقراطي وأول من تجرأ في الاندفاع نحو الغرب، نحو المجتمع الحر وقوض مسلمات التاريخ واللغة والدين حسب تعبيرهم”، والحقيقة أنه بقدر ما في هذا التوصيف من مدح وثناء ففيه من الذم مايكفي لإدانته، وتبعه وإلى يومنا هذا من يقدح في ثوابت الإسلام والإسلام فقط من القرآن والسنة والوحي بالنقد والتقريع والتكذيب في مختلف الوسائط تحت مسميات الليبرالية والحداثة والديمقراطية وحرية الفكر القاصرة على نقد الإسلام فقط لكن التعرض لأي دين آخر ولو كان عباد البقر فلا ينالوه إلا بالاحترام والتبجيل ودون ذلك فلو تعرض أي مسلم لأي دين آخر فهو الطائفي الذي لا يقبل الآخر ولا يحترم الآخر بينما هم لا يحترمون ولا يقدسون سوى الآخر أي آخر غير المسلمين.
ولا أدل على منهج الحداثيين في النقل والتبعية والنقل الأعمى عن الغرب من اعتراف بعضهم بذلك
فيقول عبد الرحمن منيف:
“وإذا كان مفهوم الحداثة قد جاءنا من الغرب، وأخذ معنى أو معاني ولدتها ظروف ذلك الغرب وتطوره، وإذا كان المفهوم نفسه قد تغير تبعا للمراحل، أو زاوية الرؤية، فإن ماوصل إلينا هو الصدى وبعض صور الحداثة”
ويقول غالي شكري:
“نحن لا ننقل سوى المصطله في صورته النهائية، ولا علاقة لنا بالتاريخ الاجتماعي والعلمي لهذا المصطلح، ولم نشارك في أي مرحلة من مراحل صنعه، أي أننا في الحقيقة نركب المصطلح كما نركب الطائرة والفرق هو أننا نستخدم الطائرة، أما المصطلح في العلوم الإنسانية، فإننا نستخدمه ويستخدمنا في وقت واحد، إنه يقال ليصبح جزءا من العدسة التي نرى بها الأشياء، أي جزء من رؤيتنا، أو من قدرتنا على الرؤية(من مجلة الناقد)”
إنه اعتراف دامغ على أن هؤلاء يكتبون عن بيئتنا بكل مكوناتها وهم يرتدون قبعة الخواجة الذين استعاروا عقله وعيونه ليروننا بها فلا نستغرب أقوالهم وما يعتنقون ولا دفاعهم المستميت عن كل ما يقدح في الإسلام فقط مثل دفاع حسن حفني عن آيات سلمان رشدي الشيطانية ولا تأييده لكل ما جاء بها رغم أنها على المستوى الفني مفككة لولا أنها تسب الإسلام جملة وتفصيلا فوجد بها كل جرذ إمعة ضالته لتطرب مكنونه العفن الآسن الذي يكتظ بكل نتن تعافه النفوس الأبية، أولئك بيادق الآخر الكاره للإسلام قد استعملهم وهم له مطيعون مهطعون.
أما الجزائري الذي يكتب بالفرنسية محمد أركون القادم من السربون فهو الناكر للوحي وجعله أسطورة على خطى اليهودي إسبينوز ونفي أي قداسة عن القرآن نفسه وأن سلطته جاءت من الدولة الأموية حيث يقول:
“إنه عائد إلى الدولة الرسمية التي وضعت منذ الأمويين بمنأى عن كل دراسة نقدية، لأنها أرادت أن تجعل منه مصدرا للسيادة العليا والمشروعية المثلى التي لا تناقش ولا تمس، لقد فرضت هذه الوظيفة السياسية للقرآن نفسها منذ أن تم تشكيل المصحف”
هذا المسمى باسم نبينا قال عن قصة أصحاب الكهف بأنها أسطورة وهاجم الغربيين الذين كتبوا كتبا يثبتون فيها صحة القرآن وقوته وثبات حقيقته وعدم تعرضه للتحريف أو التشويه وأنه المنزل وحيا من الله على نبينا محمد صلى الله عليه مسلم وصفها بأنها كتبا تبجيلية هزيلة(هذا الوصف قاله بعد أن كتب الطبيب الفرنسي موريس بوكاي بعد أن أسلم كتاب بعنوان التوراة والقرآن والعلم)
وعن جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان للمصحف بأنه حالة من الهيجان السياسي الديني.
إنه الفجر في الخصومة القديم المتجدد، إنه الكبر والباطل الذي يعتنقونه، فكفار اليوم كالأمس ولو أن دينا ما ناله ما نال الإسلام من النقد والتشكيك قديما وحديثا لانتهى وما كان له وجود لولا قوة الإسلام في ذاته.

فاتن فاروق عبد المنعم 
كاتبة روائية مصرية،عضو اتحاد كتاب مصر 

على كل حال: الشاعر المصري حسن عامر



حسن عامر - مصر 

صورتي في الماء
أنا باختصارٍ شديدٍ أنا
لا دمي كان نهرًا
ولا ريشةً في جناحِ الطيورِ يدي
ولَم أمْتَحِنْهُ
              ولَم يَمْتَحِنْي غَدي
ولستُ بِمُنْتَظِرٍ أيَّ شَيْءٍ
أنا موعدي

تَمَشَّى بيَ الزمنُ الكَهْلُ
حتى تداعى
فما أشبهَ الْيَوْمَ بالبارحة

نوافذُ من تعبٍ أغلقتْ ضفتيها
وعاطفةٌ مالحة

على كلِّ حالٍ
   خرجتُ من الذكرياتِ بقلبٍ سليمٍ
فلا رعشةٌ من زمانِ الأصابعِ  فوق يديّْ
ولا شعرةٌ فَوْقَ أيِّ قميصٍ تدلُّ عليّْ
ولا رائحة

بريءَ المناديلِ من دمعةٍ جارحة

تَعَلَّمتُ كيفَ أحبُّ وكيفَ أغنِّي
وكيف أودِّعُ سيِّدَةً في الطريقِ إلى غَدِها ثم أنسى
وكيفَ إذا صالحتني خطايَ على شارعٍ أقتفيهِ وأمضي
وأعرفُ عن لافتاتِ البلادِ وعن عجلاتِ القطاراتِ
ما أكتفي في البكاءِ به يا صديقي
وأعرفُ وجهَ عَدُوِّي وأعرفُ موضعَ طعنتِهِ الآتية

أنا بائسٌ مثل صفصافةٍ حَوَّلَ النهرُ مجراهُ عنها
بسيطٌ كقطرةِ ماءٍ يناولها النهرُ للساقية

وحيدٌ كأنَّ الزمانَ انتهى
والنجومُ البعيدةُ يُوشكُ أن تَتَشظَّى
ويُوشكُ أن تلدَ الأرضُ نيرانَها الحامية

وحيدٌ
وَلَيْسَ على أحدٍ من قَبيلِ المحبَّةِ
أن يتذكَّرَ وجهي
وليس على أصدقائي سوى أن يغيبوا
لكيلا أفكرَ فيهم
تركتُ حنيني لذئبٍ جريحٍ
                                 على الضفةِ الثانية

ونِمْتُ خَلِىَّ المواعيدِ في اللحظةِ الخالية

وكم كنتُ أحلمُ  _ لو لم أَصِرْ نطفةً _
أن أصيرَ بيوتًا من الطينِ في قريةٍ نائية

يدًا في يدٍ لا عصًا تنهرُ الماشية

وكنتُ اجتهدتُ كثيرًا
لكيلا يشقَّ النشيدُ فمي للغناءِ
بسكِّينهِ القاسية

لقد أَخْطَأَتْ دَوْرَها في السلالةِ روحي
إذن سوف أمضي
كما اتفقَ السيرُ والهاوية. 

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

حول مسلسل عندما تشيخ الذئاب: الكاتب الفلسطيني حسن قطوسة.




بوابة اليمامة الثقافية - فلسطين. 

حسن قطوسة - كاتب فلسطيني

عندما تشيخ الذئاب
الرواية التي لم يرها صاحبها على الشاشة
كنت قد قرأت لجمال ناجي (الطريق إلى بلحارث ) وأعجبني فيها تلك التفاصيل التي كانت كفسيفساء أضاءت الحدث وغاصت في بواطن الشخصيات ،فليس هناك ما أقسى من أن يصر معلم على اصطحاب زوجته الحامل في أيامها الأخيرة للسفر عبر طريق صحراوي موحش إلى القرية التي يدرس فيها في عمق الصحراء ،وسبحان الله يفاجأها المخاض وتحدث الولادة ويخرج الجنين الذي تشكل من أمل وفرح وتفاؤل ميتا ،كأن بالكاتب أراد ولو من دون قصد أن يأد المستقبل الكارثي الذي كان ينتظر هذه المولود ،ولنا أن نعمل التأويل وفك الرموز في نص روائي ما زال متخما بالأسئلة حتى اللحظة ،وحدث أن أقتنيت روايته (عندما تشيخ الذئاب )قبل الغزو الإلكتروني بقليل ،إذ أخبرني حدسي الذي لا يخيب وقلبي الفلاح الذي يضج بين ضلوعي ،بأني سأكون في حضرة نص مختلف واستثنائي يستحق القراءة يمور بالقضايا الكبرى والأسئلة والوجود والشخصيات التي أفرزتها السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتراكمات التاريخ ومكر الجغرافيا ،وفعلا هذا ما كان لقد تناولت الرواية فترة التسعينيات في القرن الماضي في مدينة عمان والتحولات التي عصفت بهذه المدينة من خلال شخصيات متباينة تعيش في حارة فقيرة ، (الشيخ عبد الجليل الذي يستخدم الدين  ستارة لاغواء النساء والايقاع بهن في حبائله الدنيئة ومع تطور يصبح هذا الشيخ أيقونة ويتحالف مع القوى السياسية ورأس المال وقد أحسن سلوم حداد تجسيد هذه الشخصية ، وهناك اليساري الماركسي الذي عانى شظف العيش ومرارة السجن وعرك الحياة وعركته وخبر الأحزاب ودهاليزها وطلقها بالعشرة ومع تطور أحداث الرواية يصبح صاحب شركات ورأس مال ضخم ويصبح كذلك صديقا لأعداء الماضي وحليفا استراتيجيا لهم وقد حاول عابد فهد أن يقدم هذه الشخصية بكل ما أوتي من قوة ،وهناك الحقوقي الذي بدأ فارسا طالبا للحق والعدالة والخير ومع تطور أحداث الرواية ينقلب صبيا عند الشيخ عبد الجليل ويتحول لرئيس عصابة متطرفة دينيا ،بالإضافة إلى كثير من الشخصيات التي كانت تقع تحت سطوة الشيخ عبد الجليل وتؤمن بقدراته وخزعبلاته دون الانتباه لأغراضه الدنيئة )الرواية باختصار تتحدث عن صعود المد الديني وتجاره وسقوط اليسار بأطروحاته الفكرية والايديولوجية  في فترة التسعينيات من خلال حارة مهمشة في عمان ضمن أحداث شائقة وتغيير منطقي وطبيعي من خلال أداة الزمن التي تعصف بالشخصيات يمنة ويسرة وشمالا وجنوبا  دون افتعال في الأحداث أو تماه مع الشخصيات أو تسطيح للأحداث ،وهذا ما يجعل القاريء العادي يحس بأنه يعرف هذه الشخصيات ويراها صبح مساء .
أذكر ولست أنسى المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها جمال ناجي في المؤتمر الفلسطيني للرواية العربية دورة نبيل خوري برام الله في المسرح البلدي ،كنا نقف خارج المبنى نتبادل أطراف الحديث عن الندوة التي شارك بها ،حيث كانت بعنوان الاغتراب في الرواية ،وقد ابدى تبرمه وضيقه وقال أمام الملأ (لقد أستهلك هذا الموضوع ولم يعد مجديا دراسته أو حتى الحديث عنه )وبما أننا كنا في خضم اضراب الأسرى قال أيضا (لو شعر كريم يونس بتراخي الوعي الشعبي ربما سيتراجع عن اضرابه المفتوح عن الطعام ) فرد عليه المتوكل طه الذي كان يدير الندوة وقال (كريم يونس صاحب رؤيا وقضية كبرى ولن يتراجع تحت أي ظرف )  .
أذكر أني أشرت عليه بتحويل أي من نصوصه الروائية لعمل درامي لاسيما بعد تحويل رواية (سلطانة )التي كتبها غالب هلسة لمسلسل منافس نوعا ما ،فأبدى حذره من وضع الدراما الأردنية الغارق في المسلسلات البدوية لحد التخمة ولم يكن متشجعا إذ أن وضع الإنتاج الفني في الأردن لم يكن يراهن عليه ،وتحويل أي نص روائي لعمل فني يتطلب طاقات وقدرات وظروف انتاج وتسويق ،وفعلا هذا ما حدث في ٢٠١٩م إذ تم تحويل روايته عندما تشيخ الذئاب لمسلسل تلفزيوني لكن عن طريق طاقم فني سوري وتم نقل فضاء الأحداث لدمشق ، لكن دون أن يكون جمال ناجي مشاهدا لنصه الذي تحول لصوت وصورة أمام كل النص ،ودون أن يكون لبلده الأم أي دور في صناعة هذا الحلم .

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

فساد الضمير الثقافي: الأديب الفلسطيني أنور الخطيب


بوابة اليمامة الثقافية - فلسطين. 

فساد الضمير الثقافي  

مثلما يتشرذم المجتمع العربي بفعل آفة الشقاق السياسي تتشرذم الساحة الأدبية والثقافية، ومثلما يحكم خطاب دبلوماسي مهترئ ومفضوح العلاقات العربية العربية، يحكم الحراك الثقافي والإبداعي نفاق عالي المستوى ومرتفع النبرة دون خجل، يرافقه موت الضمير النقدي الفعال والمواجه. ينسحب هذا على ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي والندوات والأمسيات التي تتناول إصدار هنا وآخر هناك، وتسودها البهرجة وحقن اللغة بجميل الكلام والوصف بما يغاير المضمون، كما ينطبق على معظم الجوائز الأدبية الروائية والشعرية التي باتت محط استهزاء وسخرية للمتابعين.
يقول المفكرون إن الواقع السياسي يلقي بظلاله على الواقع الثقافي ومجالات الحياة كافة، فيرتدي الأخير ملامح الأول ويسلك مسلكه، لكن القيادات الثقافية تقول أن الثقافة هي آخر خط دفاع عن الهوية والأمة وعلينا التمسك بها والحرص عليها، لكن القول يخالف الممارسة ويضحضها.
إن نظرة سريعة على الهياكل النقابية ومنها اتحادات الكتاب والأدباء تظهر أن بعض الاتحادات ظلت تحت إدارة شخص واحد لعشرات السنين، وانتقلت عدوى هذه الملكية الاستبدادية إلى الحاضر، يحدث هذا في ظل انتخابات تُعقد كل أربع سنوات، وحديثا سمعت رئيس اتحاد الفنانين لدولة ليست ذات سيادة يصرح بخيلاء أنه في منصبه منذ 32 عاما، والسبب أنه لم يجد من يحمل المسؤولية عنه! يا إلهي كم هي الشعوب عقيمة ومجتمع الأدباء والمثقفين عاقر. ألا يستوي النقابي المستبد في هذا المضمار مع الرئيس الذي يحكم على مدى أربعين عاما، أو الرئيس الذي يطمح لكتابة كرسي الرئاسة باسمه مدى الحياة.
هناك نفاق سياسي شعبي، وهنا نفاق ثقافي أدبي، وفي الحالتين يبرز الفساد الموغل والمتوغل على مستوى القاعدة والقمة.
المسألة واضحة جدا، وفي عصر الفضاءات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن تغطية الحقيقة، ألهذه الدرجة فسد الضمير الأدبي، الإبداعي، الثقافي؟!
لن يتغير هذا الواقع طالما يتفشى النفاق والنميمة والكذب في جسد الثقافة، وطلما يخضع المثقف لإملاءات السلطة، وطالما يغيب النقد الحقيقي عن الحراك الإبداعي، وطالما تحولت قضايانا المصيرية إلى احتفالات فلكلورية، وطالما يتم التعامل مع المبدع وفق انتمائه السياسي، ويتم إهمال المستقل صاحب النظرة الشمولية المنتمي للوطن فقط وليس لحزب أو تنظيم أو طائفة أو مذهب أو معتقد.
إذا كانت الثقافة هي خط الدفاع الأخير عن الأمة فأبركم بأن الثقافة بواقعها الحالي ستساهم في تحطيم هذا الخط. وإلى أن يصحو الضمير الثقافي لهذه الأمة، وإلى أن يستعيد المثقف نبله كفارس راق ومقدام، سيبقى التراجع ينخر المجتمع، وتبقى الشخصانية سائدة إلى أن تتشوه الهوية بكل مكوناته وعناصرها وشخوصها. 

الأحد، 2 يونيو 2019

قدري هواكِ: الشاعر شاكر الغزي



شاكر الغزي - العراق 

قدَري هواكِ!
وقيلَ أَنْ كلُّ امرئٍ
أَقدارُهُ فوق الجبينِ مُسطَّرَةْ 
.
ومياهُ عينيكِ استفزَّتْني إلى
غرَقي،
وطوقُ يديكِ يا ما أَقصرَهْ!
.
يا جنَّتي المطرودُ عنها آدمي
وجهنَّمي الروحي بها مُتبخترَةْ
.
يا أنتِ يا امرأةَ الخيالِ،
كما اشتهتكِ الرَّوحُ جئتِ لها،
ولو مُتأخِّرَةْ
.
يا أنتِ ...
يا أفدي مَن اختُزلتْ بها كلُّ النساءِ،
وليسَ غيرُكِ من (مَرَةْ)!

الأحد، 26 مايو 2019

بكائية الأجراس: هاشم شلولة






 


فلسطين - بوابة اليمامة الثقافية. 


أشربنا المكان دم الزمان حتى نفذ ، ولم يتبقى منه سوى سؤال مبتور الأجنحة يقضي بلماذائية تركه بلا دماء . على النهر الأخير الذي ظل يقرع شقفة الأرض بأجراس الماء ؛ الأرض التي كانت تحتوي رأس أبجديتنا الثقيل ، والذي عليه انتحبت قوارب الحدس الجافة التي ظلّت تُقاتل إعاقة القصيدة ، وتعيدها لسَوائها .. لما بعد النار التي تتقيأ ذنوبًا قد ارتكبناها قبل المجيء من ذلك المكان الذي نجهله .

قد ضلت بيارقنا وهتف الحوار هتافات الخلاص ، وظلَّ فينا ميلاد الأولياء . كانت كنائسنا زاويةً للهلاوس وانصهارنا في صمتٍ قد يطول وقد يرتدي معطفًا ثقيلًا أمام البداية ومفترقات الغيب المتآكل .

ضاعت صوامعنا بداخلنا الصغير واتساع مساحتها لتحليق نوارس المعنى في جوفها . تعود الرياح إلى رئة الخطوة الأولى .. إلى جوف الدهشة التي راحت فداءً وبهتًا لوقت الرفاق الذي ضاع في المقهى القديم ، فوق الغيم وخلف وداعات السفر .

نسيتنا القطارات كأننا غفر للمحطات ، لا نغادر ولا نُغادَر ولا تغادرنا رؤى الله البدائية . ستبكي الصديقات على قصائدٍ لم يقلها الشعراء لحبيباتهم اللواتي صرخن أمام الشمس التي قص غرتها غيابي في حضوري .

ألا يكفيك يا وهم الطريق ؟. ألا تكفيك المسافة وما ظل من حب في قلوب الجوعى ؟. يكبر الوهم ، ينمو وينسى نصيبه من نفسه حين يرنو من صرح أغنيتي اليتيمة .

قد كُسر مفتاح النبوءة ، وأسقطوا من قلبي قلبي ونرجسة مراهقة ، لم تضل الطريق لكنهم أعموا فيها شغف الجنون الشفيف الذي امتطى ظهرها الغض أمام ساحل الصبا الذي انتهت زمنيته الأخيرة .

تعانق سروة صغرى قصر قامة الدرب التائه في عمقي وما بين صحاري الألم الواسعة اتساع روحي التي لم يترأف بها فردوس .

عابرون على ظهر الحب منذ الأزل الضاربة جذوره في باطنٍ لم تنساه إلّا إلاهات الحزن الكبير .

الأربعاء، 15 مايو 2019

قراءة نقدية في رواية منذ ساعة تقريباً للكاتب ناصر رباح: الدكتور عبد الرحيم حمدان




فلسطين - بوابة اليمامة الثقافية 

قراءة نقدية في رواية( منذ ساعة تقريباً )للكاتب ناصر رباح 
د. عبد الرحيم حمدان .

وقعت بين يدي رواية للكاتب ناصر رباح صادرة عن دار خطى للنشر في غزة، وتحمل عنوان "منذ ساعة تقريباً"، وتقع في(330) صفحة من القطع المتوسط. وقد قُسمت الرواية ُثلاثين فصلًا، كل فصل منها يحمل عنواناً يتناسبُ مع الفكرة والمضمون.
ولما علمت أن تلك الرواية هي باكورة أعماله الروائية، أدركت أن الكاتب من الأصوات المتميزة في عالم الرواية الفلسطينية، وأن أسلوبه يحمل سمات روائية متفردة، لقد ولد المؤلف - حقا - كاتباً روائياً كبيراً؛ ذلك أن روايته استوعبت مكونات الإبداع الروائية الجوهرية من شخصيات وسرد ولغة وزمان ومكان وبناء فني، وأنها جميعها تفاعلت معا في شبكة متينة من العلاقات الفنية، وأحسست أن وراء هذه المكونات الفنية كاتباً سعى جاهداً إلى تطوير أدواته وآلياته تطويراً سلك فيه سبيلاً داخلياً، أي: طورها من داخل تلك الأدوات؛ لأن الرواية من الفنون الأدبية التي تمتلك القدرة على التطور، ومواكبة مستجدات العصر، فعُنٍي في رسم شخصياته الروائية بالتفاصيل الدقيقة وراء تلك الشخصيات، والتي ساهمت في الكشف عن ملامحها ومعالمها الأساسية، وحاول الكاتب تكسير تراتبية الزمن بعيداً عن التمسك بالتتابع الزمني المنطقي، وقام برصد الأمكنة الروائية المختلفة، مبدياً حرصه على استبدال الفضاء بالمكان.
إن أجمل ما يلفت نظر القارئ المستقبِل، ذلك الانسياب والتدفق في السرد والوصف والحوار، يبدأ المتلقي بقراءة الفصل الواحد، فيستمر في القراءة، لا يهون عليك أن يتركه قبل أن ينهي قراءته؛ لما فيه من إثارة وتشويق؛ ولما يقابله من دهشة ومفاجآت.   إن تراسل الأجناس الأدبية الإبداعية الكتابية من: رسالة وشعر، وتراسل الفنون من مسرحية، وسينما، وفن تشكيلي وإيقاع موسيقى، وتصوير فوتغرافي يتجلى بصورة واضحة في المشاهد الروائية المتعددة ويعد علامة فارقة من علامات تحول الرواية الجديدة.
 تمتعت الرواية بلغة وصلت مفرداتها وتراكيبها وأساليبها إلى تخوم الشعر وشواطئه، لغة شعرية موحية بالدلالات، مفعمة بالمجازات التصويرية، فضلاً عن أن الرواية استخدمت تقنيات سردية متنوعة منها: تقنية الارتداد الفني، والاستباق، والتذكر، والتداعي، ورسم المشاهد، وأسلوب القطع الفني، وتقنية الحذف المتمثلة في النقاط(..... ). وأسلوب التشتت في الأحداث والزمن واللغة..
إن أجمل ما يلفت انتباه المتلقي، ويجعله يستمتع كثيراً في قراءة الرواية، هو ذلك الحوارُ المتعدد الأنماط من: حوار داخلي وآخر خارجي، والذي يعد لبنة أساسية من لبنات البناء الروائي في هذه الرواية، علاوة على ما في توظيفهما من مهارة واقتدار وجدارة، فتجدهما يتمازجان مع بعضهما بعضاً، وتداخلهما وامتزاجهما في الوقت نفسه مع السرد والوصف
 هذا الحوار الفني الذي استوفى شروط الحوار الفنية، جاء في جمل قصيرة متتالية يشبه الى حد بعيد الحوار الذي يجري على خشبة المسرح، الحوار المسرحي، وجاءت الرواية أقرب ما تكون في لبناتها السردية إلى ما يسمى بالرواية المسرحية.
إن الحوار المسرحي في مقاطع كثيرة في الرواية يولد إيقاعا نغمياً يوحي بمضمون الفكرة والمقصد الكامن وراء تلك الحوارات.
وفي مكنة المتلقي إيراد نماذج للحوار الفني بأنواعه المتعددة، والذي ساهم في دفع حركة الأحداث ورسم ملامح الشخصيات وتحديد أبعادها المتنوعة.
ففي أحد المشاهد الروائية يقول السارد على لسان "سلامة" الموظف في مكتب البريد مخاطباً المكتوب:
- أتشرب قهوة؟
وتبعها سلامة بضحكة صغيرة ساخرة. الخطابُ رغم إحساسه بالحرج، فقد تنفس الصعداء، واهتز في مكانه؛ ليتحول من وضعية الوقوف إلى الاضطجاع على أحد جانبي الرف، لكنه سرعان ما أدرك أن تلك الدعوة لم تكن إلا سخرية كاملة من الموظف.
- تعال هنا!
تحرك المظروف من مكانه، واستقر بين يدي سلامة يقلبه بكراهية واضحة، ثم يمسكه بيد ويطرق به راحة اليد الأخرى ويهز رأسه:
- نعم، نعم، أعرفه، أعرفه. منير الساكت، ابن خلدون، الله يرحمه  ! لكن من سيرسل له خطابا!؟
في تلك اللحظة غلت القهوة، وانسكب وجهها.
- إيه.. هو يوم أسود من أوله، هذا خطاب نحس، هل أمزقه؟ هل أضعه في الدرج وأنساه؟ أنا لا استبشر خيراً. استر يا رب!( الرواية ص 12 ، 13).
وفي مشهد روائي ثان يقول السارد الكلي العلم مازجاً سرده بحوار خارجي وداخلي رهيفين:
"وضع العم سلامة المظروف في جيبه، وتقدم خارجاً، أغلق المكتب، ولوح لجاره الذي تفاجأ بانتهاء الدوام المبكر للمكتب:
- الى أين؟
- مشوار صغير وأرجع.
هكذا ردَّ سلامة موارياً سوءة ما في جيبه، ومخفياً مصيبته، مشى وهو يكلمه :
- أأعجبك أن أكذب بعد هذا العمر؟! أهكذا تصنع بي؟ ماذا فعلت لك؟ لماذا يصبح العمل الذي كنت أفتخر به ذات يوم شيئاً معيباً؟ ... هل تجيبني؟
ثم هزَّ الخطابَ في جيبه كمن أَجبر متهماً على الاعتراف بجرم لا يفهمه، والخطابُ يكاد أن يقول له:
- يا رجل، خلِّصني من هذا الحرج، وارمني حتى ولو على باب بيته، وانتَهِ مني.
واصل سلامة خطاه باتجاه العنوان، وهو يجهز اعتذارا ً لطيفاً عما يحمله.
سأقول مثلا: لا أعرف، وصلني اليوم، ثم أمد يدي بالخطاب، وأغادر مسرعاً، أو الأفضل أن أقول له: كيف حالك؟ آه تخيل... اليوم وصلك الخطاب! ثم أضحك، وحين يبادلني ضحكة مختلطة بالدهشة، سأعتذر بأنني مشغول، وأستعجل انتهاء تلك المهمة السخيفة: إيصال خطاب بريد يتيم في وقت لم يعد فيه أحد يرسل أو يستقبل خطابات" (الرواية: ص 18.(
من حق القارئ أن يتأمل ويستمتع بهذا الحوار الذي اختفي فيه السارد / المؤلف وراء الشخصيات، وتركها تعبر عن أفكارها ورؤيتها للحياة بنفسها بطريق تلقائية، وبأسلوب مباشر مستثمرا في ذلك أنسنة الجماد (المكتوب) مثلا، إذ جرد الموظف سلامة( ساعي البريد) من "المكتوب" شخصاً آخر يخاطبه، وجعل من المكتوب إنساناً يستجيب له، ويردّ عليه كلاماً منطوقاً؛ ليكشف عن طريقه الأحاسيس والمشاعر المستكنة داخله. وقد جنح الروائي لانتقاء الألفاظ واختيارها الدقيق مثل الفعل: ( يكاد) الذي خفف وروده في العبارة من حدة المبالغة في التصوير.
وفي مشهد ثالث يتجلى فيه الحوار الخارجي الذي يدور بين شخصيتين من شخصيات الرواية هما: "هالة" وزوجها "منير"، مازجاً الحوار الخارجي بالحوار الداخلي،  والسرد،  يقول السارد:
وعلى أثر خروج أبويها (هالة) من زيارتهم الأولى قالت لمنير وهي تفُضُّ هداياهم:
- أبي أهداني عطرا ً ممتازاً، وأمي جلبت لي قميصَ نوم، منير.. هل يمكن أن تشتري لي كتابا؟
كتاب! أي كتاب؟
أي كتاب تجده في طريقك، لا يهم .
- وما الهدف؟ ما الداعي؟ هل ستعودين للدراسة؟
- لا لقد اكتفيت من المدرسة، لكن الكتب أرواح يؤنسون البيت. بيتُنا مات حين باع أبي المكتبة، حين خرجت منه الكتب.
( أوه.. ها هي جدتي عادت من موتها.(
- هالة، هل تحلمين أنت أيضاً بجوادٍ يأكل العشب؟
مدَّ لها كأسا كان فيه بقية ماء وقال:
- هالة، اشربي.. اشربي يا هالة.. يبدو أنك عطشى
- أنت تسخر مني؟ إذن لا عشاء لك اليوم.
- هه.. هه.. هالة لا تفكري أنك تستطيعين ليَّ ذراعي يوماً، حتى ولو كنتِ تمزحين. سأخرج، وسأتأخر، كلي أنت وحدك ونامي مبكراً.
حين يتأمل المتلقي هذه الحوارات المسرحية يكتشف أن الكاتب اتكأ على تقنية الترميز في لفظتي "الحصان" و"العشب". وكذلك يعثر القارئ على متناصات لفظية تنم على ثقافة أدبية واسعة، فعبارة "الكتب أرواح يؤنسون البيت " تستدعي إلى ذهن السامع سطراً شعرياً من قصيدة محمود درويش" لماذا تركت الحصان وحيدا". التي يقول فيا محاوراً:
-لماذا تركت الحصان وحيدا"؟!
- لكي يؤنس البيت يا ولدي.
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها..
أو هو مستمد من الإهداء الذي ورد في مطلع الرواية والذي يقول فيه الكاتب:
إلى أبي...
مت، فمات البيت."
فقد ساهم هذا التناص في تعميق مضمون المشهد الروائي، ومنحه حيوية ونبضا تراثيا غنيا بطاقات إيحائية.
نأمل أن تكون هناك قراءة نقدية لرواية أخرى للكاتب، وقد استغل التقانات الروائية المطورة في روايته؛ ليصل بها إلى مصاف كتاب الرواية المتميزين.

الخميس، 2 مايو 2019

حمدان العقاد يحصل على المركز الثاني في مسابقة تصميم شعار أسبوع المرور العربي.





رام الله - بوابة اليمامة الثقافية 
حصل حمدان العقاد، المدير الفني لموقع بوابة اليمامة الثقافية على المركز الثاني في مسابقة تصميم شعار أسبوع المرور العربي والذي جاء تحت عنوان ( القيادة الآمنة تضمن سلامتك وسلامة الآخرين)، حيث تم توزيع الجوائز في حفل رسمي أقامته شرطة المرور الفلسطينية اليوم الخميس (2-5-2019م) في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في مدينة رام الله، بمشاركة معالي وزير النقل والمواصلات عصام سالم،ومعالي الوزير أحمد عساف المشرف العام على الإعلام الرسمي الفلسطيني، ومحافظ رام الله والبيرة الدكتورة ليلى غنام، والنائب العام الأستاذ أكرم الخطيب، ورئيس ديوان الرقابة المالية المستشار إياد تيم وقيادة جهاز الشرطة الفلسطينية، ولفيف من الشخصيات الوطنية.





الأحد، 28 أبريل 2019

شواطئ الأدب يقيم أمسية شعرية بعنوان ( حدائق المجاز).



طلال بدوان - ملتقى شواطئ الأدب.

أقام ملتقى شواطئ الأدب أمسيةً شعرية كبيرة بعد عصر اليوم السبت (الموافق27 أبريل من العام 2019) والتي جاءت تحت عنوان ( حدائق المجاز ) حيث غرد فيها ثلة من الشعراء والفنانون كما تخللها دراسة نقدية لأدب الشاعر محمود مفلح قدمها الشاعر الناقد جواد الهشيم وذلك بحضور كوكبة من المهتمين والمثقفين والأدباء من أبناء القطاع والجدير بالذكر أن الأمسية حملت رقم 470 في سلسلة أمسيات الملتقى التي تتجدد أسبوعيًا في نفس الزمان في مقره الدائم في قاعة مؤتمرات بلدية النصيرات شمال مسجد الفاروق .
وكان المشاركون في أمسية (حدائق المجاز) كالآتي:
1_ سليمان الحزين إدارة.
2_ حازم البحيصي شعر.
3_ مريد الوحيدي شعر.
4_ جواد الهشيم دراسة نقدية عن محمود مفلح.
5_ مصلح أبو غالي شعر.
6_ أسامة الناطور شعر.
7_ عبد السلام زريد شعر.
8_ عازف الربابة.
9_ محمود أبو زينة شعر.
10_ أحمد جبريل شعر.
11_ منتصر أبو عمرة سيرة ذاتية وقصيدة لمحمود مفلح.
لاقت الفقرات استحسان الجمهور
كما ووعد ملتقى شواطئ الأدب بالمزيد من هذه اللقاءات المتنوعة ضمن خطته لهذا العام.



السبت، 27 أبريل 2019

الفنانُ التشكيليُّ فايز الحسني يقيم معرضًا في أستراليا.





أستراليا - بوابة اليمامة الثقافية .

أقام الفنانُ التشكيليُّ الفلسطينيُّ فايز الحسني معرضًا فنيًا في مدينةِ سيدني الأستراليّة تحت عنوان (ملامح وطن) ، وافتتحَ المعرضَ السفيرُ الفلسطينيُّ الدكتور عزت عبد الهادي، يوم الجمعة (26 أبريل -2019) وسط حضورٍ رسميٍّ وشعبيٍّ كبير.




الثلاثاء، 23 أبريل 2019

الحداثة وتأثرها بالتوراة: فاتن فاروق عبد المنعم




فاتن فاروق عبد المنعم - مصر . 
مازال الحديث لنازك الملائكة إحدى أقطاب المرحلة الثانية من الحداثة، في نفس السياق السابق ذكره في المقال الأول ومن نفس المصدر السابق قالت في مقابلة أجريت معها:
يعاني شعرنا المعاصر الحديث من مجموعة إشكالات منها التعمية والتقليد وأخطاء الوزن وضعف اللغة واستعمال اللغة العامية.
أما التعمية فهي تعمد الغموض الشديد في  الشعر بحيث يقرأ القارئ القصيدة الكاملة ولا يفهم منها حرفا، وقد تعالت صيحة القراء واحتجاجاتهم في كل بقعة من العالم الإسلامي والعربي، والمواطن اليوم مجروح وحزين لأن قضية العدو الصهيوني تذله، وهو ينتظر من شعرائه أن يعبروا عن ثورته ورفضه وسخطه فلا يجد لدى الشعراء سوى أشطر كثيرة لا معنى لها وعندما لجأ القاريء إلى نقاد الشعراء المحدثين فلم ينتصر لهم لأن الناقد متواطيء مع الشاعر في كثير من الأحيان، فهو ينقد القصيدة نقدا غامضا لا سبيل إلى فهم عبارة منه.. والمشكلة الكبرى في نظري أن الشاعر هو نفسه لا يعرف أن يشرح قصيدته ولو أنه كان قادرا على إيضاح المعنى لاستطاع الناقد ذلك أيضا ولفهم القاري القصائد.
أما البند الثاني “التقليد” وهو لا يقل خطورة عن الأول، فالشعر الحر الذي ينظمه اليافعون فذلك هو الشعر الذي يعشعش فيه التقليد، إن الواحد من الشعراء يقلد زملاؤه دون تجديد ولا أصالة، ولذلك تنتشر في شعرهم ظواهر معينة ينقلها الواحد عن الآخر مثل التظاهر بالاهتمام بالأسطورة.
وقد اعتبر الحداثيون أن نازك بكتابها قضايا الشعر المعاصر ردة وتخلف.. ويعترف الشيعي الشيوعي اللبناني حسين مروة بالتبعية للغرب فكرا وسلوكا وممارسة فيقول:
“لقد كنا في لبنان مصابين بانتشار ألوان من الأدب والفن الانحلاليين وكان معظم أدبائنا وفنانينا متأثريين بالمؤسسات الأجنبية والمدارس الفرنسية في الفن والأدب والفلسفة، من رومانتيكية وسوريالية وانطباعية ووجودية، يقلدونها جميعا ويتعصبون لها ويقفون بوجه الحركة الواقعية في الأدب والفن”
ولا يخفي الحداثيون بغضهم للعربية وإن كتبوا بها ورغبتهم في التخلص من الأحرف العربية واستخدام اللاتينية وآخرين يرغبون في التخلص من الفصحى والالتزام بالمعاجم وقواعد النحو فضلا عن دعوات تتردد من آن لآخر باستخدام اللغات المحلية، ويوجز هذا الجزائري البربري الملحد كاتب ياسين الذي كتب مقالا مطولا أنهاه بقوله:
“لقد فرض علينا الإسلام دينا، وذلك في بلد يقول بالاشتراكية نظاما، وهو أمر على جانب كبير من الخطورة، أضحيت شخصيا موضع حملات صحفية، وصفتني بأنني عدو العرب والدين والضاد، فهل من الممكن أن أكون عدوا للغة، هذا مع العلم أنني توقفت عن الكتابة بالفرنسية وانصرفت إلى الكتابة بالعربية واللغة المحلية.
في الحقيقة أنني ضد الفصحى، إن استمعت إلى إحدى النشرات التليفزيونية لقلت أنه معيب في الواقع استعمال لغة بليدة جافة متعبة، تعتمد الجمل الطويلة بحيث تخالها بلا نهاية.
لدينا كل الدوافع لمحاربة العروبة الإسلامية لأنها هي التي مع دخول الإسلام الجزائر قضت على الثقافة واللغة الجزائرية وحتى يمنع بعض الجزائريين وحتى يمنع بعض المدرسين تلاميذهم التكلم بلغة البلاد الأصلية المسماة بالبربر، علما بأنها لغة البلاد الأصلية”
أما الجزائري البربري نبيل فارس فقد صرح بقوله:
“إن بلدان المغرب العربي تعرضت لغزو عربي إسلامي، وأن الإسلام ليس إلا ظاهرة تاريخية وأن دخوله إلى المغرب كان دخولا عسكريا استعماريا وأن العرب عجزوا عن الوقوف على ظاهرة البربر وفهم تاريخهم”
الاحتلال الفرنسي للجزائر ظل مائة وثلاثين عاما، رحل ولم يرحل، فقد اطمئن إلى وجود مثل هذه الكيانات التي تنوب عنه فلماذا يتركون بلادهم ويأتوا إلينا بصفتهم ويقاومهم البعض منا لأنهم محتلون.
ولا يخفى على أحد دعوة جملة من الكتاب والفلاسفة والشعراء الذين درسوا في مدارس الإرساليات التبشيرية ثم في جامعات فرنسا وانجلترا فرضعوا فكرهم الشعوبي(الذين ينفون عن العرب أي فضل حضاري يذكر والكارهين للعرب واللغة العربية والإسلام) الطائفي من أصول الاحتلال قديما وحديثا لإقامة “سوريا الكبرى” وكونها موصولة بأصلها بالحضارة الأوروبية ذات الأصول الرومانية حيث رزحت سوريا ولبنان لألف سنة تحت احتلال الرومان وأن أصلهم فينيقيين، وعلى رأس الداعين لذلك المتوثن أدونيس وسعيد عقل وأنطون سعادة.
ويأتي نصر حامد أبو زيد ليأخذ مكانه بالصف، صف الحداثيين فيقول:
إن النصوص الدينية ليست في التحليل الأخير سوى نصوصا لغوية!!!!!!!
وفي موضع آخر يقول:
إذا كنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي أيديولوجي يواجه الفكر الديني السائد والمسيطر بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وحقائق النصوص ذاتها.
ما هي الحقائق التي استند إليها ليقول ببشرية القرآن؟
أما خالدة سعيد زوجة المتوثن أدونيس فلم تخفي رغبتها بإعادة تعدد الآلهة التي كانت عن طريق الشعر فتقول في مجلة شعر ببيروت عام 1960.. الشعر يحل مكان الدين ويصبح ميتافيزيقيا المجتمع الحديث حيث يلعب الشاعر دور الآلهة التي اختفت.
ولم يخذلها شعراء الحداثة فالآلهة لديهم لا حصر لها ولا عدد.
أما الشاعر اللبناني يوسف الخال فقد أثبت أن جمود العرب كان بسبب تركهم التراث الإغريقي الروماني المسيحي حيث قال:
“إن اختناق العقل العربي قد ترافق مع سيطرة التراث الهندي ومنه الفارسي بدل التراث الإغريقي الروماني المسيحي على الحياة العربية، فإذا بالعرب يروحون في سبات مظلم عميق يستمر ألفا من السنين بمعنى أنه يرى أن العقل العربي هو إغريقي غربي وبذلك لم يخرج عن قول طه حسين:
“الذي يرى العقل العربي عقل متوسطي تكونت روابطه الأولى مع العالم الإغريقي الغربي منذ مراجعه في فينيقيا وما بين النهرين في “الهلال الخصيب” مما يعني أن الاندماج في العالم الحديث الذي هو نتاج العقلية الإغريقية الأوروبية ليس إلا عودة إلى جذور العقل العربي المتوسطي وينابيعه الأولى المرتبطة بهذه العقلية، وبذلك يبدو الاندماج بالغرب وكأنه استكشاف “للهوية القومية الحضارية” نفسها، فالعقل العربي في اندماجه بالغرب يستعيد منه ما كان قد أعطاه له”
أين حمرة الخجل، أين الذين يقدسون هذه الأسماء، هذا الارتماء المهيض عند أقدام آخرين وكأننا أمة لقيطة أو جملة اعتراضية في كتاب التاريخ الإنساني، نلصق أنفسنا بماضي وجذور آخرين كأننا نبت شيطاني لا أصل له ولا صفة، نستعير هوية الآخر ونحاكيه ونحن معصوبي الأعين حتى نلحق بركب الحضارة!!
إنه خبث المخبر والطوية، تلك الكيانات ليست إلا بوق الآخر الذي يتمسحون به وبوقا أكثر نفيرا، يريدون منا أن نتحول إلى مسوخا بشرية، إن هذا ليس إلا جذور التردي الذي نعانيه اليوم.
وانعطافا على ما سبق نجد شعراء كالسياب والبياتي والملائكة فإن أشعارهم تمتلئ بجملة الآلهة والأساطير الفينيقية واليونانية والبابلية والصينية ليبينوا للغرب وعملائه الذين ينتمون إليهم أنهم حداثيون مثلهم فينالوا الحظ والحظوة، فلما اتهم السياب خصوصا من القوميين العرب بأن رموز الوثنيات الأعجمية يمتلأ بها أشعاره فرد ردا باهتا بأن عشتار هي العزى، واللاتو هي اللات، وتوز هي ود فكان عذرا أقبح من ذنب.
من أشعار البياتي يمجد فيها عشتار:
بابل تحت قدم الزمان / تنتظر البعث، فياعشتار / قومي، املئي الجرار
ويقول مخاطبا عشتار:
….بين نهديها الصغيرين، وفي أحشائها بركان يثور/ حيث تنشق البذور/ ترضع الدفء من الأعماق تمتد جذور/ لتعيد الدم للنبع وماء النهر للبحر الكبير/ والفراشات إلى حقل الورود / فمتى عشتار مع العصفور والنور تعود؟
وطبقا لبروتوكلات صهيون وبتتبع تاريخ اليهود، كان لزاما علينا أن نبحث عما تفعله أيديهم وهم من وصفهم ربنا عز وجل”يسعون في الأرض فسادا”
أولئك الذين أحدثوا ما أحدثوه في الإنجيل وهم وراء إضلال المسلمين عن طريق عبد الله بن سبأ اليهودي، وهم مؤسسوا الداروينية والماركسية والفرويدية والمذاهب التي تدعو للإلحاد فضلا عن كونهم خلف الكثير من المؤامرات السياسية والإقتصادية بالإضافة إلى نظرتهم للآخرين باستعلاء واحتقار، فهم يرون أنهم مسخرين لخدمتهم، يرون أنفسهم شعب الله المختار!!
لذا هم منغلقون على أنفسهم فلا يبشرون بدينهم ولكنهم استعاضوا عن ذلك بإفساد عقائد الآخرين، فكان التأثير في الأدب بإدخال رموزهم ومفرداتهم التوراتية والتلمودية في مختلف الأجناس الأدبية، وعلى رأس المتبنين لنشر هذا الفكر وإعماله في الأجناس الأدبية اللبناني يوسف الخال وتوفيق الصائغ الذي قال:
وأنا هيكل غاب عنه القدس/فكنت القدس: قدسا واشتهيك.
فاليهود هم من يدعون وجود هيكل سليمان بالقدس، وقد كتب في دراسة مطولة عن “التوراة كأدب” وقد كتب في دورية “النشرة” تحت عنوان الشاعر الأول والذي في نظره هو رجل الدين الأول، ديوانه الأول الطبيعة والثاني هو الحياة والثالث هو المرأة والرابع هو الكتاب المقدس.
ثم يسهب ليقول:
سفر أيوب من أعظم الطرف الشعرية الكبرى، ولعله أعظم قصيدة فكرية معروفة، وسفر المراثي يضم بعضا من خيرة المراثي الوطنية العالمية وفي المزامير قصائد غنائية شجية، لا تجاريها إلا بعض القصائد المتفرقة في دواوين الأشعار الأخرى، وفي نشيد الإنشاد نقرأ أعذب أنشودة للجمال والربيع، وأبدع قصيدة حب عرفتها الأزمان كما وصفها توفيق الحكيم.
ثم تحدث عن الحكم والأمثال في التوراة ويثني على الشعر في الأدب العبري كونه يخلو من القافية والوزن إلا فيما ندر، ويخلص في بحثه إلى أن القصائد العالمية من الأدب العبري واللاتيني والإغريقي كلها غير مقفاه، والقصائد العالمية في الأدب الأوروبي كلها من الشعر المرسل، ولم ينسى الربط بين التوراة والأدب العبري وتأثيره في الأدب الإنجليزي.
لاحظ مايقول “الأدب العبري واللاتيني والإغريقي والأدب الأوروبي من الشعر المرسل غير الموزون أو المقفى وبالطبع كان لزاما عليهم أن يقطعوا الشعر العربي من جذوره ويصبح مثل سالفي الذكر”
ويفصح توفيق الصائغ أكثر عن تأثير التوراة في الأدب العربي فيقول:
أما أثر التوراة في الأدب العربي فلم يكن قديما ذا شأن في المحيط الإسلامي الذي نشأ فيه الأدب العربي، لكن في العهد الحاضر وبعد الاختلاط بأوروبا والأدب الغربي، وانتشار الثقافة العالمية المعتمدة إلى حد كبير على المسيحية، أخذ الأدب المسيحي يقوى، وفي أواخر القرن الماضي ظهر في الشعر نزاع طائفي بين المسيحيين والمسلمين، أما في هذا العصر فصرنا نرى كثيرا من القصائد تدور حول مواضيع من التوراة، أو تحوي استشهادات منها، أو متأثرة بإسلوبها ومن أمثلة ذلك كتابات جبران خليل جبران المختلفة ومسرحية “بنت يفتاح” لسعيد عقل وقصائد “شمشون” و”لوط” لإلياس أبو شبكة الذي نشر أثر التوراة في الأدب العالمي.
وعن علاء المعري كتب مقالا في مجلة الكيلة يعزي إبداع المعري إلى تأثره بكهنة الكنائس وأسفار التوراة وليس بالأدب العربي ولا بالثقافة العربية ولا بالإسلام في شيء حيث قال:
لم يهتم أبو علاء المعري بما كان يهتم به الأدب العربي من مواضيع لا تبتعد إلا في النادر عن الحواس، ولم يتأثر بالمميزات العربية في الأدب، أو بما كان الأدب يستلهمه، بل استلهم بيئته وحدها، وحوى برأسه الثقافة المنغمسة بالغرب، والتي وصلت إليه من خلال معلمي اللاذقية وكهنتها، وأثرت فيه بعض كتابات أسفار التوراة، هذه كلها لم يستمدها إلا من حضارة بلاده، ولم تكن لتوجد إلا في بلاده فنظم ونثر وحلق في تفكيره وتخيله واهتم بالمجردات، ورحل إلى العلا، وحرر الشعر من النظرة الهيمية، وبحث في المجتمع فانتقده، وبكل المثل البائدة فندد بها، وبالمرأة فقذف بها في أبياته الساخطة، وقاتل في سبيل حرية الفكر فخرج شاعرا وشاعرا فريدا، يستمد تفكيره ومزاياه وشخصيته من بلادنا وتتمثل أمتنا فيه.
فضلا عن كم الأكاذيب والافتراءات فيما قال عن المعري فإنه الدعاية المجانية للانغماس في الغرب ودعوة صريحة لكل شاعر يرغب في أن يكون مبدعا عالميا متطورا أن يأخذ عن كهنة الكنائس وأسفار التوراة.
وهنا يتضح لنا جذور إلغاء القافية والوزن من الشعر العربي الحديث وبمعنى أدق جذور ما يسمى بالحداثة.
وهنا يصف حنا عبود في مقال عن الأدب العربي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، ويتعرض للبعد الديني ذاكرا المسيحية ثم اليهودية والذي ختم حديثه عنها قائلا:
وسواء أكانت اليهودية ديانة فراتية أم صحراوية أم مصرية، فإنها تظل من جملة ديانات الشرق الأوسط، أو الشمال الأفريقي، فإنها على كل حال لم تحارب كديانة غريبة عن المنطقة، وإنما استخدمت من أجل مآرب قومية وإنشائية.
وها هو المتوثن أدونيس يؤكد في قصيدة “أرواد يا أميرة الوهم” أنه اعتمد فيها على الأسلوب الشعري القديم في فينيقيا وما بين النهرين، وهو الأسلوب الذي ورثته التوراة في أروع أشكاله وتأثر به الكثير من شعراء أوروبا وطوروه وآمل في استخدام هذا الأسلوب من التعبير الشعري، أن أضع مع زملائي الشعراء حجرة صغيرة في الجسر الذي يصلنا بجذورنا وبحاضر العالم.
ولم يفتأ يستخدم مفردات تخص الديانة اليهودية مثل “مزامير الإله الضائع”، وفي مقطوعة “إرم ذات العماد” سمى المقطع الأول “مزمور” وكذلك في مقطوعة “الزمان الصغير” ، ويعبر عن منهجه الحداثي بمفردات توراتية فيقول:
أعلن طوفان الرفض / أعلن سفر تكوينه.
ومن الطبيعي أن تلحق نازك الملائكة بالركب لتستخدم المفردات التوراتية فتقول في مقدمة نثرية لقصيدة بعنوان التماثيل تقول:
هدية لقائمة الأسماء الغامضة المنطفئة التي جاءت في سفر التكوين من العهد القديم.
والبياتي لم ينسى دوره بالإعلان عن نفسه كحداثي كبير يستخدم “سفر الخروج ليبحث فيه عن المعنى” عن المخرج والطريق والدرب ويقول:
لسيدي أكتب ما أراه في خارطة التكوين / وكتب المستقبل الساكن في الماضي، وسفر العودة – الخروج.
ويصف جهاد فاضل المرجعية الثقافية والفكرية لصلاح عبد الصبور فيقول:
واستخدم صلاح التراث القديم وتراث الشعر الشعبي المصري، واستخدم حتى تراث الصوفيين وتراث الكتب المقدسة، وبالتحديد لغة التوراة والإنجيل إلى جانب استفادته من ثقافته الانجليزية.
أما سميح القاسم فيقول عن نفسه أنه مكره :
أن أصبح إيليا في القرن العشرين
ثم يكتب في الهامش أنه نبي يهودي حارب الأوثان، وينسب إليه أنه قتل كهنة بعل.
وبالطبع لم ينسى كسابقيه أن يستخدم مفردات توراتية فيقول:
هنا سفر تكوينهم ينتهي/ هنا سفر تكويننا في ابتداء.
وفي مقطع له بعنوان “يهوشع مات” وهي تسمية يهودية لنبي الله يوشع بن نون عليه السلام يورد شرحا عن مراده بيهوشع ونصا طويلا من التوراة العهد القديم – يشوع – الإصحاح الأول وفيه يسخر ويستخف من هذا النبي الكريم كعادة اليهود الذين يستخفون ويسخرون من الأنبياء.
وفي مقطع آخر بعنوان “طفل يعقوب” يورد نصا من التوراة في مقدمة هذا المقطع مخاطبا اليهود بشيء من الاستخفاف بسيدنا يوسف وأبوه.
وبلغ به الانسحاق مداه وهو يستعير من اليهود مفرداتهم فيقول في هذا المقطع المسمى “شعر”
وإليكم نشرتنا الأولى:
صرح ليفي أشكول/برش تفتر حشتر لشند بثل/الملك يقول: شرع درك هرشتفلس كرشت/أمريكا فقدت إحدى قطع الأسطول/هدد مكنا مارا/ابن المسطول/اليوم أحرر هذا الخبر/أرنستوتشي جيفارا/ببني قمرا/في أفق ما!!
الفلسطيني سميح القاسم يكتب بلغة المحتل الذي ينكل بأهل بلده الفلسطينين!!
أما في مقطوعة “مزامير” ملأها بالصور والرموز التوراتية من سفر أشعياء لدرجة أنه اضطر ليكتب مقدمة يعتذر فيها عن ذلك.
في “قضايا وشهادات” شهد أحد النقاد الغربيين في دراسة للحداثة العربية وما بعدها فقال عنهم “أنهم مصابون بانفصام الشخصية، عدميون صنميون”
في “قضايا الشعر المعاصر” لجهاد فاضل اعترف الناقد عبد الرزق عبد الواحد أنه لم يقرأ القرآن أساسا ولم يقرأ أي شيء من أصول النقد العربي أو الشعر العربي القديم ثم بعد ذلك هو ناقد وشاعر حداثي!!
أما التفاخر بالكيان المحتل لفلسطين والعمل تحت مظلته لهو من أعاجيب الأعاجيب.
محمود درويش قطب حداثي كبير، عضو في الحزب الشيوعي الإسرائيلي “راكاح” وشارك في تحرير مجلة الجديد وجريدة الاتحاد وهما من صحف الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
ومثله سميح القاسم وتوفيق زياد وإميل حبيبي عضو الكنيست المفتخر ببقائه في فلسطين كمواطن يحمل الجنسية الإسرائيلية، هذه الكيانات المهزومة المحتفى بها دائما في حضورها وغيابها، شعراء حداثيون لا تذكر أسمائهم إلا بشيء من الخشوع والابتهال كأنهم أنبياء الله.
وللحديث بقية. 

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...