وحدي فِي المساءِ المُشْتَهَى / معين شلبية
فِي المطعمِ الشَّتويِّ
قُرْبَ الرَّصيفِ الأَخيرِ الَّذي قَدْ يُؤَدِّي ولا يُؤَدِّي إِلى قُلوعٍ أَوْ هُبوط
ضَجِرْتُ مِنْ ضَجَرِي وَمَا تبقَّى مِنْ خَريفِ هُوِيَّتِي
مُستوحِشاً ظَمِأً كاشتهاءَاتِ الغريبِ
أُمَسِّدُ فِيْ جَوْفِ اللَّيلِ مَداراتِي
رائِحةُ الرُّكنِ الحائِرِ
كرمادِ حريقٍ يتطايرُ حتَّى البَعْثِ
لَمْ يَبْقَ لِيْ إِلَّا مَمَاتُ الرُّوْحِ
تَسْبَحُ فِيْ حُشاشَتِهَا الأَخيرَةِ
تَشُقُّ مَجراها البَعيدَ
كلمحِ الآهِ فِيْ غَسَقِ الدُّروبِ
لَمْ يبقَ لِيْ إِلَّا نقوشُ الطِّينِ فِيْ جسدٍ
أَنارَ اللَّيلَ مِنْ هَلَعِ السَّكينةِ
أَطفأَ شهقةَ المِصباحِ فِيْ قلبي وأَطيافَ النُّعاسِ
لَمْلَمَنِي، وعِقْدُ الياسمينِ على فِراشِ الحُبِّ يَقْهَرُنِي
كأَنْ لمْ يُفَتِّتْهُ الأَنينُ عَلَى سطحِ المَرايا المُعْتِمَة
لمْ يَبْقَ لي إِلَّا سؤَالُ البَوْحِ أَلْمَحُهُ
عَلَى شِفَاهِ الفاتناتِ العابراتِ
كأَنَّهُ وَعْدٌ إِلهيٌّ يَضِجُّ خلفَ مَشارفِ النَّهداتِ
فَيْضٌ هُيُوْلِيٌّ يا ربَّةَ الرَّبَّاتِ، يا مليكَتِيَ الطَّريدةَ يا "أَفْرُوْدِيْتُ"
ها أَنا وحدي فوقَ المَقْعَدِ الخشبِيِّ مُرْتَبِكٌ ومُنْهَمِكٌ
أَنْثُرُكِ وحَسْرَةُ الأَوراقِ تَنْبُشُ ما كَتَبْتُ مِنَ النَّشيدِ
وحدي مِنْ ضواحِي اللَّيلِ تأْتي إِلى
قلبي المـُهَشَّمِ والمـُهَمَّشِ يا "أَبُوْلُو"
نَزْفَاً إِضافيَّاً فِيْ حوضِ هذا الحُزْنِ والدَّنَفِ الشَّديدِ.
ها هو "درويشُ" يُشْرِقُ مِنْ مَلَكَاتِهِ
يَمْنَحُنِي ما استطاعَ مِنْ الإِمارةِ والسَّفارةِ
وا إِلهي، وحدي أُراوغُ ما استطعتُ مِنَ التَّماهِي
وا إِلهي؛ هَيْتِ يَا امرأَةَ الأَساطيرِ الجديدةِ
يَنْشُبُ فِيْ دَواخِلِكِ الأُوَاْرُ
وحدي أُفتِّشُ عنكِ فِيْ مُدُنٍ أُسمِّيها خِساراتِي
وحدي وفِي "الأُوْرَاْلِ" وحدي
لا شيءَ لِيْ إِلَّا جِمَارُ الشِّعرِ فِيْ نهديكِ يا فاءُ الأُنوثَةِ
تُشْعِلُ جَذوةَ الإِيقاعِ فِيْ رُوحي كما أَنَّا نشاءُ
لا شيءَ لِيْ إِلَّا مخاضُ الوَحْيِ فِي الرُّؤْيا
نَزَقٌ مِنْ حليبِ اللَّوزِ تَغَمَّدَ زَهْرُهُ رَحْمَ السَّماءِ
وحدي عَلَى بَوَّابَةِ المنفَى أُطِلُّ
حيثُ ماءُ الشَّوقِ يَكْتُبُ سِيْرَةَ الصَّلصالِ
أُرْجُوانِيِّ الدَّلالةِ غائِمِ التَّكوينِ
وحدي كصَفْوَةِ عاشقٍ فِيْ حَضْرَةِ المـَعشوقِ
أُنازعُ ما استطعتُ مِنَ الحنينِ
وحدي لأُكملَ لوعةَ التَّذكارِ بالوَعْدِ
فَمَنْ أَنا وحدي؟
وحدي انتشيتُ؛ كأَنِّي رَغْمَ ما فِي الهَجْرِ مِنْ نَشْوٍ
وما فِي الصَّحْوِ مِنْ سُكْرٍ، تَعَمَّدَنِي البقاءُ عَلَى يديكِ
كأَنِّي الآنَ مِتُّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق