الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

أحمد زكارنة: هل أتاك حديث المجادلة؟!



هل أتاك حديث المجادلة؟...
محاولات التنميط في المجادلات الفكرية أو السياسية، عادة ما تأخذ المشهد برمته إلى الكثير من التصنع التراجيدي، وأقل القليل من صياغة الخطاب المتصالح مع الذات والآخر في آن.
فأن يُعبر المرء عن رأيه الحر والمختلف، فهو ليس بحاجة ماسة لمهارات خارقة سوى أن يعي وهو يدون رأيه، أن ما يطرحه في حقيقة الأمر، صواب يحتمل الخطأ. ما يفرض عليه صياغة تحترم الآخر كي يُسمع الرأي باحترام يفرض عليه في الجهة المقابلة احتراماً موازيا لمن يختلف معه في الطرح أو الرأي. وهذه أبسط البديهيات التي لا يتحلى بها سوى المرء السوي.
نعم من حق المرء أن يلاحق الماء المتدفق من أعلى كما يحلو له، أو يسند ظهره على ماض من بطولات
قد يكون صانعها الوحيد وهو يبحث عن مكان تحت الشمس، وقد يختلف مع الآخر في رأي هنا أو آخر هناك، وربما في مجمل السلوك أو آليات التفكير أو الطرح، ولكنه لا يملك أدنى حق في استصدار صكوك الغفران لهذا الطرف أو ذاك، ببساطة كون الآخر يملك نفس الأداة على نفس القاعدة، قاعدة أن أعطي نفسي حقاً ليس من حقوقي الوطنية أو الأخلاقية.
فإذا كانت الوطنية هي المبرر لاستخدام خطاب الكراهية والعداء، فلا توجد وطنية تسمح بتهديد السلم الأهلي تحت حجج واهية، تسقط بالضرورة في مربع هذا الخطاب المأزوم الذي ما فتئ يوظف كل لغات التخوين والتجهيل والتكفير، وكأن مستخدمها هو الملاك الأوحد على وجه البسيطة.
فالمرء كما يقول الفيلسوف -إميل سيوران-  "لا يتبنّى معتقداً ما لأنه صحيح، فالمعتقدات كلها صحيحة"، ما يعني أن لكل معتقد زاوية رؤية تختلف باختلاف زاوية القراءة أو الفهم، وهذا لا يعني بالضرورة صحة هذا المعتقد على حساب نقيضه، ولكنه يثبت أهمية عدم إلغاء أحدهما للآخر، ذلك لأن هناك خط بياني بين هذا المعتقد وذاك، وإن أصاب الأول، وأخطأ الثاني أو العكس.
ولأن ما يحدد درجات التعبيرات الوطنية والأخلاقية، لا علاقة له بأية شعارات رنانة لا تغني ولا تسمن من جوع، بقدر ما يعود إلى كل فعل ممارس وإن كان صغيراً، تقتضي الحاجة منا بذل المزيد من الجهد في لجم النفس البشرية، لصالح المزيد من الأفكار الخلاّقة لا الهدامة، والنفس كما يقولون أمارة بالسوء.
فأن تكسر قيد الصمت، أو تعترف به، أو أن تجاهر بـ "لا" كبيرة في وجه هذا التوجه السياسي أو ذاك، فأنت لم تأت بجديد، ببساطة لأن نصف الشعب قالها لربما قبل أن تتجرأ أنت على الجهر بها، فحاول أن تستظل بشمس ساطعة أو بمفردات رواية جديدة تحمل أفكارا لربما تصلح أن يراك الآخر ولو عن بعد.
ختاماً: إن كل شكل من أشكال مجانية استنطاق الرواية، وكأننا الناطقين الحصريين باسم الناس هنا وهناك، أو المفاضلة بين الصح والأصح، وإن آتت هذه المجانية في سبيل الخير والحرية، فهي من فرط جهلها بتراكيب النفس البشرية والعقود الاجتماعية، إنما تنم بواضح عن الكثير من الضعف وشيء من الاضطراب العقلي، وسيحكم عليها بوصفها تعبيراً من تعبيرات السقوط الوطني والأخلاقي، وإن وصف صاحبها بالعبقري، أو تسأل الجمع: هل أتاك حديث المجادلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...