نور الحلو - فلسطين
ضربت السماء سنا برقها ودوّي الرعد هزيمه مزلزلاً أركان الوادي السحيق واشتدت غزارة الأمطارعلي سفوح الجبال و الأشجار والنباتات الصغيرة مخلفةً أوديةً وسيول جارفة ، بل ساحةً من الفوضي العارمة التي تدمر حياة الكائنات الحية أحيانا وفي كثير من الأحيان تنتزع كائنات أخري حقها في المحافظة علي استمرار نسلها وتكاثرها في هذا العالم المتناقض .
لكن الليلة طقوسها مختلفة تماما ،،
إنها أنثي العنكبوت السوداء وها قد بدأ موسم التزاوج لديها فهي محتاجة لبناء بيت يليق بحفلها الصاخب والذي سيعجّ بالمدعوين فلقد منحها الله سبحانه وتعالي بمصنع أسفل بطنها يحتوي علي خمسة آلاف بكرة غزل في مليمتر واحد فأمامها مهمة صعبة و هي محتاجة لهذه القدرة الرهيبة لتشكل بلعابها مادة فولاذية قادرة علي حمل أوزان مضاعفة يوم الحفل من بعض الزوار المحتملين والمتطفلين أيضاً ..
فبعد المعاينة والتدقيق ودراسة حيثيات المكان وقع الإختيار علي شجرة التوت وبعض الاوراق المتفرعة منها ليكون مسرحاً لحفلها المرتقب فبدأت بنسج غزلها من باب المدخل عبر الفناء الفسيح ونصبت المزيد من أجراس الإنذار وقامت بتثبيت خيوط خاصة لتكتيف الفرائس إن لزم الأمر وانتهت بصنع مخدع لها من ورقة شجرة التوت وتخفّت بداخله عبر خيوط خاصة للتمويه وهي الان قد انتهت من العمل ولك أن تتخيل روعة الأداء والبناء الهندسي الجميل وباتت الأنثي مطمئنة ترقد لتراقب من بعيد ودقّت ساعة العمل ها قد لاح السنكوح من بعيد ، زائرٌ متطفل من فصيلتها يتدحرج بخطيً ثابتة وبحذر شديد يتقدم نحو الهدف وكانت نظراته ثاقبةً بشغف نحو الطّعم التي علقته الأنثي بالأعلي لتجذب بها ذكرها وتقنعه بالحضور ، فتقدم رويداً وعمِد إلي بلع خيوط الإنذار وقطع المجسات الواصلة مباشرة إلي وكرها و قطع عنها الشعور بأي إهتزاز ،وبحركة أقدام بطيئة وذكية إستحوذ علي قطعة اللحم المعلقة بدون إزعاج للأنثي النائمة ..
وقد ساعده في تأمين العملية الشمروخ و هو ذكر آخر كان عينا وحرساً له ليحذيره من أي خطر داهم ،
فقال الشمروخ للمعلم السنكوح :
يا معلمي كيف تخطيت كل هذه الأسلاك الشائكة والوسائل الدفاعية والتكتيكية والمتاهات العجيبة وأفلتّ من وكر السوداء بسلام وأمان .
فقال له المعلم السنكوح : بكل بساطة أنا لست زوجها
لم يفهم ما كان يقصد الشمروخ وخرجوا بالغنيمة فرحين فائزين ظافرين .
لم ترُق الفكرة للأنثي فاستشاطت غضباً وذهبت لتنسج إجرامها من جديد ، فلديها ألف حيلة وحيلة للإيقاع بفرائسها ،فقامت بتثبيت نسيجها علي أبواب الدخول والخروج ونصبت المزيد من الأجراس والإنذارات لتشعرها بالإهتزازات الدخيلة إذا ما حلّ ضيف جديد ، فهي بانتظار الزوج فالحفلة لم تبدأ بعد ..
وأخيرا ظهر العنكبوت الزوج العاشق .
خرجت السوداء تستقبله بترحاب حميم مستعرضة مفاتنها مقدمة له الرقصة المفضله عنده لتثير غريزته وشهوته ، عندها طار عقله وفقد تركيزه و تأهب الإثنان لإتمام عملية التزاوج وهمت به وهم بها ،وهي تنظر بعيون حادة الي لحمه الشهي ، لكن الذكر كان فطنا للمؤامرة وأي مؤامرة تلك، فبعد أن تمت عمليه التلقيح واستراح، قدم لها حشرة مغلفة بخيوط عنكبوتية حريرية كهدية للتغذي عليها بعدما فقدت كمية كبيرة من الطاقة المستهلكة ، نظرت السوداء إليه مستبشرة تخفي أنيابها الحادة خلف ابتسامتها وقالت: كم تعجبني رومنسيتك يا خرخوش !!
حينها أغمض عينية يتأمل أحسن كلامها ومشاعرها الرقيقة تجاهه وهو في غاية السعادة ، وفجأة صرخ بقوة بعدما فتح عينيه فوجد أنيابها مغروسة في صدره ، فلم يقدر علي الكلام من عمق جرحه فقالت له هل تريد أن ترشوني بحشرة مغلفة وتجعلها كبش الفداء أيها الماكر ، ألا تعلم أنني أنتظر وجبة دسمة منذ شهور وأن هذا الحفل أعددته بعناية لأتناول لحمك الشهي اللذيذ وضحكت وتعالت أصوات ضحكاتها ها ها ها
قال خرخوش بصوت متحشرج متقطع والدم يخرج من فمه
أيتها المخادعة الغادرة لن تفلتي من عقاب أولادي من بعدي
ثم صرخت بصوت عالي وما تمالكت نفسها من فرط الضحك
وقالت له أعدك يا خرخوش أن أعتني بالبيض وما أن يفقس أولادك أعدك ايضا أن آكل اولادك وأتغذي عليهم ها ها ها
لفظ خرخوش أنفاسه الأخيرة وقامت الأنثي بتقطيعه إربا وأكلته بكل شراهة فهي وجبة ستخزنها لتتفادي بها فصل الشتاء القارص .
وتبقي هذه حالة ملايين العناكب الواهنة الذين يقعون ضحايا سذاجتهم وقصر نظرهم والتي تنجح من خلالها الأنثي بإحكام قبضتها عليهم وقضمهم بل وقضم أولادها بعد الفقس مباشرة ، ولهذا يعيش العناكب في مجموعات إجرامية وعصابات همجية ضامرين الغدر والوقيعة بأبناء فصيلتهم وهذه قمة السفالة الإجتماعية والأسرية المنحطة .
وصدق الله العظيم حيث قال (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ).