الأحد، 16 يونيو 2019

صالون نون الأدبي يحتفل بعيده الثامن عشر والمجموعة القصصية الصفعة الثانية للكاتبة فلورندا مصلح.





صالون نون الأدبي يحتفل بعيده الثامن عشر والمجموعة القصصية الصفعة الثانية للكاتبة فلورندا مصلح. 

غزة - فتحية صرصور. 

عند الخامسة من بعد عصر يوم الأحد الموافق 16 يونيو كانت جلسة دوحة الأدب من صالون نون الأدبي، افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء والذي يتزامن مع إضاءة الشمعة الثامنة عشرة لصالون نون الأدبي فقالت:
الحضور الكريم .. رواد صالون نون الكرام
أهلا بكم ومرحبا، أهلا بكم في لقاء جديد بعد شهر رمضان المبارك، تقبل الله طاعاتكم، وبعد عيد الفطر السعيد، فكل عام وأنتم بخير 
نلتقيكم في عيدنا وعيدكم، لقد أطفأنا شمعتنا السابعة عشرة، واليوم نضيء بكم شمعتنا الثامنة عشر من عمر صالون نون الأدبي، هذا الصالون الذي راهن الكثيرون على أنه زوبعة في فنجان، ولن تصمد به ثنتان منفردتان بلا دعم ولا مقر
لكننا خيبنا ظنون المتشككين، وأسعدنا من تمنوا لنا البقاء
كانت البداية فكرة، وكل مشروع يبدأ بخوف إلا مشروعنا؛ كان سريع التنفيذ، واثق من النجاح، لأننا لا نبتغي من ورائه إلا الخير لأهل الخير ثقافة وأدب 
اجتهدنا وبذلنا جهدنا لنحافظ عليه قائما ومستقلا، التقينا بالرأي والرأي الآخر فتقبلناه، احترم بعضنا بعضا، فكل منا يستفيد ويفيد
لم نخسر أحد لأن رأيه مختلف عنا، فأنا وأنت اثنان ولن نكون أبدا واحد، لذا فإن لك رأيك ولي رأيي وبيننا نقاط التقاء كثيرة، ونحن نستوعب الجميع ونقبلهم
الصالون كالقطار، تستقلونه فيتوجه بكم نحو المتعة والثقافة والصحبة الجميلة، نرحب بكم جميعا ونسعد بصحبتكم
ثم قالت الأستاذة فتحية عن صالون نون
قال ويش تعني لك نون
قلت لك حق تسأل يا زين/ ترى إنك شايفنا بالقلب نهواها
*
نون أقواس لقباب النصر تبنيها/ وترفع الشكر للإله بأياديها
لفكرة بدأتها مي / بالعقل والقلب فتحية تراعيها
وبرمش العين نحن ثنتينا نغطيها
*
نون الأدب ولقاء الناس المثقفين/ نون صحبة وفا صحبة علم وتنوير
نون عالية وغالية ما ف يوم تهون/ نتعب نشقى لأجل الثقافة كله يهون
لو كنت عليلة لجلستها من رقدتي أقوم/ نون دوم عفية وصحبة مي الهنية 
وكذا صحبتكم يا الحضور
*
قالوا مطرح ما ترسي دق إلها/ والثقافة في نون تضوي قناديلها
*
يا خيي قولها وما تخفشي/ نون قمر أربعطعشي
وغيرنا نحن ما نشبهشي
محبة وطيبة/ ثقافة وأدب والإخلاص فينا ما يتوصفشي
*
نحن في الصالون عيلة أخوة وأحباب
أبدا ما بينا خلاف ولا عتاب
ومنّا كل التحيات للي حضر واللي غاب
**

ثم قال: حضورنا المميز
لقد حاول أعداء الثقافة أن يسحبوا البساط من تحت أقدامنا، فخرجنا من محافظة غزة، لكننا لم نيأس ولم نتوقف، تنقلنا بين عدد من القاعات والمراكز، إلى أن ثبتنا في منارة الثقافة مركز عبد الله الحوراني، ليأتي عدونا الأزلي قاصفا المركز ظنا منه أنه بهذا يسكت صوت الحق، وكلمة الوعي والثقافة، لكن أنّى له ذلك، سنبقى بإذن الله ورعايته، سنبحث في كل مكان، ووجودنا اليوم في بيت الصحافة العامر أكبر دليل على ذلك، فلن نعدم من يدعم الثقافة والأدب، ويسعد باستمرارية صالون نون الأدبي 
وليس ذلك هو الوجود الأول لنا في بيت الصحافة، فقد استضافنا هذا البيت الفلسطيني ممثلا بالأستاذ بلال جاد الله، عندما ضاقت بنا الحال بإغلاق محافظة غزة إلى أن عدنا لمركز عبد الله حوراني
وها نحن رغم المآسي نضيء شمعتنا الثامنة عشرة، لنعلن للقاصي والداني أن صالون نون الأدبي صوت لن يسكته هدم حجر، ولا ظلم بشر

هذه خلاصة سبعة عشر عاما مضت، لكن رغم المعاناة فنحن سعداء بما قدمنا، إذ استضفنا بها العديد من الكتاب والمبدعين، ناقشنا العديد من الموضوعات، نسأل الله أن نكون نجحنا في إيقاد شمعة في ظلام غزة المحاصرة 
نلتقيكم اليوم في جلستنا الأولى من عامنا الثامن عشر بضيفة مبدعة كتبت فأبدعت إنها الأستاذة فلورندا فخري مصلح، من قرية كوكبا الفلسطينية
متزوجة، وحاصلة على بكالوريوس لغة عربية / رام الله
تعمل بمنصب مديرة لمدرسة غزة الابتدائية المشتركة (ب)
عملت معلمة لمبحث اللغة العربية في مدارس وكالة الغوث في مخيم البريج حيث مسقط رأسها، وذلك لمدة ثمان سنوات ثم تم ترقيتها لوظيفة مديرة مدرسة في عام 2003 (فكانت آنذاك أصغر مديرة مدرسة في وكالة الغوث)
كتبت القصص القصيرة منذ المرحلة الثانوية، وكانت تراسل مجلة الفجر الأدبي، وجريدة الميثاق والعديد من الصحف والمواقع.
نشرت مجموعة من القصص في مجلة خاصة بكلية مجتمع رام الله عندما كانت طالبة هناك.
تقدمت لجائزة الحرية للأسرى على مستوى فلسطين وفازت بالمرتبة الثانية عام 2010م، إذ كانت المرتبة الأولى من نصيب الشاعر الكبير الدكتور المتوكل طه، وتسلمت جائزتها شخصيا من الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء في تلك الفترة في قصر الثقافة برام الله.
لها مجموعتان قصصيتان إحداهما للأطفال غير منشورة حتى الآن، وقد طبعت مجموعتها القصصية (الصفعة الثانية) في العام الحالي.

نستمع الآن لها وهي تحدثنا عن الكتابة في حياتها وعن خلفية الصفعات الأولى والثانية التي وثقتها في قصتها التي تحمل ذات العنوان لمجموعتها
بدأت الأستاذة فلورندا حديثها مقدمة شكرها لجماعة صالون نون الأدبي
ثم قالت: بداية أنا أديبة ولست روائية، بطبيعتي الشفافة أستخدم لغة شعرية، أستثمر المكان، ثم إنني لا أسعى للشهرة 
وعن تجربتها الأدبية قالت: "الصفعة الثانية"، هي مجموعة من القصص القصيرة، تميزت بلغة مكثفة، جسدت اللحظة الزمنية في قبضة روح خاطفة على الزمان والمكان، للتعبير عن قضايا مجتمعية، وتفاعل الذات الفلسطينية مع محيطها.
اخترت العنوان (الصفعة الثانية) ليعبر عن إمكانات هائلة في فهم المجموعة القصصية وتأويلها، إذ يمكن اعتباره أيقونة لا يمكن الاستغناء عنها، حيث يحدد شكل القصص التالية، وربما كان المفتاح لأبواب مغلقة، فقد تم اختياره من عنوان القصة الأولى في المجموعة، عندما وصم المجتمع المحيط بالفتاة أنها صفعة، ولكن أردت أن تكون هذه الصفعة لعادات بالية.
كتبت قصصي من بعد اجتماعي لا يخلو من عمق الشعور الوطني، بحماية الذاكرة واسترجاعها، عبر التأكيد على المكان وملامح الشخصيات، وأساليب معيشتها في المخيم أو المدينة أو الغربة، وتعبيرها بجميع حالاتها لكل محاولات الطمس والمحو والتذويب.
كما أنني برغم الهم الأكبر لشعبي، لم أغفل تسلط المجتمع الذكوري أحياناً، فالتحرر لا يكون بمواجهة الآخر المتسلط في الخارج ومن الخارج، بل ينبغي مقاومة التسلط الكامن الداخلي الذي لا يستطيع أن يفصل بين وضعيته الصعبة وبين سلوكه الخاص. وهذه التناقضات تسيرها أحداث القصص بدهاء، لطرح المزيد من التساؤلات وتعرية الجوانب المظلمة، وبروز نجاحات المرأة في لغة شفافة بعيدة عن الاتهام المباشر، فالكل ضحية في نهاية الأمر.
أكتب بلغة الشعر قصصي القصيرة، فأنا أديبة ولست روائية، وثمة فارق بين لغة الروائي الذي يروي وتهمه بالدرجة الأولى الحكاية، ولغة الأديب الذي تهمه لغة الأدب. 
قصتي القصيرة تقترب من اللغة الشعرية، ولكنها تعطي مجالاً أكبر من الشعر لطرح قضايا أكثر عمقاً في التفاصيل، والجوانب الخفية للحياة الإنسانية، وهي أصلح الأنواع الأدبية، لتركيز رؤية في لحظة إرادية بكلمات قليلة، وصور زاهدة بالملامح، كما أن العوامل المكانية والزمنية التي تظهر في القصة وإن لم تكن مباشرة، لكنها تؤسس للحدث، وتنزع نحو تكثيفه بصورة أكبر؛ حتى يتصور القارئ الوضع بكل تفاصيله فيتفاعل مع الحدث.
المكان له الأثر الكبير في كتاباتي، أستثمر المكان بشكل كامل لتحويل الطاقة الإيجابية فيه إلى إبداع في الكتابة الأدبية.
إذ كلما ضاقَت بنا المساحات اتسعت دوائر الإبداع. أعتقد أن ما من مكان يفجر ألغام الإبداع أكثر من فلسطين بصفتها فضاء مفتوحاً.. وبصفتها حالة عصيّة على الموت. تناشد الأفق المفتوح وتلهث وراء النجاة.. وتجد فيها قلق المبدع أضعاف قلق من يعيش خارجَ سياق المكان ومآزقه. من هنا، تشعر أنها فضاء نفساني يثير غرائز الموت والحياة في نفس الآن..
إنها قضية الثنائية الموت والحياة، تطل علينا في لحظة تفجر الرغبة بالكتابة على شاكلة ملاك يعيننا على الكتابة، أو يود لو أعاننا في أمرها، إلى أن نطلقه في سبيله نحو الفضاء. على شاكلة نخلة تراقصنا على ألحان قديمة نستسيغها وتعيدنا نحو زمن تشرّب حبا للأرض وموروثاتنا القديمة.
أعود في قصصي إلى إيقاعٍ يتأنى، يأخذني رويدًا رويدًا، بصمت سائد وقصص قصيرة تحاكي الحياة بعبثيتها ولكن بصمتها وضجيجها وإيقاعها، المحسوب، علينا ولنا. 
أكثر القضايا المؤرقة لي بعد هم الوطن الممزق، هي قضية المرأة وموقعها في المجتمع، أريد أن أكتب أكثر عن الدوائر المغلقة بكل جرأة وموضوعية.
أنا إنسانة شفافة بكل معنى الكلمة، لا أركض ولن أركض يوما وراء الشهرة، أكتب دون ضجيج وسأكرس كل ما أوتيت من وعي ثقافي للأهداف الإيجابية البناءة وخدمة الثقافة الحقيقية وقضايا شعبي الوطنية والاجتماعية.
واختتمت بما بدأت به فقالت: في النهاية أعرب عن امتناني للقائمين على صالون نون لاستضافتهم لي، كي أتحدث عن تجربتي، وهذا دور الصالونات الأدبية الشحيحة في الوطن والتي يجب أن تستعيد دورها في حياتنا الثقافية.

بعد أن أنهت الأستاذة فلورندا حديثها قالت الأستاذة فتحية: نتوجه لشيخ الروائيين والداعم الكبير لصالون نون الأدبي ونشاطاته، الأستاذ غريب عسقلاني الذي قرأ القصص وقال كلمته فيها 

بدأ الأستاذ غريب عسقلاني قراءته في الصفعة الثانية متحدثا عن دور الحكاية في القصة القصيرة قائلا: يضم كتاب فلورندا مصلح الصفعة الثانية الصادر عن دار الكلمة بغزة 2018م، باقة من القصص القصيرة والنصوص، تشحذ الكاتبة من خلالها معرفة متنوعة في مجالات الكتابة وعلوم التربية بحكم عملها في مجال التعليم، وتستند على موهبة مؤرقة ومتحفزة عند اختبار مجريات الحياة وهموم الناس من حولها، وتعكس تداعيات الأحداث على حياة الناس في غزة المحاصرة بالعدو المتربص، وثقل تباينات اجتهادات التيارات الوطنية المتباينة في وسائل المواجهة.
يضم الكتاب (13) قصة قصيرة امتلكت شروط الفن القصصي وتعددت فيها زوايا التقاط المعاناة الفلسطينية، من الرصد المباشر حيث تقوم الكاتبة بدور الراوي العليم الذي يكتفي بالإخبار المباشر عن حوادث ممكنة الحدوث مع الاهتمام بالحبكة بقدر الإمكان ما يحيل الكتابة إلى القصة الصحفية أو الربورتاج الفني في بعض الأحيان، وفي قصص أخرى تمتطي الكاتبة موهبتها ومعرفتها ولغتها الشفافة المشفرة الأقرب إلى الشعرية كأداة للإرهاص أو التنبؤ أو الإزاحة نحو موقفها الفكري أو الأيدلوجي..
فنجد في قصة الصفعة الثانية تداعيات خبر موت أسير - محكوم بثلاثة مؤبدات – بعد إصابته بمرض السرطان داخل السجن، أعتقل عريسا وقد ترك وديعته جنينا لدى زوجته وأمه وأبية، وعاشت زوجته على انتظار بين الأمل والرجاء، وكذا ابنته التي تناديها جدتها باسم " الحبيبة" بين غصة الأمل والرجاء "ليتها كانت ولدا" وقد بلغت الطفلة سن العشرين تتأمل صورة الغائب، تشحذ ريشتها وترهف السمع لموسيقا وأغانٍ وأصوات بعيدة فقد كانت أمنية الأسير أن تصبح طبية، ولم يتوقع أن تكون فنانة متميزة، توجه كل خطابها الفني نحو تشكيل لوحة بطل طال انتظارها لعودته..
وسط العويل والبكاء وغيبة الجدة والجد، والذهول من وقع الخبر، كان لصوته وقع معذب في أركان الروح وباتت ريشتها ندية ترسم حمامة بيضاء ترفرف صادحة بين زرقة السماء وخضرة الأرض، وكأنها تؤكد أن الشهداء يعودون لأنهم المنتصرون، فهم الذاكرة والأمانة الجمعية التي تدق نواقيس الحيطة والحذر عند اختلاط الرؤى وصراع الإرادات.

وفي قصة رحيل تقول: "في بيت طفولتي لوحة مفقودة، وفي حديقة بيتي الجديد لم تزهر سوى وردة واحدة لونتها ريشتي في تلك اللوحة المفقودة." هل هو حصاد ما قبل الرحيل عند خسران اللحظات المؤجلة!
وعلى بنية شديدة التكثيف تعكس القصة حالة صدام داخلي مع ذات تواقة للانعتاق من محيط يحبط الرغبات، ويحيل الحياة إلى فصام ممتد، مع لغة شديدة التقنين والترميز تأخذ القارئ إلى ما بعد الكلام نحو حياة فقدت مقومات التماهي والتكامل بين الظاهر والباطن, ما يحيل إلى متاهات الخسران، ويضع القارئ عند حيرة التأويل، فيما شريك الحياة يدرك اختمار الوقت بعد فوات الأوان وكأن المعايشة القسرية قدرا مفروضا "تنهدت الصعداء، وناولتني مرآة صغيرة خبأتها بين شجيرات نمت فجأة على حافة طاولتنا، كان للمرأة وجهان، في الوجه الأول خرجت لي امرأة تصيح بصوت ملتاع، تطلعت للوجه الآخر، كان وجهي مكتوم اللون يميل إلى زرقة، والنظرة في عيني جامدة.."
نص مكتنز بالدلالات والرموز والغموض يسحب القارئ لفك شفراته.

وفي قصة أقلام المطر: هواجس امرأة عاملة مغتربة فقدت المسرة والحب في مارثون العادي اليومي، فيما رفيق الدرب يرى حريته كأمير يمسك لجام ترويض مهرة أصيلة.. كلاهما منفصل برغباته، هي تبوح أمام المرآة قبل انطلاقها للعمل تضع قناعا يخبئ رغبات تسافر في شوارع ورغبات مرجوَّة، معلق قلبها بطفلين تتركهما وديعة عند مربية، فيما صوته البعيد محذر بعنجهية واثق لوثتة بلاد الغربة: "ستندمين"
نص مشرعة نوافذه على مناجاة النفس والعلاقة مع الشريك التي وقعت في براثن شرقيته المضطربة باعتباره ربان السفينة، لكنه لا يدرك الإبحار في ضباب العتمة، وأنها تعيش الغربة تقلب عبث وحدتها.. وقبل أن تفكر بالانتحار يقفز طفلها إلى حضنها هربا من جور أخيه، فتقرر العودة بطفليها إلى بلد يحفظ مواسم المطر والخصب، فتراقب قطرات غسل زجاج نافذتها برفق وترسم لوحتها من جديد، تقتفي دورة الأمل فها هو شباط يغسل كانون من غيومه السوداء، وها هي يد تزرع آذار في القلب قمرا ًمعذبا بحنين سيزهر أمنيات جميلة يوما، كما نجمة مسافرة إلى وطنها لتعيد النظر في العلاقة برجل فقد البوصلة..

وفي قصة الرواية: كاتب شاب يرسم على صناديق أحواض النعناع والريحان المعلقة على شرفته المطلة على الحارة نقوشا تبدو كفسيفساء تكمل المشهد الأخير من روايته، فيما صديقته البعيدة تستحثه عبر وسائل التواصل على سرعة الانتهاء من فصل الرواية الأخير حتى يدخل المسابقة ويتمكن من السفر..
ينام ويصحو على صوت أمه ترتل أدعية الصباح، فيلوذ بحضنها حتى مطلع الفجر، تمسد بكفها الخشن المُعروق منابت شعر وجهه، فتحف إليه الصور والأحداث..
وفي الصباح يتصل بصديقته البعيدة يخبرها أنه انتهى من روايته وإنه سيهديها لأمه وللقراء في بلده.. وفي لحظة خاطفة أسرع من ومض البرق في السماء فتح نافذته على الحارة التي لم يقطع تخومها مهما أوغل في السفر..
وهنا تبدو الرسالة واضحة أمام الجيل الذي يغريه التميز خارج الوطن مهما عاني من الشقاء والعزلة وانعدام الفرص، والنكوص عن مغامرة تحقيق الذات داخل الوطن، وكأني بالكاتبة تؤكد مقولة أن الوصول إلى العالمية ينطلق من الصدق والانتماء إلى المحلية بكل تجلياتها ومصاعبها ومواريثها ومعتقداتها الضاربة في تشكيله منذ القدم..

أما قصة باقة ورد: فتدور حول دورة الحياة في مجتمع يصدر أولاده للغربة بحثا عن سبل العيش، فيما الآباء باقون مع ذكريات وقفت عند الوحدة يواجهون أقدارهم، وكأني بالكاتبة تلتقط نموذجا حقيقيا يمثل الحالة في المجتمع الفلسطيني في رحلة الصراع مع الأقدار يبقيه معلقا على مشجب الانتظار، لكنها الحياة لا تنتظر كما في حالة رجل سبعيني وبقايا عافية وعمر يواجه الهواء البارد المحمل بحبيبات تراب مسنونة تخز وجهه، يتساءل: هل هو خريف العمر؟
وانطلق بعد أن أغلق أنبوبة الغاز ومفتاح الكهرباء إلى المستشفى حيث ترقد زوجته، فكر بشراء باقة ورد ولكنه عدل عن الفكرة تحسبا من تعنيفها وتذكيرها له بري شتلات الورد وفتح النافذة حتى يمر الهواء، وتساءل وهو يواجه الهواء البارد المحمل بحبيبات تراب مسنونة تخز وجهه، هل هو الخريف أم الشتاء وانطلق إلى المستشفى..
لم تعاتبه كما كل مرة وأخذا يتبادلان الحديث .. هزت يدها الضعيفة تطلب كأس ماء، خرج من شروده همس" اتصل أحمد وسامي ويسرا طمأنتهم على صحتك" وطلبوا أن اشتري لك هاتفا محمولا ليتصلوا بك، ردت بحزم المهزوم " لا أريد أن يسمعوا صوتي الضعيف"، شرد بعيداً مع الأولاد والأحفاد أيام كانوا يملئون البيت الذي بات خاويا.. هزت يدها الضعيفة تطلب كأس ماء.. حدقت فيه بشوق قديم، خرج من الغرفة مسرعا وسرعان ما عاد بباقة أزهار بيضاء وراحا يضحكان حتى اهتزت الغرفة وداهمها السعال وتناثر الورد على السرير..
في هذه القصة ترصد الكاتبة أحداث ربما تحدث كل يوم وفي كل مكان، لكن طريقة المعالجة تشي بقدرة الإفصاح عن خفايا النفس البشرية بلغة شفافة تطرح النوازع والرغبات البشرية على متن مفردة موحية تحمل شحناتها وبلاغتها بيسر ودونما إقحام محمولة على صوت خفي يضبط ويوجه مجريات السرد.

وفي قصة بلا رأفة: صدام مع سطوة المواريث حتى وإن كان الأمر محض إشاعة سرت مثل أفعى جابت شوارع الحارة وتسللت إلى البيوت، تضع الموءودة أمام حتفها، وتعلق شرف العائلة حول عنق كبير الأخوة، وإن كانت الضحية "امرأة جميلة قدها غصن البان وجهها حب الرمان "كما قبل القيل والقال "وإن كان حامل الأمانة "رجل يحمل قلبه وأحلامه يتبع وعيه بتاريخ الشعوب، وتعدد وتلاقح الثقافات وقواسم المشترك بين القوانين والأعراف والأديان!"
يحمل سيفه ويدخل عليها مكومة مذعورة يسقط السيف من يده، فتلتقطه وتفقأ قلبها وترميه بنظرة عتاب، وسط تهليل الأخوة والأقارب مهنئين بغسل صفحة سوداء، "أما هو فيسير حاملا نعشها متقدما إياها إلى مقبرة الأحياء!!" 
هل تطرح القصة تحكم الرجل في أقدار المرأة؟ أم عدم قدرة الرجل على التغيير بالمشاركة الفعالة؟ وفي كلا الحالين تكون المرأة الضحية، ويعجز الرجل عن كسر التابو الموروث، ولعل هذا ما انعكس على لغة السرد التي نحت إلى لغة رمزية مشفرة تضع القارئ أمام رموزها ودلالاتها.

في قصة الجميزة: عن الميراث وعودة المهندس المغترب بعد سبع سنين حاملا معه أمسه القريب والبعيد في بيت الجميزة التي تجاوز عمرها المائة عام وما زالت تطرح سبعة بطون في العام, والتي حفظت تاريخ الآباء والأجداد وطبعت حكاياتها ملامح طفولة المهندس وصباه بفروعها التي تظلل البيت بثمارها الحمراء اللامعة مع وهج الشمس، وتغري العصافير ببناء أعشاشها الآمنة وتوفر لها زادها من ثمار الجميزة وخير الأرض من حولها، وكيف كانت أغصانها العالية مرقده ومرصده لرؤية بنايات المدينة، بضجيجها وبحرها، فيغمره فخر حارس أحلام المدينة وامتدادها اللامتناهي..
يخبره أبوه أن أرض الجميزة البالغة دونمان ستقسم بين أبيه وعمه، فيعود المهندس ويشتري الأرض ويقيم بيتا للأسرة حول الجميزة، ويقيم مشروعاً سكنيا عاليا يطل على المدينة، ويعيد الحكاية من جديد.
القصة ترهص بعودة الفروع إلى الجذور، وأن الغربة مهما طالت يعقبها عودة مؤكدة، فهل بلغت الكاتبة رسالتها؟ 
اعتقد أنها فعلت ذلك بذكاء وبسرد تلقائي لا يتخفى خلف تأويلات ملتبسة.

أما قصة بيت الجدة: فتعالج مشهدا موازيا يطرز لوحة رومانسية واقعية، إذ تستعيد القاصة عالما مأمولا يعيد اجتماع الفروع حول الأصول مع توفير الظروف التي تمكن من ذلك دون معوقات، ظهر ذلك في الوليمة الشهرية التي تقيمها الجدة في بيتها، للأبناء والبنات، حيث يبدأ اليوم بتناول الإفطار بما لذ وطاب من شطائر وفطائر وعصائر وحلويات لا تتوفر في الأسواق، وتنتهي بالغداء على خروف تجهزه الأم على النار، فيما الأطفال يمرحون في الدار، والصبايا يستعرضن مواهبهن وجمالهن وحكاياتهن، أما النساء المدعوات فيساعدن الجدة في إعداد الطعام، وفي نهاية اليوم يغادر الضيوف، ويأتي دور الجارات لتوزيع الفائض، على أصحاب النصيب من الجيران.. 
تعتمد القصة على السرد المباشر القائم على الإخبار والوصف المحايد، ما يولف بين الشكل والمضمون ويعزز روح التكافل بين أفراد الأسرة ويعمق التواد بين الأجيال، ويعطي صورة لعائلة مركبة تفرعت إلى عائلات نووية "عنقودية" تحتفظ بالميراث العام، ما يحيل القارئ إلى تخيل مجتمع مستقر لا يعاني الأزمات والمشاكل، وكأني بالمؤلفة تفتقد هذا النموذج في الواقع الفلسطيني في الظروف الحالية بسب الاحتلال وما يعانيه المجتمع الفلسطيني من شقاق واختلاف تحت سطوة عدو جائر

وفي قصة نزيف داخلي بانوراما تميل للقصة الصحفية، التي تلتزم الوقائع بدون رتوش تخل بالإخبار عن بعض ما يجري في الحياة، وإن قامت على صدفة محتملة الحدوث، جمعت بين طبيبة عائدة للبيت بعد يوم عمل، وسيدة بدينة في سيارة يقودها سائق غائب مع أغنية راقصة، وفجأة ترتطم السيارة بحاجز إسمنتي يعترض الطريق! وفجأة ترقد الطبيبة والبدينة في قسم الحوادث في المستشفى رفيقتان تتبادلان الهواجس والحكايات، فتعود السيدة البدينة إلى طفولة سعيدة مع أم تتفانى في تربية أولادها وتوفير المناخ المناسب للنجاح، ثم تفارق الحياة وهي نائمة دون شكوى من وجع، فتعيش الأسرة تحت سطوة زوجة أب تستنزف طاقاتهم في خدمتها، لكن روح الأم ظلت سراجا هاديا حتى اجتازوا لعنة الفقد ونالوا ما رسمته الأم الغائبة، أما الطبيبة التي أنست لرفيقتها فحدثتها عن القطة التي نامت خارج البيت مختبئة في شجرة الأسكادنيا وفرح أولادها بعودة القطة للبيت، وعن مريض شاب يعاني من التهاب السحايا، وامرأة شابة تعاني فقر الدم وزوجها المسجون من شهرين بسبب عدم قدرته على دفع إيجار البيت المتراكم لأكثر من سنة، وعن عجوز ثرثارة تعاني من أمراض عدة وتصب جام غضبها على جيل الأطباء الشباب الذين لا يراعون كبار السن، تعلن السيدة السمينة عن أمنيتها بأن تكون طبيبة لكن إرادة زوجة الأب اختارت لها دبلوم دار المعلمين حيث التعليم المجاني لتصبح معلمة.. 
وعند الفجر عانت السمينة من صعوبة في الرؤيا وضيق في التنفس، وأسبلت جفنيها باستسلام محارب قديم لا يرغب في العودة إلى أرض المعركة.. وكأن القاصة تصرخ من أعماقها أن ثمة حلول غائبة..

وفي قصة يوم ماطر: " كم خشي أن يضيق الأفق ولا يلد الجفاف إلا الأوراق الصفراء, ولكنه مع مدرار منهمر القطرات", تلتقط الكاتبة حالة شائعة لشاب جامعي لم ينتظر في طابور الوظيفة، فاشترى سيارة يعمل عليها ويعيل زوجته وطفله، فتفاجئه الزوجة بادخار عيديتها لشراء مدفئة تقي صغيرهما من موجة برد أعلنت عنها الأرصاد الجوية، يقود سيارته تحت الطر فيجد رجلا وطفله يحتميان بالبرد تحت مظلة محل مغلق، وأمامه بطانيات استلمها من الشئون الاجتماعية يبيعها للإنفاق على أسرته، يأخذ منه بطانية ويعطيه نقود المدفأة، وفي البيت يدثر ابنه بالبطانية.
صورة من صور التكافل الاجتماعي في قطاع عزة بانتظار عدل سيأتي مع جودو الذي لم يأتِ بعد!! 

في قصة نقطة سوداء: تجري المعلمة على تلاميذها اختبار مشاركة حرة بعرض لوحة عليها بقعة سوداء، وتترك للتلاميذ إسقاط رأيهم عليها، تتباين التأويلات حسب وعي التلاميذ ومرجعياته الأسرية، تجري الاختبار على أمل أن يفيد في تطوير المنهاج، إلا أنها تواجه بردود أفعال ملتبسة وتأويلات سلبية عند ـولياء الأمور وعند إدارة التعليم أيضا ليبقى السؤال: لماذا

وبعد:
فإن القصص تشير إلى فنانة تملك تطويع الحكاية إلى حيث تريد، ولكن الحكاية على أهميتها لا تكفي لتقيم بنية قصصية تحمل المصادقة على رسالتها، باعتبار القارئ شريكا متفاعلا من الخطاب القصصي، كما تجلى في قصة الصفعة الثانية وقصة أقلام المطر وقصة بلا رأفة وقصة الرواية
أما القصص التي استسلمت للحكاية فقط قد شابها إضافات يمكن الاستغناء عنها أو إضافات أثقلت كاهل النص فجاءت على صورة إخبار صحافي في قالب قصصي لأحداث حدثت أو محتملة الحدوث، وإن كان ذلك لا يعيبها كقصة صحافية، واعتقد أن بدايات فلورندا مصلح تنبئ بقاصة واعدة في مجال هذا الفن الشائك والمراوغ والمتطلب أيضاً..

بعد أن أنهى الأستاذ غريب حديثه فتح الباب لمداخلات الجمهور فكانت المداخلة الأولى من المؤرخ الأستاذ سليم المبيض قال فيها: نحن ككتاب وأدباء وباحثين ودارسين، لابد لنا مونة نغترف منها من خلال ما اغترفنا من وسائل، وعلى الكاتب أن يتعمق في جذور ومواريث شعبه، ولابد أن يكون له دراية بتاريخ وجغرافيا واجتماع وطنه، فأرسطو يقول: من لا يعرف تاريخ ثلاث آلاف عام عن بلده فهو جاهل
وأضاف: كي أكون مبدعا مميزا لابد أن نستخدم مواد خام بكر وأتساءل عما إذا سبقني لها أحد أم لا. فإن سبقني أحد هنا عليّ ألا أكتب، لأنه لابد أن تكون الأشياء نادرة ليسعى الإنسان لقراءتها خاصة أننا شعب لا يقرأ!
استدل على ذلك بقوله: كتبت قبل ثلاثة وثلاثين عاما كتاب صدر عن الهيئة المصرية بعنوان غزة وقطاعها، للأسف لم يُقرأ من معظم سكان القطاع، مشيرا إلى أن تسميته بــ(قطاع غزة) هي تسمية سياسية ومصطلح عسكري هو وليد أكتوبر من العام 1949م في اتفاقية رودس، وأكد الأستاذ سليم على أن دراسات متعمقة أثبتت أن ليس لإسرائيل تاريخ

أما الصحفي المشهراوي فبعد أن شكر جماعة الصالون والأستاذ غريب والأستاذة فلورندا قال: سأنحو في حديثي باتجاه آخر: فالإنسان المفكر عبارة عن فكرة وذكرى وعبرة، وهذا ما كان في صالون نون الأدبي الذي لازال حيّا ويعطي، وينثر من دفقاته فنستقي منه نحن ككتاب وصحفيين فشكرا للصالون والقائمات عليه 
ثم وجه سؤالا استيضاحيا عن الوسيلة التي من خلالها نجعل كتاباتنا مقروءة

ثم كانت مجموعة من المداخلات دارت في فلك الانتماء للوطن وعما إذا كان من الضروري أن نجسد واقعنا في كل كتاباتنا، كما قال الأستاذ نبيل عابد
وسأل الأستاذ محمد تيم عما يجب عمله لتصل الكاتبة للعالمية، وتساءل عن الصفعة الأولى ثم طلب منها توجيه نصائح للكاتبات الناشئات
الإعلامية حنان أبو دغيم تحدثت عن تجربة قامت بها المدرسة التي تديرها الأستاذة فلورندا في برنامج أمهات قارئات، أيضا تحدثت عن تجربة شجعت بها الأطفال على كتابة القصص
السيد عبد الله زقوت أكد على ضرورة فهم تاريخ وجغرافيا الوطن لدى الكتاب
الأستاذة الشاعرة هدى النواجحة شكرت فلورندا على هذا المسار وكتابتها للقصة القصيرة، فهي مبدعة
ثم قالت: أقدم كل الشكر لفتحية ومي اللتين صنعتا هذا المنبر، فهناك الكثيرين يكتبون لكن كتابتهم لا تصل للناس لعدم وجود منابر ثقافية، فاحتضان الصالون والملتقيات الشبيهة لهؤلاء المبدعين أمر عظيم

المداخلة الأخيرة كانت من الدكتورة مي قدمت بها الشكر والامتنان للحضور الكريم لما كان لحضورهم - في هذه الجلسة بالذات – من معاني الدعم والتأييد لهذا الصالون الذي يصر على الاستمرارية، فحضوركم شرف لنا ودين في أعناقنا
ثم قالت: كما أن افتتاح عامنا الثامن عشر باستضافة كاتبة مبدعة، وأديب وروائي متميز هو مؤشر جيد 

بعدها أجملت الكاتبة ردها على استفسارات الجمهور فقالت: في العام 2010م كتبت القصة للمشاركة في المسابقة، لم أتناول بها معاناة الأسير في السجن من عذاب ومعاملة سيئة، إنما تناولت الجانب الإنساني، أردت أن أخاطب العقل الفلسطيني، فناقشت الموروث والعادات البالية التي تفضل الذكر على الأنثى، وعن توجيه الأبناء لتخصص حتى لو كان عكس رغبته، واستشهدت بواقعها قائلة: في العام 1990م كنت في الثانوية العامة حصلت على المرتبة الثانية على القطاع ولم أرغب في دراسة الطب، بل درست اللغة العربية
وعن الوصول للعالمية قالت: أنا لا أسعى لذلك، فأنا أعمل بصمت وأرى أن من واجبي تغيير الثقافة في م قرأت مجتمعي
وعن مشروع أمهات قارئات قالت نجتمع كل شهر مرة في مكتبة الهلال تكون الأم قرأت كتاب تقوم بتلخيصه للأخريات اللاتي يقمن بمناقشتها، بذا نناقش عشرة كتب في كل لقاء، وذلك خارج وقت الدوام المدرسي
لابد أن نبحث عن الطاقة الإبداعية الإيجابية

هنا رفعت الأستاذة فتحية الجلسة على وعد بلقاءات أدبية متكررة
**

السبت، 15 يونيو 2019

جدلية الوعي والذاكرة والتخيل في ديوان على مقام التجلي: الناقد أيمن الجملي.


                 


جدلية الوعي والذاكرة والتخيل في ديوان (علی مقام التجلي) للشاعر د/عمر هزاع. 

بقلم :الناقد أيمن الجملي 

بعد قراءتي لديوان علی مقام التجلي رأيت أنَّ تحليلا للمحتوی الدلالي والأسلوبي التعبيري المشخص لإنجازه الشعري الخصيب والمتميز مقسما إلی مقاطع والتحليل يزودنا بخريطة لرحلة الشاعر الخاصة المجهدة من موضوع إلی موضوع، ورأيت أنَّ مهمتي الأولية أن أأخذ هذه الوحدات الفكرية والعاطفية والبنائية والمجازية لأعيد تقديمها للقارئ بوصفها جوانبا منمطة متماسكة لها وحداتها ونبراتها الإيقاعية وموسيقاها اللغوية..
ومن أهم الأشياء التي دفعتني لكتابة هذا المقال أن الشاعر يصارحنا في همس شفيف عبر الصورة والرمز والمجاز...
و الشاعر يبغض رؤية العقل والوجدان الحقيقي والوهمي ، المطلق والنسبي ، الكلي والجزئي في أي موقف سواء في أخص الخصوص أو في أعم العموم..
والجميل هنا أن القصيدة تبدأ من ذاكرة الشاعر  وتنمو عضويا  فهو يعالج ـ برشاقة ـ أشد المواضيع غرابة والتجلي الذي عنون الشاعر به ديوانه إنما هو المفتاح الذي فتح به باب التأويل علی مصراعيه فنظن في بداية الأمر أن التجلي هنا التجلي الصوفي لكن المقصود بالتجلي هنا رفعة مظاهر تجليات وفيوض الوعي المفارق في صراع العقل والمخيلة..
والتجلي هنا محنة ونبوءة وأداة لإدراك الواقع وسبل أغواره ولغة للتواصل والاستحالة مع الآخرين..
وهو الأسطورة فتتصاعد النبرة الملتاعة أحيانًا وتهبط مرة أخری..
إذ يقول في قصيدته البرزخ التي نظنها وجدانية محضة من العنوان إلی آخر كلمة في القصيدة.. إذ يقول:

مُذِ انفَصَلتُ
استَعادَ الطِّينُ فِلذاتِي...
سُدًى!
أُحاوِلُ قَطبَ الشَّرخِ فِي ذاتِي!ٌ
ما زِلتُ أُغمِضُ عَينًا
عَن مُساءَلَةٍ...
لِكَي أُفَتِّحَ أُخرى
فِي مُعاناتِي...
هُنا أَنا!
أَيُّهذا الجِسمُ!
ثالِثُنا هَذا التُّرابُ!
يُنادِي:
(آنَ مِيقاتِي)
سَيَجمَعُ اللَّحدُ بَينَ المُبعَدَينِ
فَذا بَدءُ الحِسابِ...
وَيااااااا هَولَ الحِساباتِ!
وَيُسرَدُ العُمُرُ المَنسِيُّ!
ثُمَّ...
هُنا فِي بَرزَخِ الصَّمتِ
تَحكِينِي حِكاياتِي! (1)

فالذاكرة هنا تستدعي الشجن الذي لا ينام، وفي هذه القصيدة يَتَّحدُ الوعيُ والذاكرة والتخيل جنبًا إلی جنب وهنا نسير إلی تجلٍّ جديد لماهية ومعنی الجسد الذي يحكي من البرزخ عن حاله..
ونجد في هذه القصيدة أن الحروف لها قوة تفوق قوة الجمل ومن هذا المنطلق يعود الشاعر بلغة الشعر إلی لغة السحر حيث تستنزل القوی الخفية من عالم الغيب وهي تؤكد ما سبق أن لاحظناه من شاعرية التعبير وتجريد اللغة من واقعها لإعطاء نوع من الوجود غير المادي نصف الواعي على الموضوع كله..
ومن قصائده التي يستعين بذاكرته بها قصيدة: علی بعد خطوة أو خطوتين
يقول:

يُصارِعُ الوقتَ
- هذا الوحشَ -
إِنساني
وَكُلَّما أَلَمًا أَدمَنتُ
أَدماني!
وَكَم! وَكَم!
بِيَدَيْ... هاتينِ...
كُنتُ
- أَنا -
أُمَزِّقُ الحُلُمَ الباقِي!
وَأَسناني!
مُثَقَّبٌ...
مُتَهاوٍ...
مُتعَبٌ...
قَلِقٌ...
مُبَعثَرٌ...
مُتَرَدٍّ...
أَوَّلٌ...
ثانِ...
كانَ اليَقِينُ بِهذا الحُبِّ مَسأَلَةً
تَعَقَّدَتْ
فَتَهاوى كُلُّ إِيماني!
ماذا تُرِيدِينَ مِنِّي؟!
لَم يَعُدْ بِيَدي
أَن أُنقِذَ الوَهمَ مِن مَحدُودِهِ الفاني...
تَلَمَّسِي سِكَّةً ما...
وَاسلُكِي سُبُلًا بَعِيدَةً عَن دَواوِييني
وَأحزاني...
هُنا أَعِيشُ...
هُنا مَوتي...
هُنا جَدَثي...
هُنا انِبعاثِيَ...
مِيقاتِي...
وَمِيزاني...! (2)

فالتجلي هنا تجلي الحلم المفارق والمحلق في أبدية فوق حدود الممكن في الواقع المحدد.. ويبلغ ذراه واكتماله وشفافيته وشوقه المستحيل في الحنين والوصال مع الآخر ومع وحدة الكون..
هذه محاولة متواضعة تحاول إثبات أن المدی الشعري عند عمر هزاع لا يكتفي بأن يفتش عن حاجته خارج الذات الشاعرة من خلال التراث الإبداعي المتراكم وإنما يوجه المسار إلی الأسرار البعيدة ويرتاد روح الحياة ذاتها لكي يستل منها أعماقه وهو بذلك يرتاد تجربة ناضجة قوية فريدة
ــــــــــــــ
1 ـ قصيدة البرزخ ديوان علی مقام التجلي دار السكرية مصر ص 27 ط1
2ـ قصيدة علی بعد خطوة أو خطوتين نفس المصدر ص 75.

الخميس، 13 يونيو 2019

قصة قصيرة بعنوان فقاعات صابون: الكاتبة المصرية فاتن عبد المنعم.



                


فقاعات صابون                                                                  فاتن فاروق عبد المنعم - مصر 

لحظات وئيدة ، تمرُّ وكأنني أحمل ثقلها على كاهلي ، أقف مذعنًا أمام الموت الذي اختطفها، تلك المتوجة على مملكة قلبي ، يلقنها الشيخ حُجتها ، لتجيب الملكين ، بلسان طلقٍ فصيح ،  ناكرا ونكيرَا ، بينما أجمع شتاتى المبعثر ، أشعر بها تربت على كتفي ، ثم تضمُّني  بذراعيها ، تقول في حنو بالغ : حبيب أمك ، ياقلب أمك  تواسيني لفقدها ، الذي ألهب ضلوعي .
 نعم  الموت هو الحقيقة المؤكدة ، التي ينبغي أن يوقنها جميع البشر ،  لكنَّ العيش في أتون التجربة ، يكون حارقًا إلى حد التفحم، مازلت غير مصدق ، أنني أضعها بيدىَّ هاتين  في القبر ، أسمح لهم أن يهيلوا عليها التراب ،  يغلقون عليها  المقبرة إلى الأبد، يتداعى كياني منهارًا ، تنهمر الدموع سيلًا متدافعًا ،  ، يناديني صوتها من عمق سحيق ، في مطلع صبايا  :
عايزة ابني يكون  رجلًا.
 أفيقُ ، أستجمع رباطة جأشي ، ها قد انتهت مراسم الدفن ، وانصرف النَّاسُ ،  بقيت بجانب قبرها ،  أقرأ سوراً بعينها ، من كتيِّبٍ طبعتُهُ ، صدقة على روحها ، كل واحدة من أخواتي الأربع ، أمسكت بنسخة منه ، كنَّ في سباقٍ معي ،  نمطرها بِبَركةِ تلك الآيات ، والأدعية ، مرت ساعتان أنهكنا التعب ،  هممنا بالإنصراف ، فسمعت  صوتًا يهزُّ كياني :
  ماتت التي كنا نكرمك من أجلها ، فاجتهد أنت بعملك.
 ما عادت تحملني قدماى ،  خارت قواى مرة أخرى ، تحاملت مستندًا على شقيقتي الوسطى ،  لأتَّخذَ  مكانا بينهن ،  اعترتني نوبة من البكاء والنَّشيج ، وكأنها شرارة البدء ، فقد استثارت أخواتي ،فعدن للبكاء .
الآن سنتركها وحيدة ونمضي دونها ، لنبدأ دورة من اللهاث في الدنيا من جديد
  يا للقدر ، لكأنَّه كان يهيِّئَني ، لأدفنها بيدىَّ ، عندما عدت من سفري إلى الخارج كانت في فترة نقاهة ، تتعاطى بعض الأدوية ، استفسرت  منها عما جرى لها ،  لقد كانت أعراضًا انتابتها ، فذهبت إلى المبرة الخيرية ، لتكشف بتذكرة مخفضةً ، قيمتها خمسة جنيهات ، مع قلقي الشديد ، وأسئلتي التي لا تتوقف ، أكدت لي أنها تعافت ، وصحتها عادت بالعلاج ، الذي وصفه لها الطبيب بالمبرة ، لم أحس براحة ،  وأنا الآن قيمة وقامة ، في البلد ،  وأمي تعالج في  المبرة الخيربة  ، ليس إلا مستشفى استثماري ، باهظ التكاليف جدا ، فالسعر قرين الجودة ، كنت أسير بجانبها مشدود الظهر ، مرفوع الهامة ،  فلا أقل من أن يقال : يعالج أمَّه بأرقى وأغلى مستشفيات مصر ، كان المبلغ المدفوع تحت الحساب كبيرًا جدًّا ، لا بأس  المهم أن تشعر أن سنوات الشقاء ، قد ولَّت ، والآن هذا وقت السعد والنعيم ،  لا بد أن تشعر بالراحة والاهتمام ، في نهاية عمرها ،  إنها أمي.
الخدمة بالمستشفى فندقية بامتياز ، مبهرة مطمئنة  ، يغلب عليها بريق النظافة والاهتمام البالغ ، والعلاج يسير بكل اهتمام ، لم تكن تضايقني ، بكلماتها وعبوس وجهها ، حين  تقول:   والله يا بني لا داعي لكل هذا ، فقد تعافيت والحمد لله . أقبل رأسها ويديها ، اطمئنها : المهم سلامتك يا أمي .
كنت وحيدها ، لثمانية أعوام ، قبل أن تنجب أخواتي البنا ت الأربعة ،توأم، توفي والدي وعمر أكبرهن ثلاث  سنوات.
  يزداد تبرم أمي ،  لبقائها بالمستشفى ، فأمازحها : لا تقلقي ، صدقيني معك حق ، ولكننا نريد أن نطمئن عليك فقط  .
 أيام قلائل وصارحني الطبيب ، أنه لا بديل عن العملية ، واستئصال الورم ، لم يكن أمامي إلا التسليم ، واغتنام هذه الفرصة الأخيرة ، لم تكد تمضي ساعات ، حتى ارتفعت حرارتها ، ولم تعد من بعدها لمعدلها الطبيعي ، ودخلت في غيبوبة ،  مؤشرٌ سيء ، هكذا صارحني الطبيب ،  وبمرور الوقت ، تدهورت حالتها ، رغم بقائها في العناية المركزة ، لاحظ الأطباء توتري الشديد ، وقلقي الزائد ، وإلحاحي عليهم ، كيف يحدث هذا ، قالوا :
 إنه كبر السن ، مع الضغط  ، والارتفاع القاتل للسكر في الدم .
كيف ، وأمي لم تشتكِ يومًا من الضغط أو السكر، قال الطبيب لا عليك ،  فنحن المصريين لا نفحص أنفسنا ، إلا بعد فوات الأوان .
أكاد لا أصدقه ، ربما يكون لكلامه بعض الصحة ،  فأمي بطبيعتها لا تذهب إلى طبيب ، أو تتعاطى أدوية  إلا للشديد القوي ، كما تقول دائمًا.
غابت عن الوعي تمامًا ، اللهم إلا فواقًا  لدقائق معدودات،  لتعود جسدًا نحيلًا ،  متصلًا بجسمها أكثر من جهاز ، لا أبالي بما تستنزفه المستشفى كل يوم من أموال ، المهم أن تتعافى.
ينتابني  وإخوتي همٌّ ثقيل ، أجمعن في لهفة شديدة ، على ضرورة نقلها لمستشفى آخر ،  ثم هدأت ثائرتهن ، وقد اقتنعن بأن هذه أرقى وأفضل المستشفيات في مصر .
لم يفارقنا الأمل في نجاتها من هذه الغيبوبة ، شهرًا ونصفَ الشهر ،  حتى خرجنا بجثتها، شُخِّصَت الوفاة بهبوط حاد بالدورة الدموية، إنها الصاعقة التي سقطت فوق رؤوسنا جميعًا .
تحرك الموكب الحزين ، إلى المقابر ، من غرفتها التي ظلت قابعة فيها ، منذ رحيل أبي ، منكبَّةً على ماكينة الخياطة ، تتحصل منها على القروش الزهيدة ، التي بها ربتنا .
 في نفس اليوم أعلنت وفاة السندريلا ، بقية موائد اللئام، صنيعة وإنتاج موافي غير الشريف ، كان خالي رحمه الله ، كلما رآه يصرخ : غيِّرُوا هذه القناة ، لا أطيق النظر إليه.
صنعة اللاشريف ( سعاد حسني ) ، تلك التي رافقتني في مطلع شبابي بالوهم والتخيل ، فتعوِّضني عن الرفيقة، كنت مدمنها كلها : شكلها ، تقاسيمها وصوتها ، وخفة روحها ، وقفشاتها وحركاتها ، وكل مايصدر منها ، نعم مثلها كثيرات ، ولكنها كانت الأثيرة ، ليس لدىَّ
فحسب ، وإنما لدى كثيرين ، أحدهم قالت له زوجته بغيظ : إنَّ نصفها صناعي ، قال : لو صنعوا مثلها دمية لاشتريتها بأعلى سعر .
وبينما النقاش محتدم حول وفاتها ، وترددت الأسباب والحيثيات ، التي تؤكد أنها قتلت ولم تنتحر ، جاءني طبيب شاب ، فصل لتوه من نفس المستشفى ، التي كانت بها أمي ، ليؤكد لي أنها ماتت نتيجة لخطأ الطبيب  وحدد بأدلة وتقريرٍ طبيٍّ محايد ، سلَّمهُ إلىَّ ، قلت سأقاضي هذه المستشفى ، قال :
حقك والأدلة معك ، ولكني لا أنصحك بذلك ، سيحتاج الأمر إلى تشريح الجثة ، ولن تستطيع مواجهة الحيتان، ملاك المستشفى فلديهم ما يستطيعون به شراء كل شيء، ، ثم لا داعي لنبش قبرها ، وما يعقبه من تداعيات نفسية عليكم .
لماذا إذاً أعطيتني الأدلة ؟
 قال : لأريح ضميري .
 جريت كالمجنون ، اقتحمت بسيارتي بوابة المستشفى ، وهرولت مقتحما مكتب  المدير ، أخذت أجره من رابطة عنقه وأنا أصيح : يا بهائم يا أولاد الكـ .. ، لا أذكر بعدها شيئًا ، ألا أن اثنين من الثيران البشرية ، بقامات لم أر مثلها في حياتي ، كل منهما ممسكٌ بساق وذراع ، وأنا في يديهما كالهرِّ المذعور ،  ثم ألقياني خارج أسوار المستشفى ، وبعد جهدٍ دفعا ألى بسيارتي  .
 شعور بالقهر لم أمر به في حياتي !  .
أمي كانت أقوى مني ، ومن أخواتي ، استطاعت اجتياز الصعاب بنا ، وهي التي وصلت بتعليمها إلى الابتدائية ، وبمعاش والدي الزهيد وماكينة خياطة ، عملت عليها ، ولم تأنف من إصلاح ورتق الملابس القديمة ، وتأييف التنانير ، وصنع الشراشف والمفارش.
عندما رسبت في الثانوية العامة ، بكت أمامي كما لم تبك من قبل ، وقالت بأسى : أنت كسرت ظهري ، ما فائدة وجودي في الدنيا إن رسب ابني؟!
 لم أحزن لرسوبي قدر حزني لألمها وحزنها ، الذي تسببت فيه ، وشعرت أمامها بالخيبة والضعة ، أمي التي لا تستريح ، من ماكينة الخياطة ، إلا لتستأنف أعمال البيت من تنظيف وطهي للطعام ، من يومها لم يعد أمامي من بديل إلا التفوق والنجاح .
كان أول ما قلته لزوجتي بعد العقد مباشرة :
 قنطرة المرور لقلبي هي أمي ، وهي على حق دائما طلباتها أوامر.
نظرت إلي متجهمة ، كانت تتوقع أن أسمعها كلمات الشوق والحب ، وأبدي سعادتي باقتراني بها ، بينما كنت جادا في إشارتي إلى أمي ، وهي التي كانت مهتمة حد التفاني في إسعادنا .

مازال النقاش محتدما حول وفاة السندريلا ، كنت في مطلع صبايا أحرص على رؤية أفلامها ، حتى بلغتُ مرحلة التحولات النفسية والجسدية ،  وصرت يصيبني مايصيب الرجال ،  فأصبح كالمحموم ،  الذي لا يبرد داخله ، حتى أختلي بنفسي لأعتصر مابين فخذىَّ ، وأتخفف من بعض أحمالي .
  ظلت تمثل لي رمز الأنوثة والجمال ، حتى بلغتُ الأربعين ، وتغيرت نظرتي لجملة الحياة وتفاصيلها ، واكتملت التجربة ، وعرفت أن الجميلة إن كانت من الفضليات عانت في مواجهة الذئاب بمفردها ، فهل في رأسي سيناريوهات افتراضية لحياة أمي جميلة الجميلات ، التي اجتهدت لتواري الجمال ، ولا بد أنها ارتفعت فوق كل الإغراءات ، لتبقى لنا فقط  ،يحجبها عن التفكير بنا سويعاتها القليلة ، التي تقتنصها ، لتريح مكونها الذي يئن ألمًا ، من كثرة الضغوط التي تطاردها ،  فأشفقت عليها واستشعرت جهادها الخفي ، الذي لم ولن يذكره أحد.
 أمسح دموعي التي بللت وجهي ، عندما يهل في مخيلتي وجهها ، عندما يكون طعام الغذاء سمك مقلي ، لعلمها بشغفي به فتتركه قائلة :
ماعاد لي ثقل عليه.
 حيلة منها لتتركه لي ، وفي المرات القليلة التي يكون فيها على المائدة اللحم أو الدجاج ، كانت تظل تلف وتدور حولنا حتى نأكل ونشبع ،ثم تأكل ما يتبقى منا، ماتت أمي ففقدنا ما لا يعوض بكنوز الدنيا.
مازال جملة من الكتاب والفنانين يناقشون قضية مقتل السندريلا  ، كما أنني مشغول بالكيفية التي تمكنني من مقاضاة  المستشفى ،  وإن كان البديل  البلطجة ، فإنني  لست على استعداد للمواجهة ، فجسمي كما كانت تصفه أمي ، سفيف، قصير ونحيل ، فماذا أفعل بهذا المكون الرقيق ، فلو أني ذهبت إلى مدير المستشفى وقفزت في الهواء كالوطواط ،  ثم سقطت فوقه بكل ثقلي ، ما أثرت فيه ، زيادة على  حراسه الشخصيين ،  الواحد منهم قد يحملني على ذراعه كطفل ولا يبالي.
الاستسلام يقتلني، كما يقتل محبي السندريلا  ، التي لاقت من يهتم بها وبقضيتها ، دبج بعض الكتاب المقالات ، وقرأت قصيدة  لشاعر كتبها لها ، ثم شيئا فشيئا فترالجميع ،  وانتهى النقاش .
قاتلها يعلم كما يعلم قاتل أمي ، أننا نسخن بسرعة ونبرد بسرعة.
ليس أمامي إلا اتباع نظام غذائي معين ، به يزداد وزني على عكس الأغلبية ويرافق هذا المداومة على تمرينات رياضية لتنتفخ عضلاتي فإذا قفزت في الهواء وسقطت على مدير المستشفى يصبح لي ثقل يؤلمه.
فشل خيار اللجوء إلى القانون ففي بلادنا القانون تزيحه راقصة بمؤخرتها وآخرون رزقوا سعة من المال يزيحونه بأموالهم ، كأنه كرة ، يركلونها بأقدامهم ، كيفما ووقتما شاءوا،  ولكن حتى نفخ العضلات ، ولى زمانه بعد أن غلب بياض شعري على سواده، لكل شيء وقته المناسب.
في غمرة استغراقي في داخلي المهزوم ، أطالع من الشرفة ، طفلة في السادسة من عمرها تمسك بلعبة فقاعات الصابون ، تخرجها متكتلة ، ويكفي أن تنفخ فيها بفمها الرقيق لتتفرق في فضائها المحدود حتى تتلاشى سريعا دون مجهود يذكر، تسعد هي بهزيمة فقاعات الصابون ، بينما أشقى أنا ومحبوا السندريلا بهزيمتنا.

قصة من مجموعة فقاعات صابون القصصية الصادرة مؤخرا. 

حول نقد منهج الحداثين: الكاتبة المصرية فاتن عبد المنعم



ولا أدل على منهج الحداثيين في النقل والتبعية والنقل الأعمى عن الغرب من اعتراف بعضهم بذلك. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر”.
ويقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: “ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه”.
فضلا عن كلام ربنا عز وجل “ولتعرفنهم في لحن القول”، لذا ما صدر عن أغلب المستشرقين وتلاميذهم ممن هزموا وتنكبوا من أبناء المسلمين في بلادنا يفضح خبيئتهم وما يعتمل في نفوسهم.
فكثيرا ما تناول المستشرقون عقيدة التوحيد والوحي والنبوة ودور الأديان ومهمتها في إطار من الجحد والتشكيك ومحاولة تصوير الأنبياء على إنهم عباقرة ومصلحون اجتماعيون تأثروا بالواقع الذين عاشوا فيه( لنفي الدين والإلوهية من الأساس) وقاموا باستيعاب التراث القديم ثم صاغوه من جديد، ولأن الأنبياء تلقوا الرسائل الإلهية وحيا كان التركيز على الوحي من حيث التشكيك في حقيقة وجوده وماهيته وصفته، فكتبوا وفندوا وأكثروا من شروح أباطيلهم التي هي أوهن من بيت العنكبوت ليتلقفها بعضا من أبناء المسلمين ممن أصيبوا برقة في الدين نتيجة منابعهم الجافة من تعاليمه التي لم يتلقوها في مرابعهم الفاسدة فكانت نفوسهم بيئة خصبة لتلقي ركام المستشرقين والفلاسفة الغربيين ليطبقوه على القرآن وتاريخ الإسلام والمسلمين كاملا فكانوا بوقا للآخر وبوقا أكثر نفيرا.
ونظرا لعدم منطقية بعض الأحداث أو التعاليم التي ملئت بها الكتب السابقة على الإسلام وبعض الفراغ المريب الذي تركته في بعض المناطق وعدم القدرة على استيعاب ما ألغز على العقل البشري قديما وحديثا عندما تجاوزها من خلال ما استحدث من مستجدات على كل الأصعدة، انطلق الفلاسفة الغربيين يجولون ويجوسون في دروب شتى علهم يهتدون فتقلبوا بين أروقة الأساطير اليونانية على وجه الخصوص لتصبح منطلق لجديد يصنعون منطقه بأيديهم يساعدهم على الفهم والاستيعاب، وبالطبع تعاملوا مع القرآن وأحكامه بنفس الرفض لسابقيه فتصدوا لأسس العقيدة الإسلامية وعلى رأسها “الوحي جبريل عليه السلام”فيما عرف بينهم “بظاهرة الوحي” وعلى رأس الرافضين:
(سبينوزا – باروخ) أو بندكت (1632م -ـ 1677م) وهو يهودي من البرتغال تلقى تربية يهودية دينية متعمقة، أصبح حاخاما ثم فليسوفا ودارسا للعلوم الإنسانية، تأثر بديكارت ذو المنهج القائم على الشك بصفة دائمة، فانتقلت عدوى الشك إليه في الدين والوحي، قال بخلود المادة وأنكر خلق آدم من عدم وآمن بوحدة الوجود وأن الله هو الطبيعة الخالقة، وهو ليس له صفات ولا يشاء ولا يريد وليس شخصا معينا حسب تعبيره (كإله الديانات) وطبقا لمنهجه فإن الإنسان كلما زادت تجاربه ومعارفه كلما اقترب من أن يكون إله أو أنه إله بمعنى ما وهو ما ضج به نتاج الكثير من الحداثيين.
كان ينتقد بشدة المعجزات والنبوءات ويعلي من العقل على الوحي، وكان يقول بأنه لا يصح للدين ولا الدولة بالمساس بحرية التفكير وكان له التأثير القوي في نشر الفكر المادي الإلحادي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، له كتاب بعنوان “الرسالة اللاهوتية السياسية”والذي ترجمه حسن حنفي بعنوان “رسالة في اللاهوت والسياسة” وفيه وضع أسس المنهج التاريخي لدراسة محتوى النص الذي يراه يتراوح بين التاريخية والأسطورية وذلك للتحرر من سلطة الأسطورة وحتمية الحقيقة في الوحي وأنه يجب البحث في تاريخية النص وليس المعنى والحقيقة فيه وبالطبع تبعه والتزم منهجه العديد من الفلاسفة الأوروبيين حتى تفشى الإلحاد بأشكال من نوع ما وهو دأب اليهود الدائم على تخريب أي عقيدة من الداخل مما حدا بمؤلف الموسوعة الفلسفية أن يقول:
“لا شك أن سبينوزا كان يهوديا حتى النخاع، وأن مذهبه كان رؤية فلسفية للتلمود، وجاء على خطى التراث اليهودي”
ويزيد المؤلف في الإشارة إلى المؤامرة اليهودية الخفية المعلنة من خلال سبنيوزا وذلك لأن دراسة سبنيوزا يكون في مجتمعات خاصة مغلقة تشبه الجمعيات السرية القبلانية وأطلقوا عليه “ماركس دون لحية” وأن من يقوم بنشر وترجمة كتبه في روسيا هي دور نشر أصحابها من اليهود أنفسهم وأن الجدل السطحي الدائر بينه وبين المفكرين اليهود ليس إلا استعراض مكشوف استمرأه اليهود للطمس على أفعالهم لتمرير ما يريدون وهذا الفيلسوف كان المتكأ والمنطلق لجملة الحداثيين الذين تأثروا به بشكل فاضح باستخدام منهجه ومفرداته التي استحدثها في تقليد أعمى لا يكون إلا من تابع ضعيف لا منطق له ولا منهج حقيقي يستند إليه.
ريتشارد سيمون (1632م ـــ 1712م):
راهب ومفكر فرنسي كتب مجموعة من الكتب منها:
التاريخ النقدي للعهد القديم، التاريخ النقدي لروايات العهد الجديد، التاريخ النقدي لشراح الرئيسين للعهد الجديد، ملاحظات جديدة حول نص العهد وروياته.
وهي كلها تنتقد النصوص الإنجيلية وتشكك في ثبوتها تاريخيا ومنطقيا وقد اتبع منهجه المرتابون من أبناء المسلمين وطبقوه على القرآن العظيم وإن ضعف منطقهم ودلائلهم مقابل الأدلة القوية لدى الراهب أمام أبناء دينه.
شتراوس ديفيد فردريتش (1800 – 1874م):
لاهوتي بروتستانتي ألماني تشكك في المسيح عليه السلام وفي الإنجيل وانعكس ذلك على مجمل كتبه التي تناولت نقد وتحليل الإنجيل بعهديه القديم والجديد وترأس هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر مما كان له أبلغ الأثر في :
توجه كارل ماركس من خلال فيورباخ نحو الشيوعية.
اتجاه المستشرق والفيلسوف الفرنسي إرنست رينان في عنصريته ومعاداته الشديدة للإسلام.
توجه الفيلسوف الألماني هيجل نحو المادية.
إرنست رينان (1832-1892م):
كاتب فليسوف ومستشرق فرنسي، تلقى تعليما دينيا وأصبح كاهنا وتعلم العبرية ولكنه سرعان مانقد المسيحية وترك الكهنوت واعتبر الأناجيل روايات تاريخية متناقدة، فلا يوجد مقدس لديه ويشترك مع السابقين في كون الكتاب المقدس يخضع للنقد والتحليل العلمي طبقا للمنهج القائم على الرفض والخلخلة والمادية ونفي فكرة “الثوابت العقدية والإيمانية” والتي تلقفها جملة الحداثيين في بلادنا فصالوا وجالوا في ضروب شتى ينهلون من هذا الفكر حتى تشبعوا به وتعبدوا في محاريب ماركس وهيجل ونيتشة والدائرون في ذات الفلك فانعكس ذلك على جملة أعمالهم وطبقوا ذلك على الإسلام.
بولتمان رودولف (1884- 1976م):
كاتب وفيلسوف لاهوتي ألماني، رائد حركة “نزع الطابع الميثولوجي عن المسيحية”، الميثولوجيا هي علم الأسطورة، ميث تعني أسطورة، ولوج يعني علم، والأسطورة هنا تعني الوحي المنزل من الله بالرسالات السماوية فهم يرونه أسطورة لا يقبلها العقل وهذا الفكر تلقفه الحداثيون بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة، فاستعاروا نفس المفردات والتوصيفات بغية هدم الثوابت يساعدهم على ذلك نضوب معين التعاليم الدينية داخلهم فأصبحوا أرضا جدباء تجود بما يلقى إليها أو صفحة بيضاء تتلقى أياد ما تهتك بياضها وإن كان ضعيف المنطق والحجة، فاتجهوا إلى القرآن والسنة النبوية وسيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم (على سبيل المثال لا الحصر وليمة لأعشاب البحر للسوري حيدر حيدر ومسافة في عقل رجل للمصري علاء حامد ووداعا أيتها السماء للمصري حامد عبد الصمد وموت الإله لنوال السعداوي وقبلهم أيقونتهم نجيب محفوظ ومجمل أعماله وعلى رأسها أولاد حارتنا، والقائمة تطول).
ولا غرو أن يلقى المستشرقون وكل ذي مأرب وغرض في نفسه معين لهم على ما تضمره نفوسهم القاحلة وهل من معين أفضل ممن يعرفون بيننا على أنهم مسلمون؟! فالنتيجة بالقطع ستكون بالنسبة إليهم أفضل مما لو تصدروا لنا بصفتهم ووصفهم وهذا دأب الاستعمار قديما وحديثا فمن لم يحصل عليه بجيوشه الجرارة فليحصل عليه من خلال العملاء والأتباع والمريدون لحوضهم وأبلغ توصيف لهؤلاء قول نبينا صلى الله عليه وسلم:
“ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد على قولهم، يتقاحمون النار كما تقاحم القردة”
ونبينا ذو اللسان العربي المبين شبههم بالقردة لأنهم يقلدون بعمى وجهل وهو حال العلمانيين والحداثيين الذين يتلقفون أي نظرية وضعية من الغرب أو ما يستحدثون من مفردات ومفاهيم فيتبنونها على الفور لأن دون ذلك يكون التخلف والرجعية، ثم هو يقول يتقاحمون بمعنى أنهم يقحمون أنفسهم بجهل وعجالة دون تدبر وفهم للأمر، ذلك لأنهم استبدلوا الغث بالسمين ولم يتفطنوا إلى مآرب الاستعمار الذي جال ببصره في كل اتجاه ليجد ألسن كثر بلغات ولهجات مختلفة يجمعها كتاب واحد يتلقون تعاليمه طوعا على تنوعهم فما كانوا ليقفوا مكتوفي الأيدي فابتدأوا بالحروب الصليبية ثم بالاستشراق ثم بإشاعة الاستغراب من خلال ترأس المناصب العلمية والفكرية والتعليمية والصحافة والفكر والثقافة لكل مستغرب نبت بين أيديهم في الداخل والخارج ليتم زحزحة هذه الأمة عن دينها ولغتها وتراثها لإيجاد الفراغ الفكري والاعتقادي والروحي ليستنبتوا بذورهم الخبيثة داخلنا وأبلغ دليل على ذلك ما قاله وليم بيفور بالجريف:
“متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدحرج في سبيل الحضارة(الحضارة المسيحية) التي لم يبعده عنها سوى محمد وكتابه”.
(وهو راهب  انجليزي كاثوليكي مارس التبشير والتجسس على حد سواء في عدد من الدول العربية على رأسها لبنان الذي انضم بها إلى جماعة اليسوعيين وطاف عددا من الدول العربية في زي طبيب سوري بالإضافة إلى الحبشة وجزائر الهند عندما كانت انجلترا لا تغيب عنها الشمس)
ومن أجل أساليبهم الخبيثة لتحقيق مآربهم الابتعاث إلى جامعاتهم و بعد أن استحال عن عمد بلوغ النابغين منا المرقى الذي يطمح إليه إلا بالتعلم عندهم فيقول عن ذلك المستشرق هاملتون جب وإن كان قوله مطولا ولكنه مهم جدا مفاده أن أهداف الابتعاث ليست إلا تبشيرية استشراقية تغريبية:
“كانت النتيجة الخالصة لهذه الحركة التعليمية أنها حررت بقدر ما كان لها من تأثير، نزعة الشعوب الإسلامية من سلطان الدين دون أن تحس الشعوب بذلك، وهذا وحده تقريبا هو جوهر كل نزعة غربية فعالة في العالم الإسلامي، وهو المعيار الذي نقيس به قوة الرأي الحديث والرأي المحافظ أحدهما بالنسبة للآخر.
إن الإسلام من حيث هو دين قد فقد القليل من قوته، إما من حيث هو المسيطر على الحياة الاجتماعية فإنه أخذ في النزول عن عرشه‘ ذلك أن جانبه قوى جديدة يصدر عنها سلطان يناقض تقاليد الإسلام وأوامره الاجتماعية في بعض الأحيان، ولكنه رغم هذا يشق طريقه بالقوة غير مبال بتلك الأوامر، ولكي نصف الموقف في أبسط العبارات نقول:
إن ما حصل هو هذا، إلى عهد قريب، لم يكن للرجل العادي مآرب أو أعمال سياسية ولم يكن له أرب قريب المنال إلا الأدب الديني، ولم تكن له أعياد ولا حياة اجتماعية إلا مقترنة بالدين، فكان الدين عنده كل شيء، أما الآن فقد اتسع مدى مصالحه في كل البلاد الراقية، ولم يعد نشاطه مقيدا بالدين، وربما لا تتعرض لوجهة نظر الدين مطلقا، فوضعت المسائل السياسية تحت نظره، وقرأ وقرئ له عددا من المقالات في موضوعات متعددة لا علاقة لها بالدين، وربما لا تتعرض لوجهة النظر الدينية مطلقا، كما يمكن أن يكون الحكم عليها مقيدا بمدأ مختلف عن مبادئ الدين كل الاختلاف، وهو يجد أن الرجوع إلى المحاكم الشرعية لا يغنيه شيئا في كثير من مصاعب حياته ومشاكلها، بل يجد نفسه خاضعا لقانون مدني قد لا يعلم له مصدرا صحيحا يستمد سلطانه منه، ولكن لا شك أن هذا القانون لا يستمد سلطته من القرآن أو السنة، ولم يعد الدين هو الرابطة الاجتماعية الوحيدة أو على الأقل الكبرى بينه وبين إخوانه، إذ أن مهام أخرى غير الدين تجبره على الالتفات إليها، وهكذا نرى سلطان الإسلام قد انفصمت عراه عن حياته الاجتماعية وهذا السلطان ينحسر شيئا فشيئا حتى يقتصر على دائرة صغيرة من الأعمال.
حدث كثيرا هذا في غفلة من الناس لم يفطن إلى إدراكه إلا قليلا من المتعلمين، ولم يعمد إلى تحقيقه إلا عددا أقل من ذلك، ولكن التيار سار جارفا لا يلوي على شيء وحينما رسخت قدمه لم يعد رده ممكنا، ويظهر من المستحيل الآن ولا سيما إذا راعينا ازدياد المطالبة بالتعليم، والازدياد في اتخاذ الأنظمة الغربية أن تنعكس، وأن يعود الإسلام أن استئثاره بالسلطة الاجتماعية والسياسية استئثارا لا ينازع فيه”
وهنا قاد طه حسين قاطرة التغريب الثانية بعد نخبة محمد على التي ابتعثت لفرنسا من قبل ليبدأ بنقد الوحي والدين وإنكار قصة سيدنا إبراهيم في كتابه الشعر الجاهلي الذي الذي أملاه عليه أساتذته وأسياده من المستشرقين (على رأسهم المستشرق الانجليزي اليهودي مرجليوث بل أن البعض من الثقات يقطعون ويجزمون أنه الكاتب الحقيقي لهذا الكتاب) لينطلق بعدها الطابور الخامس من العلمانيين والليبراليين معتبرين أن طه حسين رائد حداثي”أول من اقتحم المقدس وأول من رسخ للفكر الليبرالي الديمقراطي وأول من تجرأ في الاندفاع نحو الغرب، نحو المجتمع الحر وقوض مسلمات التاريخ واللغة والدين حسب تعبيرهم”، والحقيقة أنه بقدر ما في هذا التوصيف من مدح وثناء ففيه من الذم مايكفي لإدانته، وتبعه وإلى يومنا هذا من يقدح في ثوابت الإسلام والإسلام فقط من القرآن والسنة والوحي بالنقد والتقريع والتكذيب في مختلف الوسائط تحت مسميات الليبرالية والحداثة والديمقراطية وحرية الفكر القاصرة على نقد الإسلام فقط لكن التعرض لأي دين آخر ولو كان عباد البقر فلا ينالوه إلا بالاحترام والتبجيل ودون ذلك فلو تعرض أي مسلم لأي دين آخر فهو الطائفي الذي لا يقبل الآخر ولا يحترم الآخر بينما هم لا يحترمون ولا يقدسون سوى الآخر أي آخر غير المسلمين.
ولا أدل على منهج الحداثيين في النقل والتبعية والنقل الأعمى عن الغرب من اعتراف بعضهم بذلك
فيقول عبد الرحمن منيف:
“وإذا كان مفهوم الحداثة قد جاءنا من الغرب، وأخذ معنى أو معاني ولدتها ظروف ذلك الغرب وتطوره، وإذا كان المفهوم نفسه قد تغير تبعا للمراحل، أو زاوية الرؤية، فإن ماوصل إلينا هو الصدى وبعض صور الحداثة”
ويقول غالي شكري:
“نحن لا ننقل سوى المصطله في صورته النهائية، ولا علاقة لنا بالتاريخ الاجتماعي والعلمي لهذا المصطلح، ولم نشارك في أي مرحلة من مراحل صنعه، أي أننا في الحقيقة نركب المصطلح كما نركب الطائرة والفرق هو أننا نستخدم الطائرة، أما المصطلح في العلوم الإنسانية، فإننا نستخدمه ويستخدمنا في وقت واحد، إنه يقال ليصبح جزءا من العدسة التي نرى بها الأشياء، أي جزء من رؤيتنا، أو من قدرتنا على الرؤية(من مجلة الناقد)”
إنه اعتراف دامغ على أن هؤلاء يكتبون عن بيئتنا بكل مكوناتها وهم يرتدون قبعة الخواجة الذين استعاروا عقله وعيونه ليروننا بها فلا نستغرب أقوالهم وما يعتنقون ولا دفاعهم المستميت عن كل ما يقدح في الإسلام فقط مثل دفاع حسن حفني عن آيات سلمان رشدي الشيطانية ولا تأييده لكل ما جاء بها رغم أنها على المستوى الفني مفككة لولا أنها تسب الإسلام جملة وتفصيلا فوجد بها كل جرذ إمعة ضالته لتطرب مكنونه العفن الآسن الذي يكتظ بكل نتن تعافه النفوس الأبية، أولئك بيادق الآخر الكاره للإسلام قد استعملهم وهم له مطيعون مهطعون.
أما الجزائري الذي يكتب بالفرنسية محمد أركون القادم من السربون فهو الناكر للوحي وجعله أسطورة على خطى اليهودي إسبينوز ونفي أي قداسة عن القرآن نفسه وأن سلطته جاءت من الدولة الأموية حيث يقول:
“إنه عائد إلى الدولة الرسمية التي وضعت منذ الأمويين بمنأى عن كل دراسة نقدية، لأنها أرادت أن تجعل منه مصدرا للسيادة العليا والمشروعية المثلى التي لا تناقش ولا تمس، لقد فرضت هذه الوظيفة السياسية للقرآن نفسها منذ أن تم تشكيل المصحف”
هذا المسمى باسم نبينا قال عن قصة أصحاب الكهف بأنها أسطورة وهاجم الغربيين الذين كتبوا كتبا يثبتون فيها صحة القرآن وقوته وثبات حقيقته وعدم تعرضه للتحريف أو التشويه وأنه المنزل وحيا من الله على نبينا محمد صلى الله عليه مسلم وصفها بأنها كتبا تبجيلية هزيلة(هذا الوصف قاله بعد أن كتب الطبيب الفرنسي موريس بوكاي بعد أن أسلم كتاب بعنوان التوراة والقرآن والعلم)
وعن جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان للمصحف بأنه حالة من الهيجان السياسي الديني.
إنه الفجر في الخصومة القديم المتجدد، إنه الكبر والباطل الذي يعتنقونه، فكفار اليوم كالأمس ولو أن دينا ما ناله ما نال الإسلام من النقد والتشكيك قديما وحديثا لانتهى وما كان له وجود لولا قوة الإسلام في ذاته.

فاتن فاروق عبد المنعم 
كاتبة روائية مصرية،عضو اتحاد كتاب مصر 

على كل حال: الشاعر المصري حسن عامر



حسن عامر - مصر 

صورتي في الماء
أنا باختصارٍ شديدٍ أنا
لا دمي كان نهرًا
ولا ريشةً في جناحِ الطيورِ يدي
ولَم أمْتَحِنْهُ
              ولَم يَمْتَحِنْي غَدي
ولستُ بِمُنْتَظِرٍ أيَّ شَيْءٍ
أنا موعدي

تَمَشَّى بيَ الزمنُ الكَهْلُ
حتى تداعى
فما أشبهَ الْيَوْمَ بالبارحة

نوافذُ من تعبٍ أغلقتْ ضفتيها
وعاطفةٌ مالحة

على كلِّ حالٍ
   خرجتُ من الذكرياتِ بقلبٍ سليمٍ
فلا رعشةٌ من زمانِ الأصابعِ  فوق يديّْ
ولا شعرةٌ فَوْقَ أيِّ قميصٍ تدلُّ عليّْ
ولا رائحة

بريءَ المناديلِ من دمعةٍ جارحة

تَعَلَّمتُ كيفَ أحبُّ وكيفَ أغنِّي
وكيف أودِّعُ سيِّدَةً في الطريقِ إلى غَدِها ثم أنسى
وكيفَ إذا صالحتني خطايَ على شارعٍ أقتفيهِ وأمضي
وأعرفُ عن لافتاتِ البلادِ وعن عجلاتِ القطاراتِ
ما أكتفي في البكاءِ به يا صديقي
وأعرفُ وجهَ عَدُوِّي وأعرفُ موضعَ طعنتِهِ الآتية

أنا بائسٌ مثل صفصافةٍ حَوَّلَ النهرُ مجراهُ عنها
بسيطٌ كقطرةِ ماءٍ يناولها النهرُ للساقية

وحيدٌ كأنَّ الزمانَ انتهى
والنجومُ البعيدةُ يُوشكُ أن تَتَشظَّى
ويُوشكُ أن تلدَ الأرضُ نيرانَها الحامية

وحيدٌ
وَلَيْسَ على أحدٍ من قَبيلِ المحبَّةِ
أن يتذكَّرَ وجهي
وليس على أصدقائي سوى أن يغيبوا
لكيلا أفكرَ فيهم
تركتُ حنيني لذئبٍ جريحٍ
                                 على الضفةِ الثانية

ونِمْتُ خَلِىَّ المواعيدِ في اللحظةِ الخالية

وكم كنتُ أحلمُ  _ لو لم أَصِرْ نطفةً _
أن أصيرَ بيوتًا من الطينِ في قريةٍ نائية

يدًا في يدٍ لا عصًا تنهرُ الماشية

وكنتُ اجتهدتُ كثيرًا
لكيلا يشقَّ النشيدُ فمي للغناءِ
بسكِّينهِ القاسية

لقد أَخْطَأَتْ دَوْرَها في السلالةِ روحي
إذن سوف أمضي
كما اتفقَ السيرُ والهاوية. 

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

حول مسلسل عندما تشيخ الذئاب: الكاتب الفلسطيني حسن قطوسة.




بوابة اليمامة الثقافية - فلسطين. 

حسن قطوسة - كاتب فلسطيني

عندما تشيخ الذئاب
الرواية التي لم يرها صاحبها على الشاشة
كنت قد قرأت لجمال ناجي (الطريق إلى بلحارث ) وأعجبني فيها تلك التفاصيل التي كانت كفسيفساء أضاءت الحدث وغاصت في بواطن الشخصيات ،فليس هناك ما أقسى من أن يصر معلم على اصطحاب زوجته الحامل في أيامها الأخيرة للسفر عبر طريق صحراوي موحش إلى القرية التي يدرس فيها في عمق الصحراء ،وسبحان الله يفاجأها المخاض وتحدث الولادة ويخرج الجنين الذي تشكل من أمل وفرح وتفاؤل ميتا ،كأن بالكاتب أراد ولو من دون قصد أن يأد المستقبل الكارثي الذي كان ينتظر هذه المولود ،ولنا أن نعمل التأويل وفك الرموز في نص روائي ما زال متخما بالأسئلة حتى اللحظة ،وحدث أن أقتنيت روايته (عندما تشيخ الذئاب )قبل الغزو الإلكتروني بقليل ،إذ أخبرني حدسي الذي لا يخيب وقلبي الفلاح الذي يضج بين ضلوعي ،بأني سأكون في حضرة نص مختلف واستثنائي يستحق القراءة يمور بالقضايا الكبرى والأسئلة والوجود والشخصيات التي أفرزتها السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتراكمات التاريخ ومكر الجغرافيا ،وفعلا هذا ما كان لقد تناولت الرواية فترة التسعينيات في القرن الماضي في مدينة عمان والتحولات التي عصفت بهذه المدينة من خلال شخصيات متباينة تعيش في حارة فقيرة ، (الشيخ عبد الجليل الذي يستخدم الدين  ستارة لاغواء النساء والايقاع بهن في حبائله الدنيئة ومع تطور يصبح هذا الشيخ أيقونة ويتحالف مع القوى السياسية ورأس المال وقد أحسن سلوم حداد تجسيد هذه الشخصية ، وهناك اليساري الماركسي الذي عانى شظف العيش ومرارة السجن وعرك الحياة وعركته وخبر الأحزاب ودهاليزها وطلقها بالعشرة ومع تطور أحداث الرواية يصبح صاحب شركات ورأس مال ضخم ويصبح كذلك صديقا لأعداء الماضي وحليفا استراتيجيا لهم وقد حاول عابد فهد أن يقدم هذه الشخصية بكل ما أوتي من قوة ،وهناك الحقوقي الذي بدأ فارسا طالبا للحق والعدالة والخير ومع تطور أحداث الرواية ينقلب صبيا عند الشيخ عبد الجليل ويتحول لرئيس عصابة متطرفة دينيا ،بالإضافة إلى كثير من الشخصيات التي كانت تقع تحت سطوة الشيخ عبد الجليل وتؤمن بقدراته وخزعبلاته دون الانتباه لأغراضه الدنيئة )الرواية باختصار تتحدث عن صعود المد الديني وتجاره وسقوط اليسار بأطروحاته الفكرية والايديولوجية  في فترة التسعينيات من خلال حارة مهمشة في عمان ضمن أحداث شائقة وتغيير منطقي وطبيعي من خلال أداة الزمن التي تعصف بالشخصيات يمنة ويسرة وشمالا وجنوبا  دون افتعال في الأحداث أو تماه مع الشخصيات أو تسطيح للأحداث ،وهذا ما يجعل القاريء العادي يحس بأنه يعرف هذه الشخصيات ويراها صبح مساء .
أذكر ولست أنسى المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها جمال ناجي في المؤتمر الفلسطيني للرواية العربية دورة نبيل خوري برام الله في المسرح البلدي ،كنا نقف خارج المبنى نتبادل أطراف الحديث عن الندوة التي شارك بها ،حيث كانت بعنوان الاغتراب في الرواية ،وقد ابدى تبرمه وضيقه وقال أمام الملأ (لقد أستهلك هذا الموضوع ولم يعد مجديا دراسته أو حتى الحديث عنه )وبما أننا كنا في خضم اضراب الأسرى قال أيضا (لو شعر كريم يونس بتراخي الوعي الشعبي ربما سيتراجع عن اضرابه المفتوح عن الطعام ) فرد عليه المتوكل طه الذي كان يدير الندوة وقال (كريم يونس صاحب رؤيا وقضية كبرى ولن يتراجع تحت أي ظرف )  .
أذكر أني أشرت عليه بتحويل أي من نصوصه الروائية لعمل درامي لاسيما بعد تحويل رواية (سلطانة )التي كتبها غالب هلسة لمسلسل منافس نوعا ما ،فأبدى حذره من وضع الدراما الأردنية الغارق في المسلسلات البدوية لحد التخمة ولم يكن متشجعا إذ أن وضع الإنتاج الفني في الأردن لم يكن يراهن عليه ،وتحويل أي نص روائي لعمل فني يتطلب طاقات وقدرات وظروف انتاج وتسويق ،وفعلا هذا ما حدث في ٢٠١٩م إذ تم تحويل روايته عندما تشيخ الذئاب لمسلسل تلفزيوني لكن عن طريق طاقم فني سوري وتم نقل فضاء الأحداث لدمشق ، لكن دون أن يكون جمال ناجي مشاهدا لنصه الذي تحول لصوت وصورة أمام كل النص ،ودون أن يكون لبلده الأم أي دور في صناعة هذا الحلم .

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

فساد الضمير الثقافي: الأديب الفلسطيني أنور الخطيب


بوابة اليمامة الثقافية - فلسطين. 

فساد الضمير الثقافي  

مثلما يتشرذم المجتمع العربي بفعل آفة الشقاق السياسي تتشرذم الساحة الأدبية والثقافية، ومثلما يحكم خطاب دبلوماسي مهترئ ومفضوح العلاقات العربية العربية، يحكم الحراك الثقافي والإبداعي نفاق عالي المستوى ومرتفع النبرة دون خجل، يرافقه موت الضمير النقدي الفعال والمواجه. ينسحب هذا على ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي والندوات والأمسيات التي تتناول إصدار هنا وآخر هناك، وتسودها البهرجة وحقن اللغة بجميل الكلام والوصف بما يغاير المضمون، كما ينطبق على معظم الجوائز الأدبية الروائية والشعرية التي باتت محط استهزاء وسخرية للمتابعين.
يقول المفكرون إن الواقع السياسي يلقي بظلاله على الواقع الثقافي ومجالات الحياة كافة، فيرتدي الأخير ملامح الأول ويسلك مسلكه، لكن القيادات الثقافية تقول أن الثقافة هي آخر خط دفاع عن الهوية والأمة وعلينا التمسك بها والحرص عليها، لكن القول يخالف الممارسة ويضحضها.
إن نظرة سريعة على الهياكل النقابية ومنها اتحادات الكتاب والأدباء تظهر أن بعض الاتحادات ظلت تحت إدارة شخص واحد لعشرات السنين، وانتقلت عدوى هذه الملكية الاستبدادية إلى الحاضر، يحدث هذا في ظل انتخابات تُعقد كل أربع سنوات، وحديثا سمعت رئيس اتحاد الفنانين لدولة ليست ذات سيادة يصرح بخيلاء أنه في منصبه منذ 32 عاما، والسبب أنه لم يجد من يحمل المسؤولية عنه! يا إلهي كم هي الشعوب عقيمة ومجتمع الأدباء والمثقفين عاقر. ألا يستوي النقابي المستبد في هذا المضمار مع الرئيس الذي يحكم على مدى أربعين عاما، أو الرئيس الذي يطمح لكتابة كرسي الرئاسة باسمه مدى الحياة.
هناك نفاق سياسي شعبي، وهنا نفاق ثقافي أدبي، وفي الحالتين يبرز الفساد الموغل والمتوغل على مستوى القاعدة والقمة.
المسألة واضحة جدا، وفي عصر الفضاءات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن تغطية الحقيقة، ألهذه الدرجة فسد الضمير الأدبي، الإبداعي، الثقافي؟!
لن يتغير هذا الواقع طالما يتفشى النفاق والنميمة والكذب في جسد الثقافة، وطلما يخضع المثقف لإملاءات السلطة، وطالما يغيب النقد الحقيقي عن الحراك الإبداعي، وطالما تحولت قضايانا المصيرية إلى احتفالات فلكلورية، وطالما يتم التعامل مع المبدع وفق انتمائه السياسي، ويتم إهمال المستقل صاحب النظرة الشمولية المنتمي للوطن فقط وليس لحزب أو تنظيم أو طائفة أو مذهب أو معتقد.
إذا كانت الثقافة هي خط الدفاع الأخير عن الأمة فأبركم بأن الثقافة بواقعها الحالي ستساهم في تحطيم هذا الخط. وإلى أن يصحو الضمير الثقافي لهذه الأمة، وإلى أن يستعيد المثقف نبله كفارس راق ومقدام، سيبقى التراجع ينخر المجتمع، وتبقى الشخصانية سائدة إلى أن تتشوه الهوية بكل مكوناته وعناصرها وشخوصها. 

الأحد، 2 يونيو 2019

قدري هواكِ: الشاعر شاكر الغزي



شاكر الغزي - العراق 

قدَري هواكِ!
وقيلَ أَنْ كلُّ امرئٍ
أَقدارُهُ فوق الجبينِ مُسطَّرَةْ 
.
ومياهُ عينيكِ استفزَّتْني إلى
غرَقي،
وطوقُ يديكِ يا ما أَقصرَهْ!
.
يا جنَّتي المطرودُ عنها آدمي
وجهنَّمي الروحي بها مُتبخترَةْ
.
يا أنتِ يا امرأةَ الخيالِ،
كما اشتهتكِ الرَّوحُ جئتِ لها،
ولو مُتأخِّرَةْ
.
يا أنتِ ...
يا أفدي مَن اختُزلتْ بها كلُّ النساءِ،
وليسَ غيرُكِ من (مَرَةْ)!

الأحد، 26 مايو 2019

بكائية الأجراس: هاشم شلولة






 


فلسطين - بوابة اليمامة الثقافية. 


أشربنا المكان دم الزمان حتى نفذ ، ولم يتبقى منه سوى سؤال مبتور الأجنحة يقضي بلماذائية تركه بلا دماء . على النهر الأخير الذي ظل يقرع شقفة الأرض بأجراس الماء ؛ الأرض التي كانت تحتوي رأس أبجديتنا الثقيل ، والذي عليه انتحبت قوارب الحدس الجافة التي ظلّت تُقاتل إعاقة القصيدة ، وتعيدها لسَوائها .. لما بعد النار التي تتقيأ ذنوبًا قد ارتكبناها قبل المجيء من ذلك المكان الذي نجهله .

قد ضلت بيارقنا وهتف الحوار هتافات الخلاص ، وظلَّ فينا ميلاد الأولياء . كانت كنائسنا زاويةً للهلاوس وانصهارنا في صمتٍ قد يطول وقد يرتدي معطفًا ثقيلًا أمام البداية ومفترقات الغيب المتآكل .

ضاعت صوامعنا بداخلنا الصغير واتساع مساحتها لتحليق نوارس المعنى في جوفها . تعود الرياح إلى رئة الخطوة الأولى .. إلى جوف الدهشة التي راحت فداءً وبهتًا لوقت الرفاق الذي ضاع في المقهى القديم ، فوق الغيم وخلف وداعات السفر .

نسيتنا القطارات كأننا غفر للمحطات ، لا نغادر ولا نُغادَر ولا تغادرنا رؤى الله البدائية . ستبكي الصديقات على قصائدٍ لم يقلها الشعراء لحبيباتهم اللواتي صرخن أمام الشمس التي قص غرتها غيابي في حضوري .

ألا يكفيك يا وهم الطريق ؟. ألا تكفيك المسافة وما ظل من حب في قلوب الجوعى ؟. يكبر الوهم ، ينمو وينسى نصيبه من نفسه حين يرنو من صرح أغنيتي اليتيمة .

قد كُسر مفتاح النبوءة ، وأسقطوا من قلبي قلبي ونرجسة مراهقة ، لم تضل الطريق لكنهم أعموا فيها شغف الجنون الشفيف الذي امتطى ظهرها الغض أمام ساحل الصبا الذي انتهت زمنيته الأخيرة .

تعانق سروة صغرى قصر قامة الدرب التائه في عمقي وما بين صحاري الألم الواسعة اتساع روحي التي لم يترأف بها فردوس .

عابرون على ظهر الحب منذ الأزل الضاربة جذوره في باطنٍ لم تنساه إلّا إلاهات الحزن الكبير .

الأربعاء، 15 مايو 2019

قراءة نقدية في رواية منذ ساعة تقريباً للكاتب ناصر رباح: الدكتور عبد الرحيم حمدان




فلسطين - بوابة اليمامة الثقافية 

قراءة نقدية في رواية( منذ ساعة تقريباً )للكاتب ناصر رباح 
د. عبد الرحيم حمدان .

وقعت بين يدي رواية للكاتب ناصر رباح صادرة عن دار خطى للنشر في غزة، وتحمل عنوان "منذ ساعة تقريباً"، وتقع في(330) صفحة من القطع المتوسط. وقد قُسمت الرواية ُثلاثين فصلًا، كل فصل منها يحمل عنواناً يتناسبُ مع الفكرة والمضمون.
ولما علمت أن تلك الرواية هي باكورة أعماله الروائية، أدركت أن الكاتب من الأصوات المتميزة في عالم الرواية الفلسطينية، وأن أسلوبه يحمل سمات روائية متفردة، لقد ولد المؤلف - حقا - كاتباً روائياً كبيراً؛ ذلك أن روايته استوعبت مكونات الإبداع الروائية الجوهرية من شخصيات وسرد ولغة وزمان ومكان وبناء فني، وأنها جميعها تفاعلت معا في شبكة متينة من العلاقات الفنية، وأحسست أن وراء هذه المكونات الفنية كاتباً سعى جاهداً إلى تطوير أدواته وآلياته تطويراً سلك فيه سبيلاً داخلياً، أي: طورها من داخل تلك الأدوات؛ لأن الرواية من الفنون الأدبية التي تمتلك القدرة على التطور، ومواكبة مستجدات العصر، فعُنٍي في رسم شخصياته الروائية بالتفاصيل الدقيقة وراء تلك الشخصيات، والتي ساهمت في الكشف عن ملامحها ومعالمها الأساسية، وحاول الكاتب تكسير تراتبية الزمن بعيداً عن التمسك بالتتابع الزمني المنطقي، وقام برصد الأمكنة الروائية المختلفة، مبدياً حرصه على استبدال الفضاء بالمكان.
إن أجمل ما يلفت نظر القارئ المستقبِل، ذلك الانسياب والتدفق في السرد والوصف والحوار، يبدأ المتلقي بقراءة الفصل الواحد، فيستمر في القراءة، لا يهون عليك أن يتركه قبل أن ينهي قراءته؛ لما فيه من إثارة وتشويق؛ ولما يقابله من دهشة ومفاجآت.   إن تراسل الأجناس الأدبية الإبداعية الكتابية من: رسالة وشعر، وتراسل الفنون من مسرحية، وسينما، وفن تشكيلي وإيقاع موسيقى، وتصوير فوتغرافي يتجلى بصورة واضحة في المشاهد الروائية المتعددة ويعد علامة فارقة من علامات تحول الرواية الجديدة.
 تمتعت الرواية بلغة وصلت مفرداتها وتراكيبها وأساليبها إلى تخوم الشعر وشواطئه، لغة شعرية موحية بالدلالات، مفعمة بالمجازات التصويرية، فضلاً عن أن الرواية استخدمت تقنيات سردية متنوعة منها: تقنية الارتداد الفني، والاستباق، والتذكر، والتداعي، ورسم المشاهد، وأسلوب القطع الفني، وتقنية الحذف المتمثلة في النقاط(..... ). وأسلوب التشتت في الأحداث والزمن واللغة..
إن أجمل ما يلفت انتباه المتلقي، ويجعله يستمتع كثيراً في قراءة الرواية، هو ذلك الحوارُ المتعدد الأنماط من: حوار داخلي وآخر خارجي، والذي يعد لبنة أساسية من لبنات البناء الروائي في هذه الرواية، علاوة على ما في توظيفهما من مهارة واقتدار وجدارة، فتجدهما يتمازجان مع بعضهما بعضاً، وتداخلهما وامتزاجهما في الوقت نفسه مع السرد والوصف
 هذا الحوار الفني الذي استوفى شروط الحوار الفنية، جاء في جمل قصيرة متتالية يشبه الى حد بعيد الحوار الذي يجري على خشبة المسرح، الحوار المسرحي، وجاءت الرواية أقرب ما تكون في لبناتها السردية إلى ما يسمى بالرواية المسرحية.
إن الحوار المسرحي في مقاطع كثيرة في الرواية يولد إيقاعا نغمياً يوحي بمضمون الفكرة والمقصد الكامن وراء تلك الحوارات.
وفي مكنة المتلقي إيراد نماذج للحوار الفني بأنواعه المتعددة، والذي ساهم في دفع حركة الأحداث ورسم ملامح الشخصيات وتحديد أبعادها المتنوعة.
ففي أحد المشاهد الروائية يقول السارد على لسان "سلامة" الموظف في مكتب البريد مخاطباً المكتوب:
- أتشرب قهوة؟
وتبعها سلامة بضحكة صغيرة ساخرة. الخطابُ رغم إحساسه بالحرج، فقد تنفس الصعداء، واهتز في مكانه؛ ليتحول من وضعية الوقوف إلى الاضطجاع على أحد جانبي الرف، لكنه سرعان ما أدرك أن تلك الدعوة لم تكن إلا سخرية كاملة من الموظف.
- تعال هنا!
تحرك المظروف من مكانه، واستقر بين يدي سلامة يقلبه بكراهية واضحة، ثم يمسكه بيد ويطرق به راحة اليد الأخرى ويهز رأسه:
- نعم، نعم، أعرفه، أعرفه. منير الساكت، ابن خلدون، الله يرحمه  ! لكن من سيرسل له خطابا!؟
في تلك اللحظة غلت القهوة، وانسكب وجهها.
- إيه.. هو يوم أسود من أوله، هذا خطاب نحس، هل أمزقه؟ هل أضعه في الدرج وأنساه؟ أنا لا استبشر خيراً. استر يا رب!( الرواية ص 12 ، 13).
وفي مشهد روائي ثان يقول السارد الكلي العلم مازجاً سرده بحوار خارجي وداخلي رهيفين:
"وضع العم سلامة المظروف في جيبه، وتقدم خارجاً، أغلق المكتب، ولوح لجاره الذي تفاجأ بانتهاء الدوام المبكر للمكتب:
- الى أين؟
- مشوار صغير وأرجع.
هكذا ردَّ سلامة موارياً سوءة ما في جيبه، ومخفياً مصيبته، مشى وهو يكلمه :
- أأعجبك أن أكذب بعد هذا العمر؟! أهكذا تصنع بي؟ ماذا فعلت لك؟ لماذا يصبح العمل الذي كنت أفتخر به ذات يوم شيئاً معيباً؟ ... هل تجيبني؟
ثم هزَّ الخطابَ في جيبه كمن أَجبر متهماً على الاعتراف بجرم لا يفهمه، والخطابُ يكاد أن يقول له:
- يا رجل، خلِّصني من هذا الحرج، وارمني حتى ولو على باب بيته، وانتَهِ مني.
واصل سلامة خطاه باتجاه العنوان، وهو يجهز اعتذارا ً لطيفاً عما يحمله.
سأقول مثلا: لا أعرف، وصلني اليوم، ثم أمد يدي بالخطاب، وأغادر مسرعاً، أو الأفضل أن أقول له: كيف حالك؟ آه تخيل... اليوم وصلك الخطاب! ثم أضحك، وحين يبادلني ضحكة مختلطة بالدهشة، سأعتذر بأنني مشغول، وأستعجل انتهاء تلك المهمة السخيفة: إيصال خطاب بريد يتيم في وقت لم يعد فيه أحد يرسل أو يستقبل خطابات" (الرواية: ص 18.(
من حق القارئ أن يتأمل ويستمتع بهذا الحوار الذي اختفي فيه السارد / المؤلف وراء الشخصيات، وتركها تعبر عن أفكارها ورؤيتها للحياة بنفسها بطريق تلقائية، وبأسلوب مباشر مستثمرا في ذلك أنسنة الجماد (المكتوب) مثلا، إذ جرد الموظف سلامة( ساعي البريد) من "المكتوب" شخصاً آخر يخاطبه، وجعل من المكتوب إنساناً يستجيب له، ويردّ عليه كلاماً منطوقاً؛ ليكشف عن طريقه الأحاسيس والمشاعر المستكنة داخله. وقد جنح الروائي لانتقاء الألفاظ واختيارها الدقيق مثل الفعل: ( يكاد) الذي خفف وروده في العبارة من حدة المبالغة في التصوير.
وفي مشهد ثالث يتجلى فيه الحوار الخارجي الذي يدور بين شخصيتين من شخصيات الرواية هما: "هالة" وزوجها "منير"، مازجاً الحوار الخارجي بالحوار الداخلي،  والسرد،  يقول السارد:
وعلى أثر خروج أبويها (هالة) من زيارتهم الأولى قالت لمنير وهي تفُضُّ هداياهم:
- أبي أهداني عطرا ً ممتازاً، وأمي جلبت لي قميصَ نوم، منير.. هل يمكن أن تشتري لي كتابا؟
كتاب! أي كتاب؟
أي كتاب تجده في طريقك، لا يهم .
- وما الهدف؟ ما الداعي؟ هل ستعودين للدراسة؟
- لا لقد اكتفيت من المدرسة، لكن الكتب أرواح يؤنسون البيت. بيتُنا مات حين باع أبي المكتبة، حين خرجت منه الكتب.
( أوه.. ها هي جدتي عادت من موتها.(
- هالة، هل تحلمين أنت أيضاً بجوادٍ يأكل العشب؟
مدَّ لها كأسا كان فيه بقية ماء وقال:
- هالة، اشربي.. اشربي يا هالة.. يبدو أنك عطشى
- أنت تسخر مني؟ إذن لا عشاء لك اليوم.
- هه.. هه.. هالة لا تفكري أنك تستطيعين ليَّ ذراعي يوماً، حتى ولو كنتِ تمزحين. سأخرج، وسأتأخر، كلي أنت وحدك ونامي مبكراً.
حين يتأمل المتلقي هذه الحوارات المسرحية يكتشف أن الكاتب اتكأ على تقنية الترميز في لفظتي "الحصان" و"العشب". وكذلك يعثر القارئ على متناصات لفظية تنم على ثقافة أدبية واسعة، فعبارة "الكتب أرواح يؤنسون البيت " تستدعي إلى ذهن السامع سطراً شعرياً من قصيدة محمود درويش" لماذا تركت الحصان وحيدا". التي يقول فيا محاوراً:
-لماذا تركت الحصان وحيدا"؟!
- لكي يؤنس البيت يا ولدي.
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها..
أو هو مستمد من الإهداء الذي ورد في مطلع الرواية والذي يقول فيه الكاتب:
إلى أبي...
مت، فمات البيت."
فقد ساهم هذا التناص في تعميق مضمون المشهد الروائي، ومنحه حيوية ونبضا تراثيا غنيا بطاقات إيحائية.
نأمل أن تكون هناك قراءة نقدية لرواية أخرى للكاتب، وقد استغل التقانات الروائية المطورة في روايته؛ ليصل بها إلى مصاف كتاب الرواية المتميزين.

الخميس، 2 مايو 2019

حمدان العقاد يحصل على المركز الثاني في مسابقة تصميم شعار أسبوع المرور العربي.





رام الله - بوابة اليمامة الثقافية 
حصل حمدان العقاد، المدير الفني لموقع بوابة اليمامة الثقافية على المركز الثاني في مسابقة تصميم شعار أسبوع المرور العربي والذي جاء تحت عنوان ( القيادة الآمنة تضمن سلامتك وسلامة الآخرين)، حيث تم توزيع الجوائز في حفل رسمي أقامته شرطة المرور الفلسطينية اليوم الخميس (2-5-2019م) في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في مدينة رام الله، بمشاركة معالي وزير النقل والمواصلات عصام سالم،ومعالي الوزير أحمد عساف المشرف العام على الإعلام الرسمي الفلسطيني، ومحافظ رام الله والبيرة الدكتورة ليلى غنام، والنائب العام الأستاذ أكرم الخطيب، ورئيس ديوان الرقابة المالية المستشار إياد تيم وقيادة جهاز الشرطة الفلسطينية، ولفيف من الشخصيات الوطنية.





جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...