على رقعة الشطرنج
رضوان بركة - فلسطين.
ما كل هذا لو أنا
ما كل هذا قد حدث
لو لم أكن نثراً تناغم مع ترانيمٍ
تُغَنِّي لحن موسيقى
فحتى صرت شعراً
لم أكن غمداً تخلَّله حَديدٌ
فاستَويتُ وصرتُ سيفاً
لم أكن جلداً تَهتَكَ
واندَمَى أو صرتُ جرحاً
لم أكن عظماً تَحلَّل وارتَوى
مِن جوفِها أو كنت دوداً
لم أكن زيتونةً سُحِقت
فحتى صرت زيتاً
كنت نزفاً من مجاز فراشةٍ
طارت ولفت حول مإذنةِ السَّماءِ
وحلقت حتى هوت
في رُقعَةِ الشَّطَرَنجِ
حتى قِصَتي بَدَأت
وعِندَ الفَجرِ قد صارت سراباً أزرقاً
وتناثرت أحجارُ لُعبَِة ذلِكَ المَشؤُومِ
حتى ساحةُ التَّفتِيتِ قد فتحت
ومن سوءِ الحُظُوظِ نسيتُ
نَفسِي قِبلَتي وَمِظَلَّتِي
ولأنَّنِي كُنتُ الوَزِيرَ بِلُعبَتي
فَرَكَضتُ خوفاً حينما صادفتُ جندياً
قَدِ اسْتَلقَى أَمَامِي نُصبَ عَينِي عِندَ
قَصرِ الْأَندَلُس
وصعقت من رعدٍ تَزَلزَلَ مِن أَعَالِي الْعِزِّ
بَعدَ المَشهَدِ المَعدُومِ قَد صلَّى عَليَّ الجَمعُ
كنتُ روايةً
وفُتاتَ حبرٍ قد تَجمَّعَ مِن يَدِي
كَي يُكتَبَ المَصلُوبُ
حيناً قد يكونُ بغير ذنبٍ قد صُلِب
لو أنَّ رُوحَ الكَونِ لم تنفُخ بِصَدرِهِ مَا كُتِب
لا وَقتَ يَمضِي مِن أَنَايَ لِغَيرِها
حتى ولا قدراً زجاجياً تكسَّر
في ثنايا لوحةٍ رُسِمت لأجلي
قبل موت رسولِ
هذا المسجِدِ الموصى عَليهِ
بختمِ رَبِّ الآخرة
حتى وَصَلتُ وتم إحيائِي
بجنديٍ تَقدَّمَ عند
مِقصَلةِ العدوِّ الهاوية
فَسَمِعتُ صوتاً من بعيدٍ قال لي : يَا أيها النسرُ المحلِقُ
في الفراغِ تَعال لي
وَخَرجتُ من بابٍ يُؤدِّي للوجودِ
لأنَّنِي كُنتُ العَدمْ
كُنتُ المُشُوَهَ بالقَلم
فَدَخلتُ بَيتاً فيهِ قد عَلَّقتُ
صُورَةَ قَلبِ ألوانِي الَّتِي رُسِمتْ
عَلى شُباكِ حارَتِنا الَّتي قَد كُنتُ
أَخشَاها لأنَّ المَاءَ حَرَّفها
إلى رملٍ تَناهَى وانفَطَر
وَحَبِيبَتِي رَحَلت
وَلَم تَبقَ لأنَّ الصَّمتَ أغرَقها
وماتت عِندَما سَمِعت
بأنَّ الرَّبَّ قَد نَادى عَليها
عِند إقلاعِ الجَرسْ
قالت: وداعاً يا عَزيزي ذاهِبةْ
من بعدها نُسِفت بصاروخٍ
تحرك عند دارِ المَسلَخةْ
قد فرَّ جنديُّ الصَّدى
ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت
لَو لَم يَكُنْ بَينِي وبَينَكِ مَوعِدٌ
أو لو تفجَّر صُدْفَةً قَلْبَي
بِدُونِ لِقَاءِ شُطْآنِ الْجَوَى
فَلَرُبَّمَا كُنْتُ الأْسِيرَ
لِحِقْبَة الْأَيَّامِ تِلكَ الْجَاهِلة
وَتَشَتَّتَ الْحُّبُ الْألِيمُ مُبَعْثَرَاً
فِي صَرفِ أَقْرَانِ الفَرَاغِ
وَكُلُّ هَذا لو أنا لَو لَم أَمُتْ
قد قُرَّ هذا حينما
طاع الشُّعاعُ ظَلامَ هَذِي الأمكِنةْ
فأجابها :إِشتَقتُ للأكوَانِ تلك الفَانيةْ
هَمَسَت لهُ : لا تبتَعِد ،أَطفِئ جَمالَكَ واقتَرِب
كُن أَنتَ لا لا أنتَ غيرك مِن أحَد
وعلمت أني ربما
قد كنت أسقط في حديثٍ مع فتاةٍ هاوية
لو أنني صادفت أقلامِي الَّتي كُتبَتْ
على جسرينِ من عَسجَد
ولو أنَّ الجُيوشَ تَراجعَتْ
حتّى اخْتفت من شِدَّةِ الحَرِ الَّذي
قَد جَاءَ حِينَ رويتها تلك القصيدَةُ
لم تكن قد طوقت حبرَ الدَّفاتِرِ
عند أمِّي الجافية
بل كلمتْ وتشعبتْ حتى
بقتْ في داخِلي
فَرَجِعتِ لي
من نقطة الصِّفرِ الَّتي بَدَأتْ
ولي وَقَفتْ وقالت : خُذ بهذا الحظِّ
قد جِئنَاكَ بِالأورَاقِ حتّى تجتهِدْ
وتساقطت وكأنما
مطرٌ يبلِّلُ مهد هذا الطفل حتى قلت : هذا قد يكونُ أَنا ... نَجوتُ لأجلِ غيمٍ قد تجمَعَ وَانْحنَى
حيناً وحيناً لا أكون أنا لأني قد أكونُ ذهبت عدواً حينما
نزلت عليَّ بصدرِ تلك المُعجِزةْ
ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت
فبدأت من مهدي
أَقومُ أَقولُ :حتّى أنني قد عدت
بالزَمَنِ اللَعينِ إلى الوراءِ
فهل سَأكتُبُ صفحةً ؟!
أو هل سأزرع زهرةً ؟!
أو هل سأنقِذُ جذر أشجارِي الَّتي حُرِقتْ ولم
تبك على أبنائِها (زِيتُونِها أو زَيتِها )
من وعد ذاك الحُرِّ في بَلَدِي
(بِسكِّينٍ أُمَزِّقُ كل أشيائِي التي كُتِبتْ)
و هذا ما يَجُول بخاطري
حتَّى أتَت بنتٌ تَفوقُ العَاشِرةْ
مَرت عَلَيَّ بِلحظَةٍ تُفنِي ثُقُوبَ الذَّاكِرةْ
- وَكأنَّها فرسٌ تمرُ على السياجِ
وكل هذا كانَ ذِكرَى قد تَلاشَت عِندها
أو قد تُذَكِّرُنِي بقطة حيِّنا
تلك التي كانت تُغازِلُ زوجها
خلفَ الأزِقَّةِ عِندَ بَابِ السَّاهِرةْ
- طَرَقَت لبابِ الذَّاكِرةْ
قالت : ومن اين الجميل ببلدتي
من أي بيتٍ ..عائِلة؟
وَهَدَأتُ حِينَ سَمِعتُ صوتَ الفَاتِنةْ
وَعَلِمتُ أن الوقتَ قَد كبَّر
وأن العقربَ الملعونَ قد دُمِّر
وأني قد أكون بكوكبٍ غير الكواكِبِ كلها
حيناً وذلك في غياهِبِ عينها
فَسَمِعتُ صوتَ (الرَّادِيُو) مِن جَيبِها
فَيَقُولُ غَنَّى قَلبَها :
(* بِتحِبِّني وَلَّلْهَوَى عُمرُو مَ صَارْ
بتحبني وَلَنكَتَبْ عَلَى قلبِ نَارَكْ نارْ *)
فارتحت كُلِّي حينما طرقت ورنَّت بي
بِقوقَعَتِي فلا هذِي الحُروُفُ تزيد مِن فَرَحي
ولكن عادت البنتُ التي قد كنتُ أعشَقها
لمهد طفولةٍ كانت تئنُّ لأجلِ ما
قد جاء في صحفِ الكتابِ الأعمقِ
كانتْ لأجل يمامةٍ تبكي ومن
قسوة الْحَياةِ السَّابِقةْ
ومَضيتُ مشياً للكَنِيسَةِ عندما
أُلبِستُ شالْاً من زهورِ سَحابتي
وسِوارَ من أوراق أعنابٍ تدلى
عند شرفَةِ منزلي
فتهافتت أَصوَاتُ آلامٍ
ومن عند الزُّقاقِ رأيتُ أجناداً مِن الخَنزِيرِ
تَرمي من بَنادِقها رصَاصَاتٍ تمزِقُ دولَتِي
يا حسرَتِي
يا ويلَ لِي
لا أستَطِيعُ بإن أغير صفحةَ القَدَرِ الْعَظِيمِ
لأنَّني
ما قد أكونُ بساحرٍ
لا وَقتَ لي عِندَ القَدر
لا وقت لي
وأنا أحاكَمُ مِنهُ
يَكتُبُني ويَبدَؤُني يُمَهِّدُني يُقَبِّلُني يُربِّينِي يُقَلِّبُني يُداوِيني يُكبِّرُني ويُوقِدُني ويُشعِلُني ويَحرِقُني ويُغرِقُني ويُخرِجُني ويَسقِيني ويَسحَقُني فََيقتُلُني ويَبعَثُني يُعَوِّدُني يُسَلِّمني ويُبعِدُني يُقرِّبُني فَيعدِمُني ويوجِدُني يُنادِينِي وثمَّ إليَّ يُدخِلُني
أنا من ؟
من أنا ؟
هذا أنا لو قلت :هذا من أنا؟
شتَّان بيني
بين نفسي
بين روحي
من أنا ؟
ماتَ الْمَلِكْ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق