يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الناقد الأدبي العربي الدكتور عبد الرحيم حمدان، أحد أهم النقاد الفلسطينين ؛ حيث أسهم بشكل واضح في إثراء المشهد الإبداعي والنقدي الفلسطيني، نشر الدكتور حمدان أبحاث ودراسات نقدية مهمة تعتبر مرجعًا في النقد الأدبي، وله مجموعة من الكتب بعضها مطبوع والآخر مخطوطات، وكذلك يُعنى الدكتور حمدان بمتابعة الشأن الأدبي الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة من خلال الندوات والورشات الأدبية.
أعد الحوار :فريق تحرير بوابة اليمامة الثقافية.
1.يرى الكثير أن النقد الأدبي العربي في تدهور، ما مستقبل النقد الأدبي عند العرب ؟
الأدب والنقد كلاهما ثمرة من ثمرات المجتمع، إذ تقاس الحركة الأدبية تقدماً وتأخراً بالتيارات الثقافية في المجتمع، فالأدب الرفيع يولد النقد الرفيع، فلا مشكلة في حركة النقد عندنا، باستثناء بروز بعض من ادعياء النقد الذين يغوصون في بحيرة النقد بلا معدات ولا أدوات، فيغرفون في مياهها العميقة.
ويلحظ المتتبع أنه ظهر في الميدان الأدبي لونان من النقاد: ناقد يجامل ويقبِّل الأديب، ويكاد أن يخنقه من شدة النفاق والمجاملة. وناقد آخر يشهر سلاح النقد ويشحذ سكينه ويضعها على رقبة الأديب ؛ ليذبحه أو يطعنه بها طعنة نجلاء.
النقد العلمي السليم هو ذلك النقد القائم على قواعد وأصول علمية رصينة، فضلا عن وجوب تسلح الناقد بالثقافة الواسعة العميقة، والذوق الأدبي الرفيع، والإحساس الروحي المرهف.
وهكذا يتبن أن النقد العربي في عافية ما دام الأدب كذلك، ذلك أن مستقبل النقد مرتبط بمستقبل الأدب، تقدماً وانحساراًً.
2.القصة القصيرة لون أدبي مهم ومؤثر عند العرب، أين تجد القصة القصيرة على خارطة الأدب العربي المعاصر؟
القصة القصيرة جنس أدبي تناهي إلينا من الغرب، أبدع فيه كتاب عرب، وتفوقوا فيه، وترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى، ونالت قصصهم شهرة واسعة، وهو لون أدبي يعد معقداً وصعباً إذا ما قيس بفن الرواية.
وفي غزة ذاع صيت كثير من كتاب القصة القصيرة بسبب ظروف الاحتلال، وتفوق فيه كثير من الكتاب أمثال: غريب عسقلاني، وعبد الله تايه، ومحمد نصار، ويسري الغول وغيرهم كثر ، وقد انتعشت سوق القصة القصيرة وراجت في بلادنا، حتى قيل إن غزة تصدر القصة القصيرة كما تصدر البرتقال.
3.المنهج البنيوي في النقد بين القبول والرفض، ما هي البنيوية بوضوح، وهل تعطي النص قيمة أكبر؟
البنيوية مذهب من مذاهب النقد الأدبي المعروفة، ظهر في ظروف معينة جاء من البنية اللغوية للكلمة، والعبارة مجموعة بنى تحمل مستويات متنوعة مترابطة متماسكة، فهي شبكة علاقات لغوية مترابطة: أفقية ورأسية، يحلل كثير من النقاد النص الأدبي وفق هذه البنية اللغوية ومستوياتها.
والبنيوية بنيويات متعددة ومتنوعة،. منها الأسلوبية، والأسلوبية التكوينية،ما زال بعض النقاد يتكؤون على هذا المنهج في دراسة النصوص الأدبية وتحليلها، وظهر بعدها مذاهب نقدية أخرى.
ومما يجدر ذكره أن البنيوية وجهت إليها سهام النقد، لما تشتمل عليه من مآخذ وهنات، بيد أن كثيرا من النقاد ما زال يسلك طريقها في تحليل المنجز الأدبي؛ لاستخلاص سماته ومميزاته.
4.اختلفت وجهات نظر النقاد والأدباء حول مفهوم الحداثة بين مؤيد ومعارض، ما هي الحداثة من وجهةِ نظرك؟
يؤخذ المصطلح لغة من لفظ الحديث، وخلافه القديم، فالحداثة تشمل التجديد والتغيير في كل مناحي الحياة، من هنا رفض الأدباء في فترة الحداثة القيم المحافظة للأدب القديم؛ لا سيما الرومانسية والتصوير الواقعي للأشياء التي كان يستخدمها الأدباء من قبل، واعتمدت على أسلوب الابتكار والتجريب بالنسبة للتقنيات والوسائل الفنية، وكما اتسمت أعمالهم بِتركيزها على القيم الاجتماعية والسياسية المختلفة؛ فاستخدم الأدباء الصور، والمواد، والتقنيات الحديثة في أعمالهم الفنية؛ لأنهم شعروا بأنها تعكس حقائق وآمال المجتمعات الحديثة بِشكل أفضل. ثم ظهر في إطار التجديد مذهب ما بعد الحداثة، ذلك أن التطور والتجديد ضربة لازم لا بد منها، ولكن ليس على حساب التراث وإنكاره، والتهكم منه، فمن لا قديم له لا حديث له ، فعلينا أن نحدث القديم بدون أن نستغني عن الأصول والقواعد من لغة وموسيقى وصور. ولا يلهث أصحاب الحداثة وراء الحداثة لمجرد أنها حداثة، يتعين عليهم تمثل مبدأ الأصالة والتحديث.
5.ما وظيفة الأدب من وجهةِ نظرك، وهل تؤمن بالرواية التاريخية؟
تنبع وظيفة الأدب من تعريفنا للأدب نفسه ، فالأدب لون من ألوان الفنون الجميلة، مادته الكلمة، يعبر فيه الأديب عن الأفكار والمعاني والرؤى والعواطف تعبيراً جميلاً، قادراً على التأثير في المتلقين، وإحداث المشاركة الفكرية والوجدانية معهم.
أما الرواية التاريخية فهي نمط من أنماط الرواية يضيف الأديب إلى الأحداث التاريخية من خياله ما يجعلها فنا جميلا مع الالتزام بالمحافظة على الهيكل العظمي للأحداث التاريخية.
6.قصيدة النثر العربية أثبتت جدارتها وديمومتها، هل هي قادرة على الإستمرار والتطور أكثر؟
قصيدة النثر حولها إشكالية كبيرة، ثمة نفر من النقاد يرفضها رفضا تاماً بحجة فقدانها لعنصر الموسيقى المتمثل في الوزن والقافية، وهناك من النقاد من يعترف بها دون أن يبدي أية معارضة، وثمة فريق ثالث يعترف بها بشروط.
أما موقفي انا فأعدها لوناً من ألوان محاولات التجديد في قوالب الشعر العربي، وشكلاً من أشكال التعبير مثلها مثل: شعر التفعيلة، اذا تحققت فيها شروط فنية استمرت وقبلت، وإلا فلا.
ومن هذه الشروط أنه يجب أن يَتمثل فيها قدر كبير من الإيقاع النغمي الداخلي، إلى جانب الصور الفنية المكثفة، فضلاً عن انتقاء الألفاظ الموحية بدقة، واختيار المناسب منها للسياق. بالإضافة إلى طرح القضايا الإنسانية العميقة والتعبير عنها تعبيراً جميلاً، وأن تكون منبعثة من حس إنساني وعاطفة صادقة.
فإذا لم تتحقق هذه الشروط، فإنها عندئذٍ لا تعدو كونها لوناً من ألوان النثر العادي، وتكون إلى جنس الخاطرة الأدبية النثرية أقرب، ولن يكتب لها الذيوع والانتشار .
7.تقول العبارة : " الناقد العدو الأول للأديب "، ما مدى دقتها، وهل يعتبر النقد بمثابة السلطة الرقيبة على الكاتب؟
ثمة إشكالية مغلوطة في العلاقة بين الأديب والناقد، ذلك أن كلاً من الأديب والناقد عنصر جوهري وأساس في العملية الإبداعية. كلاهما يسند الآخر ويدعمه، ويحتاج إليه، فلا يستغني الأديب عن الناقد وبالعكس.
أما العداوة المفترضة بينهما، فهي من نسج خيال من لا ينتمي للأدب الحق. فقد يكون الناقد أدبيا فهل يعقل أن يكون عدواً لنفسه؟
الرقابة هنا لها معان متعددة، وأنا أفهمها على أنها رقابة إيجابية، فالناقد يمسك المشعل بيده؛ لينير الطريق الحق للأديب خوفاً من أن تزل قدمه عن طريق الأدب الإنساني الجميل.
إن الناقد المبدع هو صمام الأمان للأديب: يزوده بالنصائح والإرشادات من خلال منهج موضوعي علمي محايد؛ ليصل المبدع بأدبه إلى قمة القيم الجمالية والتعبيرية.
وهكذا يتبين أن العلاقة بين الأديب والناقد علاقة إيجابة ، علاقة قائمة على التفاعل البناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق