الأربعاء، 20 مارس 2019

كتب رئيس التحرير: حول الشعر والحبّ وأشياء أخرى.



                                   

حول الشعر والحبّ وأشياء أخرى. 

لا أعرفُ ما هو الشّعر وربما لم أكتبه أبدًا، كلُّ ما في الأمرِ أنّي أستاءُ من اللُّغة المشاع ؛ فألجأُ إلى أعشاشِ البلاغة، وأهربُ من ذاتي المكتظة بالوهمِ وخديعةِ الحياةِ الكبيرة.
أهربُ..
أهربُ من الفناء.
دافعي الأكبرُ للكتابةِ تلك الأشياءُ التي لا نستطيعُ تفسيرها، نقترب منها فتبتعد عنّا، نروضها بدهاءٍ لكنّها أدهى، تلك التي ستأكلُ العالمَ يومًا ما!
الحبُّ -مثلًا - لم أنظرْ إليه غيرَ أنّه شعورٌ بالنقص وصعودٌ مستمرٌ نحو الكمال، شعورٌ عصيّ على الفَهم ربما يقودنا للإيمان المفرط بالغيب، وللتجربة هنا مقامٌ كبير.   

المبهمُ والمجهولُ والتساؤلات الوجوديّة الكبيرة ميدانُ الشعر الحقيقي، على ذمة عشتار قد وضعني أمامَ سيلٍ عظيمٍ من التساؤلات،والقلقِ الوجوديّ والعاطفيّ الذي تحول قصيدة.

ثمة أشياء في هذا العالم الواسع لا نفهمها، نحاول الوصول إليها دون جدوى، الفن والشعر سلمنا لهذه الأشياء التي ربما تمثل هاجسًا مستمرًا. 
(على ذمة عشتار) تجربة البحث عن الذات و الهوية والهاجس ، ومحاولة إعادة صياغة الأشياء بما يرضي الذات.
لاأفهم ُتعريفًا للشعر غيرَ أنه: فلسفةُ الأشياء وكفرٌ بالحقيقة، عقوقُ القبيلة والبحثُ عن الذات. الشعرُ : لذةُ اللُغةِ الكامنة والصعودُ نحو اللاشيء.

جواد العقاد - رئيس تحرير بوابة اليمامة الثقافية .

الأسئلة العارية - هاشم شلولة

  




تُتُنهِكُني الأسئلةُ العارية
وأنا دون غطاءٍ فوق الماء
دون رغيفٍ يبهجُ بطني الخاوي ..
آكلُ أسئلةً
عقلي يشبعُ
والمَعِدَةُ جوفاء بلا صمتٍ لثوانٍ

كلُّ العالم لن يسعفَ أمعائي
كالمصروعِ أدورُ بلا مقصلةٍ
تَقطَعُ عنقَ شرودي

أركضُ خلف ماءِ الأسفلتِ البعيدِ
ثمّ أسقطُ دائخًا كموتٍ في عُشِّ صورةٍ
والزقاقِ جاحظةً في آخرِ أقدامي
أنوءُ بأثري إلى آخرِ شيءٍ لا يبقى
والصراخ على جدارِ الكونِ مُعَلّق . 

هاشم شلولة - فلسطين. 

الخميس، 14 مارس 2019

لطفية القاضي تحاور الموسيقار الفلسطيني: حسين نازك




حوار صحفي مع الموسيقار الفلسطيني الكبير و القدير  الاستاذ حسين نازك، تحاوره لطفية القاضي .

الوالد معظم أصدقائه من الفنانين*كنت أضع الموسيقى اللازمة لفرق المسرح*لقد لحنت أغاني برنامج الأطفال أفتح يا سمسم*اخترت أصاله نصري وشقيقتها للغناءحاورته / لطيفة محمد حسيب القاضي  موسيقار كبير قدير يقول أن العمل الإبداعي وحده  هو قادر على الانتقال من جيل إلى جيل، التزم الموسيقار العالمي حسين نازك منذ بداية مشواره الفني بقضايا الوطن والإنسان فعبر عنها من خلال أعماله الموسيقية والغنائية  المتعددة، التي تنتمي للوطن فلسطين و المقاومة والتراث من خلال فرقة أغاني العاشقين و زنوبيا.معنا في حوار صحفي اليوم الموسيقار الكبير القدير العالمي حسين نازك .كيف بدأت الانطلاقة الأولى لموسيقار القدير حسين نازك ،و متى؟لم يكن  بيتنا يخلو من الموسيقى فالوالد معظم اصدقائه من الفنانين المميزين مثل يحيى السعودي وغيره كنا اطفالا نسمع الموشحات والأغاني الأصيله من مبدعيها بمنزلنا بالقدس الشريف ،ثم تعلم اخي العزف على العود فاصبحنا نتكامل بأدائنا معه ، وخاصة بالمناسبات كالمولد النبوي وغيره بعدها انضممت للفرقة الموسيقيه بمدرستنا بالقدس وتعلمت العزف على ٱلة الكلارنيت مع الفرقة المدرسية وتطور الأمر وكانت حرب 1956 على مصر فتطوعت بالجيش ، ولكن لصغر سني نقلت من الوحدات المقاتلة لموسيقى الجيش وهناك  بدأت  في التعلم فنون  الموسيقى ، واتقنت العزف على الأوبوا والفلوت والسكسفون ، إضافة لمتابعة الدراسة.الموسيقار الكبير ،كيف كانت بداية إنشاء الفرق الغنائية؟تطور الأمر  لدي لأشكل مع الأصدقاء فرقا صغيرة نعزف ونغني ونحيي الحفلات ، بالتوازي مع الدراسة الفنية والعلمية وذهبت  لعمان ببداية الستينات  و معي الموسيقار يوسف خاشو من مهجره بأستراليا ، وعملت معه ليفتح ٱفاق العلوم الموسيقية لي ومنه امتلأت جعبتي بالمعرفة واصول العمل الموسيقي ،وجاءت حرب1967 واحتل ما تتبقى من فلسطين الضفة والقدس وغزة ،فتوقف النشاط الموسيقي تماما ، وابتدأ الظهور للعمل الفدائي ،بالاغوار والمخيمات ،وابتدأ معه تعاملي مع ثورة شعبنا الفلسطيني ، واصبحت اكون ثنائيا مع الشاعر ابو الصادق ( صلاح الحسيني ) هو يصيغ النص وانا ألحنه وانفذه ،، كل ذلك كان بعمان ،الأردن. ما هو مدى تأثرك بالوضع الفلسطيني والعربي ، وهل كان لذلك أثر بعملك لتنتقل من عمانإ إلى دمشق ؟ حتى عام 1969 كنت أعمل ومعي مجموعة من الشباب في الموسيقي بعمان  الأردن ،رغم افتقادنا لمعظم مقومات العمل الناجح ، مثل الأستوديو والهندسة الصوتية ومجموعة الغناء بمستوى جيد وغير ذلك ، لذا تم الاتفاق على الانتقال لدمشق ، وتم ذلك حيث الإمكانيات والكوادر متوفرة  ، وبدأت بالعمل ، فبدأ العمل والإنتاج وتم دمج مجموعتنا الموسيقية مع أسرة المسرح الفلسطيني ،وكان من كوادره المرحوم فتحي صبح ذو الطاقة الصوتية والعملية ، وموقعه بأذاعة صوت فلسطين ، فتحت المجال للتعاون مع إذاعة دمشق الرسمية ، التي كانت ومازالت تقدم كل إمكانياتها طالما العمل لصالح فلسطين الموسيقار القدير حسين نازك لم ينسى المسرح فلقد  ألف ووزع ست وعشرين مسرحية عالمية و عربية ،قيم تجربتك الموسيقة في المسرح،هل هي مختلفة عن التلفزيون؟كنا نضع الموسيقى اللازمه لفرقة المسرح متل مسرحية "الكرسي "تأليف الشاعر معين بسيسو وإخراج المبدع خليل طافش ، وأثر ذلك صرت أكلف من مخرجي المسرح القومي السوري الكبار مثل علي عقله عرسان و أسعد فضة و فواز الساجر وغيرهم لمسرحيات عالمية ومحلية ، متل "أوديب ملكا" و" الأشجار تموت واقفة "و" الغرباء" وغيرها العديد من المسرحيات ، كان المسرح الفلسطيني مكون من عناصر فنية فلسطينية وسورية مثل عدنان بركات وصلاح قصاص وبسام لطفي وداوود يعقوب و محمد صالحية و انتصار شما ،و غيرهم وهم من كان يسجل التمثيليات والمسلسلات الأذاعية ،الموسيقار القدير والعظيم،لقد امتد نشاطك حتى المسلسلات التلفزيونية فقد ألفت ووزعت و نفذت أثنى و ثلاثين مسلسلا سوريا ،ليبيا،لبنانيا،اردنيا،فلسطينيا ،حدثني عن تجربتك الموسيقية  التلفزيونية ؟ عدنان بركات وصلاح قصاص وبسام لطفي وداوود يعقوب و محمد صالحية و انتصار شما لقد فتحوا لي  مجال الإذاعة لأضع الموسيقى اللازمة للكثير من التمثيليات الهامة مثل مسلسل ( اليد الخفية لحكماء صهيون ) ،الذي تلقينا تهنئة  وشكر من رئيس الجمهورية لكل من المؤلف داوود شيخاني والمخرج مروان عبد الحميد والمؤلف الموسيقي حسين نازك . ومنها انتقل النشاط الموسيقي للتلفزيون فكان التأليف الموسيقي لعشرات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية ،كمسلسل ( انتقام الزباء ) للمؤلف المصري محمود دياب والمخرج غسان جبري و بصمات على جدار الزمن ،  و ( حرب السنوات الأربع  ) لداوود شيخاني وهيثم حقي .لقد عملت على نشر الثقافة والتراث الفلسطيني من خلال الموسيقى، فكنت انت المؤسس "فرقة أغاني  العاشقين" و   شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات العربية والدولية،  كيف تم تأسيس هذه الفرقة؟ و ما العراقيل التي واجهتها؟  فرقة اغاني العاشقين وهي من ولد من رحم الدراما التلفزيونيه ، إليك القصه ،اتفقنا  مع المرحوم عبدالله الحوراني ان تنتج دائرة الإعلام والثقافة بمنظمة التحرير كتاب      (بأم عيني ) للمحامية التقدمية اليهودية( فيلسيا لانجر ) وكلفت بوضع الموسيقى للعمل كما كلف المخرج فيصل الياسري بتحويل فصول الكتاب لحلقات تلفزيونية ليقوم بإخراجها لاحقا ، وفكرت كيف تكون الموسيقى اكثر تأثيرا وواقعية فلجأت للكلمة ، وكانت اشعار وشعراء المقاومة هي الحل الأمثل ، بما كتبه توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش  و راشد حسين وغيرهم من أشعار وهم في معتقلات وسجون العدو الصهيوني ،، وأختار مقاطع تناسب المواقف الدرامية واصيغها ألحانا ترافق كل مشهد ، وهذا ما كان ، ولدى الاستماع للمواد المسجله من قبل الإخوة والرفاق  ، علق احدهم انه لايكتفى ان ترافق العمل التلفزيوني بل من الأجمل ان تؤدى هذه المواد على المسرح ، وهذا ما كان وبكامل المجموعة التي سجلت الموسيقى والغناء ، وكان  وكان العرض الأول على مسرح المركز الثقافي السوفييتي بدمشق ، وامام نجاح التجربة كرر العرض لأيام عديده ،كل ذلك قبل ان نسميها فرقة ، ثم ارتأيت ان اسميها ( فرقة اغاني العاشقين ) لأن الأغاني وجدت قبل الفرقة ، وعشق فلسطين هو همها ومن هنا انطلقت ببرنامجها الأول الذي سجلت أغانيه للمسلسل ( بأم عيني )،وانطلقت الفرقة وانتشرت اغانيها بسورية ولبنان اولا ،،ثم في الوطن العربي وقدمت عروضها بمعظم الدول العربيه من دول الخليج جميعا وحتى المغرب مرورا بالجزائر وتونس وليبيا ومصر واليمنين الشمالي والجنوبي ، ثم انطلقت نحو العالم من الأتحاد السوفييتي لليونان والمانيا وفرنسا والعديد من دول العالم ومهرجاناتها ،وحازت على العديدمن الجوائز وشهادات التقديرولو عدنا لسؤالك ففي تلك المرحلة وهي مرحلة الوعي القومي العربي فقد ساعد الوضع العام والتفاف الأمة العربية حول العمل الفدائي وحركة المقاومة الفلسطينية والتي انتسب اليها جيل الشباب من انحاء الوطن العربي ومن كافة أقطاره ، على انتشار الغناء المقاوم من فلسطين ولفلسطين ، فكانت اغاني العاشقين الفلسطينية ، والشيخ امام المصري ومارسيل خليفة اللبناني واجراس العودة البحرينية وناس الغيوان المغربية والعديد من الفرق والفنانين الذين عبروا عن فلسطين قضية وشعب .
ما هي أهم مقومات الموسيقى الناجحة ؟من أهم اسس الموسيقى الناجحة اولا إتقان الموسيقى كعلم تماما ، وبعدها إطلاق العنان والقول بالموسيقى من خلال التمكن من خصائص كل ٱله ومن إتقان المزج والتمازج بالألات ، وهذا علم متكامل فكما لكل ممثل شخصيه تناسب دور ما ، كذلك الٱله الموسيقيه ، فالكمان يختلف عن الكلارنيت والفيول تختلف عن الكور انجليه والفلوت يختلف عن الأوبوا  وهكذا ، ولكل ٱله أسلوبها الخاص ليوصل التعبير المناسبومن أهم أعمالك موسيقى غنائية راقصة "أيام الفرح" ،اوربت "قائد وامة" و "سرية بساحة تشرين "،"الشهادة والشهداء في أفواه حافظ الأسد "،أيضا  عروض غنائي "المبدعون في بلاد الشام في دمشق"،عرض فني "بين التراث والمعاصرة"،كيف كانت تجربتك فيما ذكرت؟ لقد كنت  متميزا  في وضع موسيقى  لأفلام ومسلسلات ومسرحيات وحتى لحفلات افتتاح الدورات الرياضية ، فقد وضعت الموسيقى لأربع دورات رياضية ،  ،،منها الدورة العربية الخامسة بدمشق و دورة ألعاب دول المتوسط للعالمية باللاذقية ، ودورة ألعاب الشباب العربي وغيرها،والعديد من الأفلام التي وضعت موسيقاها فازت بجوائز عربية وعالمية كفيلم ( وطن الأسلاك الشائكة ) وفيلم ( مرفأ لعروس البحيرة ) الذي فاز بذهبية مهرجان القاهرة وذهبية مهرجان قرطاج بتونس و جائزة اليونيسيف الأمم المتحدة ،، اما فيلم  ( يوم الأرض ) للمخرج الفلسطيني غالب شعث فقد فاز بجوائز عالمية عدة من كارلو فيفاري ولايبزغ وقرطاج وغيرهابالنسبة للموسيقى التي لابد أن توضع للمسلسل لابد أن  توافق النص المسرحي مع الموسيقي التي تلائم مع النص المسرحي؟ المسرح  يفرض على المؤلف الموسيقي عالما خاصا وحساسا ،، مثلا عندما كلفت بموسيقى مسرحية ( اوديب ملكا ،،) لسوفوكليسالتابوت المؤلف الأغريقي ، فكيف اوفق موسيقاي بنت اليوم مع نص مسرحي عمره ٱلاف السنين ، وهنا عدت للتاريخ لأجد ا آلتين يونانيتين اساسيتين هما السكلاموس  واللايرا ، فتحايلت على الأمر بعازفي ناي كتبت لكل منهما نوتته الخاصة وبطريقة نفخ معينة وصلت لما يشبه صوت الٱلة اليونانية المزدوجه ، اما اللايرا فقد ألبست عازف القانون بيديه كفوفا مطاطية خاصة بالأطباء والعمليات ، وجعلته يعزف النوتة المتوبة بأصابعه المجردة ووصلت لما اريد ، اذكر كلمة بأحد الصحف للفنانة الكبيرة ( منى واصف ) التي لعبت دور جوكاستا ام أوديب (أسعد فضة )أنه لأول مرة تكون البطولة بالمسرحية للموسيقى ، فالعمل الموسيقي هو إبداع أولا وأخيرا ،والعلم يريد المبدع الذي   يتمكن من ادواته وتعبيره .وضعت الموسيقى ولحنت اغاني العديد من أعمال الأطفال مسلسلات وأفلام ومسرحيات ، كيف أمكنك التعامل والنجاح مع الأطفال ؟إن العمل والتعامل مع الأطفال موسيقيا هو قمة المتعة بالعمل الموسيقي ،خصوصا عندما يكون لديك مجموعة من الأطفال الموهوبين لتنفذي العمل بهم ،وانا كنت موفقا باختيار عناصري ،مثلا الطفلة أصاله نصري وشقيقتها أماني ،واصالة اليوم مطربة يشهد لها الوطن العربي ، والطفل محمد هباش الذي عرف لاحقا بقراءة الشعر بفرقة العاشقين الٱن  كبر ونضج وصار يغني ويلحن وهناك العديد بالكويت وبغداد ودمشق من مجاميع الأطفال الذين كبروا وأصبحوا يشار لهم بالبنان ،اما العمل الإبداعي فكان أطفالي بيسان وعلي بداية ثم تبعتهم لاحقا سلوان ، بعد ان اضع اللحن لكلمات ما ، اسمعهم اللحن ان حفظوه بعد المرة الأولى يكون المطلوب ، وان حفظوه من الإعادة الثانية فيمكن ان يعدل وان لم يحفظ بالمرة الثالثة فهو فاشل وأعيد العمل عليه ، فالأغنيه هي للطفل العادي عموما ، وليس للنخبة الموهوبة من الأطفال ،وكنت ولا زلت حريصا بعملي ان لا ابتعد عن الجو العربي الشرقي المخدوم بالعلوم الموسيقية والمزج المدروس والمحسوب بالمعادله بين الأصالة والمعاصرة .لقد عملت على نشر الثقافة و التراث الفلسطيني من خلال العديد من الفرق التي قمت بتأسيسها  كيف كان ذلك ؟قبل تكوين فرقة العاشقين ، كان همي استعادة التاريخ الابداعي لفلسطين قبل النكبة وبعدها ،، فقد كانت فلسطين القدس ويافا وحيفا محجا للفنانين العرب من مصر وسورية ولبنان وغيرها ، يقيموا الحفلات ويسجلوا الأغاني الخاصةبهم في اذاعاتها ،ومنهم عبد الوهاب وام كلثوم واسمهان وفريد الأطرش الذي غنى اول أغنية خاصة له بالقدس بكلمات ولحن مبدعين فلسطينيين  مثل أغنية ( ياريتني طير لأطير حواليك ) وهي من لحن المبدع الفلسطيني يحيى اللبابيدي ، وكنت ام كلثوم لا تزال تسمى ( الانسه ام كلثوم ابراهيم البلتاجي الأصليه ) عندما يعلن عن حفلاتها بالقدس ويافا وحيفا  في العشرينات و الثلاثينيات من القرن العشرين ، ويبدو من الأعلان انه كان هناك ام كلثومات كثر مزيفات ،،فقد كانت اذاعة ( هنا القدس ) بالقدس واذاعة الشرق الأدنى بيافا من اوائل الاذاعات بالوطن العربي ، فكنت اجد العازفين العرب يعملون بالفرق الموسيقية الفلسطينية كابراهيم عبد العال المصري  وهو والد عازف الكمان ذائع الصيت عبود عبد العال ، وعازف الأيقاع السوري باسيل سروة ، والد الموسيقار السوري سليم سروة  ، عبد الفتاح سكر الدمشقي مغنيا وهو الملحن المبدع لاحقا لفهد بلان واشهر اغانيه ، والكثير الكثير من العازفين والمغنين كانت فلسطين محجا لهم و مصدر  رزقهم ،حتى كانت النكبة فتشتت الجميع من فلسطينيين وعرب ، وانتشر بعضهم في البلدان المحيطة والعالم ،،فهاجر يحيى السعودي لدمشق فكان رئيس فرقة اذاعتها الموسيقيه، ومؤسس معهد الموسيقي الشرقية فيها ،ومن تلامذته امين خياط و عدنان ابو الشامات ، وغبد السلام سفر وغيرهم من اعلام الموسيقى السورية ،ورحل حليم الرومي لبيروت ليصبح المشرف الموسيقي لأذاعتها وهو والد المطربة ماجدة الرومي ،واكتشف العديد من اعلام الغناء فيها ،مثل فيروز وغيرها ، ومثلهم العديد بعمان و بغداد وغيرها من الحواضر العربية،فكانت نكبة فلسطين سببا للمبدعين من اهلها ان يكونوا فعالين بالمجتمعات الجديدة ،،لتجدي ان العراق يعتبر روحي الخماش ابن نابلس الأب الروحي للموسيقى العراقية الحديثة ، بما انجزه بأذاعتها وفرقها والحانه التي غطت مراحل تاريخية هامة فيها،ولم تنقطع الصلة بين فلسطين وابناءها بل كان الفن والتراث والغناء الشعبي يملأ المخيمات ، لتسمع ابو عرب يشدو بمخيم حمص والنيرب بحلب واليرموك بدمشق ، وتسمع رنين المجوز واليرغول من طحيمر بمخيم خان الشيح ودرعا ،  تسمع غناء قاسم صبح وخليل البونو في مخيم الحسين والوحدات ، ومثلهم بمخيمات غزة والضفة الكثير من المغنين الشعبيين والشعراء،كان هذا بسنوات الضياع من1948 وحتى 1965 وبأنطلاقة الثورة بدأت تسري بعروق المبدعين ارهاصاتها فكانت اشعار  محمد حسيب القاضي وصلاح الحسيني(ابو الصادق ) والمزين وغيرهم ، والحان وجيه بدرخان ومهدي سردانه و صبري محمود و حسين نازك من جيل الشباب يواكب البندقية بأغان توافق ايقاعها ، بل وتترجم كلماتها،كانت ولا زالت فلسطين ولادة،وستبقى حتى التحرير لكامل ترابها وسماءها.ورحل حليم الرومي لبيروت ليصبح المشرف الموسيقي لإذاعتها وهو والد المطربة ماجدة الرومي ،واكتشف العديد من أعلام الغناء فيها ،مثل فيروز وغيرها ، ومثلهم العديد بعمان و بغداد وغيرها من الحواضر العربية،فكانت نكبة فلسطين سببا للمبدعين من اهلها ان يكونوا فاعلين بالمجتمعات الجديدة ،،لتجدي ان العراق يعتبر روحي الخماش ابن نابلس الأب الروحي للموسيقى العراقية الحديثة ، بما انجزه بإذاعتها وفرقها وألحانه التي غطت مراحل تاريخية هامة فيها،ولم تنقطع الصلة بين فلسطين وابنائها بل كان الفن والتراث والغناء الشعبي يملأ المخيمات ، لتسمع أبو عرب يشدو بمخيم حمص والنيرب بحلب واليرموك بدمشق ، وتسمع رنين المجوز واليرغول من طحيمر بمخيم خان الشيح ودرعا ،  تسمع غناء قاسم صبح وخليل البونو في مخيم الحسين والوحدات ، ومثلهم بمخيمات غزة والضفة الكثير من المغنين الشعبيين والشعراء،كان هذا بسنوات الضياع من1948 وحتى 1965 وبانطلاقة الثورة بدأت تسري بعروق المبدعين ارهاصاتها فكانت اشعار  محمد حسيب القاضي وصلاح الحسيني(ابو الصادق ) والمزين وغيرهم ، وألحان وجيه بدرخان ومهدي سردانه و صبري محمود و حسين نازك من جيل الشباب يواكب البندقية بأغان توافق إيقاعها ، بل وتترجم كلماتها،كانت ولا زالت فلسطين ولادة،وستبقى حتى التحرير لكامل ترابها وسمائها.انت عملت على انتشار الأغاني الشعبية الوطنية الفلسطينية في الوطن العربي والأوربي ،كيف؟من خلال جولاتي المتعددة في أكثر الدول العربية والأوربية، والحصول على العديد من الجوائز.
كيف ترى صورة النقد الموسيقي في الوقت الحالي؟قليلة جدا،ربما لقلة النقاد عندنا ،و لكن رغم قلة النقاد إلا أنه لا زال للنقد وجود و هو كفيل بتقيم الأعمال الموسيقية.برأيك ما هو العصر الذهبي للموسيقي الفلسطينية والعربية ؟لا يوجد عصر محدد فلها كل العصور،حيث أن كل البحور الموسيقية هي أساس الموسيقي منذ الأجداد إلى وقتنا الحالي.الموسيقار الكبير ،الآن نحن في واقع انتشار العديد من الكليبات و الأغاني السريعة ،ما رأيكم في ذلك؟المشكلة تكمن في فساد سمعي واسع الذي انتشر و هذا الذي شجع كثيرا من هذه الأغاني، ولكن كل هذه الأغاني هي وقتية.في الوقت الحالي يعيش مجتمعنا العربي بشكل عام حالة من فوضى موسيقية مبعثرة ،فمن المسؤول عن ذلك؟انتشار الأغنية السريعة التي تعمل على تلوث السمع ،فأصبح اليوم يفقد المستمع القيمة الحقيقية للموسيقىكلمة أخيرة تود أن تقولها…….؟أتمنى من المسؤولين أن يكون هناك اهتمام أكبر بالفن والفنانين ،و دعم المواهب. 

الأحد، 10 مارس 2019

عصر ما بعدَ الشِّعر - طلال بدوان



طلال بدوان - كوكبُ الأرض
 مُستقبلُ القصيدة العربيَّة، عنوان يحملُ بينَ طيَّاتهِ الكثير من التَّساؤلات الكُبرى، أكثر من كونهِ يبحثُ عن الإجابات الصُّغرى هُنا وهناك، فالأجدى والأولى في اعتقادي أن تَكونَ عمليَّةُ طرحِ الأسئلةِ أهمَّ من الإجابةِ عليها، الأسئلة الجديدة، تصنعُ إجابات جديدة لأسئلةٍ جديدة أخرى أعمق وأعمق وهكذا، وعلى قاعدةِ التَّشكيكِ في كلِّ شيء لا التَّسليم الأسفنجي المُستسلم والمُضَلَّلِ برأي الحشودِ من عامَّة الناس لا مُثقفيها، وعلى قاعدةِ أنَّ الشَّك المُحفِّزِ على البحثِ والاستمرارِ بالمحاولة والتَّجربة باحتماليات الصَواب أو الخطأ، الشَّك الذي هو مرادفٌ للسؤالِ والإيمان. الأسئلة لا تعني إنكار ما نسأل عنه إنما تعني توسيع حدودِ المعرفة.
من بصيرتي المُتواضعة، ورؤيتي وقراءتي لأفكارِ المستقبل بعين الحاضرِ، قبل شهر تقريباً من الآن وخلال أحد الحوارات التي تسبق لقاءنا الأسبوعي بدقائق مع الشَّاعر ياسر الوقاد قمتُ بوشوشتهِ بنبوءتي المبنيَّة على قراءةِ هذا الواقع الذي نعيشهُ حاليًا مع القصيدة العربية خاصَّة والشِّعر العربي عامة، حيث كان من ضمن الحوار، طرحي لنبوءة موت الشِّعر، وأننا ومنذ وقتٍ ليس ببعيد نعيش على أعتاب نهاية وموت الشِّعر وما يُسمى بالقصيدة العربية في حياة وروحِ وعقلِ الأجيال القادمة، وأن كلَّ ما يُكتبُ الآن هو مُحاولة لإنعاش مريض ميِّت سريريًا، فأغلب مُتذوقي الشَّعر، هم شُعراء، شُعراء يستمعونَ لشعراء، ويُجاملونَ بعضهم البعض خشيةَ أن يغضبَ أحدهم من الآخر ويخسر واحدًا من مُستمعي الشِّعر المُتصنِّعين، لا تجد هناك مُتذوق للشعر بمعناه الحقيقي يقرأ أو يستمع للشعر، دونَ أن يكونَ شاعراً. من خلالَ لقاءاتنا هنا نلاحظ ذلك، وأريدُ أن أسألَ سُؤالاً تفاعليا للحضور الآن: من منكم مُتذوق للشعر فقط ولم يجرب الكتابة، ولا ينوي الكتابة، كل من يأتي لفعاليات الشعر هم شُعراء، لم تعُد للشعر شعبية إلا مُكمّل وديكورٍ على هامشِ الاحتفالات بأنواعها، كأحد القوالب الجاهزة، كالنشيد الوطني الصَّباحي، والزِّي المدرسي المُوحَّد، وقوالب الكعك المُتشابهة.
عندَ مقارنة شعراء الأمس بشعراء اليوم، بالتَّأكيد سنُلاحظ تغيُّرا كبيرا في التأثير والحضور والاهتمام من الناس والمؤسسات ومراكز السَّلطة الحاكمة في الدول.
الشِّعر العربي يمر بمرحلة احتضار قد تستمر لعقد قادم من الزّمن، قبلَ أن يموتَ دونَ أن يشعُرَ بفقدانهِ أحد، كالكثيرِ من الأشياءِ التي تذكَّرنا مُؤخَّراً انقراضها، كشريط المسجل القديم، وصندوق البريد، فنحنُ الآن في عصر مختلف، لم يعد الشعر فيه هو الوسيلة الوحيدة للتعبير والتأثير بعد انتشار وسائل كثيرة تعتمد على التكنولوجيا، ومنها المسلسلات والبرامج التلفزيوتية، والأغاني، والفيديوهات، لقد بات الشِّعر انتاجاً لا إبداعًا، أصبح يكرر سابقهُ، ويكرر  نفسه، ويجتر الماضي بحجة الحفاظ على الموروث، الموروث الذي صنعهُ أجدادنا لهم كبصمة، نريد نحن أن ننسخ بصمتهم في مشوارنا الأدبي، دونَ أي إضافة تكسر المُتعارف عليه، وتخرِجنا عن صندوقِ القوالبِ الجاهزة. الهوية ليست تراثاً جاهزاً نرثهُ، كبيوتنا وحقولنا، الهوية ليست جاهزة أبداً، الانسانُ يخلق هويَّته فيما يخلق فكرهُ وعملهُ، الهوية ابتكار متواصل إلى مالا نهاية.
قلما أستمعُ لنصوص شعرية تحملُ أفكارا جديدة، تُغير طريقة التَفكير والتَّخيُّل لدي، لتُعمِلَ العقلَ، لتتغيَّر حياتي للأفضل، بل نصوصاً تُدغدغ العواطف والقلوب فقط، وانفعالات النَّفس المُؤقتة، فاعتِمادنا المُطلق على المشاعر لتوليد الفكرةَ، يُنتجُ أفكاراً مغلوطة لا تصلح كأداة للتغيير، بينما العقلُ يصنع الفكرة ليكوِّنَ مشاعر مدروسة سويَّة مُنتجة، المشاعر الانفعاليَّة التي تصنعُ القصيدة غالباً يُمكنها أن تكذبَ وتُضلل وتنفعل وتغضب دونَ سبب منطقي وتُجمل القبيح وتُقبح الجميل، فالشاعرُ يمكنهُ أن يكتبَ قصيدة مدح لشخص ما، يُمكنهُ اقناعنا بالقصيدة العاطفية بنفس درجة الذم، لنفس الشَّخص، الشِّعرُ خداعٌ لو لم يُعمل العقل أيضاً، الأولى أن نُفكر لِنَشعرَ، لا أن نَشعُر لِنفكِّر، لا أعني بنبوءتي عن موت الشِّعر أنني أريده أن يموتَ فعلاً. لهذ سأقدمُ بعض التحليلات لتفسير هذا الموت المستقبلي، وكيفية الاستيقاظِ من هذا الكابوس.
هناكَ عاملان إن لم ننتبه لهما سيقصران عمر الشعر في السنوات القادمة، أولا: مُعدَّل القُرَّاء في المُجتمع العربي، وثانياً: وجود شاعر مُبدع لا مُنتج، العاملان في اعتقادي يُكمل بعضهما بعضًا ولا يُمكن لأي واحد منهما إطالةَ عمر القصيدة لوحده، قد تجد شاعراً مُفكرا مُبدعاً يطرحُ تصورات عميقة وأفكار جديدة رمزية وتصوُّراتٍ مُلهمةٍ، لا يجد من يفهم رسالتهُ، لأن المجتمع العربي للأسف لا يقرأ، لا أقصد قراءة كتاب أو كتابين، أو حفظ 100 قصيدة في الشِّعر العربي القديم، أو التعليم الأكاديمي، أفصد القراءة كعادة وأسلوب حياة، فكلما زادت نسبة القراء الحقيقيين زاد مقدار فهمهم للنصوص التي تطرح فكرا عميقًا، وزادت من تحدي الشُّعراء لأنفسهم في أن يُقدِّموا ما يليق بالقارئ، فتذوق الشعر أو أي عمل يعتمد على ثقافة المُتلقي والصَّانِع، أقتبسُ هنا مقولةً لأدونيس: أن يكونَ الشَّاعر جماهيرياً هذه تُهمة، الشاعر الحقيقي يستحيل أن يكونَ جماهيرياً، لأن الجمهور العربي لا يقرأ.، لهذا قد نجدُ اليومَ أن مُعظم كتابات الشُّعراء الجماهيريين سطحيَّة مُتشابهة، وعلى النَّقيض تمامً الشُّعراء الحقيقيون لا يظهرونَ إلا بينَ النُّخب وكُتب الدراسات والأبحاث،  وفي الجانب الآخر، والاتهامُ الثاني هو ميل الكثير من الشعراء لكتابة ما يرغبه الجمهور، الجمهور الذي لا يقرأ، لأن مقياس جودة ما يكتُب هو مقدرا شدَّة التصفيق، كيف لهم أن ينساقوا لمن لا يستطيع ولا يصل لدرجة يتذوق فيها طعم الشعر الحقيقي الذي يحملُ فكراً تنويريا حقيقياً، ثوريا في المعنى والطرح والفكرة والمشاعر والأسلوب والقالب، المجتمع الذي يقرأ، يكونُ لشعرائه الحقيقيين دورا مُؤثراً، وهذا ما لا يريدهُ صاحب النظام الأيدلوجي أو الدكتاتوري، وأقتبسُ هنا قولاً لهتلر " إنَّ أفضَلَ ثروةٍ لدى الحكومات، أن الشُّعوبَ لا تُفكِّر"
حتى قصيدة النثر أو الشعر المنثور بمفهوم أدق، ستغدو من الماضي، وتنتهي هي والقصيدة التَّقليدية كالديناصورات، ولن تبقى حتى عظامها، لأنها تُعاني من نفس المشكلات، باستثناء بعض الكتابات هنا وهناك، الشَّاعر الحقيقي يعيش غربة حقيقية في عالمٍ لا يفهمهُ، في عالم لا يقرأ،
إذن هناك عاملان شكَّلا غربة الشعر الحقيقي المُؤثر الذي يُؤدي لزيادة الإنتاج والوعي والثقافة، الذي لا يضلل ولا يخدع، شعر يطرح الأسئلة أكثر من الإجابات، شعر ينمي التَّخيل، شعر لا يُنافق أو يُمثل أو ينصاع للضغط المجتمعي، والثقافة السطحية السَّائدة للأمور، شعر لا يُمثل دور الضَّحية أو دورَ متسولٍ يحتاجُ لدعمِ وزير الثقافة أو وزير التَّموين، شعر لا يخضع للتكتلات والأيدلوجيات، شعر ليس وظيفياً لصالح فكر مُعين ويخدم مصالح معينة، شعر لا يتسول التصفيق، والتهليل، والمدح والثناء،
لابُدَّ من تهيئة المُجتمع ليُحب القراءة، مع حليبِ الرِّضاعة، وسنرتقي بدور الشعر، لأن المشكلة الأكبر أيضاً  ليست في الشِّعر نفسه، وربما الشعر اليوم في تطور أكبر في كتاباتِ بعض الشُّعراء مما كان عليه في العصور الأولى لِنشأتهِ ، بتطور مكونات هذا العصر ومشكلاته، ولكن المشكلة الأكبر أيضاً هي مجتمعيَّة، مجتمع يميل غالباً للراحة والسطحية ولا يُريدُ أن يشاركَ الشَّاعر في النَّص بإعمالِ عقلهِ، ويتهم أصحاب العقول والأفكار بالجنون، وأنهم غريبو أطوار، القابض على ثقافته اليوم كالقابض على الجمرة، لقد شُوه المثقف في الإعلام والمسرح والفن السَّابع،  لأن من يتحكمون فيه هم من غير المثقفين من أصحاب رؤوس الأموال ورسائل التَّجهيل، يريدون للمثقف أن يكتبَ ما يفهموه ولا يريدونَ أن يُمارسوا القراءة ليفهموا ما يُكتب، لهذا تدنى مستوى الأدب والشعر خصوصًا، لأن معظم الشعراء انساقوا وراء ما يطلبه الشارع ظنا منهم أن الشاعر جاءَ ليعالج قضايا الَّشارع بطريقة الشَّوارع، ليذوب في الآخر والمجموع، ناسياً بصمتهُ وحضورهُ الشَّخصي، لو كل شاعر كتب ما يريده الناس لاكتفينا بشاعر واحد. ولكن لا بد للشاعر أن يكتبَ تجربتهُ هو، ولو كل شاعر كتب تجربته الخاصة بدون تأثر وقلق وخوف من رأي الآخرين، سيخرج الشعر من دائرة التقليد، من حالة جمعية قطعانية، همجيَّة سطحية، إلى حالة فردية مُستنيرة متنوعة تُثري وتُؤثر في الأخرين، فالحداثة لا ينبغي لها أن تُجاري العصر، بل أن تصنع وعي هذا العصر، وتُعيد تشكيله من جديد، الحداثة لا تقتصر على زمان مُعيَّن، فلكل زمان حداثتهُ بحداثة قضاياهُ ومُنتجاته الصناعية وتراكُمِ أفكاره جيلاً بعدَ جيل، الشعر مبادرة لا مسايرة وتكييف، الشعر مغامرة، وخروج عن الوعي الجمعي وطريقة تفكير وطرح رؤى تحل مشكلات هذا العصر بعمق من الجذور، لا بالغوغاء ومدح القادة مهما كانوا، أو ذمهم بأقبح الكلمات، الشِّعر متى دخل السياسة فسد.
الشعر ليسَ أداةً للشكوى أو لتمثيل دور الضَّحية، الشعر لا بد لأفكاره ومشاعرهِ التي يطرحها أن تغير الواقع وتصنع الحدث لا أن تشاهد الحدث ومن ثم تتفاعل معه، لا أن تقول ما الذي حدث؟ الشعر تصور كوني انساني وجودي للعالم لا مناطقي حدودي عُنصري، فئوي أيدلوجي نرجسي، الشعر تغيير نظرتنا للأشياء، لِنُغيِّرَ الأشياء، لا مُجرَّدَ وصف الأشياء، أو ترديد لما تقولهُ الأشياء، الشعرُ كتابة تجربتنا نحن عن الحب مثلاً، لا وصف الحب كتجربة عامَّة، الشعر مُحاولة لاقتناص المعنى غير الظَّاهر للأشياء، الشعر نافذة لعرض العالم بصورتهِ الحقيقية، لا مع مساحيق التجميل أو التشويه والخُدع السينمائية.
ما زلت أُؤمنُ للأسف بحدوث نبوءتي في المستقبل القريب جداً، الشعر يا سادة ينامُ على وسادة صخريَّة باردة، في مرحلة موت سريري قد تستمر لعقود من الزَّمن للأسف قبلَ حدوثِ الموت غير المفاجئ، لن يستطيع الصُّمود، فمتطلبات الحياة الجديدة ستخلفه ورائها، مع تسارُع الأحداثِ التي ستُنسينا نشأتهُ أصلاً، الشعر العربي حي فقط في بيوتِ الشَّعراء، وميتٌ خارجَ بيوتهم، والشعراء سيغدو كل واحد منهم في جزيرة، لا يسمعه الناس إلا مجاملةً، وسيقتصِرُ دورُ الشِّعر على التنفيس عن من يكتبه لا من يقرأه، لأنَ الشاعر هذه الأيام يكتب ليسمع من لا يقرأون، لا أن يُسمع ذاتًه أولا، فيضطر لكتابة ما يريدون لا ما يريده هو، مُستقلُ القصيدة ليس على المحك، بل تعداهُ، ونحنُ نواسي أنفسنا، الشعر يحتضر شئنا أم أبينا. المسألة مسألة وقت لا أكثر.

                                                              1 فبراير 2019م

الجمعة، 8 مارس 2019

سيظل حب المرأة طريفاً - الشاعر عامر الطيب




سيظلّ حبّ المرأة طريفًا
حتّى وهو يدفعنا إلى الرّغبة في أنْ نكون ميّتين تمامًا
 و خائفين من أنْ نكون متنا فعلاً
فهناك في الأعلى
إله يجمع الحطب في السّماوات
ولا يتمرّض..
سيظلّ حب المرأة يدي الّتي أطرد بها
الدّقائق و الغبش و الرّذاذ عندما أخرج مبكرًا
من النّوم لأشتري وطنًا صغيرًا
للغرفة
أو لأعنّف أقرب أصدقائي ..
سيظلّ حبّ المرأة عظيمًا
مثل الخبز و الهواء و الدّم السريع
حتى بعد أنْ يصير الخبز و الهواء و الدّم السريع
خبزًا و هواءً و دمًا سريعًا فقط !

.

أقود نارًا إلى جبل عال لأراكِ
تدورين في الغرفة مثل اللقلق المكسور
تاركةً وراءك دخانًا طويلاً
و بكاء يؤذي القريحة
كأنّك تقولين للعالم :
هذه يدي ضعيفة
انزلقتْ في الطرق و يبس الدّم على الدمِ
و هذه حكايتي تعادُ كلّ مرةٍ على أنّها حكاية أخرى!

...

في هذا اليوم و في اليوم السّابق و في الأيام
القادمة لنْ يزيد وزني
من دون أنْ يخدش الفكرة الثابتة
عن أنّ النّسوة الرّشيقات أخفّ في الجنس
وفي الرّكض و في معانقة الرّجال المتوترين..
و على أفضل حال
قد يكون هذا اليوم فرصة ضيّقة
لأقول لوجهٍ يطلع في المرايا
أنك وجهي
او لأكتب لامرأة تجاورني في النزل :
تعالي نصيد رجلاً من البحيرة
و نعلّق على رقبته كلبًا من الصوف
ليظلّ وفيًا إلى الموت !

...

سحابة خاطفة ترافقُ امرأة
تتداولان حديثًا عاديًا عن رجلين من الأسلاف
سكنا البلاد الأولى
و تصارعا فيها من أجل إيجاد امرأة تكفيهما
لكنّهما توترا طويلاً
من دون أنْ يعيدا النّظر بالدم الذي يغسلُ حال الأرض،
لقد شقّا المرأة نصفين
و ظلّ كل واحد منهما يتشهّى النصف
الآخر عند صاحبه
إلى أنْ اخترعا لعبة تسليهما عن وجود امرأة واحدة
في العالم
فأعجبتهما فكرة أنْ يطردَ أحدهما إلهًا صغيرًا
و يبني الآخر له بيتًا !

...

أيتها المرأة العاجزة عن مواساتي
ضعي يدكِ على كتفي
من دون أنْ تقولي لأحد من البشرية
هذا طفلي أو رمالي الحارة
أو آخر نواياي..
اذهبي بي إلى الأعلى
و اكتبي لي هناك أشياءً خفيفة مثل القصص
و لننزل متفاجئين
كأنّك تضعين يدكِ على كتفي
من أجل ألّا تتأخر !

..

لا تبكي بين ذراع رجل عار
يتذكّر طفولته الآن و يتلمّس جيبه
باحثًا عن سيجارتين طويليتين
أنّه قد ينقذكِ من بكاء قادم
لكنّه لن يفعلَ لك ذلك كأنّه يفهم أنك ستموتين الآن!

...

أرغبُ بحملك على ظهري مثل عجوز
يتنقّل عامدًا من طرق ملتوية إلى طريق ثانية
ليتخلّص من الوقت !

...

أنني مسافة يوم كامل
في حياتك القصيرة
أقصدُ المسافة الطّويلة بين الدّقيقة و الاخرى!

...

ليس في الآخرة كتب عن الأحلام
أو عن الأساطير أو عن الحبّ الذي نحمله كتابوت
في الأسواق ..
فلنحجز لنا مكانًا نختبئ به
عندما تقوم القيامة
و نصنع معطفًا عريضًا من القطن
نعبّر به عن أسفنا اليوميّ
دون أن نتأذّى !

...

لا أتذكّر أنّني قلتُ لامراة شيئًا حقيقيًا
عن نفسي كرجلٍ
لكنني قلتُ ذلك عن نفسي
كرجلٍ آخر توصّل إليها من أجل أنْ تجعله هو نفسه
 و هو نفس الرّجل الآخر!

...

لا تكرهي الرّجل الذي علّمك على النسيان
من خلال امرأة أخرى دفعته إلى الرغبة دفعًا
اذهبي معه إلى غرفته
و تمدّدي معه إلى أن تنفتح الشبابيك
و هو عجوز يسعل
و أنت امرأة أخرى !

...

لا أستطيع أنْ أبني لكِ بيتًا
تملأينه بالأطفال الّذين يطوفون حولي
و يقطّعون ثيابي و لحمي
ثمّ يظلون بعد ذلك
معتقدين أنّني الرجل الأقوى في العالم !

...

رقبتي تؤلمني كأنّني عندما عانقتكِ
كنتُ أوسوس بإمراة عابرة
و شفتاي ذابلتان
كأنّني قبل أنْ أقبّلك قلتُ يا ألله !

...

أتفهّم أنك لا تحبين نصوصي الآن
ولمْ يحدث ذلك سابقًا أيضًا
لكنّك تعلّقين من باب الثّقة بأنني أكتبُ أشياء
عظيمة كوني أحبكِ
و قد يخطبك رجلٌ هرمٌ يجيد الكثير من الإشارات
فتقولين له في النّزهة :
لقد حدثت كلّ الأشياء العظيمة الّتي كتبها سهوًا !

▪▪▪
عامر 

معطف الفرو - الشاعر حسن مريم


 

"معطف الفرو"

صوّب عينيك إلى عينيّ
أطلقْ غِيلانكَ في دمي.. التهمني
أحتاج للألم أن يَعثرَ عليّ الآن
أن يسير إليّ بعينين لئيمتين
ويدٍ متوحّشة تشدّ على سوطٍ يثقب القلبَ من الذُّعر
أحتاج لأظافره الحادّة أن تحفر بي عميقاً عميقاً
آلمني أتوسّل إليك
حرّرني بالمذّلة والسّلاسل الثقيلة
أحتاج هذه المهانة أن تمشط أعصابي
وتعمل أنيابها الحادّة في أسراري
أن يسيل لعابها الدافئ في قاعي
حيث حرّيّتي تتفلّت هناك
طهّرني بما ملكتَ من نارٍ وقِطْرٍ
خذني بقسوةٍ.. بلا شفقةٍ
وبلا هوادة
أنا ملْكك يا مَلِكي
لا تزح عينيك الشيطانتين عن عينيّ حين أجثو عند قدميك مثل لبؤةٍ كانت تتمرّد
روّضني
ولا يرفّ لك رمش
أعنّي على وحوشي
آه يا وحوشي
إنّها تزمجر الآن
وتركض بجنون في كل شريان
إنها تطير مثل التنانين في سماء الرّماد
تطير تطييير
و
أ
ن
ا

أ
    هـ
و
   ي ..!

الثلاثاء، 12 فبراير 2019

الشاعر الطاهي: محمد أحمد موعد

الشاعِر الطّاهي

كُنْتُ أقلّبُ لحمَ أطواي
على مَنْقَلِ القَلْبِ
في مَطْبَخِ الحياةِ الشاغرِ
من كُلّ شَيْءٍ عَدَا الحياة 
حَيْثُ نَصْنَعُ ابْتِساماتِنا
من طينِ تعبنا
نحنُ معشرَ الجنون
والصراخُ والشتائمُ والمِزاحُ الجاثمُ
على قبرِ الرّتابةِ المعنويّ
 نُفِخَ في صورِ العشاءِ
أتَتِ السّاعة!
تكاثفتِ الإنسُ لأكلِ وجبتِها الأخيرةِ
لِلِبسِ القناعِ الأخيرِ
لا مفرّ كلٌ يريُ نفسه
والكلّ هنا عارٍ
أو يلبسونَ كلّهم نفس الثياب!
كنت أعدّ وجبةَ عشاءٍ فاخرٍ
لأميرٍ صَنَعَتْهُ أهواء تصديقي
نعم يا سادة
أنا المُتمرّسُ في تصديقِ الأشياء
وتكذيبِها عند أولِ حياةٍ أو آخر موتٍ
أنا الشاعر الطاهي
أنا السّائر على خطى الطيّبين المثقلين
بوصايا الله
أنا الرافض بأمرِ المنطقِ
العَلمانيُّ البائسُ الزاحفُ على أرضِ المعرفةِ نحو أهل الكُتب الأرضيّة
في المطبخِ أصارعُ علوي
أنْزِلُ درك الصّفات لتكونَ الرؤوس متساوية
أخاطب المِنصّة في خيالي
أرمي أثقال حُلُمي على صبري
فينتهي النّهار
أنا الطاهي الشاعر
أشعر ما أطهو
أطهو ما أشهرُ
أكتب الوقتَ طهيًا
أطهو الوقتَ كُتبًا
يتراقص شيطان الشعر
عند اكتظاظِ البشرِ
يتصاعد دخان الفكرة من قِدْرِ الوحي
تتداخل الصور ببعضِها
يخفق إيقاعُ المجهول في رأسي
ألفُ نكهةٍ أغْرَت هذا القلبَ
ألفُ لعبةٍ أنْهكت هذا الجسد
يلفني الحاضر بملحهِ
يُقشرني الوقتُ بسكين الفرصة
يقسمني الزمان على مهلٍ
أفراحٌ مؤجلةٌ
عُطلٌ وحيدةٌ
أعيادٌ بعيدةٌ
أتكوّم على ذاتي
أنا كلّ صفاتي
الهادِئ الصّارِخُ
الغامضُ الواضحُ
المُتقاعِسُ الفالحُ
الكاتمُ الفاضحُ
المتزعزعُ الراسخُ
الخائبُ النّاجحُ
المُذعِنُ الشامخُ
المهرجُ العابِسُ
الكامِلُ النّاقِصُ
المُستقلّ المُتماهي
الشاعر الطاهي. 

الأحد، 10 فبراير 2019

اليمامة الثقافية تحاور الأديب الفلسطيني أنور الخطيب




يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الشاعر والكاتب الإعلامي الفلسطيني الكبير أنور الخطيب ؛ لنستفيدَ من تجربته الأدبية الواسعة والوقوف على عطائه المستمر ، حيثُ أصدر أديبُنا أعمالًا أدبيةً مهمةً أثرثْ المكتبة العربية، في رصيده ثلاث مجموعاتٍ قصصية، ثمانِ دواوين شعرية، أربعة عشر رواية.
يحاوره الكاتب نصر أبو بيض ( محرر أدبي في بوابة اليمامة الثقافية)
هل الأدب قادر على تغير الواقع فعلًا، وما هي وظيفةُ الأدب من وجهةِ نظرك؟
- سؤال ينطوي على إشكالية كبيرة تتباين في الإجابة عليه المدارس الأدبية والنقدية والمشتغلون في الأدب، إذا كان الأدب يغير الواقع فإنه يفعل ذلك عن طريق التراكم المعرفي والوجداني، الذي يرفع من نسبة الوعي بين الناس ويهذبهم وييطور ذائقتهمار مع بوابة اليمامة الثقافية
- يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الشاعر والكاتب الإعلامي الفلسطيني الكبير أنور الخطيب ؛ لنستفيدَ من تجربته الأدبية الواسعة والوقوف على عطائه المستمر ، حيثُ أصدر أديبُنا أعمالًا أدبيةً مهمةً أثرثْ المكتبة العربية، في الحب، لأنها مجدولة بالتجربة الذاتية والعامة. وستتعاظم حاجتنا للحب كلما انتشرت المادية في عالمنا، وكلما اتسعت رقعة الكراهية، الحب هو حصن الإنسان النقدية فيشاركون في إبداء رأيهم بالشأن العام والقضايا الملحة والمصيرية، والأدب المقاوم يأتي في مقدمة هذه المدارس لأنه يحتك مباشرة بالجماهير، إذ يمكن لقصيدة ملتهبة وحماسية وصادقة أن تدفع الناس للخروج في مظاهرة أو تهيؤهم لفعل مقاوم وتمردي، لكن هذا نادرا ما يحدث في مسيرات الشعوب نحو التغيير. الأدب وخاصة الار مع بوابة اليمامة الثقافية
- يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الشاعر والكاتب الإعلامي الفلسطيني الكبير أنور الخطيب ؛ لنستفيدَ من تجربته الأدبية الواسعة والوقوف على عطائه المستمر ، حيثُ أصدر أديبُنا أعمالًا أدبيةً مهمةً أثرثْ المكتبة العربية، في الحب، لأنها مجدولة بالتجربة الذاتية والعامة. وستتعاظم حاجتنا للحب كلما انتشرت المادية في عالمنا، وكلما اتسعت رقعة الكراهية، الحب هو حصن الإنسانشعر فعل ذاتي يلقي بظلاله على المجموع حين تلتقي معاناة الفرد بمعاناة الجماعات، والمسرح أيضا يمكن أن يتسم بفعل تحريضي نتيجة التفاعل المباشر. ووظيفة الأدب من وجهة نظري هو تعزيز قيم الخير والعدالة والوطنية والحب في وجدان الجماهير القارئة، والتعبير الصادق عن هذه القيم والمبادئ الإنسانية. وأجد أن على الأدباء في عصرنا الحالي على وجه الخصوص، أن يكونوا صادقين في طرحهم وأن يحرصوا على ألا تكون بين نتاجاتهم والوعي العام فجوة، كما يحدث منذ سنوات حين لجأ كثيرون إلى التجريب والحداثة وما بعد الحداثة بينما شعوبنا العربية بالذات لا تزال تعاني من الأمية الأبجدية.
الكثيرُ من الكُتّاب يذمون النشر الإلكتروني، ما رأيك به وما مستقبل النشر الورقي، هل يمكن أن يتراجع؟
- النشر الإلكتروني شئنا أم أبينا أصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها، ومن لا يعترف بهذا ويتجاهله سيكون في آخر الركب. المؤسف أن عدداً كبيراً من الكتاب لا يحترمون النشر الإلكتروني وينظرون إليه بدونية، خاصة تلك الكتابات التي تُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وغيرهما). نحن نعيش اليوم في قرية صغير إن لم نكن في شاشة فضية مستطيلة، ومن لا يدخلها سيبقى خارج العصر، يكفي النشر الإلكتروني أنه قهر الرقيب وتجاوز الحدود ووصل إلى أصقاع الأرض كافة. وللإجابة على سؤالك المهم يجب الاعتراف أن استخدام العرب لتكنولوجيا المعلومات لا يزال في المستى دون المطلوب بسبب انتشار الأمية الأبجدية والأمية الإلكترونية، ولهذا سيستمر النشر الورقي لسنوات طويلة، ولن يحدث عندنا كما حدث في العالم المتمدن الصناعي الذي حول كبريات الصحف المجلات الشهيرة إلى مطبوعات إلكترونية، ولن يتراجع النشر الورقي في الوقت نفسه والنشر الإلكتروني سيتطور وسينتشر ولكن ببطء.
للشعر العربي خصوصية إيقاعية، ما رأيك في ترجمة الشعر العربي إلى لغات أخرى؟
- ربما تعني القصيدة الكلاسيكية بسؤالك، ترجمة هذه القصيدة صعبة للغاية رغم أن هناك من حاول، لكنه بالتأكيد لم يلتزم البحور والقافية والوزن، ومن جهة أخرى لن يحول الإيقاع دون الترجمة، لأن الهدف ليس نقل الشكل وإنما المضمون. لقد مارست ترجمة الشعر في السابق وكانت مهمة صعبة للغاية. برأيي أن الإيقاع ليس هو العقبة في طريق ترجمة الشعر، العقبة تكمن في كيفية ترجمة الصور الشعرية المكثفة والرموز وسياق المرجعية الثقافية للنص الشعري، وبرأيي أن القصيدة الحديثة بما تحمله من كثافة ورموز لن تكون ترجمتها سهلة على الإطلاق، إذ أنها فضاء مفتوح على التأويل بالنسبة للقارئ العربي أو الناقد العربي، فكيف ستكون لغير العربي. وهناك مسألة أخرى تتعلق بأهمية إجادة المترجم للغة العربية واللغة التي ينقل إليها الشعر العربي والترجمات الناجحة للشعر هي التي ترجمها غير عرب.
الشعراء العرب منذ إمرئ القيس كتبوا عن المرأة والحب، هل يُثري الحب التجربة الأدبية؟
- الحب منذ الأزل هو محرك الإبداع لدى الرجل والمرأة، والأديب عاشق أزلي في مراحل عمره كافة. الشعر الذي يخلو من الحب شعر ناقص، والرواية التي تخلو من المرأة وقصص الحب هي رواية ليست إنسانية، الحب في رواياتي يشكل عامودها الفقري، كتبت (مس من الحب، وسماء أولى جهة سابعة، وند القمر)، وكان الحب جوهرها مغموسا بهواجس الوطن والمنفى، وجميع رواياتي تتضمن قصص حب بالمعنى الكلي للمفردة. الحب يثري التجربة الأدبية بلا أدنى شك، بل أعتقد أن أصدق الأعمال الأدبية هي ما كانت عن الحب، لأنها مجدولة بالتجربة الذاتية والعامة. وستتعاظم حاجتنا للحب كلما انتشرت المادية في عالمنا، وكلما اتسعت رقعة الكراهية، الحب هو حصن الإنسان للحفاظ على إنسانيته.
يرى البعض أن النّقد يجب أن يسير في خطٍ متوازٍ مع الأدب ؛ هل برأيك يحتاجُ الكاتب لناقد دائمًا أم أن الكاتب هو ناقد نفسه؟
- النقد بشكل عام هو علم قائم في ذاته، يبحث في اللغة والصورة والحركة، وتشمل حركة الكون أيضا، وهذا العلم ليس شعبيا وإنما ينحصر في نخبة النخبة. والناقد الأدبي مهمته إضاءة النص من جميع جوانبه الموشوعية والشكلية، ولهذا الكاتب في حاجة للناقد مهما ارتفع شأنه وتجذرت حرفيته، وقد يكتشف معان وأفكارا وعلاقات ليست في ذهن الكاتب، ومن ناحية أخرى يجب أن يكون الكاتب ناقدا لأعماله، وعلى الصعيد الشخصي، عندما أنتهي من كتابة قصيدة أو نص أدبي أو رواية فإنني أضعها جانبا لمدة زمنية ثم أعود إليها بعين الناقد، فلا أتردد في الشطب والتعديل والإضافة، وأحيانا يصل الأمر إلى إلغاء العمل بشكل كامل وأعيد كتابته وفق إيقاع فكري وموضوعي متطور يستند إلى الجوهر الأصلي، وحصل معي أن كتبت روايات أكثر من مرة، حدث هذا في رواية فتنة كارنيليان ورواية سماء أولى جهة سابعة، أما روايتي الجذور المنشورة فهي نسخة جديدة كليا عن المخطوطة الأولى. وإذا جاز لي أن أقول شيئا عن واقع النقد، فإنني أزعم أن النقد في تراجع كعلم وكمرافق للعمل الإبداعي، ناهيك عن الشللية التي أطاحت بمصداقية العديد من النقاد. 
للفسلفة دورٌ كبيرٌ في فَهم خُلجات النّفس؛ برأيك ما هو أثر الفكر والفلسفة في الشعر؟
- منذ الحضارات الإغريقية والشعر باطنه الفلسفة، صراع بين الأفكار والقيم والآلهة، وجدل بين القدرية والجبرية، وهي كلها من صنع البشر، والبشر فصيلة مفكرة تطمح إلى الإنسانية كما قال الفيلسوف الإيراني د. علي شريعتي، والشعر يطمح للارتقاء بالإنسانية عن طريق الوصل إلى الذات الفردية والعليا، وأعتقد أدونيس قال أنه يكمن في كل شاعر فيلسوف، والفلسفة في الشعر ظهرت في الشعر الجاهلي وما بعده من عصور ويكفينا أبو العلاء المعري في تأملاته ومواقفه. وباختصار الشعر والفلسفة توأمان، ولهذا يطمح الشعر الحديث إلى أن يضمن مقولات ترددها الأجيال، ولعل العظيم محمود درويش من أكثر الشعراء الذين قدموا مقولات في أشعارهم. الشاعر لم يعد مدفوعا بالمناسبات ليقول شعرا، إنه يلجأ إلى كهفه الناري الملتبس ليقول فلسفته الخاصة ويخرج من قصيدته أو نصه بسلام ليعود فيغرق في ألمه الوجودي في نص آخر. أتحدث عن الشعراء المنشغلين بقضايا كبيرة، وهذا الشعر هو الذي يُخلّد.
أصدرت عددا كبيرا من الأعمال الأدبية ما بين الشعر والرواية والقصة والتي تركت أثرا واضحا في الأدب العربي، فما هو مشروعك الأدبي القادم وما رسالتك للكتاب خاصة الشباب؟
- مشروعي القادم أسير في على جبهتين، الأولى في الشعر الذي بدأ يتحول مفهومه في داخلي وقد أكتب بطريقة مختلفة في الفترة القادمة، والثانية في الرواية، وقد تحدثنا قبل قليل عن الفلسفة، إذا بدأت رواية قبل مغادرتي الإمارات بعنوان رقصة الفيلسوف، وكتبت فيها حوالي أربعين صفحة قبل مغادرتي الإمارات، وسأكملها إن شاء الله بعد الشعور بالاستقرار والتخلص من بعض المشاكل الصحية، وتتحدث عن فيلسوف فلسطيني شهير أثار جدلا واسعا على الصعيد الفكري والسياسي العربي، وبالتالي لن تكون سهلة على الإطلاق، وميزتها أنها ستحفر في القضية الفلسطينية بشكل مختلف خلال وبعد ما سُمّي بالربيع العربي، أما رسالتي للكتاب الشباب، فلا أجد نفسي في موقع أنصح فيه الكتاب ولكنني سأوجز فأقول: اجعل الكتابة وظيفتك الأصلية حتى لو كنت تعمل في وظيفة أخرى، اكتب يوميا واقرأ يوميا واشطب وعدل يوميا كأنك تعيش في ورشة عمل دائمة، على أن تكون مخلصا وصادقا. 
لو تعطي القارئ الكريم نموذجًا من شعرك؟
هذا نص غير منشور أهديه لبوابة اليمامة الثقافية مع شكري وتقديري لاهتمامكم.
زهايمر الوطن
كابنٍ غيرِ شرعيٍ لانثى الزمان
مريضٌ بزهايمر المحطات
أسير كأني سأسقط فيّ من خلل في التوازن
أو من مللٍ في توازي المسارات،
في سيارة الإسعاف أو سيارةِ ما قبل موت الألم
يرافقي استشاريُّ موتي،
يسألني بلا مبالاة مقبلٍ على الحياة:
"هل تتذكر جهة واحدة نسري إليها؟
تعبنا من صدودِ ما قتلتَ في الذاكرة.."
قلت كمحييَ عشق عتيق: "جهة الرحم يا سيدي"
وأضفت، كأني لُطمتُ بكفيَّ:
"أذكر جيدا شهوة الأب المدمنِ نشر اليتم في المنافي
كيف أتى أمي على راحلة فانزلها
وكنت نطفة بعد نزاع قصير
وحين استويت مضغة قال لها:
اذهبي في اللاطريق المؤدي الى جهة الالتباس
واسألي الناس.. عن ركن قصي فانتبذيه
وحين تُصلبين هناك لا تهزي جذعَ أيِّ شيء
لن يساقطَ معنى المتاهةِ كي تُرشَدين الى القداسة"
امتطت امي راحلةَ
شقت الصحراء بلعنة حَملِها 
فكنت انا الذي لا اعرفني .. ولا ادركني.
سألت الطبيبَ المرافقَ لي: من يقود بنا سيارةَ الإسعاف
فأجاب: "أنت  ...."
قلت: "هل تتذكر جهة واحدة نسري اليها آمنين؟"
قال: "جهة الرجم يا سيدي.."
وأضاف بعد صفعة لجبينه:
"أذكر جيدا أمي على الراحلة
وكيف اوقفها رجل في مقام العشق وعشّقها
فكنت عَلَقةً دفعة واحدة"
سألت الطبيب: أكان أباك
اجاب: "بل كنت انا
أذكر جيدا كيف زنيت بها وابتعدت عن الحدود
وها أنا ..وأنت .. وهم
وكل ساكني المحطات نغني لها، كي تعود..
سألني: ومن هذا الذي يقودنا
قلت: هذا ابننا يرسم صورة أخرى لأمّنا
وهي تجهضنا واحدا واحدا
وتلقي بنا على اللاطريق المؤدي الى المِحن
كمرضى بزهايمر الوطن .

السبت، 9 فبراير 2019

شواطئ الأدب يحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسه.

" ملتقى شواطئ الأدب يحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسه "
جوانب من أمسية ملتقى شواطئ الأدب الشعرية رقم 459 التي جاءت تحت عنوان ( دفٌ في غابةِ المجاز ) التي أقامها الملتقى من بعد عصر اليوم السبت الموافق 9 فبراير من العام 2019م والتي أحتفل فيها الملتقى بالذكرى العاشرة لتأسيسهِ وذلك في واحدة من سلسلة أمسياته التي تتجدد أسبوعيًا في نفس الزمان في مقره الدائم في قاعة مؤتمرات بلدية النصيرات شمال مسجد الفاروق بمشاركة وحضور نخبة من المهتمين والمثقفين والأدباء من جميع أنحاء قطاع غزة ..
قادت دفَّة الأمسية الأديبة: سلوى المناعمة حيث قدَّمت الشُّعراءُ الذينَ شاركوا في الأمسية بمقاطع شعرية متنوعة وهم:
1- عبد الهادي القادود ( كلمة رئيس الملتقى بخصوص المناسبة)
2- فاطمة الزاهراء ضاهر
3- محمَّد العكشية
4- ملك اسماعيل
5- ماهر المقوسي
6- آلاء عبد ربه
7- منتصر أبو عمرة
8- أمل أبو عاصي.
لقيت القصائد التي غرَّد بها الشعراء استحسان وتفاعل الحضور بالتَّصفيق وعبارات الثناء.
يُذكر أن الملتقى يعقد منذ 10 سنوات لقاء أسبوعيًا كل يوم سبت وذلك بعد صلاة العصر، يلتقي فيها بمبدعين من كافة أجاء قطاع غزة.
.
العلاقات العامة - إدارة ملتقى شواطئ الأدب
طلال بدوان



وحدي في السماء المشتهى: الشاعر الفلسطيني معين شلبية













وحدي فِي المساءِ المُشْتَهَى / معين شلبية

فِي المطعمِ الشَّتويِّ
قُرْبَ الرَّصيفِ الأَخيرِ الَّذي قَدْ يُؤَدِّي ولا يُؤَدِّي إِلى قُلوعٍ أَوْ هُبوط
ضَجِرْتُ مِنْ ضَجَرِي وَمَا تبقَّى مِنْ خَريفِ هُوِيَّتِي
مُستوحِشاً ظَمِأً كاشتهاءَاتِ الغريبِ
أُمَسِّدُ فِيْ جَوْفِ اللَّيلِ مَداراتِي
رائِحةُ الرُّكنِ الحائِرِ
كرمادِ حريقٍ يتطايرُ حتَّى البَعْثِ
لَمْ يَبْقَ لِيْ إِلَّا مَمَاتُ الرُّوْحِ
تَسْبَحُ فِيْ حُشاشَتِهَا الأَخيرَةِ
تَشُقُّ مَجراها البَعيدَ
كلمحِ الآهِ فِيْ غَسَقِ الدُّروبِ
لَمْ يبقَ لِيْ إِلَّا نقوشُ الطِّينِ فِيْ جسدٍ
أَنارَ اللَّيلَ مِنْ هَلَعِ السَّكينةِ
أَطفأَ شهقةَ المِصباحِ فِيْ قلبي وأَطيافَ النُّعاسِ
لَمْلَمَنِي، وعِقْدُ الياسمينِ على فِراشِ الحُبِّ يَقْهَرُنِي
كأَنْ لمْ يُفَتِّتْهُ الأَنينُ عَلَى سطحِ المَرايا المُعْتِمَة
لمْ يَبْقَ لي إِلَّا سؤَالُ البَوْحِ أَلْمَحُهُ
عَلَى شِفَاهِ الفاتناتِ العابراتِ
كأَنَّهُ وَعْدٌ إِلهيٌّ يَضِجُّ خلفَ مَشارفِ النَّهداتِ
فَيْضٌ هُيُوْلِيٌّ يا ربَّةَ الرَّبَّاتِ، يا مليكَتِيَ الطَّريدةَ يا "أَفْرُوْدِيْتُ"
ها أَنا وحدي فوقَ المَقْعَدِ الخشبِيِّ مُرْتَبِكٌ ومُنْهَمِكٌ
أَنْثُرُكِ وحَسْرَةُ الأَوراقِ تَنْبُشُ ما كَتَبْتُ مِنَ النَّشيدِ
وحدي مِنْ ضواحِي اللَّيلِ تأْتي إِلى
قلبي المـُهَشَّمِ والمـُهَمَّشِ يا "أَبُوْلُو"
نَزْفَاً إِضافيَّاً فِيْ حوضِ هذا الحُزْنِ والدَّنَفِ الشَّديدِ.
ها هو "درويشُ" يُشْرِقُ مِنْ مَلَكَاتِهِ
يَمْنَحُنِي ما استطاعَ مِنْ الإِمارةِ والسَّفارةِ
وا إِلهي، وحدي أُراوغُ ما استطعتُ مِنَ التَّماهِي
وا إِلهي؛ هَيْتِ يَا امرأَةَ الأَساطيرِ الجديدةِ
يَنْشُبُ فِيْ دَواخِلِكِ الأُوَاْرُ
وحدي أُفتِّشُ عنكِ فِيْ مُدُنٍ أُسمِّيها خِساراتِي
وحدي وفِي "الأُوْرَاْلِ" وحدي
لا شيءَ لِيْ إِلَّا جِمَارُ الشِّعرِ فِيْ نهديكِ يا فاءُ الأُنوثَةِ
تُشْعِلُ جَذوةَ الإِيقاعِ فِيْ رُوحي كما أَنَّا نشاءُ
لا شيءَ لِيْ إِلَّا مخاضُ الوَحْيِ فِي الرُّؤْيا
نَزَقٌ مِنْ حليبِ اللَّوزِ تَغَمَّدَ زَهْرُهُ رَحْمَ السَّماءِ
وحدي عَلَى بَوَّابَةِ المنفَى أُطِلُّ
حيثُ ماءُ الشَّوقِ يَكْتُبُ سِيْرَةَ الصَّلصالِ
أُرْجُوانِيِّ الدَّلالةِ غائِمِ التَّكوينِ
وحدي كصَفْوَةِ عاشقٍ فِيْ حَضْرَةِ المـَعشوقِ
أُنازعُ ما استطعتُ مِنَ الحنينِ
وحدي لأُكملَ لوعةَ التَّذكارِ بالوَعْدِ
فَمَنْ أَنا وحدي؟
وحدي انتشيتُ؛ كأَنِّي رَغْمَ ما فِي الهَجْرِ مِنْ نَشْوٍ
وما فِي الصَّحْوِ مِنْ سُكْرٍ، تَعَمَّدَنِي البقاءُ عَلَى يديكِ
كأَنِّي الآنَ مِتُّ.

الاثنين، 4 فبراير 2019

بيتكَ البعيدُ: الشاعر الفلسطيني غسان زقطان




بيتكَ البعيدُ لا يُرى من السَّهلِ
بيتكَ الأعمى يُقْعِي هُناكَ بنافذتينِ تنظرانِ إلى الوديانِ
ولا تبُصِرانِ السهلَ
حيثُ ترعى الخيولُ الميِّتةُ دونَ جَلبةٍ
وحيثُ يَسعى صَوتُ الـمَضغِ البطيءِ في الينابيعِ المتواريةِ.
ربَّما لهذا تتحدثُ في لياليكَ عن تدفّقِ العتمةِ إلى الغرفِ
وعَنِ الأشجارِ المتعلقةِ بالحوافِ.
ربَّما لهذا نتحدثُ في ليالينَا عن الجدرانِ والأروقةِ السريةِ العمياءِ.
ربما لهذا يتحدثونَ، سُكانُ السهلِ، في لياليهِم
عن الخيولِ الميتةِ والمهاريِ المحبُوسةِ في أحلامِها.
لا نرى بيتكَ ولا يرانَا.
بيتكَ الذي لا نراهُ ولا يَرانَا
يمشي نحوَ الغابةِ أعمىً بنافذتينِ وسَتائرَ ثقيلةٍ
ورجل يحدِّقُ في العتمةِ ولا يُبصرُ السَّهلَ. 

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...