السبت، 30 مارس 2019

الدكتور حمدان: قيل إن غزة تصدر القصة القصيرة كما تصدر البرتقال.




يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الناقد الأدبي العربي الدكتور عبد الرحيم حمدان، أحد أهم النقاد الفلسطينين ؛ حيث أسهم بشكل واضح في إثراء المشهد الإبداعي والنقدي الفلسطيني، نشر الدكتور حمدان أبحاث ودراسات نقدية مهمة تعتبر مرجعًا في النقد الأدبي، وله مجموعة من الكتب بعضها مطبوع والآخر مخطوطات، وكذلك يُعنى الدكتور حمدان بمتابعة الشأن الأدبي الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة من خلال الندوات والورشات الأدبية.

أعد الحوار :فريق تحرير بوابة اليمامة الثقافية.

1.يرى الكثير أن النقد الأدبي العربي في تدهور، ما مستقبل النقد الأدبي عند العرب ؟ 
الأدب والنقد كلاهما ثمرة من ثمرات المجتمع، إذ تقاس الحركة الأدبية تقدماً وتأخراً بالتيارات الثقافية في المجتمع، فالأدب الرفيع يولد النقد الرفيع،  فلا مشكلة في حركة النقد عندنا، باستثناء بروز بعض من ادعياء النقد الذين يغوصون في بحيرة النقد بلا معدات ولا أدوات، فيغرفون في مياهها العميقة.
 ويلحظ المتتبع أنه ظهر في الميدان الأدبي لونان من النقاد: ناقد يجامل ويقبِّل الأديب، ويكاد أن يخنقه من شدة النفاق والمجاملة. وناقد آخر يشهر سلاح النقد ويشحذ سكينه ويضعها على رقبة الأديب ؛ ليذبحه أو يطعنه بها طعنة نجلاء.
 النقد العلمي السليم هو ذلك النقد القائم على قواعد وأصول علمية رصينة، فضلا عن وجوب تسلح الناقد بالثقافة الواسعة العميقة، والذوق الأدبي الرفيع، والإحساس الروحي المرهف.
وهكذا يتبن أن النقد العربي في عافية ما دام الأدب كذلك، ذلك أن مستقبل النقد مرتبط بمستقبل الأدب، تقدماً وانحساراًً.

2.القصة القصيرة لون أدبي مهم ومؤثر عند العرب، أين تجد القصة القصيرة على خارطة الأدب العربي المعاصر؟ 

القصة القصيرة جنس أدبي تناهي إلينا من الغرب، أبدع فيه كتاب عرب، وتفوقوا فيه، وترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى، ونالت قصصهم شهرة واسعة، وهو لون أدبي يعد معقداً وصعباً إذا ما قيس بفن الرواية.
 وفي غزة ذاع صيت كثير من كتاب القصة القصيرة بسبب ظروف الاحتلال، وتفوق فيه كثير من الكتاب أمثال: غريب عسقلاني، وعبد الله تايه، ومحمد نصار، ويسري الغول وغيرهم كثر ، وقد انتعشت سوق القصة القصيرة وراجت في بلادنا، حتى قيل إن غزة تصدر القصة القصيرة كما تصدر البرتقال.

3.المنهج البنيوي في النقد بين القبول والرفض، ما هي البنيوية بوضوح، وهل تعطي النص قيمة أكبر؟ 
البنيوية مذهب من مذاهب النقد الأدبي المعروفة، ظهر في ظروف معينة جاء من البنية اللغوية للكلمة، والعبارة مجموعة بنى تحمل مستويات متنوعة مترابطة متماسكة، فهي  شبكة علاقات لغوية مترابطة: أفقية ورأسية، يحلل كثير من النقاد النص الأدبي وفق هذه البنية اللغوية ومستوياتها.
والبنيوية بنيويات متعددة ومتنوعة،. منها الأسلوبية،  والأسلوبية التكوينية،ما زال بعض النقاد يتكؤون على هذا المنهج في دراسة النصوص الأدبية وتحليلها،  وظهر بعدها مذاهب نقدية أخرى.
ومما يجدر ذكره أن البنيوية وجهت إليها سهام النقد، لما تشتمل عليه من مآخذ وهنات، بيد أن كثيرا من النقاد ما زال يسلك طريقها في تحليل المنجز الأدبي؛ لاستخلاص سماته ومميزاته.


4.اختلفت وجهات نظر النقاد والأدباء حول مفهوم الحداثة بين مؤيد ومعارض، ما هي الحداثة من وجهةِ نظرك؟
يؤخذ المصطلح لغة من لفظ الحديث، وخلافه القديم، فالحداثة تشمل التجديد والتغيير في كل مناحي الحياة، من هنا رفض الأدباء في فترة الحداثة القيم المحافظة للأدب القديم؛ لا سيما الرومانسية والتصوير الواقعي للأشياء التي كان يستخدمها الأدباء من قبل، واعتمدت على أسلوب الابتكار والتجريب بالنسبة للتقنيات والوسائل الفنية، وكما اتسمت أعمالهم بِتركيزها على القيم الاجتماعية والسياسية المختلفة؛ فاستخدم الأدباء الصور، والمواد، والتقنيات الحديثة في أعمالهم الفنية؛ لأنهم شعروا بأنها تعكس حقائق وآمال المجتمعات الحديثة بِشكل أفضل. ثم ظهر في إطار التجديد مذهب ما بعد الحداثة، ذلك أن  التطور والتجديد ضربة لازم لا بد منها، ولكن ليس على حساب التراث وإنكاره، والتهكم منه، فمن لا قديم له لا حديث له ، فعلينا أن نحدث القديم بدون أن نستغني عن الأصول والقواعد من لغة وموسيقى وصور. ولا يلهث أصحاب الحداثة وراء الحداثة لمجرد أنها حداثة، يتعين عليهم تمثل مبدأ الأصالة والتحديث.

5.ما وظيفة الأدب من وجهةِ نظرك،  وهل تؤمن بالرواية التاريخية؟ 
تنبع وظيفة الأدب من تعريفنا للأدب نفسه ، فالأدب لون من ألوان الفنون الجميلة، مادته الكلمة، يعبر فيه الأديب عن الأفكار والمعاني والرؤى والعواطف تعبيراً جميلاً، قادراً على التأثير في المتلقين، وإحداث المشاركة الفكرية والوجدانية معهم.

أما الرواية التاريخية فهي نمط من أنماط الرواية يضيف الأديب إلى الأحداث التاريخية من خياله ما يجعلها فنا جميلا مع الالتزام  بالمحافظة على الهيكل العظمي للأحداث التاريخية.

6.قصيدة النثر العربية أثبتت جدارتها وديمومتها،  هل هي قادرة على الإستمرار والتطور أكثر؟ 

قصيدة النثر حولها إشكالية كبيرة، ثمة نفر من النقاد يرفضها رفضا تاماً بحجة فقدانها لعنصر الموسيقى المتمثل في الوزن والقافية،  وهناك من النقاد من يعترف بها  دون أن يبدي أية معارضة، وثمة فريق ثالث يعترف بها بشروط.
أما موقفي انا فأعدها لوناً من ألوان محاولات التجديد في قوالب الشعر العربي، وشكلاً من أشكال التعبير مثلها مثل: شعر التفعيلة، اذا تحققت فيها شروط فنية استمرت وقبلت، وإلا فلا.
ومن هذه الشروط أنه يجب أن يَتمثل فيها قدر كبير من الإيقاع النغمي الداخلي، إلى جانب الصور الفنية المكثفة، فضلاً عن انتقاء الألفاظ الموحية بدقة، واختيار المناسب منها للسياق. بالإضافة إلى طرح القضايا الإنسانية العميقة والتعبير عنها تعبيراً جميلاً، وأن تكون منبعثة من حس إنساني وعاطفة صادقة.
 فإذا لم تتحقق هذه الشروط، فإنها عندئذٍ لا تعدو كونها لوناً من ألوان النثر العادي، وتكون إلى جنس الخاطرة الأدبية النثرية أقرب، ولن يكتب لها الذيوع والانتشار .

7.تقول العبارة : " الناقد العدو الأول للأديب "، ما مدى دقتها، وهل يعتبر النقد بمثابة السلطة الرقيبة على الكاتب؟ 

ثمة إشكالية مغلوطة في العلاقة بين الأديب والناقد، ذلك أن  كلاً من الأديب والناقد عنصر جوهري وأساس في العملية الإبداعية. كلاهما يسند الآخر ويدعمه، ويحتاج إليه، فلا يستغني الأديب عن الناقد وبالعكس.
أما العداوة المفترضة بينهما، فهي من نسج خيال من لا ينتمي للأدب الحق. فقد يكون الناقد أدبيا فهل يعقل أن يكون عدواً لنفسه؟
 الرقابة هنا لها معان متعددة، وأنا أفهمها على أنها رقابة إيجابية، فالناقد يمسك المشعل بيده؛ لينير الطريق الحق للأديب خوفاً من أن تزل قدمه عن طريق الأدب الإنساني الجميل.
إن الناقد المبدع هو صمام الأمان للأديب: يزوده بالنصائح والإرشادات من خلال منهج موضوعي علمي محايد؛ ليصل المبدع بأدبه إلى قمة القيم الجمالية والتعبيرية.
وهكذا يتبين أن العلاقة بين الأديب والناقد علاقة إيجابة ، علاقة قائمة على التفاعل البناء.



الجمعة، 29 مارس 2019

ربيع مرتجف: جهاد محمد خليفة



ربيع مرتجف
جهاد محمد خليفة

وتنتشر في أرجائه كأول شرارة برق سرت في هذا الفضاء الوحشي ، الملبد بأرواح الموتى وأمنيات العاشقين ، ولكنها هذه المرة لم تحدث شيئاً من هذا كله ، فلم تزد من كآبتي ولم تزج بالوجع في أحشائي كما تريد ، فقد أصبحت المسألة أسهل من هذا كله ، أيعقل أن يتقافز التعب إلى جسدك بعد أن أستوطن فيه وأنجب المزيد من الخيبات والكدمات على سطحه ، أو ربما أحيا مجتمعاً بأكمله في عروقك الزرقاء الباهته ، لتبكي كل حين وتمضي كما يبدأ الطفل الرضيع بأولى خطواته يتحسس الطريق ويتمايل معها ، تجبره الحياة على ذلك دون أكتراث كم مرة قد أوقعه نفس الطريق ونفس الخطوات البريئة ، هل جربت أن تشعر بنوباتٍ من الصداع المزعجة وعلى فترات متتالية وبطقوسٍ مختلفة ويألمك هذا ؟ على أي حال حينما تشعر بذلك فقد يتراود إلى ذهنك الكثير من الأسئلة اللا منطقية لتجيبها أيضا بلا منطق منك ولا قوة ، ثلاثون يوماً من الألم كانت تفصلك عن حقيقةٍ تائهة في خلايا جسدك المنهك ولا زلت تطلب المزيد من الوقت كي تكتشف هذا ولكن كان عليك تخمين ذلك من البداية فعدةُ خياراتٍ مطروحة أمامك الان ، أولها ربما تصاب بحالةٍ من فقدان البصر وفقدان الحس أيضاً بمكانة الاشياء ، وربما أيضا يكمن السر في ذلك تعب الدراسة التي لم تكن مؤثرة إطلاقاً في ذلك كذلك يمكنك اعتبار تلك المعضلة على أنها مجرد صداع زائف وينتهي ولا اعتقد ذلك مجدي بالنسبة لحالتك التعيسة ، أردت أن أقول أنه حينما تصاب بمرضٍ عُضال دون أكتراث فلا تبكي ولا تجهد نفسك في التفكير ولكن عليك تقبل إحدى الخيارات التي أسلفت الحديث عنها ولكن هنا سأضيف خياراً آخر فلربما هناك أحدٌ هاجمك وأسترسل في دماغك يجثو في خلاياه ويعيث فساداً متعب كما يفعل السرطان !


الأربعاء، 27 مارس 2019

الروائية بشرى أبو شرار: الأدب قد تصيبه خيبات كبيرة إن دخل من بوابة التأريخ.




يُسعدنا في بوابة اليمامة الثقافية محاورة الكاتبة الأديبة الفلسطينية الكبيرة: بُشرى أبو شرار، صاحبةُ الهمِّ الإنساني والوطني الذي أثرى أعمالهَا الأدبيةِ كلِّها، بُشرى البعيدةُ عن وطنها مسافةً لكنها قريبةٌ قلبًا. لها رصيدٌ أدبيٌّ كبيرٌ ومهمٌ في الأدب الفلسطيني كان أخرُه المجموعةُ القصصية( بكاء الفجر)، ومن أشهرِ أعمالها روايةُ العربة الرمادية،رواية حنين، رواية شمس.
ولدتْ الكاتبةُ في مدينةِ غزة وعاشتْ طفولتها فيها، انتقلت إلى مصر حيثُ تلقتْ تعليمها الجامعي وحلصتْ على اللسانس في الحقوق.

يجري الحوار جواد العقاد، رئيس تحرير بوابة اليمامة الثقافية.


حدثينا عن غزة، ما هذه العلاقة الروحية مع المدينة التي نراها في أغلب أعمالك خاصة المجموعة الأخيرة؟ 

" غزة " هل تكفيني حروف الأبجدية كي ألون ربيعها الذي يسكنني، ينداح ربيع كل الفصول، في البعد البعيد أراني هناك،  في كل ليلة أركن إلى سكوني ووحدتي،  يطل قمر مدينتي،  يطوقني بنوره، يأخذني حيث هناك، أسلم له راحة يدي،  أمضي ونوره، أدق بأقدامي على ترابها، شوارع لن تنكرني،  أعرفها وتعرفني،  هناك حيث بيت جدي - الشجاعية - ومنها إلى حارة الفواخير - قرقش -حيث بيت جدتي،  أحث الخطى لبيارات الريس،  شوارع ترابية، على قمة التل الكبير،  كلية غزة "تجاورها مدرستي - مصطفى حافظ - الثانوية، القاهرة الإبتدائية، المأمونية لاجئات، أقف على عتبة بيتنا، هي ذاتها العتبة التي حفظت مطارح أقدامي من زمن بعيد،  دوالي العنب، ممر بيتنا الطويل، حجرتي العلوية التي تغالب قهر الوقت وعذابات الإنتظار،  هل تكفيني حروف الأبجدية لأكتب أسماء البيوت، الجيران، الصحبة، أكتب عن همس الأماكن وعن دمعات الحكايات، عن فقد وعشق أبدي، هي غزة عشقي الأول والأخير،  هناك أقتفي شمسها، من شروق وغروب، هي مدينتي التي لا تغيب عنها الشمس، لا تغيب .

•ماذا تمثل لكِ مصر ؟

مصر لها معنى في وجداني منذ الصغر، يوم أخذني والدي إلى محطة قطار -الشجاعية - ؛نسافر إلى مصر،مضى بنا إلى  -رمسيس - كدتها إمتداد فلسطيننا والعبور إليها سيناء الجريحة،  مصر شكلت كياننا وثقافتنا،  من تاريخ عشناه معاً،  هي الجغرافيا التي ربطت بيننا والبعد التاريخي والحضاري،  مصر كانت في زمن عشناه سراج ونور أمة، جميعنا تأثرنا بثقافتها ونهجها، هي معنى يسكنه عبق الماضي الجميل  وحاضر نستشرف منه القادم الأجمل ..

 •كيف تنظرين للرؤية النقدية في الأدب العربي عموما ؟

النقد في تاريخ الأدب العربي كنا نراه موازيًا للمسارات الإبداعية وتجديد البناء والرؤى حتى تشكلت نظريات النقد في الأعمال الأدبية وصارت نهجًا له مضامين وثوابت لا يحيد عنها الناقد في مدرسته ومدرسة المختصين في عالم النقد، حين دخلت الأعمال الأدبية عالم الحداثة،  أصيب النقد بحيرة، هل يقبل التحديث في منهجه ويدخله ضمن المنظومة النقدية؟! أم يرفض اعتماد الحداثة التي صارت تأخذ مساحات لا يستهان بها في المشهد الإبداعي،  صرنا نعيش التخبط ما بين المقبول والمرفوض، ولكن يبقى عالم النقد هو الذي يتوازى ويتماهى مع الإبداع، ولن نتوقف لأن نقتفي ما يكتبه النقاد بشغف عن كل عمل إبداعي يستحق أن نثري حياتنا الأدبية من رؤاهم وإبداعاتهم.

•هل الأدب قادر على التأريخ، ما وجهة نظرك تجاه الرواية التاريخية ؟

الرواية التاريخية محملة بألوان اللبس والغموض وكثيرًا ما يصيبها التقصير في الإلمام بحدث تاريخي أو شخصية تاريخية، وقد يقع الظلم البين على بعض الأسماء التي ترد في العمل الروائي التاريخي،  وقد تكون الرواية غير منصفة وغير حيادية،  وفي كثير من الأحيان تدعمها جهات محرضة، لم لا نترك هذه المهمات للمؤرخين، ونحلق بإبداعنا بعيدًا في عالم هو لنا ولا لأحد سوانا، عالم حر وحر وحر .
وجهة نظري تجاه الرواية التاريخية
الأدب قد تصيبه خيبات كبيرة إن دخل من بوابة التأريخ .

•أين تجد بشرى نفسها أكثر في الرواية أم في القصة القصيرة ؟

أجد نفسي في حروفي التي ألملمها وأطرز منها شال الحرير،  قد تكون حروفي مسكونة بروح القصة القصيرة وقد تكون حروف من رافد نهر يمر من خبايا روحي، يزيح التصحر وعذابات الفقد،  أُصير من عالمي الروائي حيوات تسكنني، أُصير من روح الدهشة من قصة قصيرة تلاحقني لأكتبها وتكتبني.

•القلق الوجودي يسهم في إثراء الأدب و هل القلق ميدان الإبداع ؟

الكاتب مسكون بالقلق،  تؤرقه الفكرة والروح المعرفية التي يستزيد بها على مدار الوقت وتتشكل في ذاته كيانات أخرى و تحوم في فكرة،لا ينفك منها إلا في كتابتها في ثوب إبداعي يهديه الفرح، الكتابة المسكونة بالقلق هي حياة للمبدع،  الكاتب له تكوين مغاير عن كثر من الناس، غير نمطي،  يرنو لإعمال العقل،  يشاكس الفكرة، يمعن في التحدي مع ذاته،  يكتب ويجيد ؛كي يأخذنا إلى عالمه، وهذا هو سر جمال الإبداع الذي يهدينا الدهشة وغير المتوقع في حياة نعيشها.

 • رواية العربة الرمادية تزرع المعنى العميق للإنسانية وتأنسن الأشياء،حدثينا عن جو هذه الرواية ؟

" العربة الرمادية " كما روح الكاتبة المسكونة بروح فكرة تنقر على كيانها فتكتبها،  الرواية تكتبني، أكتبها، الحالات التي أحياها هي أنا،  فأنا أكتبني من روحي، من دمي.
 العربة الرمادية،  هي أنا ولا أحد سواي.  وقد لا أجيد أن أتحدث عن كتاباتي وأعمالي؛ لأنها أنا، وأنصت جيدًا لما يكتب عن أعمالي ؛ قد أعرفني من جديد ..

ما آخر أعمالك الأدبية ؟ ومتى سترى النور ؟

- شال الحرير، رواية.
-قارورة عطر، رواية.
-نقوش كنعانية، قصص.
- مرايا الروح -اكتبها الآن -، رواية.
هي أعمال كُتبت ولها مواقيت لا أعرفها،  لكنها قادمة إليكم.

على رقعة الشطرنج: رضوان بركة.





على رقعة الشطرنج 
رضوان بركة - فلسطين. 

ما كل هذا لو أنا

ما كل هذا قد حدث

لو لم أكن نثراً تناغم مع ترانيمٍ
تُغَنِّي لحن موسيقى
فحتى صرت شعراً
لم أكن غمداً تخلَّله حَديدٌ
فاستَويتُ وصرتُ سيفاً
لم أكن جلداً تَهتَكَ
واندَمَى أو صرتُ جرحاً
لم أكن عظماً تَحلَّل وارتَوى
 مِن جوفِها أو كنت دوداً
لم أكن زيتونةً سُحِقت
 فحتى صرت زيتاً
 كنت نزفاً من مجاز فراشةٍ
طارت ولفت حول مإذنةِ السَّماءِ
وحلقت حتى هوت
 في رُقعَةِ الشَّطَرَنجِ
حتى قِصَتي بَدَأت
وعِندَ الفَجرِ قد صارت سراباً أزرقاً
 وتناثرت أحجارُ لُعبَِة ذلِكَ المَشؤُومِ
حتى ساحةُ التَّفتِيتِ قد فتحت
ومن سوءِ الحُظُوظِ نسيتُ
نَفسِي قِبلَتي وَمِظَلَّتِي
ولأنَّنِي كُنتُ الوَزِيرَ بِلُعبَتي
فَرَكَضتُ خوفاً حينما صادفتُ جندياً
قَدِ اسْتَلقَى أَمَامِي نُصبَ عَينِي عِندَ
قَصرِ الْأَندَلُس
وصعقت من رعدٍ تَزَلزَلَ مِن أَعَالِي الْعِزِّ
بَعدَ المَشهَدِ المَعدُومِ قَد صلَّى عَليَّ الجَمعُ
كنتُ روايةً
وفُتاتَ حبرٍ قد تَجمَّعَ مِن يَدِي
كَي يُكتَبَ المَصلُوبُ
حيناً قد يكونُ بغير ذنبٍ قد صُلِب
لو أنَّ رُوحَ الكَونِ لم تنفُخ بِصَدرِهِ مَا كُتِب
لا وَقتَ يَمضِي مِن أَنَايَ لِغَيرِها
حتى ولا قدراً زجاجياً تكسَّر
 في ثنايا لوحةٍ رُسِمت لأجلي
قبل موت رسولِ
هذا المسجِدِ الموصى عَليهِ
بختمِ رَبِّ الآخرة
حتى وَصَلتُ وتم إحيائِي
بجنديٍ تَقدَّمَ عند
مِقصَلةِ العدوِّ الهاوية
فَسَمِعتُ صوتاً من بعيدٍ قال لي : يَا أيها النسرُ المحلِقُ
 في الفراغِ تَعال لي
وَخَرجتُ من بابٍ يُؤدِّي للوجودِ
لأنَّنِي كُنتُ العَدمْ
كُنتُ المُشُوَهَ بالقَلم
فَدَخلتُ بَيتاً فيهِ قد عَلَّقتُ
صُورَةَ قَلبِ ألوانِي الَّتِي رُسِمتْ
عَلى شُباكِ حارَتِنا الَّتي قَد كُنتُ
أَخشَاها لأنَّ المَاءَ حَرَّفها
إلى رملٍ تَناهَى وانفَطَر
وَحَبِيبَتِي رَحَلت
وَلَم تَبقَ لأنَّ الصَّمتَ أغرَقها
وماتت عِندَما سَمِعت
بأنَّ الرَّبَّ قَد نَادى عَليها
عِند إقلاعِ الجَرسْ
قالت: وداعاً يا عَزيزي ذاهِبةْ
من بعدها نُسِفت بصاروخٍ
تحرك عند دارِ المَسلَخةْ 
قد فرَّ جنديُّ الصَّدى

ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت

لَو لَم يَكُنْ بَينِي وبَينَكِ مَوعِدٌ
أو لو تفجَّر صُدْفَةً قَلْبَي
بِدُونِ لِقَاءِ شُطْآنِ الْجَوَى
فَلَرُبَّمَا كُنْتُ الأْسِيرَ
لِحِقْبَة الْأَيَّامِ تِلكَ الْجَاهِلة
وَتَشَتَّتَ الْحُّبُ الْألِيمُ مُبَعْثَرَاً
فِي صَرفِ أَقْرَانِ الفَرَاغِ
وَكُلُّ هَذا لو أنا لَو لَم أَمُتْ
قد قُرَّ هذا حينما
طاع الشُّعاعُ ظَلامَ هَذِي الأمكِنةْ
فأجابها :إِشتَقتُ للأكوَانِ تلك الفَانيةْ
هَمَسَت لهُ : لا تبتَعِد ،أَطفِئ جَمالَكَ واقتَرِب
كُن أَنتَ لا لا أنتَ غيرك مِن أحَد
وعلمت أني ربما
قد كنت أسقط في حديثٍ مع فتاةٍ هاوية
لو أنني صادفت أقلامِي الَّتي كُتبَتْ
على جسرينِ من عَسجَد
ولو أنَّ الجُيوشَ تَراجعَتْ
حتّى اخْتفت من شِدَّةِ الحَرِ الَّذي
قَد جَاءَ حِينَ رويتها تلك القصيدَةُ
لم تكن قد طوقت حبرَ الدَّفاتِرِ
عند أمِّي الجافية
بل كلمتْ وتشعبتْ حتى
بقتْ في داخِلي
فَرَجِعتِ لي
من نقطة الصِّفرِ الَّتي بَدَأتْ
ولي وَقَفتْ وقالت : خُذ بهذا الحظِّ
قد جِئنَاكَ بِالأورَاقِ حتّى تجتهِدْ
وتساقطت وكأنما
مطرٌ يبلِّلُ مهد هذا الطفل حتى قلت : هذا قد يكونُ أَنا ... نَجوتُ لأجلِ غيمٍ قد تجمَعَ وَانْحنَى
حيناً وحيناً لا أكون أنا لأني قد أكونُ ذهبت عدواً حينما
 نزلت عليَّ بصدرِ تلك المُعجِزةْ

ما كل هذا لو أنا
لو لم أمت

فبدأت من مهدي
 أَقومُ أَقولُ :حتّى أنني قد عدت
 بالزَمَنِ اللَعينِ إلى الوراءِ
فهل سَأكتُبُ صفحةً ؟!
أو هل سأزرع زهرةً ؟!
أو هل سأنقِذُ جذر أشجارِي الَّتي حُرِقتْ ولم
تبك على أبنائِها (زِيتُونِها أو زَيتِها )
من وعد ذاك الحُرِّ في بَلَدِي
(بِسكِّينٍ أُمَزِّقُ كل أشيائِي التي كُتِبتْ)
و هذا ما يَجُول بخاطري
حتَّى أتَت بنتٌ تَفوقُ العَاشِرةْ
مَرت عَلَيَّ بِلحظَةٍ تُفنِي ثُقُوبَ الذَّاكِرةْ
- وَكأنَّها فرسٌ تمرُ على السياجِ
وكل هذا كانَ ذِكرَى قد تَلاشَت عِندها
أو قد تُذَكِّرُنِي بقطة حيِّنا
تلك التي كانت تُغازِلُ زوجها
خلفَ الأزِقَّةِ عِندَ بَابِ السَّاهِرةْ
- طَرَقَت لبابِ الذَّاكِرةْ
قالت : ومن اين الجميل ببلدتي
من أي بيتٍ ..عائِلة؟
وَهَدَأتُ حِينَ سَمِعتُ صوتَ الفَاتِنةْ
وَعَلِمتُ أن الوقتَ قَد كبَّر
وأن العقربَ الملعونَ قد دُمِّر
وأني قد أكون بكوكبٍ غير الكواكِبِ كلها
حيناً وذلك في غياهِبِ عينها
فَسَمِعتُ صوتَ (الرَّادِيُو) مِن جَيبِها
 فَيَقُولُ غَنَّى قَلبَها :
(* بِتحِبِّني وَلَّلْهَوَى عُمرُو مَ صَارْ
بتحبني وَلَنكَتَبْ عَلَى قلبِ نَارَكْ نارْ *)
فارتحت كُلِّي حينما طرقت ورنَّت بي
 بِقوقَعَتِي فلا هذِي الحُروُفُ تزيد مِن فَرَحي
 ولكن عادت البنتُ التي قد كنتُ أعشَقها
لمهد طفولةٍ كانت تئنُّ لأجلِ ما
قد جاء في صحفِ الكتابِ الأعمقِ
كانتْ لأجل يمامةٍ تبكي ومن
 قسوة الْحَياةِ السَّابِقةْ
ومَضيتُ مشياً للكَنِيسَةِ عندما
أُلبِستُ شالْاً من زهورِ سَحابتي
وسِوارَ من أوراق أعنابٍ تدلى
 عند شرفَةِ منزلي
فتهافتت أَصوَاتُ آلامٍ
ومن عند الزُّقاقِ رأيتُ أجناداً مِن الخَنزِيرِ
تَرمي من بَنادِقها رصَاصَاتٍ تمزِقُ دولَتِي
يا حسرَتِي
يا ويلَ لِي
لا أستَطِيعُ بإن أغير صفحةَ القَدَرِ الْعَظِيمِ
لأنَّني
ما قد أكونُ بساحرٍ
لا وَقتَ لي عِندَ القَدر
لا وقت لي
وأنا أحاكَمُ مِنهُ
يَكتُبُني ويَبدَؤُني يُمَهِّدُني يُقَبِّلُني يُربِّينِي يُقَلِّبُني يُداوِيني يُكبِّرُني ويُوقِدُني ويُشعِلُني ويَحرِقُني ويُغرِقُني ويُخرِجُني ويَسقِيني ويَسحَقُني فََيقتُلُني ويَبعَثُني يُعَوِّدُني يُسَلِّمني ويُبعِدُني يُقرِّبُني فَيعدِمُني ويوجِدُني يُنادِينِي وثمَّ إليَّ يُدخِلُني
أنا من ؟
من أنا ؟
هذا أنا لو قلت :هذا من أنا؟
شتَّان بيني
بين نفسي
 بين روحي
من أنا ؟
ماتَ الْمَلِكْ.


يوسف خليفة: غاسل صحون يقرأ شوبنهاور نص روائي خارج عن المألوف.




غاسل صحون يقرأ شوبنهاور: نص روائي خارج عن المألوف.

رواية "غاسل صحون يقرأ شوبنهاور" للروائي الفلسطيني محمد جبعيتي، تقع في 255 صفحة من القطع المتوسط، وتتكون من 24 فصلًا، صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2019م.
تحت ما تبقى من سماء فلسطين، استطاع جبعيتي أن يخلق روايته الثالثة، وبحكم قراءتي لجميع منجزاته الأدبية والتي تميزت بطرح مواضيع جريئة وصدامية، بشكل مباشر وغير مباشر، يتّضح فيها المحاولة الجديّة لتحطيم المّسلمات والدارج جدًا، أجزم أن جبعيتي نجح بطريقة أو بأخرى، في أن يخرج عن المألوف من المنجز الفلسطيني، والذي اتّسم بالركض في مساحة ضيقة، تتشربُ المواضيع المُكررة ذاتها: الاحتلال، الظلم، القمع، واقع الأسير ومعاناته ...الخ.
لقد خرج من هذه الدائرة، بعملٍ مدهش و قَلق وصِداميٍ، بالدرجة الأولى مع الواقع والمتعارف عليه، فشكَّل أنموذجًا في كسر المألوف، وفتحَ النوافذ على مساحاتٍ جديدة، بسردٍ متقن ، ولغةٍ شاعرية يَنساب وقع كلماتها بالدهشة والتشويق. سارت أحداث الرواية على شاكلة زمنٍ مُتشظي مُفكك، وآخر سلسٍ كلاسيكي فيه نكهة الراديكالية.
تدور أحداث الرواية في عدة مدن: رام الله وبيرزيت وأريحا وبيت لحم ونابلس.
في أجواءٍ ومناخاتٍ متنوّعة، بدءًا بالواقع الغرائبي والغامض و انتهاءً بالسوريالي والمُتخيل.
يتميّز النص بثقل مُكثّف من الترميز، والذي يفتح الآفاق لطرحِ التساؤلات. يبدأ ذلك من العنوان "غاسل صحون يقرأ شوبنهاور" إذ يُشيع اسم الفيلسوف شوبنهاور حالة من السوداويّة العبثية.
وجاء اسم بطل الرواية "نوح" ليعكس ترميزًا دينيًّا، ثمَّ لقبه كافكا رام الله نسبة إلى الكاتب الألماني السّوداوي أيضًا، الذي تدور حكاياته حول الكوابيس والحشرات.
يبدأ سردُ الرواية بصيغة المتكلم، ويدخل في تركيب الرواية سيل غزير من القصص والحكايات عاشها البطل والتقطها من الشارع الفلسطيني، فكانت مزيجًا من الاعترافات الشخصية، والتأملات الفلسفية، كما عرض يومياته بشكل فانتازي، حيث يختلط الواقع بالمتخيّل، تخلَّلهُ حضور الجانب النفسي، وحضور الحلم الذي جسّد وجود الشخصية، وكَشف عن اختلاجات عقلها الباطني، إذ يطرح سرد القصص نظرته الذاتية إلى الواقع وتصوراته عنه.
تبدأ الرواية بإهداءٍ للعمالِ والمهمشين، والعاطلين عن العمل، والذين لا يملكون صفحات على الفيس بوك، وإلى الذين يخافون من العتمة، وإلى العاديين جدًا....الخ.
ثمَّ توطئة "إلى القارئ" يقول فيها :"إذا لم تقرأ بدافعٍ قوي ومقنع، وإذا كنت تعتقد نفسك نبيَّ هذا العصر أوّ أحد قدّيسيه فلا تقرأ".
"نوح" الشخصية الرئيسة، وهو كاتب شاب، تخرّج من جامعة بيرزيت، وبسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، لم يجد عملًا يليق بشهادته الجامعية، فعمل في غسل الصحون، ووصف نوح العملَ " بأنه كان وسيلة ناجعة للخروج من قوقعة الذات. عدم إيجاد الوقت حتى للتفكير في الأمور البسيطة، والالتفات حول لقمة العيش التي كنّا نبحث عنها، في كل مكان نظيفة وغير مغمسة بذلٍّ."
وفي المطعم تعرف على الأستاذ مطر، والذي كان مناهضًا للكتابة فوصفها بالمشروع الفاشل، كما تعرّف على الفتاة الشقراء التي تركت العمل بسبب محاولة صاحب المطعم التحرش بها.
ثمَّ هرب نوح من العمل بالمطعم، فعمل في السوبرماركت عتالًا، وأمضى فترة عمله في المخازن، وهناك تعرف على أبو نسيم وراجح الذي يعمل من أجل أخوته و والدته المريضة، ثمَّ عمل مُدرّسًا براتب قليل.
نوح شخصية عبثيّة، تجسّد جيلًا كاملًا ضائعًا وحائرًا، لكنه عنيد يبحث عن ذاته وهويته الخاصّة، يقول نوح" ضيّعتُ نفسي في الحياة لأجدها من جديد، اعتقدت أنَّني، بهذه الطريقة، سأفلتُ من مصيدة الحياة، وأولد أكثر من مرة، أتجدد وأنهض من تحت الرماد. عندما يكون العالم شديد الازدحام، أجدني وحيدًا ومُنغمسًا في سؤال الذات". كما أنه يحب المغامرة والقراءة، يدخل في دوامة من الصراعات محاولًا فهم الذات والعالم، يبحث عن الحب والحرية، يسخر من اليأس والواقع المؤلم، يحطّم مسلمات رجال الدين وانتهازيتهم.
تتميز الرواية بواقعٍ سوداوي، وسردٍ يتسارع نبضهُ القلق، حيث يأخذ قلب القارئ، وعينيه. تسير أحداث الرواية مثل ضربٍ من الجنون والهذيان ما بين الواقعي والمتخيل، حيث يتحدث نوح مع البوم، وتسقط نساء جميلات من السماء، وتسقط غربان بكميات كبيرة على الارض، وهناك صخرة حديقة الاستقلال التي ندخل من مغارتها لعالمٍ موازٍ لعالمنا، وعملية قتل الجنود التي لم يعرف نوح كيف نفذها، إذ وجد آثار من الدم على ثيابه ويديه، واحتار هل كان يحلم أم أن أحلامه استحالت إلى حقيقة؟.
في النهاية، يتحرر نوح من الواقع السّوداوي، بطريقة متناقضة مع شخصية شوبنهاور إذ يقول" أدركتُ أني سأعيد المسرحية على المسرح ذاته، ولم تكن بي طاقة للإعادة. قلتُ في نفسي إنها حياة مكررة معادة. رأيتُ صخرة سيزيف تتدحرج من أسفل الجبل، وكان عليَّ أن أحملها من جديد، وأعيد المحاولة. لكن الحياة دفعتني إلى حلبة الرقص، الحياة حلبة رقص، رأيتني أتحول إلى راقص ضَحوك، أمام جمهور غفير. عوضًا عن حمل الصخرة إلى قمة الجبل. وجدتني أراقصها.".

يوسف خليفة - فلسطين

الأربعاء، 20 مارس 2019

كتب رئيس التحرير: حول الشعر والحبّ وأشياء أخرى.



                                   

حول الشعر والحبّ وأشياء أخرى. 

لا أعرفُ ما هو الشّعر وربما لم أكتبه أبدًا، كلُّ ما في الأمرِ أنّي أستاءُ من اللُّغة المشاع ؛ فألجأُ إلى أعشاشِ البلاغة، وأهربُ من ذاتي المكتظة بالوهمِ وخديعةِ الحياةِ الكبيرة.
أهربُ..
أهربُ من الفناء.
دافعي الأكبرُ للكتابةِ تلك الأشياءُ التي لا نستطيعُ تفسيرها، نقترب منها فتبتعد عنّا، نروضها بدهاءٍ لكنّها أدهى، تلك التي ستأكلُ العالمَ يومًا ما!
الحبُّ -مثلًا - لم أنظرْ إليه غيرَ أنّه شعورٌ بالنقص وصعودٌ مستمرٌ نحو الكمال، شعورٌ عصيّ على الفَهم ربما يقودنا للإيمان المفرط بالغيب، وللتجربة هنا مقامٌ كبير.   

المبهمُ والمجهولُ والتساؤلات الوجوديّة الكبيرة ميدانُ الشعر الحقيقي، على ذمة عشتار قد وضعني أمامَ سيلٍ عظيمٍ من التساؤلات،والقلقِ الوجوديّ والعاطفيّ الذي تحول قصيدة.

ثمة أشياء في هذا العالم الواسع لا نفهمها، نحاول الوصول إليها دون جدوى، الفن والشعر سلمنا لهذه الأشياء التي ربما تمثل هاجسًا مستمرًا. 
(على ذمة عشتار) تجربة البحث عن الذات و الهوية والهاجس ، ومحاولة إعادة صياغة الأشياء بما يرضي الذات.
لاأفهم ُتعريفًا للشعر غيرَ أنه: فلسفةُ الأشياء وكفرٌ بالحقيقة، عقوقُ القبيلة والبحثُ عن الذات. الشعرُ : لذةُ اللُغةِ الكامنة والصعودُ نحو اللاشيء.

جواد العقاد - رئيس تحرير بوابة اليمامة الثقافية .

الأسئلة العارية - هاشم شلولة

  




تُتُنهِكُني الأسئلةُ العارية
وأنا دون غطاءٍ فوق الماء
دون رغيفٍ يبهجُ بطني الخاوي ..
آكلُ أسئلةً
عقلي يشبعُ
والمَعِدَةُ جوفاء بلا صمتٍ لثوانٍ

كلُّ العالم لن يسعفَ أمعائي
كالمصروعِ أدورُ بلا مقصلةٍ
تَقطَعُ عنقَ شرودي

أركضُ خلف ماءِ الأسفلتِ البعيدِ
ثمّ أسقطُ دائخًا كموتٍ في عُشِّ صورةٍ
والزقاقِ جاحظةً في آخرِ أقدامي
أنوءُ بأثري إلى آخرِ شيءٍ لا يبقى
والصراخ على جدارِ الكونِ مُعَلّق . 

هاشم شلولة - فلسطين. 

الخميس، 14 مارس 2019

لطفية القاضي تحاور الموسيقار الفلسطيني: حسين نازك




حوار صحفي مع الموسيقار الفلسطيني الكبير و القدير  الاستاذ حسين نازك، تحاوره لطفية القاضي .

الوالد معظم أصدقائه من الفنانين*كنت أضع الموسيقى اللازمة لفرق المسرح*لقد لحنت أغاني برنامج الأطفال أفتح يا سمسم*اخترت أصاله نصري وشقيقتها للغناءحاورته / لطيفة محمد حسيب القاضي  موسيقار كبير قدير يقول أن العمل الإبداعي وحده  هو قادر على الانتقال من جيل إلى جيل، التزم الموسيقار العالمي حسين نازك منذ بداية مشواره الفني بقضايا الوطن والإنسان فعبر عنها من خلال أعماله الموسيقية والغنائية  المتعددة، التي تنتمي للوطن فلسطين و المقاومة والتراث من خلال فرقة أغاني العاشقين و زنوبيا.معنا في حوار صحفي اليوم الموسيقار الكبير القدير العالمي حسين نازك .كيف بدأت الانطلاقة الأولى لموسيقار القدير حسين نازك ،و متى؟لم يكن  بيتنا يخلو من الموسيقى فالوالد معظم اصدقائه من الفنانين المميزين مثل يحيى السعودي وغيره كنا اطفالا نسمع الموشحات والأغاني الأصيله من مبدعيها بمنزلنا بالقدس الشريف ،ثم تعلم اخي العزف على العود فاصبحنا نتكامل بأدائنا معه ، وخاصة بالمناسبات كالمولد النبوي وغيره بعدها انضممت للفرقة الموسيقيه بمدرستنا بالقدس وتعلمت العزف على ٱلة الكلارنيت مع الفرقة المدرسية وتطور الأمر وكانت حرب 1956 على مصر فتطوعت بالجيش ، ولكن لصغر سني نقلت من الوحدات المقاتلة لموسيقى الجيش وهناك  بدأت  في التعلم فنون  الموسيقى ، واتقنت العزف على الأوبوا والفلوت والسكسفون ، إضافة لمتابعة الدراسة.الموسيقار الكبير ،كيف كانت بداية إنشاء الفرق الغنائية؟تطور الأمر  لدي لأشكل مع الأصدقاء فرقا صغيرة نعزف ونغني ونحيي الحفلات ، بالتوازي مع الدراسة الفنية والعلمية وذهبت  لعمان ببداية الستينات  و معي الموسيقار يوسف خاشو من مهجره بأستراليا ، وعملت معه ليفتح ٱفاق العلوم الموسيقية لي ومنه امتلأت جعبتي بالمعرفة واصول العمل الموسيقي ،وجاءت حرب1967 واحتل ما تتبقى من فلسطين الضفة والقدس وغزة ،فتوقف النشاط الموسيقي تماما ، وابتدأ الظهور للعمل الفدائي ،بالاغوار والمخيمات ،وابتدأ معه تعاملي مع ثورة شعبنا الفلسطيني ، واصبحت اكون ثنائيا مع الشاعر ابو الصادق ( صلاح الحسيني ) هو يصيغ النص وانا ألحنه وانفذه ،، كل ذلك كان بعمان ،الأردن. ما هو مدى تأثرك بالوضع الفلسطيني والعربي ، وهل كان لذلك أثر بعملك لتنتقل من عمانإ إلى دمشق ؟ حتى عام 1969 كنت أعمل ومعي مجموعة من الشباب في الموسيقي بعمان  الأردن ،رغم افتقادنا لمعظم مقومات العمل الناجح ، مثل الأستوديو والهندسة الصوتية ومجموعة الغناء بمستوى جيد وغير ذلك ، لذا تم الاتفاق على الانتقال لدمشق ، وتم ذلك حيث الإمكانيات والكوادر متوفرة  ، وبدأت بالعمل ، فبدأ العمل والإنتاج وتم دمج مجموعتنا الموسيقية مع أسرة المسرح الفلسطيني ،وكان من كوادره المرحوم فتحي صبح ذو الطاقة الصوتية والعملية ، وموقعه بأذاعة صوت فلسطين ، فتحت المجال للتعاون مع إذاعة دمشق الرسمية ، التي كانت ومازالت تقدم كل إمكانياتها طالما العمل لصالح فلسطين الموسيقار القدير حسين نازك لم ينسى المسرح فلقد  ألف ووزع ست وعشرين مسرحية عالمية و عربية ،قيم تجربتك الموسيقة في المسرح،هل هي مختلفة عن التلفزيون؟كنا نضع الموسيقى اللازمه لفرقة المسرح متل مسرحية "الكرسي "تأليف الشاعر معين بسيسو وإخراج المبدع خليل طافش ، وأثر ذلك صرت أكلف من مخرجي المسرح القومي السوري الكبار مثل علي عقله عرسان و أسعد فضة و فواز الساجر وغيرهم لمسرحيات عالمية ومحلية ، متل "أوديب ملكا" و" الأشجار تموت واقفة "و" الغرباء" وغيرها العديد من المسرحيات ، كان المسرح الفلسطيني مكون من عناصر فنية فلسطينية وسورية مثل عدنان بركات وصلاح قصاص وبسام لطفي وداوود يعقوب و محمد صالحية و انتصار شما ،و غيرهم وهم من كان يسجل التمثيليات والمسلسلات الأذاعية ،الموسيقار القدير والعظيم،لقد امتد نشاطك حتى المسلسلات التلفزيونية فقد ألفت ووزعت و نفذت أثنى و ثلاثين مسلسلا سوريا ،ليبيا،لبنانيا،اردنيا،فلسطينيا ،حدثني عن تجربتك الموسيقية  التلفزيونية ؟ عدنان بركات وصلاح قصاص وبسام لطفي وداوود يعقوب و محمد صالحية و انتصار شما لقد فتحوا لي  مجال الإذاعة لأضع الموسيقى اللازمة للكثير من التمثيليات الهامة مثل مسلسل ( اليد الخفية لحكماء صهيون ) ،الذي تلقينا تهنئة  وشكر من رئيس الجمهورية لكل من المؤلف داوود شيخاني والمخرج مروان عبد الحميد والمؤلف الموسيقي حسين نازك . ومنها انتقل النشاط الموسيقي للتلفزيون فكان التأليف الموسيقي لعشرات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية ،كمسلسل ( انتقام الزباء ) للمؤلف المصري محمود دياب والمخرج غسان جبري و بصمات على جدار الزمن ،  و ( حرب السنوات الأربع  ) لداوود شيخاني وهيثم حقي .لقد عملت على نشر الثقافة والتراث الفلسطيني من خلال الموسيقى، فكنت انت المؤسس "فرقة أغاني  العاشقين" و   شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات العربية والدولية،  كيف تم تأسيس هذه الفرقة؟ و ما العراقيل التي واجهتها؟  فرقة اغاني العاشقين وهي من ولد من رحم الدراما التلفزيونيه ، إليك القصه ،اتفقنا  مع المرحوم عبدالله الحوراني ان تنتج دائرة الإعلام والثقافة بمنظمة التحرير كتاب      (بأم عيني ) للمحامية التقدمية اليهودية( فيلسيا لانجر ) وكلفت بوضع الموسيقى للعمل كما كلف المخرج فيصل الياسري بتحويل فصول الكتاب لحلقات تلفزيونية ليقوم بإخراجها لاحقا ، وفكرت كيف تكون الموسيقى اكثر تأثيرا وواقعية فلجأت للكلمة ، وكانت اشعار وشعراء المقاومة هي الحل الأمثل ، بما كتبه توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش  و راشد حسين وغيرهم من أشعار وهم في معتقلات وسجون العدو الصهيوني ،، وأختار مقاطع تناسب المواقف الدرامية واصيغها ألحانا ترافق كل مشهد ، وهذا ما كان ، ولدى الاستماع للمواد المسجله من قبل الإخوة والرفاق  ، علق احدهم انه لايكتفى ان ترافق العمل التلفزيوني بل من الأجمل ان تؤدى هذه المواد على المسرح ، وهذا ما كان وبكامل المجموعة التي سجلت الموسيقى والغناء ، وكان  وكان العرض الأول على مسرح المركز الثقافي السوفييتي بدمشق ، وامام نجاح التجربة كرر العرض لأيام عديده ،كل ذلك قبل ان نسميها فرقة ، ثم ارتأيت ان اسميها ( فرقة اغاني العاشقين ) لأن الأغاني وجدت قبل الفرقة ، وعشق فلسطين هو همها ومن هنا انطلقت ببرنامجها الأول الذي سجلت أغانيه للمسلسل ( بأم عيني )،وانطلقت الفرقة وانتشرت اغانيها بسورية ولبنان اولا ،،ثم في الوطن العربي وقدمت عروضها بمعظم الدول العربيه من دول الخليج جميعا وحتى المغرب مرورا بالجزائر وتونس وليبيا ومصر واليمنين الشمالي والجنوبي ، ثم انطلقت نحو العالم من الأتحاد السوفييتي لليونان والمانيا وفرنسا والعديد من دول العالم ومهرجاناتها ،وحازت على العديدمن الجوائز وشهادات التقديرولو عدنا لسؤالك ففي تلك المرحلة وهي مرحلة الوعي القومي العربي فقد ساعد الوضع العام والتفاف الأمة العربية حول العمل الفدائي وحركة المقاومة الفلسطينية والتي انتسب اليها جيل الشباب من انحاء الوطن العربي ومن كافة أقطاره ، على انتشار الغناء المقاوم من فلسطين ولفلسطين ، فكانت اغاني العاشقين الفلسطينية ، والشيخ امام المصري ومارسيل خليفة اللبناني واجراس العودة البحرينية وناس الغيوان المغربية والعديد من الفرق والفنانين الذين عبروا عن فلسطين قضية وشعب .
ما هي أهم مقومات الموسيقى الناجحة ؟من أهم اسس الموسيقى الناجحة اولا إتقان الموسيقى كعلم تماما ، وبعدها إطلاق العنان والقول بالموسيقى من خلال التمكن من خصائص كل ٱله ومن إتقان المزج والتمازج بالألات ، وهذا علم متكامل فكما لكل ممثل شخصيه تناسب دور ما ، كذلك الٱله الموسيقيه ، فالكمان يختلف عن الكلارنيت والفيول تختلف عن الكور انجليه والفلوت يختلف عن الأوبوا  وهكذا ، ولكل ٱله أسلوبها الخاص ليوصل التعبير المناسبومن أهم أعمالك موسيقى غنائية راقصة "أيام الفرح" ،اوربت "قائد وامة" و "سرية بساحة تشرين "،"الشهادة والشهداء في أفواه حافظ الأسد "،أيضا  عروض غنائي "المبدعون في بلاد الشام في دمشق"،عرض فني "بين التراث والمعاصرة"،كيف كانت تجربتك فيما ذكرت؟ لقد كنت  متميزا  في وضع موسيقى  لأفلام ومسلسلات ومسرحيات وحتى لحفلات افتتاح الدورات الرياضية ، فقد وضعت الموسيقى لأربع دورات رياضية ،  ،،منها الدورة العربية الخامسة بدمشق و دورة ألعاب دول المتوسط للعالمية باللاذقية ، ودورة ألعاب الشباب العربي وغيرها،والعديد من الأفلام التي وضعت موسيقاها فازت بجوائز عربية وعالمية كفيلم ( وطن الأسلاك الشائكة ) وفيلم ( مرفأ لعروس البحيرة ) الذي فاز بذهبية مهرجان القاهرة وذهبية مهرجان قرطاج بتونس و جائزة اليونيسيف الأمم المتحدة ،، اما فيلم  ( يوم الأرض ) للمخرج الفلسطيني غالب شعث فقد فاز بجوائز عالمية عدة من كارلو فيفاري ولايبزغ وقرطاج وغيرهابالنسبة للموسيقى التي لابد أن توضع للمسلسل لابد أن  توافق النص المسرحي مع الموسيقي التي تلائم مع النص المسرحي؟ المسرح  يفرض على المؤلف الموسيقي عالما خاصا وحساسا ،، مثلا عندما كلفت بموسيقى مسرحية ( اوديب ملكا ،،) لسوفوكليسالتابوت المؤلف الأغريقي ، فكيف اوفق موسيقاي بنت اليوم مع نص مسرحي عمره ٱلاف السنين ، وهنا عدت للتاريخ لأجد ا آلتين يونانيتين اساسيتين هما السكلاموس  واللايرا ، فتحايلت على الأمر بعازفي ناي كتبت لكل منهما نوتته الخاصة وبطريقة نفخ معينة وصلت لما يشبه صوت الٱلة اليونانية المزدوجه ، اما اللايرا فقد ألبست عازف القانون بيديه كفوفا مطاطية خاصة بالأطباء والعمليات ، وجعلته يعزف النوتة المتوبة بأصابعه المجردة ووصلت لما اريد ، اذكر كلمة بأحد الصحف للفنانة الكبيرة ( منى واصف ) التي لعبت دور جوكاستا ام أوديب (أسعد فضة )أنه لأول مرة تكون البطولة بالمسرحية للموسيقى ، فالعمل الموسيقي هو إبداع أولا وأخيرا ،والعلم يريد المبدع الذي   يتمكن من ادواته وتعبيره .وضعت الموسيقى ولحنت اغاني العديد من أعمال الأطفال مسلسلات وأفلام ومسرحيات ، كيف أمكنك التعامل والنجاح مع الأطفال ؟إن العمل والتعامل مع الأطفال موسيقيا هو قمة المتعة بالعمل الموسيقي ،خصوصا عندما يكون لديك مجموعة من الأطفال الموهوبين لتنفذي العمل بهم ،وانا كنت موفقا باختيار عناصري ،مثلا الطفلة أصاله نصري وشقيقتها أماني ،واصالة اليوم مطربة يشهد لها الوطن العربي ، والطفل محمد هباش الذي عرف لاحقا بقراءة الشعر بفرقة العاشقين الٱن  كبر ونضج وصار يغني ويلحن وهناك العديد بالكويت وبغداد ودمشق من مجاميع الأطفال الذين كبروا وأصبحوا يشار لهم بالبنان ،اما العمل الإبداعي فكان أطفالي بيسان وعلي بداية ثم تبعتهم لاحقا سلوان ، بعد ان اضع اللحن لكلمات ما ، اسمعهم اللحن ان حفظوه بعد المرة الأولى يكون المطلوب ، وان حفظوه من الإعادة الثانية فيمكن ان يعدل وان لم يحفظ بالمرة الثالثة فهو فاشل وأعيد العمل عليه ، فالأغنيه هي للطفل العادي عموما ، وليس للنخبة الموهوبة من الأطفال ،وكنت ولا زلت حريصا بعملي ان لا ابتعد عن الجو العربي الشرقي المخدوم بالعلوم الموسيقية والمزج المدروس والمحسوب بالمعادله بين الأصالة والمعاصرة .لقد عملت على نشر الثقافة و التراث الفلسطيني من خلال العديد من الفرق التي قمت بتأسيسها  كيف كان ذلك ؟قبل تكوين فرقة العاشقين ، كان همي استعادة التاريخ الابداعي لفلسطين قبل النكبة وبعدها ،، فقد كانت فلسطين القدس ويافا وحيفا محجا للفنانين العرب من مصر وسورية ولبنان وغيرها ، يقيموا الحفلات ويسجلوا الأغاني الخاصةبهم في اذاعاتها ،ومنهم عبد الوهاب وام كلثوم واسمهان وفريد الأطرش الذي غنى اول أغنية خاصة له بالقدس بكلمات ولحن مبدعين فلسطينيين  مثل أغنية ( ياريتني طير لأطير حواليك ) وهي من لحن المبدع الفلسطيني يحيى اللبابيدي ، وكنت ام كلثوم لا تزال تسمى ( الانسه ام كلثوم ابراهيم البلتاجي الأصليه ) عندما يعلن عن حفلاتها بالقدس ويافا وحيفا  في العشرينات و الثلاثينيات من القرن العشرين ، ويبدو من الأعلان انه كان هناك ام كلثومات كثر مزيفات ،،فقد كانت اذاعة ( هنا القدس ) بالقدس واذاعة الشرق الأدنى بيافا من اوائل الاذاعات بالوطن العربي ، فكنت اجد العازفين العرب يعملون بالفرق الموسيقية الفلسطينية كابراهيم عبد العال المصري  وهو والد عازف الكمان ذائع الصيت عبود عبد العال ، وعازف الأيقاع السوري باسيل سروة ، والد الموسيقار السوري سليم سروة  ، عبد الفتاح سكر الدمشقي مغنيا وهو الملحن المبدع لاحقا لفهد بلان واشهر اغانيه ، والكثير الكثير من العازفين والمغنين كانت فلسطين محجا لهم و مصدر  رزقهم ،حتى كانت النكبة فتشتت الجميع من فلسطينيين وعرب ، وانتشر بعضهم في البلدان المحيطة والعالم ،،فهاجر يحيى السعودي لدمشق فكان رئيس فرقة اذاعتها الموسيقيه، ومؤسس معهد الموسيقي الشرقية فيها ،ومن تلامذته امين خياط و عدنان ابو الشامات ، وغبد السلام سفر وغيرهم من اعلام الموسيقى السورية ،ورحل حليم الرومي لبيروت ليصبح المشرف الموسيقي لأذاعتها وهو والد المطربة ماجدة الرومي ،واكتشف العديد من اعلام الغناء فيها ،مثل فيروز وغيرها ، ومثلهم العديد بعمان و بغداد وغيرها من الحواضر العربية،فكانت نكبة فلسطين سببا للمبدعين من اهلها ان يكونوا فعالين بالمجتمعات الجديدة ،،لتجدي ان العراق يعتبر روحي الخماش ابن نابلس الأب الروحي للموسيقى العراقية الحديثة ، بما انجزه بأذاعتها وفرقها والحانه التي غطت مراحل تاريخية هامة فيها،ولم تنقطع الصلة بين فلسطين وابناءها بل كان الفن والتراث والغناء الشعبي يملأ المخيمات ، لتسمع ابو عرب يشدو بمخيم حمص والنيرب بحلب واليرموك بدمشق ، وتسمع رنين المجوز واليرغول من طحيمر بمخيم خان الشيح ودرعا ،  تسمع غناء قاسم صبح وخليل البونو في مخيم الحسين والوحدات ، ومثلهم بمخيمات غزة والضفة الكثير من المغنين الشعبيين والشعراء،كان هذا بسنوات الضياع من1948 وحتى 1965 وبأنطلاقة الثورة بدأت تسري بعروق المبدعين ارهاصاتها فكانت اشعار  محمد حسيب القاضي وصلاح الحسيني(ابو الصادق ) والمزين وغيرهم ، والحان وجيه بدرخان ومهدي سردانه و صبري محمود و حسين نازك من جيل الشباب يواكب البندقية بأغان توافق ايقاعها ، بل وتترجم كلماتها،كانت ولا زالت فلسطين ولادة،وستبقى حتى التحرير لكامل ترابها وسماءها.ورحل حليم الرومي لبيروت ليصبح المشرف الموسيقي لإذاعتها وهو والد المطربة ماجدة الرومي ،واكتشف العديد من أعلام الغناء فيها ،مثل فيروز وغيرها ، ومثلهم العديد بعمان و بغداد وغيرها من الحواضر العربية،فكانت نكبة فلسطين سببا للمبدعين من اهلها ان يكونوا فاعلين بالمجتمعات الجديدة ،،لتجدي ان العراق يعتبر روحي الخماش ابن نابلس الأب الروحي للموسيقى العراقية الحديثة ، بما انجزه بإذاعتها وفرقها وألحانه التي غطت مراحل تاريخية هامة فيها،ولم تنقطع الصلة بين فلسطين وابنائها بل كان الفن والتراث والغناء الشعبي يملأ المخيمات ، لتسمع أبو عرب يشدو بمخيم حمص والنيرب بحلب واليرموك بدمشق ، وتسمع رنين المجوز واليرغول من طحيمر بمخيم خان الشيح ودرعا ،  تسمع غناء قاسم صبح وخليل البونو في مخيم الحسين والوحدات ، ومثلهم بمخيمات غزة والضفة الكثير من المغنين الشعبيين والشعراء،كان هذا بسنوات الضياع من1948 وحتى 1965 وبانطلاقة الثورة بدأت تسري بعروق المبدعين ارهاصاتها فكانت اشعار  محمد حسيب القاضي وصلاح الحسيني(ابو الصادق ) والمزين وغيرهم ، وألحان وجيه بدرخان ومهدي سردانه و صبري محمود و حسين نازك من جيل الشباب يواكب البندقية بأغان توافق إيقاعها ، بل وتترجم كلماتها،كانت ولا زالت فلسطين ولادة،وستبقى حتى التحرير لكامل ترابها وسمائها.انت عملت على انتشار الأغاني الشعبية الوطنية الفلسطينية في الوطن العربي والأوربي ،كيف؟من خلال جولاتي المتعددة في أكثر الدول العربية والأوربية، والحصول على العديد من الجوائز.
كيف ترى صورة النقد الموسيقي في الوقت الحالي؟قليلة جدا،ربما لقلة النقاد عندنا ،و لكن رغم قلة النقاد إلا أنه لا زال للنقد وجود و هو كفيل بتقيم الأعمال الموسيقية.برأيك ما هو العصر الذهبي للموسيقي الفلسطينية والعربية ؟لا يوجد عصر محدد فلها كل العصور،حيث أن كل البحور الموسيقية هي أساس الموسيقي منذ الأجداد إلى وقتنا الحالي.الموسيقار الكبير ،الآن نحن في واقع انتشار العديد من الكليبات و الأغاني السريعة ،ما رأيكم في ذلك؟المشكلة تكمن في فساد سمعي واسع الذي انتشر و هذا الذي شجع كثيرا من هذه الأغاني، ولكن كل هذه الأغاني هي وقتية.في الوقت الحالي يعيش مجتمعنا العربي بشكل عام حالة من فوضى موسيقية مبعثرة ،فمن المسؤول عن ذلك؟انتشار الأغنية السريعة التي تعمل على تلوث السمع ،فأصبح اليوم يفقد المستمع القيمة الحقيقية للموسيقىكلمة أخيرة تود أن تقولها…….؟أتمنى من المسؤولين أن يكون هناك اهتمام أكبر بالفن والفنانين ،و دعم المواهب. 

الأحد، 10 مارس 2019

عصر ما بعدَ الشِّعر - طلال بدوان



طلال بدوان - كوكبُ الأرض
 مُستقبلُ القصيدة العربيَّة، عنوان يحملُ بينَ طيَّاتهِ الكثير من التَّساؤلات الكُبرى، أكثر من كونهِ يبحثُ عن الإجابات الصُّغرى هُنا وهناك، فالأجدى والأولى في اعتقادي أن تَكونَ عمليَّةُ طرحِ الأسئلةِ أهمَّ من الإجابةِ عليها، الأسئلة الجديدة، تصنعُ إجابات جديدة لأسئلةٍ جديدة أخرى أعمق وأعمق وهكذا، وعلى قاعدةِ التَّشكيكِ في كلِّ شيء لا التَّسليم الأسفنجي المُستسلم والمُضَلَّلِ برأي الحشودِ من عامَّة الناس لا مُثقفيها، وعلى قاعدةِ أنَّ الشَّك المُحفِّزِ على البحثِ والاستمرارِ بالمحاولة والتَّجربة باحتماليات الصَواب أو الخطأ، الشَّك الذي هو مرادفٌ للسؤالِ والإيمان. الأسئلة لا تعني إنكار ما نسأل عنه إنما تعني توسيع حدودِ المعرفة.
من بصيرتي المُتواضعة، ورؤيتي وقراءتي لأفكارِ المستقبل بعين الحاضرِ، قبل شهر تقريباً من الآن وخلال أحد الحوارات التي تسبق لقاءنا الأسبوعي بدقائق مع الشَّاعر ياسر الوقاد قمتُ بوشوشتهِ بنبوءتي المبنيَّة على قراءةِ هذا الواقع الذي نعيشهُ حاليًا مع القصيدة العربية خاصَّة والشِّعر العربي عامة، حيث كان من ضمن الحوار، طرحي لنبوءة موت الشِّعر، وأننا ومنذ وقتٍ ليس ببعيد نعيش على أعتاب نهاية وموت الشِّعر وما يُسمى بالقصيدة العربية في حياة وروحِ وعقلِ الأجيال القادمة، وأن كلَّ ما يُكتبُ الآن هو مُحاولة لإنعاش مريض ميِّت سريريًا، فأغلب مُتذوقي الشَّعر، هم شُعراء، شُعراء يستمعونَ لشعراء، ويُجاملونَ بعضهم البعض خشيةَ أن يغضبَ أحدهم من الآخر ويخسر واحدًا من مُستمعي الشِّعر المُتصنِّعين، لا تجد هناك مُتذوق للشعر بمعناه الحقيقي يقرأ أو يستمع للشعر، دونَ أن يكونَ شاعراً. من خلالَ لقاءاتنا هنا نلاحظ ذلك، وأريدُ أن أسألَ سُؤالاً تفاعليا للحضور الآن: من منكم مُتذوق للشعر فقط ولم يجرب الكتابة، ولا ينوي الكتابة، كل من يأتي لفعاليات الشعر هم شُعراء، لم تعُد للشعر شعبية إلا مُكمّل وديكورٍ على هامشِ الاحتفالات بأنواعها، كأحد القوالب الجاهزة، كالنشيد الوطني الصَّباحي، والزِّي المدرسي المُوحَّد، وقوالب الكعك المُتشابهة.
عندَ مقارنة شعراء الأمس بشعراء اليوم، بالتَّأكيد سنُلاحظ تغيُّرا كبيرا في التأثير والحضور والاهتمام من الناس والمؤسسات ومراكز السَّلطة الحاكمة في الدول.
الشِّعر العربي يمر بمرحلة احتضار قد تستمر لعقد قادم من الزّمن، قبلَ أن يموتَ دونَ أن يشعُرَ بفقدانهِ أحد، كالكثيرِ من الأشياءِ التي تذكَّرنا مُؤخَّراً انقراضها، كشريط المسجل القديم، وصندوق البريد، فنحنُ الآن في عصر مختلف، لم يعد الشعر فيه هو الوسيلة الوحيدة للتعبير والتأثير بعد انتشار وسائل كثيرة تعتمد على التكنولوجيا، ومنها المسلسلات والبرامج التلفزيوتية، والأغاني، والفيديوهات، لقد بات الشِّعر انتاجاً لا إبداعًا، أصبح يكرر سابقهُ، ويكرر  نفسه، ويجتر الماضي بحجة الحفاظ على الموروث، الموروث الذي صنعهُ أجدادنا لهم كبصمة، نريد نحن أن ننسخ بصمتهم في مشوارنا الأدبي، دونَ أي إضافة تكسر المُتعارف عليه، وتخرِجنا عن صندوقِ القوالبِ الجاهزة. الهوية ليست تراثاً جاهزاً نرثهُ، كبيوتنا وحقولنا، الهوية ليست جاهزة أبداً، الانسانُ يخلق هويَّته فيما يخلق فكرهُ وعملهُ، الهوية ابتكار متواصل إلى مالا نهاية.
قلما أستمعُ لنصوص شعرية تحملُ أفكارا جديدة، تُغير طريقة التَفكير والتَّخيُّل لدي، لتُعمِلَ العقلَ، لتتغيَّر حياتي للأفضل، بل نصوصاً تُدغدغ العواطف والقلوب فقط، وانفعالات النَّفس المُؤقتة، فاعتِمادنا المُطلق على المشاعر لتوليد الفكرةَ، يُنتجُ أفكاراً مغلوطة لا تصلح كأداة للتغيير، بينما العقلُ يصنع الفكرة ليكوِّنَ مشاعر مدروسة سويَّة مُنتجة، المشاعر الانفعاليَّة التي تصنعُ القصيدة غالباً يُمكنها أن تكذبَ وتُضلل وتنفعل وتغضب دونَ سبب منطقي وتُجمل القبيح وتُقبح الجميل، فالشاعرُ يمكنهُ أن يكتبَ قصيدة مدح لشخص ما، يُمكنهُ اقناعنا بالقصيدة العاطفية بنفس درجة الذم، لنفس الشَّخص، الشِّعرُ خداعٌ لو لم يُعمل العقل أيضاً، الأولى أن نُفكر لِنَشعرَ، لا أن نَشعُر لِنفكِّر، لا أعني بنبوءتي عن موت الشِّعر أنني أريده أن يموتَ فعلاً. لهذ سأقدمُ بعض التحليلات لتفسير هذا الموت المستقبلي، وكيفية الاستيقاظِ من هذا الكابوس.
هناكَ عاملان إن لم ننتبه لهما سيقصران عمر الشعر في السنوات القادمة، أولا: مُعدَّل القُرَّاء في المُجتمع العربي، وثانياً: وجود شاعر مُبدع لا مُنتج، العاملان في اعتقادي يُكمل بعضهما بعضًا ولا يُمكن لأي واحد منهما إطالةَ عمر القصيدة لوحده، قد تجد شاعراً مُفكرا مُبدعاً يطرحُ تصورات عميقة وأفكار جديدة رمزية وتصوُّراتٍ مُلهمةٍ، لا يجد من يفهم رسالتهُ، لأن المجتمع العربي للأسف لا يقرأ، لا أقصد قراءة كتاب أو كتابين، أو حفظ 100 قصيدة في الشِّعر العربي القديم، أو التعليم الأكاديمي، أفصد القراءة كعادة وأسلوب حياة، فكلما زادت نسبة القراء الحقيقيين زاد مقدار فهمهم للنصوص التي تطرح فكرا عميقًا، وزادت من تحدي الشُّعراء لأنفسهم في أن يُقدِّموا ما يليق بالقارئ، فتذوق الشعر أو أي عمل يعتمد على ثقافة المُتلقي والصَّانِع، أقتبسُ هنا مقولةً لأدونيس: أن يكونَ الشَّاعر جماهيرياً هذه تُهمة، الشاعر الحقيقي يستحيل أن يكونَ جماهيرياً، لأن الجمهور العربي لا يقرأ.، لهذا قد نجدُ اليومَ أن مُعظم كتابات الشُّعراء الجماهيريين سطحيَّة مُتشابهة، وعلى النَّقيض تمامً الشُّعراء الحقيقيون لا يظهرونَ إلا بينَ النُّخب وكُتب الدراسات والأبحاث،  وفي الجانب الآخر، والاتهامُ الثاني هو ميل الكثير من الشعراء لكتابة ما يرغبه الجمهور، الجمهور الذي لا يقرأ، لأن مقياس جودة ما يكتُب هو مقدرا شدَّة التصفيق، كيف لهم أن ينساقوا لمن لا يستطيع ولا يصل لدرجة يتذوق فيها طعم الشعر الحقيقي الذي يحملُ فكراً تنويريا حقيقياً، ثوريا في المعنى والطرح والفكرة والمشاعر والأسلوب والقالب، المجتمع الذي يقرأ، يكونُ لشعرائه الحقيقيين دورا مُؤثراً، وهذا ما لا يريدهُ صاحب النظام الأيدلوجي أو الدكتاتوري، وأقتبسُ هنا قولاً لهتلر " إنَّ أفضَلَ ثروةٍ لدى الحكومات، أن الشُّعوبَ لا تُفكِّر"
حتى قصيدة النثر أو الشعر المنثور بمفهوم أدق، ستغدو من الماضي، وتنتهي هي والقصيدة التَّقليدية كالديناصورات، ولن تبقى حتى عظامها، لأنها تُعاني من نفس المشكلات، باستثناء بعض الكتابات هنا وهناك، الشَّاعر الحقيقي يعيش غربة حقيقية في عالمٍ لا يفهمهُ، في عالم لا يقرأ،
إذن هناك عاملان شكَّلا غربة الشعر الحقيقي المُؤثر الذي يُؤدي لزيادة الإنتاج والوعي والثقافة، الذي لا يضلل ولا يخدع، شعر يطرح الأسئلة أكثر من الإجابات، شعر ينمي التَّخيل، شعر لا يُنافق أو يُمثل أو ينصاع للضغط المجتمعي، والثقافة السطحية السَّائدة للأمور، شعر لا يُمثل دور الضَّحية أو دورَ متسولٍ يحتاجُ لدعمِ وزير الثقافة أو وزير التَّموين، شعر لا يخضع للتكتلات والأيدلوجيات، شعر ليس وظيفياً لصالح فكر مُعين ويخدم مصالح معينة، شعر لا يتسول التصفيق، والتهليل، والمدح والثناء،
لابُدَّ من تهيئة المُجتمع ليُحب القراءة، مع حليبِ الرِّضاعة، وسنرتقي بدور الشعر، لأن المشكلة الأكبر أيضاً  ليست في الشِّعر نفسه، وربما الشعر اليوم في تطور أكبر في كتاباتِ بعض الشُّعراء مما كان عليه في العصور الأولى لِنشأتهِ ، بتطور مكونات هذا العصر ومشكلاته، ولكن المشكلة الأكبر أيضاً هي مجتمعيَّة، مجتمع يميل غالباً للراحة والسطحية ولا يُريدُ أن يشاركَ الشَّاعر في النَّص بإعمالِ عقلهِ، ويتهم أصحاب العقول والأفكار بالجنون، وأنهم غريبو أطوار، القابض على ثقافته اليوم كالقابض على الجمرة، لقد شُوه المثقف في الإعلام والمسرح والفن السَّابع،  لأن من يتحكمون فيه هم من غير المثقفين من أصحاب رؤوس الأموال ورسائل التَّجهيل، يريدون للمثقف أن يكتبَ ما يفهموه ولا يريدونَ أن يُمارسوا القراءة ليفهموا ما يُكتب، لهذا تدنى مستوى الأدب والشعر خصوصًا، لأن معظم الشعراء انساقوا وراء ما يطلبه الشارع ظنا منهم أن الشاعر جاءَ ليعالج قضايا الَّشارع بطريقة الشَّوارع، ليذوب في الآخر والمجموع، ناسياً بصمتهُ وحضورهُ الشَّخصي، لو كل شاعر كتب ما يريده الناس لاكتفينا بشاعر واحد. ولكن لا بد للشاعر أن يكتبَ تجربتهُ هو، ولو كل شاعر كتب تجربته الخاصة بدون تأثر وقلق وخوف من رأي الآخرين، سيخرج الشعر من دائرة التقليد، من حالة جمعية قطعانية، همجيَّة سطحية، إلى حالة فردية مُستنيرة متنوعة تُثري وتُؤثر في الأخرين، فالحداثة لا ينبغي لها أن تُجاري العصر، بل أن تصنع وعي هذا العصر، وتُعيد تشكيله من جديد، الحداثة لا تقتصر على زمان مُعيَّن، فلكل زمان حداثتهُ بحداثة قضاياهُ ومُنتجاته الصناعية وتراكُمِ أفكاره جيلاً بعدَ جيل، الشعر مبادرة لا مسايرة وتكييف، الشعر مغامرة، وخروج عن الوعي الجمعي وطريقة تفكير وطرح رؤى تحل مشكلات هذا العصر بعمق من الجذور، لا بالغوغاء ومدح القادة مهما كانوا، أو ذمهم بأقبح الكلمات، الشِّعر متى دخل السياسة فسد.
الشعر ليسَ أداةً للشكوى أو لتمثيل دور الضَّحية، الشعر لا بد لأفكاره ومشاعرهِ التي يطرحها أن تغير الواقع وتصنع الحدث لا أن تشاهد الحدث ومن ثم تتفاعل معه، لا أن تقول ما الذي حدث؟ الشعر تصور كوني انساني وجودي للعالم لا مناطقي حدودي عُنصري، فئوي أيدلوجي نرجسي، الشعر تغيير نظرتنا للأشياء، لِنُغيِّرَ الأشياء، لا مُجرَّدَ وصف الأشياء، أو ترديد لما تقولهُ الأشياء، الشعرُ كتابة تجربتنا نحن عن الحب مثلاً، لا وصف الحب كتجربة عامَّة، الشعر مُحاولة لاقتناص المعنى غير الظَّاهر للأشياء، الشعر نافذة لعرض العالم بصورتهِ الحقيقية، لا مع مساحيق التجميل أو التشويه والخُدع السينمائية.
ما زلت أُؤمنُ للأسف بحدوث نبوءتي في المستقبل القريب جداً، الشعر يا سادة ينامُ على وسادة صخريَّة باردة، في مرحلة موت سريري قد تستمر لعقود من الزَّمن للأسف قبلَ حدوثِ الموت غير المفاجئ، لن يستطيع الصُّمود، فمتطلبات الحياة الجديدة ستخلفه ورائها، مع تسارُع الأحداثِ التي ستُنسينا نشأتهُ أصلاً، الشعر العربي حي فقط في بيوتِ الشَّعراء، وميتٌ خارجَ بيوتهم، والشعراء سيغدو كل واحد منهم في جزيرة، لا يسمعه الناس إلا مجاملةً، وسيقتصِرُ دورُ الشِّعر على التنفيس عن من يكتبه لا من يقرأه، لأنَ الشاعر هذه الأيام يكتب ليسمع من لا يقرأون، لا أن يُسمع ذاتًه أولا، فيضطر لكتابة ما يريدون لا ما يريده هو، مُستقلُ القصيدة ليس على المحك، بل تعداهُ، ونحنُ نواسي أنفسنا، الشعر يحتضر شئنا أم أبينا. المسألة مسألة وقت لا أكثر.

                                                              1 فبراير 2019م

الجمعة، 8 مارس 2019

سيظل حب المرأة طريفاً - الشاعر عامر الطيب




سيظلّ حبّ المرأة طريفًا
حتّى وهو يدفعنا إلى الرّغبة في أنْ نكون ميّتين تمامًا
 و خائفين من أنْ نكون متنا فعلاً
فهناك في الأعلى
إله يجمع الحطب في السّماوات
ولا يتمرّض..
سيظلّ حب المرأة يدي الّتي أطرد بها
الدّقائق و الغبش و الرّذاذ عندما أخرج مبكرًا
من النّوم لأشتري وطنًا صغيرًا
للغرفة
أو لأعنّف أقرب أصدقائي ..
سيظلّ حبّ المرأة عظيمًا
مثل الخبز و الهواء و الدّم السريع
حتى بعد أنْ يصير الخبز و الهواء و الدّم السريع
خبزًا و هواءً و دمًا سريعًا فقط !

.

أقود نارًا إلى جبل عال لأراكِ
تدورين في الغرفة مثل اللقلق المكسور
تاركةً وراءك دخانًا طويلاً
و بكاء يؤذي القريحة
كأنّك تقولين للعالم :
هذه يدي ضعيفة
انزلقتْ في الطرق و يبس الدّم على الدمِ
و هذه حكايتي تعادُ كلّ مرةٍ على أنّها حكاية أخرى!

...

في هذا اليوم و في اليوم السّابق و في الأيام
القادمة لنْ يزيد وزني
من دون أنْ يخدش الفكرة الثابتة
عن أنّ النّسوة الرّشيقات أخفّ في الجنس
وفي الرّكض و في معانقة الرّجال المتوترين..
و على أفضل حال
قد يكون هذا اليوم فرصة ضيّقة
لأقول لوجهٍ يطلع في المرايا
أنك وجهي
او لأكتب لامرأة تجاورني في النزل :
تعالي نصيد رجلاً من البحيرة
و نعلّق على رقبته كلبًا من الصوف
ليظلّ وفيًا إلى الموت !

...

سحابة خاطفة ترافقُ امرأة
تتداولان حديثًا عاديًا عن رجلين من الأسلاف
سكنا البلاد الأولى
و تصارعا فيها من أجل إيجاد امرأة تكفيهما
لكنّهما توترا طويلاً
من دون أنْ يعيدا النّظر بالدم الذي يغسلُ حال الأرض،
لقد شقّا المرأة نصفين
و ظلّ كل واحد منهما يتشهّى النصف
الآخر عند صاحبه
إلى أنْ اخترعا لعبة تسليهما عن وجود امرأة واحدة
في العالم
فأعجبتهما فكرة أنْ يطردَ أحدهما إلهًا صغيرًا
و يبني الآخر له بيتًا !

...

أيتها المرأة العاجزة عن مواساتي
ضعي يدكِ على كتفي
من دون أنْ تقولي لأحد من البشرية
هذا طفلي أو رمالي الحارة
أو آخر نواياي..
اذهبي بي إلى الأعلى
و اكتبي لي هناك أشياءً خفيفة مثل القصص
و لننزل متفاجئين
كأنّك تضعين يدكِ على كتفي
من أجل ألّا تتأخر !

..

لا تبكي بين ذراع رجل عار
يتذكّر طفولته الآن و يتلمّس جيبه
باحثًا عن سيجارتين طويليتين
أنّه قد ينقذكِ من بكاء قادم
لكنّه لن يفعلَ لك ذلك كأنّه يفهم أنك ستموتين الآن!

...

أرغبُ بحملك على ظهري مثل عجوز
يتنقّل عامدًا من طرق ملتوية إلى طريق ثانية
ليتخلّص من الوقت !

...

أنني مسافة يوم كامل
في حياتك القصيرة
أقصدُ المسافة الطّويلة بين الدّقيقة و الاخرى!

...

ليس في الآخرة كتب عن الأحلام
أو عن الأساطير أو عن الحبّ الذي نحمله كتابوت
في الأسواق ..
فلنحجز لنا مكانًا نختبئ به
عندما تقوم القيامة
و نصنع معطفًا عريضًا من القطن
نعبّر به عن أسفنا اليوميّ
دون أن نتأذّى !

...

لا أتذكّر أنّني قلتُ لامراة شيئًا حقيقيًا
عن نفسي كرجلٍ
لكنني قلتُ ذلك عن نفسي
كرجلٍ آخر توصّل إليها من أجل أنْ تجعله هو نفسه
 و هو نفس الرّجل الآخر!

...

لا تكرهي الرّجل الذي علّمك على النسيان
من خلال امرأة أخرى دفعته إلى الرغبة دفعًا
اذهبي معه إلى غرفته
و تمدّدي معه إلى أن تنفتح الشبابيك
و هو عجوز يسعل
و أنت امرأة أخرى !

...

لا أستطيع أنْ أبني لكِ بيتًا
تملأينه بالأطفال الّذين يطوفون حولي
و يقطّعون ثيابي و لحمي
ثمّ يظلون بعد ذلك
معتقدين أنّني الرجل الأقوى في العالم !

...

رقبتي تؤلمني كأنّني عندما عانقتكِ
كنتُ أوسوس بإمراة عابرة
و شفتاي ذابلتان
كأنّني قبل أنْ أقبّلك قلتُ يا ألله !

...

أتفهّم أنك لا تحبين نصوصي الآن
ولمْ يحدث ذلك سابقًا أيضًا
لكنّك تعلّقين من باب الثّقة بأنني أكتبُ أشياء
عظيمة كوني أحبكِ
و قد يخطبك رجلٌ هرمٌ يجيد الكثير من الإشارات
فتقولين له في النّزهة :
لقد حدثت كلّ الأشياء العظيمة الّتي كتبها سهوًا !

▪▪▪
عامر 

معطف الفرو - الشاعر حسن مريم


 

"معطف الفرو"

صوّب عينيك إلى عينيّ
أطلقْ غِيلانكَ في دمي.. التهمني
أحتاج للألم أن يَعثرَ عليّ الآن
أن يسير إليّ بعينين لئيمتين
ويدٍ متوحّشة تشدّ على سوطٍ يثقب القلبَ من الذُّعر
أحتاج لأظافره الحادّة أن تحفر بي عميقاً عميقاً
آلمني أتوسّل إليك
حرّرني بالمذّلة والسّلاسل الثقيلة
أحتاج هذه المهانة أن تمشط أعصابي
وتعمل أنيابها الحادّة في أسراري
أن يسيل لعابها الدافئ في قاعي
حيث حرّيّتي تتفلّت هناك
طهّرني بما ملكتَ من نارٍ وقِطْرٍ
خذني بقسوةٍ.. بلا شفقةٍ
وبلا هوادة
أنا ملْكك يا مَلِكي
لا تزح عينيك الشيطانتين عن عينيّ حين أجثو عند قدميك مثل لبؤةٍ كانت تتمرّد
روّضني
ولا يرفّ لك رمش
أعنّي على وحوشي
آه يا وحوشي
إنّها تزمجر الآن
وتركض بجنون في كل شريان
إنها تطير مثل التنانين في سماء الرّماد
تطير تطييير
و
أ
ن
ا

أ
    هـ
و
   ي ..!

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...