هل الفلاسفة يعشقون؟
كتبت :لطيفة محمد حسيب القاضي
الفلاسفة هم أناس من بني البشر. بالتالي، يمتثلون للحكايات البيولوجية ذاتها، فإن السؤال في الجوهر استشكالي وعميق جدا، يوحي بمجموعة من التأويلات تتأسس انطلاقا من تمازجات أولية، يكشف عنها تضمين الفلاسفة نصوصهم من الحب. الفلاسفة بشر بالقطع : يأكلون، يشربون؛ ينامون؛ يفرحون؛ يبكون؛ يعقلون؛ يجنون . ومن الثابت أن الفيلسوف يحب الفلسفة أي أنه يطوي العالم بين ثنايا جمجمته، والفلسفة هي الجسد، العقل ؛ المرأة ؛ قهوة الظهيرة ؛ جريدة الصباح ؛ الشعر، الفيزياء، الآخر ... بمعنى يكفيك أن تكون فيلسوفا لكي تتحول إلى عقل كوني.فلا يجب اختزال الحب هنا إلى عشق رجل فيلسوف لامرأة من خلال السياق نفسه للثقافات الاجتماعية. لذلك، حينما يتحدث أو يكتب الفيلسوف عن الحب، فإنه يخترق القوالب والتنميطات لتلك العلاقة الثنائية الشبقية. حتى وإن اتفق الفيلسوف، على أن موضوع الحب هو المرأة. فلا شك، أن طبيعة تفكيره ورؤياته، تدفعه إلى صياغة ممكنات لا نهائية لهذه العلاقة. لم تتحدث سير الفلاسفة كثيرا، عن حكاياتهم مع العشق. وقلة النصوص. من خلال مدارس فلسفية : أفلاطون / أرسطو/ لوكريس / ديكارت/ سبينوزا/ باسكال/ جان جاك روسو / كيركجورد/ شوبنهاور/ نيتشه/ سارتر. سعى الباحث سوفاني، تقديم القارئ بهذا النموذج المصغر لتاريخ الفلسفة، عرضا عن كيفية تفكير الفيلسوف في موضوع العشق. كيفما كانت الرؤية والتقييم، فإنهم جميعا ينتهون إلى هذا العشق اللانهائي لشيء إسمه : الفلسفة. قد يسود الاعتقاد منذ أول تفكير، بأن هناك تعارض بين الحب والفلسفة، بين العاطفي والعقلي، الحسي ثم المجرد. هكذا يتوخى صاحب هذا العمل، التدليل على أن شعور الحب ليس بغريب عن الاندفاع والـتأمل الفلسفيين. كما أنه لا يدخل في إطار اشتغالات الموضة: ((هل من الضروري التذكير بأن الفلسفة ليست في الواقع إلا عشقا للحكمة. بمعنى حينما لا نملكها، فإننا ننزع باستمرار نحوها ؟ وفي الواقع، إذا لم نكن نعلم دائما بأننا حكماء، فإننا نعرف على الأقل بأننا عاشقون). قد يظهر شكل الفيلسوف العاشق أكثر قربا من الفيلسوف. ربما موضوعة الحب كما يراها الفلاسفة، قد لا تبدو على الأرجح عندهم جادة بما يكفي لكي تتم معالجتها فلسفيا. فالتوظيف الفلسفي لفعل عشق، يحيل بلا شك على اندفاع وقوة ذاتية. لذلك : ((من اللازم أن نأخذ على محمل الجد في الواقع نقطة جوهرية مشتركة بين فعل عشق وكذا فعل تفلسف: إنه ليس حالة بل سيرورة. من خلال عشق أو تفلسف، فإننا نرحل ونبحر ولا يمكننا العودة إلى الوراء، ننزع بلا توقف اتجاه شيء أو شخص ما. • مفهوم "أرسطوفان" للحب هو كل واحد يبحث عن نصفه". وهو ما سنجده أيضا من بين أشياء أخرى عند أفلاطون، ديكارت، كيركجورد شوبنهاور ثم سارتر. و نجد فيما وراء البحث عن ماهية مفتقدة للحب (باسكال)، ((العشق ذاته للعثور عن الجوهر الفلسفي)) . واراء للفلاسفة انه يوجد تعارض بين : *العاطفة الأبوية والإبنية، الحب والصداقة : أرسطو /روسو. *الوجد العاشق : لوكريس /شوبنهاور. *حب يتجه إلى الإله : أرسطو / سبينوزا / باسكال/ كيركجورد. * عشق الجمال، وبالأخص الموسيقى : نيتشه. * التجاذب الشعوري حيال الآخر : سارتر. وضع أرسطو ترتيبا لأنواع العاطفة، محللا ومفسرا طبيعة المشاعر التي تحضر سواء عند الأبناء أو الآباء مع اختلاف في التقدير. ذلك أنه سيهل على الآباء أن ينسبوا الأبناء إليهم انسجاما مع المبدأ الذي يؤكد، بأن من يصنع يعرف جيدا ما أنتج والعكس غير صحيح. نشير أيضا إلى العاطفة الأفقية بين الإخوة والأخوات، التي تختلف وتتمايز عن النموذج العمودي من خلال طبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء. أما عن الحب الزواجي فإن : ((أرسطو ، الذي تزوج مرتين. كان من بين أول الفلاسفة القدامى، الذين أطروا على الزواج كسبيل للفضيلة واكتمال الذات عبر الآخر)) فالإنسان حيوان سياسي واجتماعي، لكن العلاقة الأولى التي تفرزها الطبيعة هي تلك القائمة بين الرجل والمرأة. فالحب بينهما يتطابق وينسجم مع الطبيعة، لأن الرجل يميل فطريا إلى تشكيل زوج ثنائي، أكثر مما يفكر في بناء مجتمع سياسي. نتذكر بأن نظرية الرؤية عند اليونان، تؤكد على أن بعض ذرات المادة تعمل على إثارة العين، وليست هذه الأخيرة التي تتجه للمادة. تطبيقا لهذه النظرية بخصوص الحب فإن ما نراه ونحبه هو حقيقة الإنسان المحبوب أو المعشوق. إذا كان أفلاطون يؤمن بالحب . وأرسطو يعمل على تجسيده ، فإن لوكريس، يفكك لغزه بالفصل بين الجنس والعاطفة . لكن النقد الأكثر عنفا عند لوكريس يتجه إلى ماهية وجوهر الحب نفسه . ((أي التبعية التي يتضمنها، والخضوع لقاعدة الآخر. لكن ما لم يظهر في نصه، ولم تتم مساءلته هو بالتأكيد الفكرة التي تتضمنها التبعية هنا : كون قاعدة الآخر بالنسبة لي، يمكنها أيضا أن تشكل قاعدة لهذا الآخر )) بوصولنا إلى القرن السابع عشر مع ديكارت عاشق ؟ نقف على سياق معرفي آخر، نكتشف معه بعض المعطيات الشخصية والحميمية من حياة أب الفلسفة الحديثة. بمعنى آخر ماهي الدواعي والدوافع التي يخترقنا على ضوئها الحب لماذا نحب شخصا دون غيره ؟ هناك سببان يدفعانك، إلى حب شخص دون غيرة : (1) واحد يعود إلى الفكر (2) والآخر يرتبط بالجسد تهيئه أجزاء من دماغنا يقوم مصدرها في موضوعات الحواس. أو، هناك تميز بين الدوافع التي ترتبط بالروح من جهة والجسد من ناحية ثانية. جاء ديكارت ليؤكد على عفوية الإحساس الأول بالحب : ((جذبتني فتاة صغيرة حولاء، ولا أعرف لماذا، هذا كل شيئ. ولأن الأمر، كذلك فإن التعلق كان مؤثرا)) شعور يظهر ويتلاشى حين تتم معرفة السبب. إلا أن هذا الحضور اللاواعي عند ديكارت ، لا يشبه الحمولة النظرية التي أعطيت ل اللاوعي الفرويدي : ((دائما من خلال معنى أن شيئا ما يمكنه أو عليه، تبين ذاته بتحويله ذكريات مبهمة إلى أفكار واضحة متميزة من خلال تثبيتها في الفكر. ليس اللاوعي إذن شيئا آخر، غير كونه وعي بشكل مضمر. وإذا وجد في الواقع مؤقتا هذا اللاـ مفسر، فإنه لا يظل مطلقا. مبررات اختيار هذا الشخص أو ذاك،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق