الجمعة، 3 أغسطس 2018

حافلة الغرابات / جهاد محمد خليفة


 
صباح الخيرِ يا شارع مدينتي المُدشنُ بالغرابات ، بدأتُ يومي وأنا أتمتمُ بتلك العبارة حتى تثاقلتني حقيبة الجامعة وأنا امررها لتحُط رحالها على كتفاي المنهكين من ثقل ما تحتويه  من كتب ، استقلتُ حافلة السابعة متجهاً إلى بيتي الأخر تلك الجامعة التي انتسب إليها ، وبينما لبثتُ أمُر بجانب الركاب وأرى أن جُلُّهم أصبحوا مألوفين الوجوه والاسماء لدي ، بتُّ أشاهد بعضهم يقلب في هاتفه بحثاً عن مقطوعته المفضلة ليدندن معها وترافقه طوال الطريق ، ورأيت أخراً يتبادل الحديث مع صديقاً له لازمه المقعد وثالثهما لاحظتهُ يقلبُ صفحات الكتاب وكأنه يأنبُ نفسه لعدم مذاكرة ما طلب منه مسبقاً فيلعنها بسخط ، حتى انتهت بي قدماي إلى المقعد الأخير حيثُ هناكَ مأمني ، أسقطت حقيبتي ووضعتها في المكان المخصص لذلك ثم جلست بهدوءٍ تام لم أحرك ساكناً ، وبدأت حينها أصارع حرباً قد أشُعلت في رأسي ولم تعد تهدأ، فتذكرتُ وقت أن كنت طالباً في المدرسة الابتدائية في قريتنا الصغيرة قبل أن يقرر أبي الرحيل بنا للعنة المدينة الكبيرة التي أقطنها اليوم،  وسرعان ما تسرب إلى خيالي شريط بعضٍ من ذكريات الطفولة البريئة وأنا ألعب بجوار صديقتي اللطيفة نور التي كانت دائما ما تحضر لي الحلوى والبسكويت من دون علم والديها المحافظين لدرجةٍ ما ، حينها كنا نجلب الكثير من المأكولات لنفترش بها الأرض ونباشر لعبتنا المشهورة " ناس وناس " وقتها كنت أتصيد دور الزوج كي أشاركها اللعب والعزف على مشاعرنا الطفولية البريئة فلا أدري كان شيئاً ما يشُدني إليها بغرابة شديدة تكاد لا توصف ، فلربما كان يقف باكيت البسكويت خلف هذا أم أن السر الأكبر يكمن في عصير المانجا الذي كانت تشتريه لي كل يوم، غالبا هو هكذا،  وبينما أنا أمرر في هذا الشريط وأنتقي منه ما يسر خاطري ويجعل صباحي متزناً نوعا ما،  تذكرت أن ما يراودني الأن قد مر عليه ما يقربُ الخمسة عشر عاماً مروا كلمح البرق ، كما مرت الحافلة من شوارع المدينة لتصل بنا إلى بوابة الجامعة وتوقفت بجميعنا هُناك بكل ما حمتله الحافلة من تفاصيل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...