الفرح عند
"محمد دقة"
جميل أن نتحرر من واقعنا وننظر إلى المستقبل بعين الفرح، بعيدا عما نعيشه/نمُر به الآن، وإذا ما توقفنا عند ما آلت إله أحوالنا سنجد أهمية هذا التحرر والتقدم إلى الأمام، فليس من السهل تجاوز الواقع، لكن دور الشاعر هو بعث الأمل وتخصيب القصيدة، لنحصد ما بذره فيها، فهو يتعب لنحصد زرعه، وهذا العطاء لا يأتي إلا من النبلاء، الذين جبلوا على العطاء، وتقديم ما يملكون، فهم لا يردون منا "جزاءً ولا شكورا" أنما يقدمون قصائدهم لنكون فرحين، هذا ما فعله "محمد دقة" في هذه الومضة.
سنتوقف قليلا عند ما جاءت به الومضة،
"وغداً سنوارب بابَ البيت،"
أولا الشاعر لم يستخدم فعل فتح أو إغلاق، بل استخدم فعل "سنورب" والذي يعني أن الباب لا هو مغلق و ولا هو مفتوح، لكن يمكن للأصدقاء/الأحباء/الأهل أن يدخلوا منه بكل يسر، لكن بالنسبة للغرباء سينظرون إليه على أنه مغلق، فهو ليس مفتوحا ليدخلوه، من هنا نجد في فعل "سنورب" مسألتين، واحدة متعلقة بالأحباء، والثانية بالأعداء، وكما أن فعل "سنورب" يعطينا اشارة حالة الأمان التي ننعم بها، لهذا نحن لا نغلقه.
نحن في المنطقة العربة أحوج ما نكون إلى الفرح، فنحن نعاني من الجوع والحرمان لهذا الفرح، فلسطين المحتلة منذ أكثر من سبعين سنة، أهلنا في العراق وسورية واليمن وليبيا الذين هُجروا وشُردوا وقُتلوا على يد الارهابيين الذين عاثوا في الأرض فسادا، كل هذا يؤكد أهمية وجود هذا الفرح، هذا الأمل، من هنا يقدمنا الشاعر من مكان وجود هذا الفرح:
"سنحصي كلَّ الفرح المخزون على الرف
وفي قبو القلب."
رغم ان الومضة جاءت بفاتحة بيضاء، وتتحدث عن فكرة بيضاء، وأستخدم فيها ألفاظ بيضاء، إلا أن الشاعر لم يستطع أن يحرر نصه تماما الواقع، وهذا ما نجده عندما قال:
"غداً حين نودع قتلانا،"
فكل ما جاء عن الفرح مرهون/مرتبط بفعل "نودع قتلانا" وهنا يكمن ابداع الشاعر، فهو يقرن الفرح بضرورة الانتهاء من حروبنا الداخلية والخارجية، فهو يتحدث عن قتلانا نحن، ولم يتحدث عن قتلى آخرين، وهذه الاشارة بحد ذاتها كافية لتعطينا محفزا اضافيا على ضرورة الاسراع في انهاء حروبنا.
بعد هذه (الهفوة) التي اخترق الومضة وجعلتها وجعلتنا نمتعض قليلا، يتقدم الشاعر من جديد من الفرح:
"سنعود ونجمع كل الفرح وننثره في الطرقاتْ."
يقدمنا الشاعر من جديد من فكرة العطاء، فهو كالماء الذي ينتفع به كل المخلوقات، وعندما استخدم افعال "سنعود، نجمع، ننثره" أراد أن نتشارك معا ومعه بهذا الخير الإنساني، فنكون جميعا متعاونون في العطاء وبذر الخير ليكون بمتناول الجميع.
استكمال لهذا الأمل/المستقبل يستخدم الشاعر نواة/أداة هذا التغيير الايجابي:
"غداً سيمارس أطفال بلادي الحرية"
يكمن ذكاء الشاعر عندما خص الأطفال بفعل الحرية، فنحن عندما ننهي حروبنا، وبعد أن بذرنا الفرح ها هم أطفالنا ينعمون بالحرية والتي هي أعلى مرتبة من الفرح.
وبعد أن يفرح الأطفال، بالتأكيد سيفرخ الله بفرحة عبادة:
"حتى يبتهج الله"
إلى هنا ـ إذا ما استثنينا الفقرة الدخيلة: "نودع قتلانا" ـ تكون الومضة بيضاء بشكل مطلق، فالألفاظ والفكرة تجتمع معا لتعطينا فكرة الأمل، لكن الشاعر يقفل الومضة بهذه الفقرة:
"وتخرس أصوات الطياراتْ." مما يعطي اشارة إلى أن هناك حالة من السواد ما زالت عالقة في ذهنه، ففعل "تخرس" يشير إلى القسوة، وهذا ما يجعلنا نقول أن الواقع يبقى عالقا فينا ولا يمكننا التحرر منه بشكل مطلق، وإلا ما كان لتكون "نودع قتلانا، وتخرس أصوات الطائرات".
ونتوقف قليلا عند لفظ "غدا" والتي تكررت ثلاث مرات في الومضة، والتي اعطت صورة عن الأمل/الفرح الذي ينشده الشاعر، فعدد ثلاثة هو من الأرقام المقدسة دينيا، كما هو الحال بالنسبة لرقم سبعة، وهذا يشير إلى أن هناك فرح مقدس، يأخذ الشكل الديني، فرح صادر عن الرب، الذي يطالبنا بتحقيقه، وما يدعم هذا القول: "حتى يبتهج الله" وكأن الشاعر أراد بهذا التكرار وهذه الفقر أن يرد على من يدعو لخراب الأوطان وقتل الإنسان باسم الرب، باسم الدين، فالرب والدين تدعوان للفرح. وهنا يكمن تألق الشاعر.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق