السبت، 29 ديسمبر 2018

دعنا نسمي الشعر فخ غواية - الشاعر حسن شهاب الدين




دَعْنا نُسَمِّي الشِّعْرَ
فخَّ غوايةٍ
ويظلُّ سِرًّا شائعًا ما بيننا
ونُجرِّدُ القاموسَ..
مِنْ أثوابِه
لنرَى خفيَّ الأبجديَّةِ مُعْلَنا
في الشِّعْرِ..
تكتبُكَ القصيدةُ أوَّلا
وأكونُ ما بينَ السطورِ
مُضَمَّنا
صوتي نبيٌّ..
لا يقينَ له سوى قلقِ السؤالِ
فَكُنْ بِشِكِّي مُؤْمِنا
أنا سيِّدُ الشَّكْلِ المُرواغِ
رُبَّما أخْفَى..
وأخلِبُ بالشبيهِ الأعْيُنا
لا تطمئنَّ إلى بياضِ ورَيْقَتي
واحْذرْ..
فصمتُ الريحِ ليسَ مُطَمْئنا.
...

من ديوان متهم بخداع العالم

الجمعة، 21 ديسمبر 2018


خلوة النيل - الشاعر محمود عقاب



خَلْوَةُ النَّيلِ
لا تَمَلُّ دُمُوعا
في حَصًى
رَتَّلَ الزُّهُورَ خُشُوعا

والليالي
على الضَّفافِ تَحَنَّتْ   
والثَّرَى يَحْمِلُ النَّخيلَ شُمُوعا

ويَدُ الكادحينَ بوْصَلةُ الشَّمْسِ
تَمُرُّ الرِّمالُ مِنْها ربيعا

والأواني على الصَّبايا
تُمُورٌ
والعطاشى
مرَّوا فهزَّوا جُذوعا

والفراشاتُ تسْتَعدُّ اعْتَكافًا فِي ربيعٍ
أعْلَى يديهِ فُروعا

صاغنا النّايُ
للحكاياتِ لْحْنًا       
قبْل أن يُولَدَ السِّلاحُ ضَلِيعا

كَعْبَةٌ مِنْ لَحْمٍ
  ـ بَدَتْ ـ
ودَمٍ،
تَرْمِي أبابيلها هَوىً ودُمُوعا

وفؤادي
ارْتَداهُ حُجَّاجُ عِشْقٍ   
فاحْتَوى الثّوْبُ أحْمدًا ويَسُوعا

أحْرموا
حتَّى قلَّمَ الفِكْرُ ظُفْرًا   
وغَدَتْ جَبْهَةُ الحُرُوبِ بِقِيعا

الضَّعيفُ استعادَ فيهم طوافًا   
لم يكنْ في جِدالِهمْ
مُسْتَطيعا

مَنْ يُعيدُ الحياةَ بكْرًا إلى بُرْجِ حمامٍ
يُهْدي المشيبَ ضُروعـا؟!

وفطامُ القلوبِ دهْرًا يُقاسي شيْبـةَ البُغْضِ،
لمْ يُصادِفْ رَضيعا

والخفافيشُ تستبيحُ صلاةً     
في نِداها
تنْوي النُّجُومُ طُلُوعا

هَلْ يُعيدُ القنَّاصُ جُمْجُمَةَ الأرْضِ
إلى رأيٍ قد يعودُ مُطيعا؟!

ربَّما
برّأوه  ذئبًا
ولكِنْ     
يرْجِعُ الذَّنْبُ
إِنْ
رآنا
قطيعا..!

دارَتِ الأرْضُ
حَوْلَ قابيـلَ..
كيْفَ الشَّمْسُ يُهدي لها الغُرابُ رُجُوعا؟!

 ....كُرَةٌ
لا تشُوطُها الحَرْبُ فِي مَرْمَى اليتامَى،
ولَـمْ تُـتَـوِّجْ خُنُوعا

عِشْتُها نَمْلَةً..
وَلَمْ
أرَ
مِنْ
جُنْدِ سُليْمانَ
عِنْدَ موتي شُرُوعا

هَلْ ترَى السُّنْبُلاتُ حَرْقًا بنَارٍ
فوقَها الخُبْزُ
كم يُداعِبُ جُوعا؟!

كيفَ يطفو الخِصامُ فـوقَ نزيفٍ     
والتَقَى القَطْرُ
باللهِيبِ قَنُوعا؟!

واكْتسى وَجْهُ الشَّرْقِ ألْوانَ طَيْفٍ         
وحياءُ الغمامِ
يمشي بديعا

فجِّروا العِطْرَ
فِي زفيرِ دُخانٍ ماطلَ النُّورَ
حينَ شاءَ سُطُوعا

عانقوني رغْمَ الخِلافِ بدفءٍ
هذهِ الشَّمْسُ
 لا تُعادي صَقِيعا

...بينما الحُبُّ كمْ يُخالِفُ
حرْبًا حَقلُها لَمْ يغْرِسْ لقلبي ضُلُوعا

لم يزَلْ يتلو العِطْرُ
فوْقَ دُخَانٍ ترَكُ الوَرْدَ في الرَّمادِ
صَريعا
     
فالشَّذا
في فَـمِ الجَمَالِ نشِـيدٌ توَّجَ الرِّيحَ
فِي الفَرَاغِ ذُيُوعا

- محمود عقاب، مصر 

الأربعاء، 19 ديسمبر 2018

أحدق في صوت الكمان - الشاعر حسن شهاب الدين




أحدِّقُ في صوتِ الكمانِ
وحُزْنِه   
غريبَيْنِ كنَّا..
في شوارعِ لحنِه
خريفٌ مِن الإيقاعِ
يفصِلُ بيننا 
فنمشي على خوفِ الطريقِ
وَ وَهْنِه       
إلى أين..
 لا يدري كلانا
وإنَّما نسيرُ
ولا يدري الطريقُ لأينِه
كلانا بنصفِ الروحِ يحيا
وكلَّما..
تمزَّقَ شَطْرٌ..
حنَّ شَطْرٌ لطعنِه

...
من ديوان واحد بأسره 

الأحد، 16 ديسمبر 2018

أخذت حبك معي - عامر الطيب





أخذت ُحبّكِ معي إلى أطول الشَّوارع و أخذته إلى اللؤم و إلى الموت الَّذي نعتبرهُ لعبةً إلى الآن..
قلت ُأنّه خطوةٌ أو عبارةٌ ثمَّ َّسمّيته عائلتي المهذّبة كعشرين طفلاً في الغرفة و الَّتي سيموت منها طفلٌ في هذه الحرب و طفل ٌفي الحرب الأخرى !

...

 أيّها الهواء الَّذي يدفع ُظهورنا إلى الجِّدران خذنا إلى مدارسنا وحيدين و حذرين نلتفتُ يمينًا و شمالا ًقبل أن ْنعبرَ الشَّارع !

...

الحزين هو الَّذي لا يستفيدُ من لحم المرأة أمّا المهاجرُ فهو الّذي يحفرُ عميقًا ليجد الأرض !

...

نبيٌّ بعد نبي ٍّيتهرّبون من مواجهة الله وقد علّمَ بعضهم الأسماء و أخذ َبعضهم حفاةً إلى الجّنة فقال الرُّومانسي الصَّغير كالجّرذ :
إختراع قبلة أصعب من إختراع شفتين !

...

لا تدعي اسمي في فراشكِ وحيدًا ،لا تدعيه مع القصص القديمة ومع الصّغار الَّذين ينامون مبكّرًا ..
قولي أنّه المدينة الصَّغيرة و اتركيه هنا
قولي أنّه زاوية الغرفة و خذيه معكِ إلى المكان الآخر !

...

تنبحُ الكلابُ المتديّنة ُعلى قمر عالٍ فيما تنبح ُالكلابُ الملحدةُ على صورته في الماء !

...

لا تصيري الشَّمس ولا اللبن و لا الخيارَ و لا العرقَ
إذا عشتُ طويلاً سأشتري لكِ إلهًا من بيت الله
وإذا مت ُّسأدلّه على بيتي  !

...

وجدنا ولدًا مبلّلاً في الكراج يشبه ُالعراق و كتبنا اسمَ العراق على يده و بإمكانه ألا يفتحها إلى الأبد !

...

نهاية حبّك ِتشبه نهاية العالم نبدو كما لو أنّنا ذهبنا ليلا ًإلى الغابة من أجل أن ْنتزوّج !

...

لماذا سمّيناه العراق إذا كان بإمكاننا أنْ نختارَ له
اسمًا ثانيًا
 ثالثًا
رابعًا
 خامسًا
لماذا نختار له أسماء أخرى إذا كنّا قد سمّيناه العراقَ أوّلا ً؟!

- عامر الطيب - العراق 

الأربعاء، 5 ديسمبر 2018

حول رواية (منذ ساعة تقريباً) للكاتب والشاعر ناصر رباح، بقلم: جواد لؤي العقاد




حول رواية (منذ ساعة تقريبًا) للكاتب والشاعر الفلسطيني ناصر رباح.

الشعرُ أصلُ الفنون الأدبية في كلِّ الحضارات ومنها العربية ؛ حيثُ نستطيعُ توظيفَ عناصر أجناسٍ أدبيةٍ مختلفة في القصيدة، وهذا ينطبقُ على كل ِّفنونِ الأدب ولكنْ للشعرِ خصوصية. ومن هنا نستطيعُ تفسيرَ انتقالِ الشاعر -ناصر رباح - من القصيدة حيثُ التكثيفِ والإيجاز إلى فضاءِ الرواية الأوسع.
الأدبُ تعبيرٌ عن جوهرِ الإنسان ولكلِّ جنسٍ أدواتُه وخصائصه ولكن ليس ثمة ما هو جامدٌ ونهائي ؛ فالقاعدةُ دائمًا تستنبطُ من النص ِالمُتعالي ولكن هذه القواعد تذوبُ في نصٍ أدبي مثل (رواية منذ ساعة تقريباً).
اللغةُ الشعرية ُفي الروايةِ طاغيةٌ ورُغم ذلك لم تؤثر على أسلوبِ السرد، والسردُ مهذبٌ بعيداً عن الاستطراد المُمل بحيثُ لا يفسدُ شعرية النص ،  وليس في الرواية -رُغم طولِها - ما هو غير ضروري ويمكن الاستغناء عنه.
قُسمت الرواية ُإلى ثلاثين فصلًا كلٌّ منها معنونٌ بما يتناسبُ مع المضمون، وبعضُ هذه الفصول احتوت على عتباتٍ نصيةٍ ملائمةٍ لروحِ النصِ، وغالبها اقتباساتٌ من أشعار ِالمُؤلف مثلاً:
 " الصورة الوحيدة التي لم تلتقطها الكاميرا،
وأنتِ تمدين بقلبك لي صحن العشاء
 كلها أتلفها الوقتُ، إلا تلك الصورة يا أمي ".  هذا المقطعُ مُقتبسٌ من ديوانه ( عابرون بثياب خفيفة) افتتح به الفصل الرابع عشر ( ناصر 2) حيثُ جاءَ ملائمًا للمضمونِ تماماً.

عالجت الروايةُ بعض المشكلاتِ الاجتماعية منها: اليتم، الاغتصاب، الاستغلال، الروتين اليومي الممل، وكذلك سلّطتْ الضوءَ على التطرفِ والتعصبِ الأعمى، الآفات الاجتماعية مثل: المخدرات.  وذلك من خلالِ تتبع حياة الشخصيات الرئيسية للرواية منها:
 العم سلامة: ساعي البريد الذي أُجبر على هذه الوظيفة وقد أصبح العملُ فيها مملًا  بعد انتشارِ وسائل الاتصال الحديثة.
منير: اليتيم الذي عاش في حِجر جدته العجوز وبعد وفاتها عانى الوحدة.
هالة: الفتاة النجيبة التي كانت تقضي وقتًا طويلًا في اكتساب المعرفة من مكتبةِ جدها، وتعرضتْ للاغتصاب مما أدى لعزلتها إلى أن تزوجها منيرُ الشاب الذي رفضته فتيات البلدة.
دولت: صديقة هالة المسيحية المؤمنة بالتسامح.
حميش: صاحب القهوة الذي يقتله منير ؛ لمحاولته التعدي على شرفه.
ثمة نقطةٌ مهمةٌ لا بد من الإشارةِ إليها، وهي أن الرواية تضمن إشارات عن السيرةِ الذاتية للكاتب ؛ فقد عنون خمسة فصول باسمه (ناصر)، وهنا دليلٌ على أنه لا يمكن قراءة أو كتابةأيّ عمل أدبي بمعزلٍ عن حياة المُؤلف ونفسيته ومحيطه. قدم الكاتبُ بعضَ محطاتِ حياته وضمنها في الرواية بأسلوب أدبي مُبتكر.

استدراك: ظننتُ أن الروايةَ واقعية تمامًا لكن النظرة تغيرتْ بعد الفصل السابع تقريبًا؛ فقد خرج الكاتبُ عن التقليدِ وبدأ  يطرح ُأسئلةً فلسفية.
أعتقدُ أن الحدودَ والفواصل عند الروائيين العرب لم تُرسم بدقة -وهذه طبيعة الفنون جميعها -لذا أرى أنها واقعيةٌ بيد أنها في مواطنَ  لامست شواطئ الوجودية.

الأحد، 2 ديسمبر 2018

كتب رئيس التحرير


تأتي هذه المبادرة الثقافية في وقت أصبحت فيه الثقافةُ كلمة سهلة على الألسن، وقت تلتبسُ فيه المفاهيمُ ويتقدمُ الفكرَ تشوهاتٌ عظيمة. إيماناً منا بأهميةِ دورِ الثقافة ِوالفكر والأدب نقدمُ هذه المساحة المخصصة لنشر الوعي والفكر بعيداً عن أي ادعاءات أخرى محاولين الوصول بالإبداعات الشبابية الأدبية والفنية عموماً والنهضة بمفهوم الثقافة قدر المستطاع.  

جواد العقاد  
رئيس تحرير بوابة اليمامة الثقافية. 

عواصم الشوق في عينيك: شعر يوسف السكسك





أم العواصم في عينيك ملهمتي
أنى لي الشعر إني عاشق وله؟
فالدمع أغنيتي والقلب قبلتنا
والشوق نظم من الآمال هيكله
فنحن لو كان كون فيه ظلمته
كنتُ النجوم وكنتِ الليل لي وله
شوقي يباد له ليل فيطرحني
 فكنتِ له دمعا وكنتُ الليل أشعله
أرمش هذا الليل ؟ أم أوجاع غربتنا؟
أم ليل صب ( عصي الدمع ) يشغله

إحسان عباس وتحقيق التراث الأدبي الأندلسي: الدكتور عبد الرحيم حمدان


        إحسان عباس وتحقيق التراث الأدبي الأندلسي 

أولاً - إحسان عباس محققاً:
تألقت في ميدان تحقيق نصوص التراث العربي الإسلامي ونشرها أسماء بارزة لأعلام كبار،أثرَوْا هذا المجال على امتداد القرن العشرين من أمثال: عبد السلام هارون، ومحمود محمد شاكر، وصلاح الدين المنجد وإحسان عباس، وغيرهم كثر.
ويقصد بتحقيق التراث: إثبات المسالة بالدليل،ويستخدم هذا المصطلح في ميدان في نشر الكتب وتصحيحها وخدمتها،بتوثيق نصوصها،وتوضيح غامضها،وضبط مشكلها،وتيسير مادتها للقارئين. فتحقيق المخطوط يعني: قراءته قراءة صحيحة،وإحكام تحريره وضبطه،وإخراجه على الوجه الصحيح الذي وضعه عليه مؤلفه أو على اقرب وجه يطابق الوضع الأصيل الذي تم على يد مصنفه،كل ذلك بالاعتماد على منهج علمي يحكم سير عملية التحقيق.
يعد كثير من النقاد والباحثين إحسان عباس شيخ محققي التراث العربي في فلسطين والعالم العربي،وسادناً من سدنة التحقيق العربي، بما أسداه اليه من خدمات،" فهو ذو معرفة عميقة بالموروث الشعري، وعلى دراية كبيرة بالأدب العربي القديم، وذو اطلاع واسع على الفهرسة العربية، وفهارس الكتب والمخطوطات، وخبير بقواعد المخطوطات ومعاييرها وأصول نشرها.
عمل الأديب إحسان عباس على تحقيق كتب التراث العربي المتصفة بالأصالة الموضوعية، فقد أخرج العديد من الآثار الأدبية والتاريخية والجغرافية.
وحقق إحسان عباس ما يقرب من خمسين كتاباً تراثياً تنتمي إلى عصور الأدب العربي المتتابعة، وتتنوع تنوعاً شديداً.
فقد عُرف عنه غزارة تحقيقاته لأهم الأعمال التراثية وأروعها بعامة،وتحقيق كنوز التراث الأدبي الأندلسي بخاصة، إذ ظل طوال حياته مهتماً بالأندلسيات،فعني عناية خاصة بأمهات الكتب في التراث الأندلسي نثره وشعره وتراجمه، إذ قام بنشر رسائل ابن حزم كلها في أربعة مجلدات بين (1980 -1983)،ونشر كتاب "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال" لأبي عبيد البكري الأندلسي (1958- 1972)،ثم أعاد نشر كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" للمقري،وهو موسوعة في أدب أهل الأندلس نثراً وشعراً وتراجم.
بيد أن إحسان عباس كان أكثر اهتماماً بالشعر في الأندلس وخارجها، وقد بدأ اهتمامه التحقيقي بالنشرات العلمية لدواوين الأندلسيين والصقليين،مثل: ابن حمديس الصقلي (1960)،والرصافي البلنسي (1960)،والأعلى التطيلي(1963 )، والكتيبة الكامنة للسان الدين ابن الخطيب في أشعار الأندلسيين، (1963 )، والتشبيهات من أشعار أهل الأندلس لابن الكتّاني(1966)،وتحفة القادم لابن الأبَّار (1986)،ومعجم الشعراء الصقليين (1995)".
على أن ذروة ما حققه عباس في مجال التراث الأندلسي،كان ولا يزال كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري، وكتاب "الذخيرة في محاسن أشعار أهل الجزيرة" لابن بسام الشنتريني" إذ يضم الكتابان إلى جانب التراجم أكبر مجموعات أو مختارات أشعار أهل الأندلس، وهذا العمل التحقيقي فريد في بابه من حيث الإتقان في قراءة الشعر،والتمرس بتمحيصه،وتحقيق نسبته،ومقارناته ؛ مما لم يعرفه تاريخ الدراسات الأندلسية إلى اليوم.
ويرى الباحث أن ثمة دوافع عديدة حفزته إلى الاهتمام بتحقيق التراث العربي الأندلسي، إذ أبلى في تحقيقه بلاءً حسناً،وقد أثبت في هذه التحقيقات أنه أحد المحققين الكبار الذين يجمعون ثقافة واسعة وموضوعية، ومن هذه الدوافع:
الرغبة في إحياء التراث والاعتزاز به، والإسهام في نشر الثقافة التي يجسدها، فكلما عثر على كتاب، أقبل على دراسته أو تنافس في نشره وتحقيقه، أو إعادة تحقيقه؛ اعتزازاً بذلك التراث المجيد، وإحياءً لذكرى هذا الفردوس الإسلامي المفقود.
الحرص الشديد على جمع التراث العربي الأندلسي وتحقيقه ونشره، وعدّ ذلك التراث تراثاً إنسانياً لا تراثاً قومياً فحسب، إذ كان تحقيق التراث ضمن اهتمامه الموسوعي والنهضوي والإنساني، فقد كان لديه نزوعٌ نهضوي مقرون بالمزيد من الإحساس بالهوية القومية.
حبه للتراث الأندلسي؛ لأنه رأى في ضياع الأندلس صورة قديمة لضياع فلسطين، ووجد أن مأساة أهل الأندلس تماثل في كثير من الوجوه مأساة شعبه الفلسطيني،وعليه يتحتم نشر آثار هذه الحضارة الإسلامية التي ضاعت تحت ضربات الصليبيين بعد طردهم أهلهاً قسراً من بلادهم.
ومما شجعه على ولوج ميدان التحقيق بعامة أن النصوص التراثية كانت سنداً لدراساته الأكاديمية ورفداً لمؤلفاته الأخرى.
هذه العوامل كلها، من باعث على إحياء التراث الأندلسي من أدبنا العربي، ومن استجابة للهاتف الوطني والإنساني، ورغبة في التمرس بالنصوص القديمة، هي ما أملت على المحقق إحسان عباس النهوض بعبء تحقيق كتاب النفح للمقري هذا الموسوعة الفريدة.
ثانيا- منهج إحسان عباس في تحقيق كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري:
مما لا شك فيه أن لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب قيمة علمية كبيرة،إذ تحدث فيه مؤلفه عن كل ما يتعلق بالحياة العامة في الأندلسي،بدءاً من الفتح وانتهاءً بنهايتها وتحدث فيه أيضاً عن لسان الدين بن الخطيب الأديب الشاعر ووزير بني الأحمر.
وكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب بما اشتمل عليه من معلومات عن الأندلسي يمثل موسوعة عن الحياة الفكرية والأدبية والاجتماعية،وهو كتاب أدب يقوم على الجمع،فهو كتاب مختارات شعرية ونثرية وكتاب تراجم لأهل الأندلس،الأمر الذي يجعله من أهم المراجع عن هذه البلاد.
لقد أبدى إحسان عباس إعجابه بكتاب نفح الطيب بخاصة، بسبب موضوعه وطريقة تأليفه؛ ولما لهذا الكتاب من قيمة نسبةً إلى موضوعه أو الفن الذي ألف فيه، ويتجلى ذلك في قول المحقق: "إن كتاب النفح قد اتخذ الطابع الموسوعي الذي يجعله مغنياً عن عشرات الكتب".
حرص المحقق على الكشف عن بعض جوانب حقيقية في شخصية المؤلف المقري، فقد صنف الأديب كتابه بعيداً عن وطنه الأم، وفي ظروف تماثل الظروف التي عايشها المحقق ويعمل في جوها من غربة وتشرد وحنين إلى الوطن.
طبع نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب عدة طبعات منها: طبعة ليدن عام 1855م،وطبعة دار الكتاب العربي بيروت 1949م،بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد في عشرة أجزاء،والطبعة الأزهرية بالقاهرة 1302، أما إحسان عباس، فقام بإعادة نشره عام 1968م في ثمانية مجلدات.
إن دراسة تحقيق الدكتور إحسان عباس لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب من غصن الأندلس الرطيب تُساهم في الوصول إلى المنهج الذي سلكه المحقق في تحقيق كتابه،لذا يتوجب على الباحث وفق مناهج التحقيق المعتمدة أن يتحدث عن ثلاثة محاور،هي: مقدمة التحقيق،والمتن ونصوصه،والفهارس،وعلى هذا النمط سينظر الباحث في كل محور منها :
أ - مقدمة التحقيق:
بدأ المحقق عمله بإعداد مقدمة علمية وافية أثبت فيها ترجمة لمؤلف الكتاب المقري، فذكر مولده،ومؤلفاته،ودوافع تأليفه لكتابه،ومصادره،ووفاته،وجاءت ترجمته شاملة ومستفيضة؛ لاقتناع المحقق بأن هذه الترجمة تضيف مادة ذات قيمة من ناحية، ولارتباطها بالنص ارتباطاً وثيقاً من ناحية أخرى.
ثم تحدث المحقق عن أهمية كتاب النفح،وجاء حديثه بالغ الاتساع والعمق؛ لأن مثل هذا الحديث يساعد في فهم النصوص،ويربطها بثقافة المؤلف واتجاهاته.
حرص المحقق في مقدمته على توجيه النقد لمؤلف كتاب النفح المقري؛ ذلك لاعتماده على عدد من المصادر دون الاعتماد على أمهات كتب الأدب والتاريخ الأندلسي،بيد أنه التمس له العذر؛ لأنه ألف الكتاب في دمشق بعيداً عن الأندلس؛ كما أخذ عليه الاستطراد، وذكر الشيء الواحد في مواضع كثيرة من الكتاب،ومع ذلك؛ فإن وجود النفح" كان بمثابة الوثيقة النافعة في تحقيق المصادر الأندلسية،وقد اتخذ كتاب النفح الطابع الموسوعي الذي يجعله مُغْنياً عن عشرات الكتب التي يصعب الرجوع إليها مجتمعة في نطاق".
وقد وضع المحقق يده على مصادر المؤلف في كتابه النفح، وقدم نقداً لأسلوبه، وطريقة استخدامه للغة،وطريقة عرضه لمادته العلمية.
واتباعاً لقواعد التحقيق وأصولها قام المحقق بذكر النسخ التي اعتمد عليها،إذ استعان بثمانية نسخ بعضها مطبوع وبعضها الآخر خطي،وجعل نسخة ليدن التي أطلق عليها نسخة "دوزي"، وهي النسخة الأم؛ لما تتصف به من دقة وأمانة، مع الإشارة إلى سائر النسخ،فكان يرمز إليها برموز،ويذكر رقمها،وعدد صفحاتها،ومكان وجودها،مثال ذلك: (النسخة "ك")، وهي من المكتبة الكتانية التي ضُمت إلى الخزانة العامة بالرباط،( ورقمها: 2394 ك)،وتقع في(286) ورقة،وهكذا في سائر النسخ.
ب - المتن ونصوصه:
هذا المجال هو الميدان الحقيقي لإبداع المحقق، وإظهار ثقافته التراثية فيه، والأساليب التي يجدها لإنجاز عمله، وهو- في الوقت بنفسه - المنظار المعرفي لشخصية المحقق العلمية، حيث تظهر في هذا المكان خواف ما هو باطن في المخطوط، وإجلاء ما هو " ظاهر".
وقد اتبع المحقق الأصول والقواعد والقوانين العلمية المتبعة في تحقيق نصوص التراث ونشره التي منها :
ضبط النص ضبطاً دقيقاً وصحيحاً وكاملاً،والميل إلى تشكيل ما يستحق الشكل.
ربط أجزاء هذه النصوص بعضها ببعض، إن كانت متفرقة بين أبواب الكتاب وفصوله.
أخضع النص لعلامات الترقيم المختلفة،وقسمه فقرات تعين كلها على فهم النص فهماً سليماً.
شرح ما هو ضروري من المفردات الغريبة، فهو لم يستكثر من الشروح اللغوية التي تثقل الكتاب.
ترقيم بعض فقرات الكتاب، ووضع عناوين لأجزائه؛ كي يسهل على القارئ والباحث استعماله ومراجعته.
أما حواشي الكتاب،فجاءت مستوفاة،فقد أثرى المحقق النص في الحواشي بإضاءات وتعليقات وشروح،وترجمة للأعلامٍ ترجمات قصيرة،مع الإشارة إلى مصادر ترجمتهم، فضلاً عن ذكر الفروق بين الطبعات المتعددة،وقد كشف ذلك عن سعة اطلاعه على مصادر التراث المختلفة. فقد جمع فيها معاني الألفاظ الواردة،وصححها بالشرح؛ لأنه لا يقدم النص للمتخصص فحسب،وإنما للمثقف الذي يقرأ التراث، إذ قام ببيان المصطلحات، وردّ الشعر لقائله في الدواوين أو المجموعات الشعرية، وعليه جاءت حواشي الكتاب تعكس بدقة ثقافة المحقق إحسان عباس الموسوعية،ومعرفته بمصادر التراث،وجاءت الحواشي أيضاً تحمل في ثناياها معلومات قيمة تفيد كلاً من القارئ والدارس.
ت – الفهارس:
خَصص المحقق المجلد الثامن والأخير للفهارس؛ اقتناعاً منه بأن الفهارس تكشف عن مخبآت النص؛ لأنه لا يريد أن يَزْحُم حواشيه بأكثر مما ازدحمت به،فلا بأس أن تكون منفصلة عن النص، وقد جاءت الفهارس مرتبة على النحو الآتي: فهرست الأعلام، فهرست الأماكن، فهرست القوافي، فهرست الرجز، فهرست الموشحات والأزجال والمسمطات، فهرست الرسائل والخطب والتوقيعات، فهرست الأعلام، فهرست الأمُاكن، فهرست القوافي، فهرست الرجز، فهرست الرسائل والخطب والتوقيعات ، فهرست الكتب التي ذكرت في المتن، ثم ختم فهارسه بذكر المصادر والمراجع التي استعان بها في تحقيقه مرتبة ترتيباً هجائياً.
وحول منهج المحقق إحسان عباس وطريقته في التحقيق يقول الناقد محمد حور: "سار إحسان عباس على منهج مطرد في تحقيقاته قلما خرج عليه، أو ندّ عنه وأن حدث شيء من هذا، فإنه ينص عليه، ويأتي بالمبررات التي قادته إليه، وقد اتضح هذا المنهج في مقدماته التي افتتح بها كتبه المحققة، وجاءت هذه المقدمات وافية في مادتها من حيث التعريف بالمؤلف وبالكتاب، وخطة صاحبه فيه، ومادته، ومصادره، ومدى تأثر صاحبه بمن سبقه، وأثر الكتاب فيما صدر بعده في موضوعه، وكذلك نجد في منهجه أنه يضع نصب عينيه هدفاً لا يحيد عنه هو إخراج الكتاب بصورة أقرب ما تكون إلى ما كتبه مؤلفه في صورته النهائية، وإذا ما تحقق ذلك، فإن ما عداه يعد من النوافل".
ثالثاً- كتاب نفح الطيب بين طبعتين:
إن تحقيق الدكتور إحسان عباس لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب يثير قضية علمية مهمة، وهي قضية:" إعادة تحقيق أثر أدبي بعينه سَبَقَ أن حققه آخرون"؛ الأمر الذي يجعل القارئ يتساءل: أليس الأجدر بالمحقق أن يصرف جهده إلى تحقيق أثر أدبي جديد خدمة للتراث، وإحياءً له، بدلاً من أن يعيد تحقيق عمل أدبي حُقق من قبل؟
بيد أن النظرة الفاحصة إلى إعادة تحقيق الدكتور إحسان عباس لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تهدي إلى القول بأن هناك حاجات فنية، ومسوغات أصيلة مهمة حملته على إعادة تحقيق هذا الكتاب ونشره، وفي مكنة الباحث أن يتخذ من طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد أنموذجاً، والذي أخرج الكتاب في عشرة أجزاء (القاهرة 1949)، ذلك أن إحسان عباس قرر النهوض بتحقيق جديد للكتاب صدر في بيروت سنة 1968م، وجاء في سبعة مجلدات،أُلحق به مجلداً ثامناً وقع في (560) صفحة، اشتمل على الفهارس، ومن هذه المسوغات:
أ- إن كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لم ينل من عناية المحققين ما ينبغي له، بالرغم من كونه أقدم كتاب أندلسي ظهر للنور، وعرفته المطبعة العربية،وكان مصدراً لأكثر ما عرفه المشارقة عن الأندلس في مدى مائة عام أو أكثر.
ب - إن التحقيقات السابقة يعتورها الترتيب والتنظيم،ولم تخلُ من أخطاء،ولم تتوخَ الدقة العلمية بشكل مقبول،ولم تشتمل على كل مخطوطات الكتاب، وأنها لم يعتمد على نسخ خطية.
ج - إن كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لم يحقق تحقيقاً علمياً َوفْقا ً للقواعد والأصول العلمية المتعارف عليها لدى المحققين؛ ذلك أن تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد يفتقر إلى الدقة والالتزام بالمنهج العلمي، ويغلب عليها الطابع التجاري، ولهذا فإن نشرته كانت دون المستوى المطلوب، ذلك أن ما حقق منه لم يكن تحقيقاً تاماً، فقد اعتمد على ثلاث نسخ مطبوعة، ليس فيها نسخة خطية، وكانت أولى طبعاته طبعة ليدن 1855 م التي تتصف بالدقة والضبط والأمانة العلمية، أما أولى طبعاته في المشرق، فكانت طبعة بولاق سنة 1279هـ، تليها الطبعة الأزهرية سنة1302 هـ، وآخرها طبعة كانت في القاهرة سنة 1949 م، بإشراف الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد الذي أفاد فيها من الطبعات السابقة، فجاءت على حد قول إحسان عباس "في صورة مقبولة نوعاً ما... وان كنت لا أعدها أصلا ؛ لأنها لم تعتمد على نسخ خطية".
في حين إن إحسان عباس اعتمد على ثماني نسخ، بعضها مطبوع، والباقي مخطوطة. فقد عثر العالم المحقق على مخطوطات جديدة أدق وأوفي من النسخ التي اعتمد عليها محمد محيي الدين عبد الحميد، فضلاً عن أنه جمع أشعار أخرى غير التي في الدواوين أو المجاميع الشعرية. بالإضافة إلى كثرة الأخطاء في تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وبروز مزالقه.
ومما لا شك فيه أن تعدد نسخ المخطوط للكتاب الواحد يزيد من فرصة تحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً، ويزيد في دقة تحقيقه في كل الأمور التي أخذها على الطبعات الأخرى.
رابعاً - إن ترجمة المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد للمؤلف المقري، لم تأتِ تامة وافية، وإنما اعتورها النقص في الترتيب والتنظيم، فعلى سبيل المثال: بدأ الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في تعريفه لمؤلف النفح بالحديث عن نسبه، ومولده ونشأته، ومؤلفاته، ووفاته، وضبط نسبته، وثناء العلماء عليه. والأفضل أن تجيء مرتبة على هذا النحو: نسبه، وضبط نسبته، ومولده ونشأته، ومؤلفاته، وثناء العلماء عليه، ووفاته، فضلاً عن أنه وقع في أخطاء عن ترقيم الصفحات، إذ إنه أهمل الصفحة الأولي من ترجمة المؤلف، وتركها بدون ترقيم، في حين أن الصفحة التي فيها نسبه ومولده ونشأته لم ترقم، إذ بدأ ترقيم مقدمته برقم(1) بداية من الصفحة التي تليها (1 – 11).
خامساً - اكتفي المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد بوضع فهرس الموضوعات الذي ألحقه في نهاية كل جزء من أجزاء الكتاب، في الوقت الذي جعل فيه المحقق إحسان عباس الكتاب في سبعة مجلدات،أُلحق به مجلداً ثامناً احتوى على فهارس للكتاب، وهي ضرورية في مثل هذا الكتاب البالغ الضخامة، والذي يحفل بالاستطرادات. ويبدو أنه اهتم بالفهارس لأمور منها:
- إن الفهارس تشكل إحدى نقاط الدلالة على أهمية الموضوع المحقق، ومن ثم تكون بمثابة مرآة عاكسة لجهد المحقق في التحقيق. وأنها بمثابة مفاتيح معرفية مساعدة، ليس للمهتمين فحسب، بل ولجميع حقول المعرفة الثقافية؛ لتسهيل عمل من يروم الدخول إلى عالم التراث، للنهل من منابعه، خدمة لهدف ثقافي أو معرفي...الخ، فضلاً عن كونها تسهل سرعة الرجوع إلى معلومة معينة يريدها القارئ العادي، كان تكون معرفة /اسم مؤلف أو اسم قبيلة أو مدينة أو التأكد من قافية شعرية، فليس بالضرورة لهذا القارئ أن يقرأ كامل الكتاب.
مهما يكن من أمر، فإنه يظل للشيخ المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد فضل السبق في تحقيق الكتاب وإخراجه، "وحسب أي محقق لاحق أنَّ بين يديه كتاباً قد حُقق من قبل، ففي هذا عون على التجويد وتجنب المزالق".
وفي مكنة الباحث أن يوازن بين صورة النص عند في كلتا الطبعتين، فقد ورد في الباب الأول من مقدمة الكتاب للمقري قوله:
نسخة محمد محيي الدين عبد الحميد : ص( 23):
سبحان من قسم الحظو
ظ فلا عتاب ولاَ مَلَامَهْ
أعْمى وأعْشى ثم ذو
بَصَر وزرقاء اليَمَامَهْ
ومُسَدّد أو جائر
أو حائر يشكو ظُلَامَهْ
نسخة إحسان عباس: ص( 7):
سُبحانَ مَنْ قَسَمَ الحظو
ظَ فلا عتــاب ولا مَلَامَهْ
أعمى وأعشَى ثمَّ ذو
بَصَرٍ وزرقاءُ اليَمَامَهْ ( 1 )
وَمُسَددٌ أو جائرٌ
أو حائرٌ يشكو ظَلَامَهْ ( 2 )
الحواشي:
( 1 ) أي أن الناس متفاوتون في حظوظهم، فمنهم - من حيث الإبصار- الأعمى والأعشى، والحاد البصر الذي يشبه زرقاء اليمامة، وهي مضرب المثل في ذلك، وقصة رؤية الجيش الذي غزا اليمامة من مسيرة أيام مشهورة، وفي ق ط ج: أعشي وأعمي.
( 2 ) مُسَددٌ: حسن التوجه. الجائر: الحائد في القصد. الحائر: الذي لا هو مسدد ولا جائر.
من خلال الموازنة بين الطبعتين يتضح للمتلقي ما يأتي:
إن نسخة محمد محيي الدين عبد الحميد لم تُعر اهتماماً كبيرا ًبضبط الكلمات وتشكيلها، في حين أن نسخة إحسان عباس اهتمت بضبط الكلمات وتشكيلها بما يوضح المعنى ويجليه.
إن نسخة محمد محيي الدين عبد الحميد لا يوجد بها هوامش ولا تعليقات ولا إضاءات البتة، في حين أن نسخة إحسان عباس ورد فيها شرح وتوضيح وإضاءات،وإشارات إلى التراث الشعبي والديني؛ الأمر الذي أغنى النص وعمق معناه.
ونورد هنا مثالاً آخر في الموازنة بين الطبعتين يتعلق بضبط الكلمات تشكيل الكلمة الواحدة وضبطها :
فقد وردت كلمة " ظُلامة" في قول الشاعر:
ومُسَدّد أو جائر
أو حائــــر يشكو ظُلَامَهْ
محمد محيي الدين عبد الحميد : ضبطها (بضم الضاد) هكذا: ظُلَامَهْ.
إحسان عباس:
ضبطها (بفتح الضاد) هكذا: ظُلَامَهْ.
واللفظتان كلتاهما تخدمان المعنى، ولكن ضبط اللفظة في نسخة إحسان عباس(ظَلَامَهْ) (بفتح الضاد)، أقرب إلى المعنى المطلوب، وأدق في سياقها.
وثمة مثال ثالث في الموازنة بين الطبعتين، :
في نسخة محمد محيي الدين عبد الحميد ص ( 17 ) جاء ما يأتي:
" أحمدُ من عَرّف من حلى الأمصار وعلى الأعيان على تداولِ الإعصار وتطاول الأحيان...".
وفي نسخة إحسان عباس ص ( 1 ) ورد ما يأتي:
" أحمدُ من عَرّف من حُلى الأمصار وعُلى الأعيان، على تداول الإعصار، وتطاوُلِ الأحيان....".
يلمس القارئ في العبارة السابقة أن هناك فرقاً بين الطبعتين في الاهتمام بضبط الكلمات، ووضع علامات الترقيم بين الجمل في نسخة إحسان عباس، والتي تجلي المعنى وتوضحه.
رابعاً – خاتمة ونتائج:
خلصت ورقة العمل الحالية الى نتائج عديدة منها:
يعدّ إحسان عباس من أهم المساهمين في ميدان التحقيق والتثبت من النصوص وإخراجها، كما صدرت عن مؤلفيها، وإعادة تحقيها ونشرها.
أرسى بتحقيقاته القواعد والأصول والقوانين العلمية في تحقيق النصوص وتوثيقها ونشرها دون أن يؤلف في مجال التحقيق التراثي مؤلفاً علمياً واحداً.
كان إحسان عباس ذا منهج علمي دقيق ورصين في تحقيق نصوص التراث العربي القديم في مختلف موضوعاته، فضلاً عن التزامه الدقة والضبط والامانة العلمية. فلقد خاض المحقق ميدان التحقيق قوياً محصناً بأمانة علمية،وتوافرت لديه شروط التحقيق وأصوله، يقول في ذلك:" التحقيق العلمي لن يكون مخذولاً ما دامت تتولاه أيدٍ أمينة".
يعد إحسان عباس من المحققين القلائل الذين لم يكتفوا بما يطلق عليه ” خدمة النص” خدمة علمية في تحري الدقة والضبط، والشرح والتخريج، والتعريف بالأعلام، والأماكن، والتعليق والتذييل والتصويب، إنما جاوزه إلى مقدمات إضافية وافية، ودراسات عن الأعمال الشعرية التي حمل أمانة تحقيقها.
المتأمل في تحقيق إحسان عباس لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: بمقدمته،ونصه،وفهارسه،يمكنه أن يتعرف إلى منهجه في التحقيق والنشر،ويتجلى له بوضوح معالم هذا المنهج ومدى تكامله.
ظل إحسان عباس متمسكاً بضرورة التحقيق العلمي الممنهج للتراث،على أن يتحلى المحقق بسلاسة التحقيق ويسره،وأن يكون مقتدراً،ذا شخصية متميزة ومتفردة.
د. عبد الرحيم حمدان (ناقد وأكاديمي فلسطيني) 

نص شعري: أمير البيان الشاعر عبد الله الشوربجي




وجعُ الخريطةِ
لمْ يعُـدْ
يكفي
أهـزُّ
بجذع نخلتها
فتعصاني الرُّطبْ

و صيامها
ما عادَ
يعطيها البراءةَ
و القيامة َ /
و الصُّعودَ /
لمنْ صُـلبْ

للذئب
سبْعُ سنابلٍ
خُضرٍ
إذا جئنا
على أثوابنا
بدَم كذبْ

يا صاحبيْ في السجن
إنَّا نشتري
ثوبَ النبوَّة
من محلِّ أبي لهبْ. 

إني أسمع الآن دقات: الشاعر وديع سعادة




ناسٌ كثيرون يعبرون الآن بين مفاصلي. لا أعرف من أين يأتون ولا إلى أين يذهبون. لكنهم يرتطمون بعظامي.
ناسٌ التقيتُهم مرَّة، ناسٌ التقيتُهم مرات، وناس لم ألتقِهم… لكنهم يتدفَّقون الآن، ويدقُّون على عظامي.
عليَّ أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا.
لو كانت هذه العظام بابًا!
من أين جاؤوا؟!
أظنُّ أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا عَبْرَ عيوننا ويصيرون دمًا و لحمًا.
وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا.
… ونستمرُّ، هكذا، نسمع طَرقات على عظامنا.

إني أسمع الآن دقَّات
وعليَّ أن أفتح . 

السبت، 1 ديسمبر 2018

نص شعري: الشاعرة زينب خليل عقل






هو شهقةٌ معقودةٌ
بفراتي
مطرٌ يحطُّ على نخيلِ
أناتي

هو أول الأخطاء أوّل ذنبٍ
تفّاحةُ المعنى
وخوفُ نجاتي

شوكٌ أسيرُ عليهِ ثمّ إليهِ
أدنو وأدنو كي يصيرَ جهاتي

كأسٌ من النعناعِ يشربني
أو
ملكٌ على وجعي يقيم صلاتي

أطيافه نذرٌ أعاقرها كي
يحلو الفناء على صراخ رفاتي

وأعضُّ كلَّ أصابعي ندمًا
لو
ما غبتَ سهوًا أو نسيتُ حياتي. 

الخميس، 29 نوفمبر 2018

قصيدة حب للشاعر: مصلح أبو غالي




يكفي من الحبِّ قلبي
 أنه  وَلَهُ
وأنني قد جعلتُ
     النبضَ منْزلَهُ

وأنَّ من سكنوا قلبي
مصادفةً، مرُّوا مصادفةً
إلاه كيف لَهُ!

الله الله ما أحلاه من قدرٍ
فيه التقى الضائعُ المحرومُ
 مأْملَهُ

وفرَّ شعرٌ مجازيٌ لفكرتهِ
لأنَّ معنىً أتى
حتى يأوِّلَهُ

 ما أهدأَ الليلَ
ما أحلى سكينتهُ على المحبين
 -يا ربي- وأجْملَهُ!

لو كان مِلْكَ يدي
ما كنت أتركهُ ولو
 فرشْتُ لهُ ظهري لأحْملَهُ

وكنت أطْعَمْتهُ عمري
 ابتكرتُ لهُ عمرًا من الغيمِ
ِ كي يبقى وأوصِلَهُ

لو كان..
كنْتُ جعلتُ الروح شرفتهُ
وكُنْتُ أجعل في الشريانِ مشْتَلَهُ

ما أسرعَ الوقتَ!
أُفٍّ إنَّ مُشْكلتي
في أنَّ آخرَهُ يغتال أوَّلَهُ...

مصلح ابو غالي - فلسطين 

ربما نغني في الموسم القادم للكاتبة: يسرا الخطيب




ربما نغنى....
 فى الموسم القادم

قد تكون الرياح
أكثر تحنانا على العشب
المنفلت من خطوات التراجع

أو ربما
تلاقح أشجارنا العاقرة في غياب المطر

ربما
تزورنا النوارس
وتحط على شواطئ تعج بأقدام طفولة
هربت من خشونة المخيم
ووطئت رملها
لتمسد بأصابعها الطرية
أحلاماً بلا توابيت
ربما
تتهيأ لنا الشوارعُ
بامتداداتها اللامتناهية
وتضاء مصابيحها المعتمة
أثر غياب الراحلين.

وهناك
على بقايا جدران
تجاوزت حدود التلاشي
شظايا أناس يتمطون
يلملمون بقايا حلم
فتات خبز
أو تذكرة سفر

لربما
يجود عليهم الرب بالرحمة والمغفرة.

وأنا
تصاحبني عيني المبللة
أثر سقوط المطر على هامتي المنكسرة

تتنقل بي
بين جداريات لم تجف ألوانها
تنفرط الخربشات حكايا
على أسفلت يشهد التاريخ
منذ النكبة الأولى

تنهمر الألوان دموعاً
تتساقط كشلال متمرد
على احتباسات الغضب
يغسل قلق الشارع
ويمحو أثار أقدام
تسابق ظلها قبل الأفول

و
أ
س
ي
ح

أنا تيها وتوهانا
أخمن المعاني المطموسة
ببقايا صور تلاشت
أتهيأ لقراءات ممكنة.
أستقريء
اللحظة الكامنة في جب القدر
لعلها تتفجر برداً وسلاما
وتطفئ نار الفتن

يسرا الخطيب - فلسطين 

تساؤل مشروع: الكاتب أحمد عيسى




أنا في منتصف الوجع تماماً..
الوردة المختبئة في رسالتك أخرجتها لأعتنق اختناقها، وجدتها تئن كأنها تحتضر، بين صفحتين ملتهبتين بآهاتٍ وحنين، وحكايات عن الشوق والرغبة، وقبلة بقلم شفاهك الوردي في المنتصف تماماً، بمحاذاة التوقيع وقبل كلمة أحبك.
في جلستنا الأخيرة كنت مشغولا تماماً بعينيك، كل انعطافة فيهما، كل انغلاقة لرمشيك الساحرين، كل مرة تزمي فيها شفتيك كنت أعتصر نفسي فيهما، وعندما يبان لسانك لي، أتذوقه بكل معانيه، أظنها بداية العناق، وتعرفين أنها النهاية.
في هاتفي الجوال بقايا صور، وبين كتبي رواية سخيفة لأحلام مستغانمي كنتِ قد أهديتني اياها ولم أتجرأ أن أخبرك أنني لم أعد أقرأ لها، قلت لك بكل الشوق: سأقرأها، ولم أفعل.
فرشاة أسنانك التي تحتل مكانها فوق مغسلتي تماماً، كانت ضحية صراعي والشوق اليكِ.
ملابسك الداخلية تناثرت كيفما اتفق.
الدهشة من افتراقنا كلفت جارتنا وزوجها الودودين ابتسامتهما، وكلفت أمي ضحكتها، وكلفتني نفسي.
دوامة من الأسئلة تحاصرني، غرفة النوم التي كنا ننوي تغييرها قريباً، طاولة السفرة التي شهدت فتوحاتنا، الأريكة التي مزقناها اشتهاءً، كل شيء كان يشي بأن الموت نفسه، غير قادر على أخذك مني.
الطبيب اللعين، ألبوم الصور، التحاليل التي لا تنتهي، رسائلك التي تحاصر قلبي، ولقاء بدأ فيكِ لا ينتهي أبدا..
مدهشةٌ أنت، كيف تحافظين على ابتسامتك وسط هذا الهراء..

أحمد عيسى - فلسطين


نص شعري - أحمد زكارنة


في الحوار...
تجدُ القلبَ في الجانب الأيمن
فيصبحُ لزاماً دورانُ الرأسِ قليلاً نحو الأيسر.
في الحوار...
البلادُ مرتفعةٌ باتجاهِ السماء
حيث تُفتحُ الحدود،
أو
حيث كلُّ شيءٍ يصيرُ حدّاً.
في الحوار...
صوتُ قهقهةٍ، ونقرُ أقدام
وحديثٌ دافئٌ حول:
" أطفالٌ ثلاثةٌ أصحاء...
وأحدٌ في المصحة،
وأثنانِ ميتان".

أحمد زكارتة -فلسطين 

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

قصيدة (الحب) للشاعر أنور الخطيب



الحب

نظرةٌ
أول نظفة للروح في رحم القصيدة
توتّر العطر في كأس أنثى
بزوغ نجمة السهد خلف الضفيرة
هروب عاشق حاملا زهو الذكورة
يمضي إلى أمه:
"رأيت وجهك اليوم في قمر الظهيرة..".

ابتسامةٌ
محمولة على هودج الهوى
تطلق للمدى حساسين ماكرة
تصوغ الرذاذ على جلنار قلبين مرتبكين
ترسم جوريةً قوسا لبدء المتاهة
تحضر أم العاشق في شفتيّ الحالم
ينطق في مهد الدرب:
"أنا عبد الحب..".

لقاء
أسئلة تختبر اللغة المخبوءة خلف ارتباك الألسنة
قالت: لماذا سرقتني من صويحباتي؟
ماذا حدثك الخافق فيك؟
لماذا غادرت إذ رأيت وميضاً في رئتيّ؟
فقال: لم تكوني مع أحد..
كنتِ وحدك ترتعشين كالسنبلة
أيعفيني هذا من بقية الأسئلة؟
قالت: لا، النظرة امتثال الوحي لاستدراج الكلام
والابتسامة ارتباك الطقس من خجل الفصول
واللقاء كتابة على ورق الحنان
فماذا كتبت قبل مثولك بين عينيّ؟
قال: لم أكتب شيئا
راقصتُ ظل أمي كثيرا
عانقت صوتها طويلا
وحمّلتني لقلبك رف حمام
قالت: أتحبني ؟!
أطرق رأسه،
سافر نحو الركام
والرهبة الجارحة
أيقظته: متى سنذهب كي نقرأ الفاتحة!                           
أنور الخطيب 

لوحات فنية بريشة الفنان المبدع الكبير محمد نصر الله








قصيدة للشاعر الفلسطيني حسام أبو غنام




ولمحتُها تمشي على السُحُبِ
ناديتُها يـــــــا هذه اقتـــــــربي

قالتْ أخــــــافُ إذا نزلتُ لـــكُمْ
أن يحتويني النصُّ فــي الكُتُبِ

ليلى وعبلةَ قد حُبِسْنَ بـــها
مثلًا لِجُـــلِّ قصــــائدِ العــربِ

واقـــرَأ لعــــزَّةَ فـــي كُثّيِّرها
تلقَىْ العذابَ يُصَبُّ في العتبِ

دعني لشأني حرَّةً فأنــــا
بنتُ السماءِ ولستُ للتَّعِبِ

الرّيحُ تحملني مســــافرةً
لا وقتَ للأشعارِ والأدَبِ

فانسج حروفكَ كيفَ شئتَ بدو =
= ني لستُ أنثى في هَوَى العَرَبِ

أتكــــابِرينَ أجبتُها وأنــــــا
ذاكَ الرسولُ لوحيكِ العذْبِ

آمنتُ بالرّوحِ الْـ ملَكتِ بها
أمري فصرتُ بوحيكِ العَرِبِ

قالتْ دليلكَ إنْ أتيتَ بهِ
آتيكَ طوعًا فَاْتِ بالعَجَبِ

مَثَلي شفاهكِ إنْ ذكرتُهُما
صبّتْ نبيذًا جاءَ من عِنَبِ

حسام أبو غنام - فلسطين 

حول مجموعة بكاء الفجر للأديبة بشرى أبو شرار بقلم: جواد العقاد




حول المجموعة القصصية (بكاء الفجر) للأديبة الفلسطينية بُشرى أبو شرار.

(بكاءُ الفجر) ليستْ العمل الأدبي الأول الذي أقرأه للمبدعة الكبيرة بشرى أبو شرار ؛ لذلك لم أتفاجئ من كميةِ الهم الإنساني والوطني الذي تتغنى به- بُشرى - في هذه المجموعة كباقي أعمالِها سواء الروائية أو القصصية،وكالعادة مضامينُ المجموعة واقعية تعلمُنا الكثيرَ وتضيفُ الجديدَ للأدب ِالعربي والفلسطيني خاصةً.
العنوان (بكاء الفجر) هو أيضاً عنوان إحدى قصص المجموعة -على عادة الأدباء - ولكنه مختارٌ بدقة سواء عن قصد،أو في العقل الباطن من خلال الحالة التي عاشتها الكاتبة ومدى تأثير موضوعات المجموعة فيها، فهو مشبعٌ بالألم ِوالأملِ والحلمِ الفلسطيني، "فالبكاءُ " هو تعبيرٌ عن القهرِ الذي يعيشُه الإنسانُ الفلسطيني منذُ زمنٍ طويل، فقد طالَ الليلُ كثيرًا وتوحشَ الظلامُ أكثر، ولكن "ولابد لليلٍ أنْ ينجلي "، والفجرُ دائماً فيه دلالةُ الأملِ وبدايةُ النور.

جاءَ في إهداءِ المجموعة: " أبحثُ عني.. أجدني هناك،حيث تلالِها الشقراء
أرنو لشمسِ المغيب
إلى غزة التي أحبُّ...  "
إنَّ الحنينَ متعبٌ ، والذاكرةُ تشكلُ وعي الإنسان وأحلامه وطموحه وتثبت مدى أصالته وارتباطه بأرضه.
بُشرى الفلسطينية المُغتربة، تعيشُ حالةً من الحنينِ إلى الوطن والطفولة، إلى بلدتِها الأم دورا، وغزة التي عاشتْ فيها طفولتها حيث عبق الذكريات، هي مغتربةٌ وروحُها في الوطن.

تمتازُ قصصُ المجموعة بالتكثيفِ والقصرِ مع أداء الفكرةِ المنشودةِ كاملةً، والحفاظ على الأسلوبِ الأدبي الراقي الذي أخرجَ الكلام من اللغةِ العادية إلى لغةِ الأدب المُترفعة. أما عناوينُ القصص فمتلائمة ٌمع المضامين معبرةٌ عنها بشكلٍ لافت.
هي مجموعةٌ واقعية ٌخالصةٌ ثرية ٌبالتفاصيلِ اليوميةِ للإنسان العادي، تُؤرخُ للقهر ِالذي عاشه ومازالْ يعيشُه الفلسطيني لاسيما في قطاعِ غزة حيثُ إنَّ الكاتبة أهدتْ مجموعتها إلى غزة " إلى غزة التي أحبُّ "، وقد كُتبتْ قصصُ المجموعة من( بداية عام 2009م - نهاية عام 2010م) تقريبًا وبهذا تحدثتْ الكاتبةُ فيها عن حربِ غزة (أواخر عام 2010) وركزتْ بشكلٍ واضحٍ على تفاصيلِ الحياةِ اليوميةِ للإنسان العادي وبحثه عن مأوى ومأكلٍ في ظلِّ العنجهيةِ والخرابِ الكبير.

استدراك: نعرفُ تمامًا أن مهمةَ الأدب محاكاةُ الواقعِ وليس وصف الأحداثِ كما هي، فالأديبُ ليس مصورًا بل يلتقطُ حالةً إنسانيةً معينةً ويركزُ عليها مستعينًا بالخيالِ وعناصرِ الجنسِ الأدبيّ الذي يكتبُ في إطاره، فهو لا ينقلُ الأحداث؛ لأنه لا يؤرخُ بل يرنو إلى التأثير ِفي أعماقِ النفس البشريةِ وفَهم مكنونات الإنسان .
والخيالُ شرطٌ رئيسٌ في الأدبِ كما هو واضحٌ في التعريفِ الشائع ِله: " كتاباتٌ مرتبةٌ بوضوحٍ تحت تأثير ِالتخيل ".  بدون الخيال لا يكون أدبًا والمقصودُ بالخيالِ هنا شخصياتٌ وأحداثٌ من خَلقِ الكاتبِ على الورق.  هكذا رؤيتي الخاصة لهذه المجموعة.

- جواد العقاد ، فلسطين 

لطفية القاضي تحاور المخرج السينمائي سعيد البيطار




سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ... استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة
سعيد البيطار ابن لعائلة أرستقراطية
المسرح وما أقدمه ما هو إلا أداة نضالية وقتالية في وجه الاحتلال
 اول عمل لي مونودراما للشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي
 أستاذي الكبير محمد الأمين علمني صناعة الفيلم التسجيلي
المسرح أعطاني الفكر و الإبداع
الأديب محمد حسيب القاضي كان يقول لي أنت لا تقل عن الأديب غسان كنفاني
دريد لحام قال عني "الفنان الوحيد بالعالم الذي جعل قدماى ترتعش وأنا أشاهد سعيد البيطار "

حوار:لطيفة محمد حسيب القاضي

هو قصة تحكي مفاخرها و المجد يرويها هو أسطورة النضال تسير كالسيمفونيات, الثقافة الفكرية تمتطي صهوة الوصف و السرد .

فنان موهوب في التمثيل و الإخراج السينمائي ,المخرج الذي عشق الفن و أخذ العديد من الجوائز استطاع أن يجذب إليه حب الجمهور بفنه الراقي الهادف و بإخراجه العديد من المسرحيات و الأفلام و المسلسلات الدراميه

هو أحد مؤسسي هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني كان من الذين ساهموا في نشر الوعي والثقافة بأسلوبه المميز و بجدارة . المخرج السينمائي القدير سعيد حلمي البيطار,

سنكتشف ما لا تعرفه عن فناننا الجميل بحوار خاص لسحر الحياة

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

أنت رمز الفن العربي الفلسطيني , لقد حصلت على العديد من الجوائز , من يكون سعيد البيطار؟
أنا ابن لعائلة يافاوية , كان جدي رئيس بلدة يافا ,هاجرت عائلتي من يافا عام 1948 إلى مخيم الشاطيء في غزة .

لقد عشت حياة عذاب المخيمات و الحرمان كأي طفل فلسطيني ,فكنت أستمع دائما لوالدتي وهي تقول لنا و تحكي بأننا من عائلة أرستقراطية كبيرة وأنه كانوا بنات اليهود وصيفات في بيت والدها وبيت والدي .

ولكن بسبب الإحتلال تغيرت الأحوال استقرينا في مخيم الشاطيء ,لا نملك إلا ما تقدمه لنا وكالة الغوث .

*ما الحادث الذي غير حياتك ومن خلاله اكتشفت موهبتك؟
كان لدي الشقيق أسعد وهو من الفدائين , كان يحبني كثيرا ففي يوم أحضر لي اللعبة الوحيدة في حياتي وهي فراشة خضراء تطير بالتأكيد كانت فرحتي بها كبيرة, بعدها ذهب أسعد إلى بيروت مع الفدائيين المقاتلين فاستشهد في عرض البحر , فهذا الحدث ترك الأثر الكبير لدي فأصبحت أقلد الشخصيات والأصوات وأحكي الأشعار في الحفلات العائلية .

ومن هنا بدأ شيء يتبلور بداخلي يحبه الناس.

متى بدأت موهبتك في الظهور وعرفت نفسك أنك ممثل؟
بدأت موهبتي في التمثيل في عمر العشر سنوات حيث كنت في الصف الرابع , فمثلت دور الأم فأحضرت باروكة من أختي ومثلت دور الأم كيف تكون مريضة وكيف ابنها يحضر لها الدواء , وأشاد بي مدير المدرسة وقال لي إنه سأكون شيئا مهما في التمثيل في المستقبل.

*سعيد البيطار تحدث لنا عن مشوارك الفني المسرحي , ما أهم المسرحيات التي مثلتها وأخرجتها؟
التحقت بفرقة "الأمل" المسرحية فقمت بتأسيسها وعرضت العديد من العروض المسرحية , فكان العرض الأول أسمه "حوار مع دكتور "بيحكي عن الصحة في زمن الإدارة الإسرائيلية في غزة , ولا أنسى أنه أثناء العرض المسرحي وأنا على خشبة المسرح أقتحم الاحتلال المسرح ومنعنا من عرض المسرحية ,ومن هنا بدأت أفهم أن المسرح وما أقدمه وأدوات الفنان ما هي إلا أداة نضالية قتالية في وجه الاحتلال , ومن هنا بدأ مشواري الفني في إخراج العديد من المسرحيات.

أسست فرقة "حناضل"وعملت أول عمل مونودراما للشاعر عبد الرحمن الأبنودي , وعرضت المسرحية في القدس والأردن وغزة و مسرح الحكواتي , إلا أن المسرحية نجحت وعملت صدى كبير جدا.

أخرجت مسرحية "اغتيال حنظلة".

قمت بتأليف وإخراج وتمثيل مسرحية "سوق فراس" وهي تتحدث عن أسواق غزة القديمة .

أخرجت مسرحية "عرس عروة"حيث مثل المسرحية مجموعة من الشباب الموهوبين ,كانت للشاعر عبد الحميد طقش.

أسست فرقة "كنعان" وقدمت عمل الشاعر الفلسطيني معين بسيسو باسم "الصخرة"فكان من الأعمال الجميلة .

قمت بعمل مسرحي باسم "خفافيش أنصال" تحدثت به عن تجربة الاعتقال .

عملت مسرحية "إبريق الزيت" للكاتب جهاد سعد .

ومسرحية "حكاية ولد وبنت " للأديب بشير الهواري عرضت على مسرح جرش وأخذت درع المهرجان المسرحي الخامس وهذه أهم الجوائز.

مسرحية " العنب الحامض"كنت بطل المسرحية.

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

إقرأ المزيد الدكتورة أمية جنود " طب العيون يمتلك سحره الخاص داخلي على الطموح تكبر التحديات

*ما هي الأفلام التسجيلية التي قمت بإخراجها,وهل تعتقد أن الأفلام التسجيلية هي سينما ذات أهمية؟
فيلم" لن تمروا "عن الطفل فارس عودة 2003 حصل على جائزة ذهبية

يافا ذكرى مكان 2004

عكا ذكرى مكان 2004

رحل من عين العاصفة "عن حياة الشهيد أبو علي مصطفي 2004

الشيخ الجليل "عن حياة الشهيد أحمد ياسين 2005

الدراجة فيلم سينمائي قصير 2006

الحارس :عن حياة الدكتور حيدر عبد الشافي 2006

فيلم حقي"عن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي رام الله قدمت أفلام متعددة جديدة مثل "العاصفة" عن حياة أسامة السلوادي

فيلم "حبة النصر " و كفاح المزارعين حقي في الحياة .

مسرحية "حركة في محلها"

شاركت في مسلسل "أولاد المختار" "وكفر اللوز"

أخرجت مسرحيات كثيرة والعديد من الأعمال في مسرح أشطار

عملت فيديو كليب الفنان عوض طنوس

أخرجت ذكرى محمود درويش للفنانة سناء موسي

أخرجت مسرحية ضريبة ومسرح وبندورة

أخرجت حركة بمحلها لمسرحأخرجت لوحة فنية عن الطفل أحمد دراوشة وكيف أحرقوا كل أسرته.

كتبت أغاني مهمة في الحرب وغناء المطرب علي الكيلاني "اسمك يا شعبي جبار"

أخرجت العديد من الأغاني للثورة للفنان مهدي سردانة وبعضها من كلمات الأديب محمد حسيب القاضي وأبو الصادق.

عملت العديد من الأعمال للفنان عبد الله الخطيب

أخرجت فيديوهات كليب متعددة لفنانين مثل شفت الليالي عوض طنوس

إن الأفلام التسجيلية هي سينما هامة بالتأكيد لأنها تخلو من هدف الأنتاج السوقي وأن هدفها الوحيد هو عمل سينما خالص و هذا ما يميزها عن السينما التجارية .

*سعيد البيطار تحدث لنا عن تجربتك التلفزيونية وكيف تحولت من المسرح إلى التلفزيون والعمل السينمائي؟
لقد قدمت العديد من العروض المسرحية على مسارح مختلفة لحين وصول السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات رحمه الله  إلى غزة ,وانتدبت أن أكون أول المؤسسين لهيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطيني ,ومن هنا بدأ المشوار ينحرف من المسرح إلى التليفزيون والعمل السينمائي .

كنت الأول الذي يضع الكاميرا للمذيعة بإمكانيات بسيطة ,حيث كانت غرفتي في التليفزيون بجانب غرفة ياسر عرفات الأسطورة , وكنت أنا المنفذ والمخرج أضع الكاميرا للمذيعة لكي تلقي نشرة الأخبار , فكنت لم أتقن التقنيات والكاميرات , لأن معرفتي كلها في المسرح , فطورت من نفسي في هذا المجال ,بأنني أخذت دورات متعددة في بلدان كثيره في لندن .

*كيف تعلمت صناعة الفيلم السينمائي , ومن صاحب الفضل عليك في تعلمه؟
أن أستاذي الكبير المصري "محمد الأمين" هو صاحب الفضل في تعليمي صناعة الفيلم التسجيلي , حيث أنني انتدبت لتأسيس جهاز الفضائية الفلسطينية التي انطلقت لأول مرة , وكنت على رأس الاستوديوهات , ومن هنا بدأت مسيرتي في صناعة الفيلم التسجيلي.

*ماذا أعطاك المسرح , و ماذا أخذ منك؟
المسرح أخذ من عمري سنوات طويلة ,أعطيت له كل شيء و أعطاني الفكر والإبداع ,ولكن للأسف لا يوجد لدينا في فلسطين الاهتمام بالفنان والمبدع.

 سعيد البيطار كل فنان لابد أن يتعرض للعوائق في مسيرته,فما العوائق التي واجهتك في مشوارك الفني؟
لقد واجهتني عوائق متعددة وأهم عائق عدم الاهتمام بالدعم الفنية المادي للأعمال الفنية والمسرحية , حيث أن معظم أعمالي من إنتاجي الخاص , كان الذي يساندني ويدعمني رجال أعمال فلسطينين وولاد بلدي ,القصور في الدعم المادي جعلني متعثر طوال الوقت ماديا ,ما في دعم للفن عموما لدينا في فلسطين.

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

*الأديب الراحل المعروف محمد حسيب القاضي كتب نقد عن مسرحية (الصخرة) , فماذا يمثل لك نقد حسيب؟
كان بالتأكيد نقده ذات أهمية كبيرة بالنسبة لي فهو قامة أدبية فلسطينية كبيرة ,فهو كان يتابع أعمالي ويحضرها باستمرار حسيب كان يوجهني ,كان يحب كثيرا أن أقدم له عمل مسرحي وحينما تم الاتفاق بيننا على إخراج عمل مسرحي له , صار انقلاب ومشاكل في غزة وأصابه المرض الشديد ورحل من غزة إلى القاهرة , كنت أتمنى أن أعمل له عمل مسرحي ,كان الراحل حسيب من الناس الذين يرون في إبداع فكان يقول لي أنت لا تقل عن الأديب غسان كنفاني وعن ناجي العلي وفي الشعر لا تقل عن معين بسيسو ,كان يرى في واحد من عظماء المسرح.

*سعيد البيطار رمز الفن العربي والفلسطيني , كيف يراك شعبك؟
أنا كفنان عربي فلسطيني فإن شعبي يحترمني ويعتبرني رمزا من رموز الوطن , الكل يحبني البسطاء والمثقفون والسياسيون كل فئات الشعب لي مكانة لديهم , اعتبر أن شعبي أعطاني حقي ,أحظى بحب جماهيري كبير في الوطن والخارج لدى العرب والفلسطينيين

من وجهة نظري هذه هى الجائزة الأكبر أن أحظى بحب أبناء شعبي.

*أنت ساعدت على تطوير المسرح الفلسطيني ولك بصمة فنية مميزة في الفن والإخراج ,هل تعتبر نفسك أخذت حقك ؟
لا لم آخذ حقي يوجد الكثير من التقصير من السياسيين , كنت طوال الوقت ألهث إلى الراتب و معيشة أولادي .

*الكاتب أسامه أنور عكاشة كانت تربطك به صداقة، حدثني عن تلك الصداقة؟
كانت تربطني صداقة طيبة مع الكاتب المبدع أسامه أنور عكاشة , حيث أنه قال عني أن سعيد البيطار من أفضل خمس مبدعين في الشرق الأوسط ولكن مشكلته أنه صاحب قضية إلا لكان في مستوى عادل إمام ومحمد صبحي في العالم العربي ولكن كان همه القضية الفلسطينية التي أسكنته في الوجع الفلسطيني والألم , ولقد صرح بذلك في قناة نورمينا على الهواء .

الفنان المخرج سعيد البيطار حدثني عن تجربتك المسرحية في مسرحية نساء غزة وصبر أيوب
مسرحية نساء غزة وصبر أيوب , أثناء القصف في غزة كنت أنا و أبنائي ,كتبت قصاصات من الورق كنت لا أعرف لماذا اكتبها هل هي من وثائقي في المستقبل أم هل هي قصائد شعرية , فأدركت أنها يمكن أن تكون لوحات مسرحية عن كفاح وصبر المرأة الفلسطينية التي تحيك بالخيوط كفاح أبنائها , ومآسي الشعب الفلسطيني من خلال لوحات فنية واقعية منفصلة مستوحاة من حياة النبي أيوب عليه السلام , وتستعرض هموم الفلسطينيات والمجتمع الفلسطيني عامة بسبب الاحتلال و أثر الانقسام على نفوس الناس .

تناولت واقع المرأة الصعب منذ الملكة هيلانة إلى رحمة بنت أيوب وأسطورة الصبر .

دعت مجموعة من الفنانين دريد لحام لافتتاح المسرحية في ظل الحصار والظروف الصعبة , حيث كان للمسرحية الصدى الكبير في كل الصحف والأعلام , وهي من أجمل الأعمال إلى قلبي .

فصرح الفنان دريد لحام على قناة أم بي سي (الوحيد الذي جعل قدماى ترتعش و أنا أشاهده سعيد البيطار).

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

*وماذا عن مسرحية الشياطة؟
قصتها عبارة عن مجموعة شباب من رفح وحكاية الأنفاق وكيف كانوا بيشتغلوا في الأنفاق وكيف بيموتوا هناك

تعتبر مسرحية الشياطة أحدى روائع المسرح الفلسطيني لأن فكرتها تنبعث من قلب المعاناة الشعب الفلسطيني و تجسدت بإحساس صادق من قبل الممثلين ليبعثوا عبرها رسالتهم إلى كل الأحرار في العالم كي يقفوا ضد الحصار شعب غزة والشعب الفلسطيني.

حضر افتتاح المسرحية مجموعة من الفنانين السورين سوزان نجم الدين و دريد لحام وجمال سليمان ومجموعة كبيرة من الفنانين ,و تعتبر هذه من الأعمال الأخيرة لي في غزة.

* من خلال مشوارك الفني المتنوع , كيف ترى الفن عموما في فلسطين في هذه المرحلة ؟هل هي في ثبات أم في تطور؟
أستطيع أن أقول بأن الفن في فلسطين يريد أن يمد له يد العون لكي يتفجر ابداعا وعطاءا .

*الإخراج في التلفزيون يعتبر من أهم أنواع الفنون , لأنه المصب الذي يصب فيه روافد أي عمل فني ,ما رأيك؟
أحب أن أقول بأن مفهوم المخرج أنه هو سيد الموقف وأنه صاحب القرار , بمعنى الخبرة ضرورية لنجاح أي عمل فني , فالمخرج هو المسؤول عن العمل الفني سواء بالنجاح أو بالفشل .

حدثني عن أهم محطات تتويجك منذ دخولك عالم الإبداع الفني ؟
أخدت جائزة على أفضل مخرج في مهرجان الإذاعات والتليفزيون العربية بتونس عام 2005 عن فيلم الشيخ الخليل .

حصلت على ثلاث جوائز ذهبية من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون كأفضل مخرج للأفلام التسجيلية.

عن عمل "لن تمروا للشهيد فارس عودة .

فيلم " مشاعل على طريق "

حصلت على جائزة تقديرية عن فيلم " من النكبة إلى حنين".

كل أعمالي عن الأسرى والشهداء و بعتبرهم أعمال مواجهة وأعتز بنفسي كوني صاحب قضية و صاحب وجع , فأقدم وجعي بطريقتي الخاصة بطريقة جميلة وساحرة بحيث يتعاطف معها الناس عندما يرونها .

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

*يرى بعض من النقاد أن الدراما التليفزيونية طغت على المسرح والسينما , فألقته في الظل , ما رأيك؟
أعتبر أن هذا الكلام حقيقي إلى حدا ما , ولكن من وجهة نظري كمخرج وممثل مسرحي أن المسرح يبقى أبا الفنون وظاهرة الابتعاد عن المسرح هي ظاهرة مؤقتة وسيعود الجمهور إلى المسرح

*ما المواضيع التي تشتغل عليها في مسرحياتك؟
المسرحيات التي قمت بتمثيلها وإخراجها البعض منها اشتغلت فيها على كيفية توصيل الفكرة عن معاناة شعبنا الفلسطيني وكفاح المرأة والحصار , وصمود الشعب الجبار ,لأوصل فكر عن الوطن وحب الوطن و الكفاح الوطني .

*من كان مثلك الأعلى في التمثيل , وتأثرت به؟
عبد السلام النابلسي مثلي الأعلى في الفن , عادل إمام ,ومحمد صبحي ,أعتبر أن الفنان عبد السلام النابلسي هو فنان عالمي الذي أثر في أدوات الجسد والتمثيل والكاريزما في حياتي كممثل .

لكن عملت لنفسي شخصية فنية مستقلة ,حبيت الكوميديا السوداء التي تحكي عن وجع وطن وهي التي جعلتني أغني بارود , فني كان فيه هم الوطن فلسطين وما أقدمه هو بمثابة مواجهة مع الاحتلال .

سعيد البيطار ماذا يعني لك المسرح الفلسطيني؟
المسرح الفلسطيني كان بالنسبة لي أداة قتالية في وجه الاحتلال ,في أدواته , كنا نصنع القمر من الكرتون على المسرح , والشمس الجميلة أحيانا نصنعها من القماش البالي إلا أن أحد لا يستطيع يذيق قلبا صادقا مفعما بالحياة أمام قلوب متعتشطه للحرية ,فأنا أحب في المسرح الصدق فكلما اقتربت من المسرح كنت صادقا أكثر .

أصبحت أنا مدرسة قائمة بحد ذاتها ,أعلم أدوات المسرح للممثلين , وأعلمهم كسر المعايشة في الأداء و الشخصية وليكن هو نفسه لا يقلد أحدا.

*ما هو سر إبداعك الفني ؟وما هي مؤلفاتك؟
سر إبداعي موهبتي و قراءاتي المتعددة لمؤلفين عالميين ,ألفت مسرحية سوق فراس و عرضت في العديد من الدول العربية وحظت على نجاح كبير .

ألفت مسرحية نساء غزة وصبر أيوب طبعت في القاهرة 20,000 كتاب ونفذوا .

عندي العديد من المؤلفات المسرحية ولم يطبع منها سوى أثنتان.

*السينما الفلسطينية , ماذا قدمت للمشاهد العربي والفلسطيني؟
قدمت للمشاهد بأنها وصلت رسالة إنسانية وطنية اجتماعية , وأن القضية الفلسطينية هي قضيتها الأساسية في معظم الأفلام السينمائية في فلسطين , تطرح من خلالها قضايا متعددة مرتبطة بوجود الاحتلال , واستطعت أن أحفر في الصخر حتى أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة بعيدة كل البعد عن العنف.

"سعيد البيطار " المسرح أعطاني الفكر والإبداع ...استطعت أن أوصل رسالتي للعالم بطريقة جذابة

*سعيد البيطار تحدث لي على برنامج صور في القلب, والبرامج التي قمت بإخراجها ,والأغاني التي قمت بتصويرها.
لقد قمت بإخراج برنامج (صور في القلب )للمذيعه روز أبو عصب يعالج قضية البحث عن المفقودين حيث أنه يوجد مئات من المفقودين ومنهم الحي الذي لا يعرف أين هو فمن حق كل أم فلسطينية أن يكون لابنها ضريح تذهب إليه أهل الشهيد لزيارته والدعاء له فهناك المئات من الفلسطينيين الذين فقدوا ابنائهم فكان للبرنامج الصدى الكبير والنجاح الكبير.

أيضا أخرجت برنامج "مبروك عليك "و"ما يطلبه المشاهدون ","أولاد بلدنا ", "فنان من بلدي"

مثلت أيضا في العديد من المسلسلات العربية مثل "درب الشوق" و "مسلسل الكنعاني" .

أخرجت العديد من الأغاني المصورة عن الأم و الأرض , والإنسان .

• سعيد البيطار تربطك علاقة طيبة مع فنان العرب محمد عساف ،حدثني عن تلك العلاقة؟
محمد عساف الفنان الجميل الذي تربطني به صداقة حميمة ،هو استطاع بحنجرته الساحرة بأن يصير نجم عربي ،هو يحافظ على أصالة وأغلب الأوقات هو في زيارتي، يحب شعري وكلماتي.

كتبت له أغنية جديدة باسم (اسمعي اسمعيني )،اتوقع في المرحلة القادمة أني اعمل له شغل كثير .

الفنان الأصيل الملتزم الذي يحب شعبه ،وأعتقد أن نجوميته سببها أبناء شعبه الفلسطينيين.

*ما هي آخر أعمالك الفنية؟
آخر عمل هو حكاية فلسطينية مسلسل بنت الشمس للسيناريست المذيعة الموهوبة المقدسية  كوثر الزين من تونس، التي استطاعت أن تفهم ما أريد وجسدته, حيث أنها أخذت فكرتي وصنعت الفكرة السيناريو ,قصة مسلسل فلسطيني دراما عن مجموعة شباب في بيرزيت مسلمين و مسيحيين يربطهم الحب والتآخي وكل واحد يسكن في بلدته و منهم العشاق وقصص حب ولكن الحب الأكبر لفلسطين .

إخترت ورشحت الفنانة السورية سوزان نجم الدين لدور البطولة للمسلسل، حيث إنه تربطني بها صداقة حميمة فإنها زارتني في غزة وافتتحت أعمالي .

و سأقوم بإخراجها عند حصولي على التمويل المناسب , وبهذه المناسبة أناشد جميع رؤوس الأموال وشركات الإنتاج بأنهم يساهمون في إنتاج دراما فلسطينية على أرض الوطن .

*ماذا قدمت للراحل المناضل الرئيس ياسر عرفات؟

قدمت أغاني فيديو كليب للأسطورة ياسر عرفات ،كنت اشتغل في الإذاعه والتليفزيون وهو كان يلقبني بالفلفل.

علاقتي به حميمة حيث كان يحكي لنا الكلمات الجميلة على شاطيء بحر غزة وتلك الكلمات التي خلقت في القيم والمبادئ، فظلت نفسي نظيفة بسبب الحكم التي تعلمتها من الراحل الخالد ياسر عرفات.

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

نصوص بقلم: تامر الهلالي



 

(كل القصة )
كل القصة أن روحي أحببت عينيك
فبدأت أتعلم كيف أراقص الأقمار
أراود النسيم عن سره
عن مقادير مساحيق سحره .

القصة الثانية
أني أدمنت شفتيك
ولا أريد فكاكا
من فخاخها العميقة .

القصة الثالثة
أن حنانك أعاد خلقي
أصبحت جنينا يتدلل
يأكلك
 يلعب معك
ينتظرك حتى و أنت معه.

القصة الرابعة
أنك دوائي
من وجع تاريخي المر
القصة الخامسة
أني أصنع من ماسات ابتساماتك
تاج مملكتي
و أصير سلطانا
للأبد.

   (تشبهني)
شجرة تحمل حزن الأرض
يفقأ مطر منهمر عيون
أنداء حنينها
تتعرى و تسير إلى السماء
تبكي بين يدي الغيم
تبحث عن سبب
لهذا الطوفان من القسوة

يشبهك عبير بريء
سرقته موسيقى غضب متراكم
في ألحانها
من سياط السلاطين
على جسد الفكرة
فأشتعل نارا تأكل نفسها
و ما تبقى منها
نذرته لشحوب غائر
في ندب تشوه روحها.

لو تحاضننا
ماذا ستكون الخاتمة
على أي هيئة سيكون خيال القصيدة
ربما سنكون شجرة شاحبة
تضع الكثير من مساحيق التبرج
ترقص رقصة للحياة
و عندما تصير و حدها
يخرج كل منا وحده منها
يرتاد طريق شجنه
و يبكي.

تامر الهلالي - مصر 

قلب مقروح: الشاعر سارة الزين







كاللحنِ في الماءِ..
للنَّارنْجِ تسبيحُ..
ريحٌ منَ الخوفِ تطفو فوقها روحُ..!

كالأغنياتِ السُّكارى..
حين تسرقنا من ثقبِ نايٍ..
كأنَّ النايَ.. مبحوحُ

هذي المرارةُ في الأشياءِ مقلقةٌ..
تفنى اللغاتُ
ولا تفنى التباريحُ..

نمدُّ لليلِ أسراراً لِيصحَبَنا في رحلةِ الدمعِ
حيثُ الجرحُ مفتوحُ

في آخرُ الرعشةِ السمراءِ أحجيةٌ..
زرٌّ غليظٌ.. عن الأنّاتِ مكبوحُ !

كقلبِ يونسَ من بطنِ الظلامِ يرى
في مدمعِ البحرِ ما أبقى له نوحُ..

لا روحَ في النارِ..
هذا الرقصُ مصطنعٌ..!
ووحدهُ الشكُّ عند البوحِ مسموحُ..

هنا شفاهٌ من الأحزانِ متخمةٌ..
تفدي الجراحَ..
وكم يفديكَ مجروحُ..!

حتى تصيحَ بما أوتيتَ من وجعٍ :
يا ممسكَ القلب!
هذا القلبَ مقروحُ..

سارة بشار الزين - لبنان


الأحد، 25 نوفمبر 2018

قصيدة أحبك: الشاعر باسل عبد العال




أحبُّكِ
مُذ كانَ نهرُ القصائدِ عَذباً
وَكنتِ الحصى والصَّدى
حينَ يكشفُ عُريَ البيوت التي كنتُ أكتبُها
في أشدِّ ذخائرِ شِعري غزليَّةً
كانَ نُضجي على وقعِ جمعِ المُؤنَّثِ
أو تاءِ تأنيثِ مُفردتي والنَّدى ،

أحبُّكِ
أنتِ معاهدة الصلحِ بين سُجودي
وَبين السَّماءْ ،
أحبُّكِ
عُودي وَذوبي لتنتحر َالنَّارُ ماءْ .


السبت، 24 نوفمبر 2018

عن الفنان التشكيلي محمد نصر الله: بقلم فتحي صالح


                          الفنان محمد نصر الله
الفنان التشكيلي محمد نصر الله
بقلم : فتحي صالح

لم يمر عليّ فنان فلسطيني زاخر بالعطاء والإبداعية، و يمتلك بديهة البوح الجميل بأسرار مخيلته المتفوقة بأعذب التصورات و أبهى التخيلات المرتبطة بأدوات التشكيل الحداثية على غرائبيتها وزخمها كالفنان محمد نصر الله نموذج الفنان الذي تفوق على ذاته، فالناظر إلى أعماله التشكيلية تنعكس على أحاسيسه و مشاعره تلك الروحانية التي تقدمها مداعباته على سطح لوحته و كأنها قصيدة بصرية تنفذ من خلال العين إلى القلب .. قصيدة تتلو حكاية شعب تقمصها شاعر مصلوب على جسد الذاكرة ، يتلو صلاته العبقة برائحة الأرض المقدسة و يدندن للحرية و الانعتاق، و لصبية صغيرة نضجت تواً و أخذت تحلم بفارس يلون حياتها بزهر يسوعي جليل ..انفتحت أساريري غبطة عندما شاهدت لأول مرة و بشكل أعم أعماله المنهمرة مثل زخ مطر أيلولي يحرض الثرى لينثر عبقه في الأرجاء مبشراً بالجمال القادم على صهوة الإبهار و الدهشة ، كان ذلك منذ سنوات عندما أطلعني أحد الزملاء التشكيليين على كتاب ضم طيفاً واسعاً من أعماله بعدما كنت قد رأيت له بعض اللوحات المتفرقة هنا و هناك في بعض المنشورات العربية .. انفلتت مشاعري من معاقلها دفعة واحدة و أنا أتصفح تلك اللوحات التي رأيت فيها الابتكارية الاستثنائية ...التقيته العام الفائت عندما كان في زيارة إلى دمشق ، و رغم أن اللقاء لا يعدو كونه تعارفاً فقد ترك في نفسي أثراً جميلاً و انطباعاً خاصاً لما لمسته فيه من تواضع و دماثة خلق ، و منذ ذلك اللقاء أصبحت تربطني به صلة روحية دفعتني لأن أبحث في تجربته و أستقرئ ما يكمن خلفها من رؤى فلسفية و معرفية نحت به نحو الابتكارية و جعلتها في المقام الأول من التشكيل ليس الفلسطيني فحسب و إنما العربي المعاصر ....إن الفكرية التي يمارس بها و يبتكر من خلالها تجعله واحداً متفرداً بإسهاماته التي أسبغ عليها صفة الموضوعية الشكلية مثيراً في المتلقي أحاسيس المتعة و اللذة الجمالية ليس بصفتها مفردات بصرية مألوفة مشفوعة بقيمة جمالية تعبر عن حالة أو حالات مباشرة تثير التعاطف كما هو مألوف في التشكيل الفلسطيني بصفة خاصة ، و لكن بصفتها قيمة بصرية تشكيلية ذات تنوع مثير مشفوعة بالجمال الذي يبدعه بالتضافر مع عمق التقنية التي يستخدمها ...هذه البيئة الجمالية استخدمها استخداماً جديداً و مغايراً أدى إلى التنوع في استثارة الانفعالات ، و إلى التحرر النوعي في طاقة العمل ، فنجد التفاعلية القائمة على جدلية الشكل و المضمون بتداخلات متوارية بين الأساسي و الثانوي ، و بين المنطقي و الروحي بأعلى قيمة مما يحقق الفعالية التي بفضلها يتطابق المتلازمان الشكلي و المضموني و هما يتجهان نحو هدف أصله الإتقان الذي يقلل من مقاومة المادة لتصبح طيعة بين يدي الفنان الذي يشكل بها ساعياً نحو الكمال ، لذا يجب على الكائنات أن تكون فعالة ، و هذه الفعالية يجب أن تتوافق مع طبيعتها .. إن التركيب المنظم للعناصر يقود إلى إنشاء شبكة دقيقة المعايير تتسع و تتقلص وفق علاقات خاصة يوالفها الفنان بفعل التجانس ....تجربة الفنان محمد نصر الله مرت بمراحل مختلفة ، فقد انطلق منذ بداياته من الرسم الأكاديمي فصور الطبيعة ، و الطبيعة الصامتة ، و الإنسان ...الخ ، إلا أن ملكته الإبداعية قادته إلى نمطه الاستثنائي الخاص فكانت لغته التشكيلية مفصلاً هاماً في حركة التشكيل الفلسطيني و العربي .. حتى أن تطور تجربته الفنية تذكرني بتطور تجربة الفنان الإسباني بابلو بيكاسو من حيث المفردات البصرية مع فارق الخصوصية ...التجريد الذي تصول إليه نصر الله هو انحياز للحاجات النفسية نتيجة تراكمات نضجت عن صراع القوى الذهنية المنتجة و أفرزت بالتالي هذا التجدد ...صار الأزرق بصفائه ، و تناغماته ، و تبايناته رؤية و فلسفة لدى الفنان نصر الله ، اكتشف فيه واقعاً جديداً و حوله إلى أداة مؤثرة و ساحرة ، لقد جرب باستمرار ، و اكتشف القوة المذهلة في الأزرق ، يقول : (هذا الأزرق يخترق عالمي دائماً بألوانه وأشكاله كلما اتسع الفضاء بآفاقه وتلمست بحرية الأشياء... يبدأ من النهاية أو ينتهي في البداية بانتهاء لوحتي...في تجربتي آفاق زرقاء شعرت أن اللون الأزرق أيضاً قد صار مرجعي الأساسي الذي يقودني نحو مقياس رؤية إبداعية أخرى لشكل اللوحة التي تثير إحساساً بالحركة عبر التكوين الفني البصري. ولا أريد استخدام حريتها الشكلية للتطاول على تسييس خطوطها ورموزها لأنها تبقي في ذاكرتي خزاناً للغرائز الانفعالية بكل كائناتها الجمالية التي تخلق حالات روحية بعيدة كل البعد عن المباشرة سواء كان ذلك على مستوي الرؤية أو اللاوعي في لوحاتي، خاصة أنني أصبحت أميل نحو الاختزال الآن في الشكل والخط واللون ، وكأنها رموز من الأشياء المحيطة بي في حد ذاتها. لكنني أجد فيها ذاتي ، من حيث البحث والتجريب لكي أتوصل إلى لغة موسيقية خاصة بلوحتي أيضاً وبالمنجز الذي أعمل عليه.وهذه واقعة اللون الأزرق الذي أصبح يسيطر بشكل كبير على فضاء لوحاتي وهو الذي يحرضني ليؤثث بنيته التكوينية لكي يثير بخطوطه وألوانه المتعرجة وعناصره المتحركة الفضاء البصري ، لخلق معاني جديدة كامنة وراء هذا العمل.) .سطح اللوحة لديه مسرح تتفاعل فيه ألوانه التي تنضج على مهل باشتقاقات و تباينات نتهيأ فيها عناصر و أشكال ، و أشياء تمس ذاتنا .. هي تداعيات تنبز من بين الخطوط و ذبذبات الألوان التي تعكس شفافية روحه المسكونة بأرحب الفضاءات ... طوبى لك أيها الفنان المشبع بالسكينة .

برقية إلى الشمس - راميا الصوص




(برقية إلى الشمس )

أيُّها المجاز
يا أبي
لقد تعبتُ من الركودِ
والسيرِ
والركضِ
في اللاجدوى؛
فخذْ هذا عنِّي
وأوصلُه إلى الشمسِ
وقلْ لها:
إنَّ زهرةً قد قسمتْها الريح
تُوصيكِ،
بعَد المحبَّةِ والسلام،
بأنْ تكسري الماءَ
على الجدران
وبألَّا تتأخري في المجيء.


الماء والساحرة - قصة -الكاتب طلال بدوان



(الماء والسَّاحرة) - قصَّة قصيرة في الخيال العلمي
طلال بدوان - كوكبُ الأرض حاليًا
.
                   لا شيء مما طالهُ عَبثَ الإنسانُ يوازي جمالَ الطبيعةُ وسحرها المُلهم. حكايتنا هي من  القصص العجيبة، التي بدأت فيها الطبيعةُ رسمِ قوانينها بالهامِ الصَّانع، ليتَّزنَ هذا الكونُ، وتستمر ماكينةُ الحياة دونَ توقف إلى أجلٍ مُسمَّى، في زمنٍ ما، كانَ الماءُ ينظُر إلى السماءِ بِحزنٍ عميقٍ وهوَ مقيَّدٌ بجاذبيَّة الأرض، يتأمَّلُ تلكَ الطُّيور المُحلقة بعيدًا والتي شَكَّلت لها الطبيعةُ جناحانِ لتطيرَ بهما كيفما شاءت، مُعلَّقةً في الهواءِ فرادى أو أسراباً في أشكالٍ مُتعدِّدة تُبهج الناظرين، وتلكَ الفراشات المُلوَّنة فوقَ البحيرة وبينَ ضفافِ الأنهار، كان الماءُ حزيناً حتى أن دموعه كانت ماءً هي أيضا، ماء وماء في كل مكان، يجلسُ بلا فائدةٍ هنا على فراشِ أرضٍ مقعَّرة للأسفل، تخترقهُ الأسماكُ ذات الزَّعانف الحادَّة، حتى أن لونهُ غير حقيقي، هذا الأزرق الكاذب، الغدَّار، الذي يُغرقُ الكثيرين في أعماقهِ، عيوناً وأجساداً، ومُتعبينَ، منهم من سينقرضَ، ومنهم من سيتكون حديثاً بعدَ ما سيحدثَ، ولكن ما الفائدة، يتململُ الماءُ المُضمَّخُ بالملحِ مُرددا في عقلهِ البِدائي: فأنا هنا لا أطير، لا أطير، وفجأةً سمعَ الماءُ صوتاً غليظاً له صدى يخترق الهواء إلى جزيئاتهِ مُشكلا أمواجاً دائرية تبدأ صغيرة ثمَّ تكبرُ رويداً رويداً، يقولُ الصوت: عزيزي الماء، طفلي العنيد، لقد حان الوقتُ الآن، أنا من ستحولكَ إلى طائر يحلِّقُ كالعصافيرِ بل وأبعدَ من ذلكَ أيضاً، ستقومُ بالتَّنقل من مكانٍ إلى آخر، تُخربشُ السَّماء بالجمال، كما الأعشاب التي ستغزو لاحقاً هذه الأرض، ترى كل العالم، تُعانق الجبال، وتعبر الحدودَ دون جواز سفر، التفت الماء بذهولٍ باحثاً عن مصدرِ هذا الصُّوتِ الذي لا يعلم هل هو من خيالهِ أم من كائنٍ آخر هناكَ، وإذ بقرصٍ كبيرٍ مُتلالئ وسط السَّماء جعلهُ لا يكادُ يفتحُ عينيهِ بالكامل، يخترقُ جسدهُ وينكسرُ في ذرَّاتهِ إلى سبعةِ ألوانٍ، سمِّيت بعدَ ذلكَ بالطَيف، نظر الماءُ باستغرابٍ إلى هذا القُرصِ سائلاً من تكونُ أو من تكونينَ؟ أجابَ القرصُ المستديرُ بلحنٍ أنثوي: أنا السَّاحرة "Sun" التي ستُحوِّلكَ كما تحلم، قارئةُ الأفكار ومُحقِّقةُ الأمنيات، أنا التي ستحلُّ لكَ مشكلتكَ يا مسكين، لقد رأيتكَ حزيناً تنظر إلى السَّماء وللطيور بحسرة، نظر إليها الماء بسخريةٍ وشك: أنتِ، أنا مجرد ماء، ماء مالح، حقير، أسيلُ كيفما شاءت لي المُنحدراتُ، بمسارٍ أفقي روتيني ممل، من تكونينَ لتفعلي ذلكَ! شعرت السَّاحرةُ بالغضب من كلامِ الماء فازدادت حرارةً وتوهُّجاً، أمسكت عصاها السِّحريَّة وأطلقت حرارةً شديدة جعلت الماء ينفصل على شكل قطرات صغيرةً جداً لا تكادُ أن تُرى، ولأوَّل مرةٍ في تاريخهِ، ، واحدة تلو الأخرى على شكلِ دخان متصاعدٍ، تعلو وتعلو وهي تنظُرُ للأسفل إلى البحر الذي يبتعدُ ويكبرُ في آن معاً في ذهولٍ، تنظر حولها وتتفقَّدُ أشياءها المتشابهة وهي تبتعدُ عن جسدها الأزرق رويدا رويدا، تاركة الملحَ خلفها، امتزج الصراخ بالحزنُ والضحك معاً، وتكملُ السَّاحرةُ حديثها بينما الماء يغني كالأطفالِ: ها أنا أطيرُ، أطيرُ أخيراً، هل هذهِ خدعة؟ تُكملُ الساحرةُ حديثها كمذيعة أخبارِ الطقسِ: نعم ستطيرينَ ولكن بشرط! أنكِ ستعودين بعدَ هذه الرحلةِ ماء مرةً أخرى بعدَ غروبي، ستغزلين القطنَ هناك في الأعالي بالقرب مني، قوق الطيور والجبالِ، فقط لا تنسي معطفكِ الرَّمادي أو الأبيض لو شئتِ، لأن الجو سيكونُ بارداً هناكَ، ستعانقين رفيقاتكِ أيتها القطرة الصغيرة ويزداد حجمكِ ثم ستهطلين، وتعودين إلى الماء مرة أخرى وربما في معدةِ كائنِ حي أخر أو ستحتضنين أحد البذور التي انتظرتك طويلاً ثم إلى الجذورِ والأغصان وإلى ما سيسمى بعد ذلك بالأوراق لترسمين اخضرارها، وأعدكِ بأن تعودين لنفس هذه الرحلة مرة أخرى. وربما في جبلٍ جليدي أبيض عائم فوق المحيط، أنا الساحرة شمس، مصدر الإلهام والطاقات، وهذه أحد قوانين الطبيعة التي ستشكل الحياة على الأرض فيما بعد. أنا السَّاحرة شمس وأنتَ بذرة الوجود، لا سكونَ بعدَ الآن، سيشربك أحد الكائنات ليرتوي بعدَ عطشٍ طويل ثم تسقطُين من عينيهِ دمعة مؤنثة، على شكلِ نقطة مالحة كأصولكَ، نقطةً لن تُنهي بالتأكيد هذا النَّص بينَ يدي طفلٍ يبتلعُ ريقهُ ليبدأ الفكرة بروحك صغيري العزيز، ماء، حِّلق وحلِّق بعيدًا ولا تنسى حبيبتك المخلصة، السَّاحرة Sun.
24/11/2018م
طلال بدوان – كوكب الأرض
ـــــ
اللوحة لـ: Pawła-Kuczyńskiego 

كلمة رئيس التحرير : جواد العقاد


بوابة اليمامة الثقافية مساحةٌ مخصصةٌ لنشرِ الثقافة بكلِّ تفرعاتها من آدابٍ وفنون، وكذلك النصوص المترجمة. من خلال ِهذه النافذة ننشرُ النصوصَ المتعالية محاولين زيادة بقعة الجمالِ وتسليطِ الضوء على الإبداعات على مستوى الذائقة العربية. منشوراتُ البوابة لكُتّاب عرب من مختلفِ البلدان، وقدْ حازتْ في أيامِها الأولى على عدد ٍجيدٍ من القُرّاء والزائرين.
شروطُ المواد المنشورة.
1- بعد محتوى المادة عن التجريحِ والتشهيروعدم المس بالأديان جميعها.
2- جمالية المادة المنشورة ( إن كانت من الفنون)، والسلامة من الأخطاء اللغوية الواضحة، وضوح هدف المقال أو الموضوع المنشور.

جواد العقاد 
رئيس تحرير موقع بوابة اليمامة الثقافية. 

قصيدة توأمان - الشاعر أنور الخطيب



توأمان

أنا والليل توأمان
مختلفان قليلا ومتفقان كثيرا
هو، يرتدي ظلي الداكن
وأنا، أرتدي غموضه الوحشي
هو، يمضي إلى حتفه مرة كل صباح
وأنا، ألملم ما يساقط منه
لأكتب نثراً موجعاً كضحكته المربكة
هو، يمشي على نصف عكازة وقت المغيب
أنا، أزحف مثل خيال
هو، يسلمني الضوء بعد سهد طويل
أنا، أسلمه نجمة طلبت حق اللجوء لقافيتي
فليعذبها على بحر من النثر الجريء
هو، يتجسس مثل شجيرة قرب نافذة العشق
أنا، أفرد الشوق علانية لأنجيه من التأويل
أنا والليل توأمان لا يلتقيان
لم يفصلنا أحد بعد خلق المتاهة
لكننا انفصلنا
وذهبنا كلٌ إلى بيته البعيد
هو، إلى تفاحة تتعرى كلما غازلها مذنبٌ أرعنٌ
وأنا، إلى خطيئة أمضغها
كلما داهمتني البراءة
ولا نلتقي، إلا إذا نمتُ عميقا وطويلا
وحلمت كثيرا بأنثى على مرمى الحنان
لأنسى أننا توأمان.


اللقاء الأسبوعي - ملتقى شواطئ الأدب




(مُلتقى شواطئ الأدب يعقِد لقاءهُ الأسبوعي رقم 448 )

طلال بدوان -غزة -فلسطين   
 بينَ أجواءٍ أدبية ساحرة بالودِّ والتَّألق، أشعلَ مُلتقى شواطئُ الأدبِ لِقاءهُ الأسبُوعي وذلكَ يوم السبتِ الموافق 24/11/2018م في قاعةِ المُؤتمراتِ التَّابعة لمدينةِ النُّصيرات بجوارِ مسجدِ الفاروقِ، بِحضورِ مجموعة مُميَّزة مُتجددةً من الأدباء والمثقفين من كافة مناطِق قطاع غزة، حيثُ، قادَ اللقاء الشَّاعر: سُليمانُ الحَزين مُرحِّبًا بدورِهِ بالحضُور بِمقطوعاتٍ شعرية من دِيوانِ الشَّاعِرِ الفلسطِيني سليمان دغش، ومحمود درويش ومن أشعارهِ قدَّم بعدَ ذلكَ على التوالي كلا من المُبدعين:
1- عبد الهادي القادود (نار الظّنون)
2- محمَّد حمودة (مَجاز)
3- ابتسامُ شاهين (حظ)
4- محمد أبو زريق (العِشقُ اليباب)
5- حازم البحيصي (مصارِفُ الشَّوقِ)
6- إسراء فرج الله (وضحى بنت حسَّان)
7- محمود أبو زينة (سُفراءُ الحبِّ) و (بدون عنوان)
8- خالد فرج الله (البارود)
9- صلاح أبو عودة (النُّورُ لم يرحل)
بينَ هذه المشاركات كانت هناك بعضُ التعليقات من الحضور للوقوف على بعض ثيمات ومثالب النصوص.
واللقاء الأدبي المُعتاد الساعة 3:00 عصرًا.
أُسدِلَ الستارُ بعدها بالتذكيرِ باللقاء القادم كالعادة وهو يوم السبت من كل أسبوع. 

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب: قراءة تحليلية

جمالية التمرد في قصيدة" أغنية الردة" للشاعر أنور الخطيب قراءة تحليلية بقلم/ جواد العقاد – فلسطين المحتلة أولًا- النص:   مل...