في عصرِ العمالقة يخرجُ نقّاد ومفكّرون وشعراء وكتّاب عمالقة، وفي عصور الانحطاط - مثل عصرنا الاستسلامي هذا - يخرج النقّاد الأقزام المرتزقون على العلاقات الشللية والمنفعية. ففي العصر الذهبي الذي شهدته مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر اخضرّت الأرض والسماء والبحار. ولأن ناصر كان عملاقًا خرج من تحت عباءة زمنه العمالقة أو على الأقل ازدهروا في عهده بشكل أكبر، على الرغم مما ساد عهده من أخطاء فادحة بل وقاتلة أحيانًا لكنه ظلّ عملاقًا مقارنة بمن جاءوا بعده.
في عهده انتعش المسرح والصحافة والفن واحتفل الحرف على ضفاف النهر الخالد، نهر النيل. ولم يقتصر ذلك على مصر فقط بل امتدت العدوى الإبداعية إلى مختلف أنحاء الوطن العربي، كانت فترة انتعاش جميلة تركت لنا إرثًا إبداعيًا جميلاً وآلاف الكتب التي ما زالت تحتل رفوف المكتبات. فمن مصر انبثقت اسماء نقّاد ومفكرين مثل محمود أمين العالم ولطفي الخولي ومحمد مندور ولويس عوض وعز الدين اسماعيل وأيمن أحمد الدسوقي ومحمد النويهي وزينب العسال وغيرهم كثيرون.
وفي بداية الستينات بالتحديد عرف المشهد النقدي بروز نجم المفكر المصري غالي شكري كناقد عندما أصدر ثلاثة كتب هي «سلامة موسى وأزمة الضمير العربي» الذي صدر في القاهرة عام 1962والثاني «أزمة الجنس في القصة العربية» الذي صدر في بيروت عام 1962, والثالث كتاب «المنتمي» الذي يعتقد أنه أول دراسة جادة ومنهجية عن أدب «نجيب محفوظ». وربما كان من أهم إسهاماته في مجال النقد الشعري في عام 1968 هو «شعرنا الحديث.. إلى أين» الذي نشره على فصول في مجلة «حوار» اللبنانية، وتناول فيه حركة الشعر الحر نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، عبدالوهاب البياتي، أدونيس، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي، خليل حاوي، بلند الحيدري، أنسي الحاج. كما أسهم بقوة في التنظير لأدب المقاومة في فلسطين.
كان غالي شكري لغاية عام 1956 معتكفًا على كتابة القصص والأشعار ورواية واحدة اسمها «مواويل الليلة الكبيرة» تناول فيها عددا كبيرا من الاسماء التي ساهمت في صياغة المشهد والتاريخ الثقافي والعربي آنذاك أو كانوا ضحايا لذلك التاريخ مثل شهدي عطية وغسان كنفاني وراشد الخاطر وعلي فودة واسماعيل المهدوي ومصطفى خميس وامل دنقل ومنحهم مساحات متعادلة لتتحدث عن نفسها. كل هذه النتاجات ظلت مع الأسف عبارة عن مخطوطات لم تر النور. اكتوى غالي شكري مثل العديد من زملائه في ذلك الزمن بنار السياسة ولكنه أصرّ دائمًا على صفته كناقد أدبي، هذه الصفة التي ظلت ملازمة له دائمًا.
لم يقتصر دور غالي شكري على الكتابة النقدية فحسب بل كان له دور ملحوظ في قيادة العمل الثقافي حيث ترأس تحرير مجلة «القاهرة» وأشرف على العديد من المنابر الثقافية المضيئة كان من أهمها «الملحق الثقافي الأدبي للطليعة» و«الشرارة»، وامتد دوره كمثقف تقدمي إلى تقديم الدعم المادي والفكري إلى مجلة «أدب ونقد» وجريدة «الأهالي».
وُلد غالى شكري في منوف عام 1935 من أسرة مسيحية فقيرة وتوفي في عام 1998 بعد صراع مرير مع المرض في فرنسا. وكان غالي قد نال شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1996.
Alqaed2@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق